الهيدروجين الأخضر.. ما الذي يمنع ناميبيا من التحول إلى مركز عالمي؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أفاد موقع إيطالي بأن ناميبيا أطلقت مشروعا يمكن أن يقود البلاد لتصبح أول مصدر للهيدروجين الأخضر في إفريقيا، مما يؤدي إلى تغيير التوازن الجيوسياسي للقارة بأكملها وخارجها.

وقال موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن البلد الإفريقي يطلق مشروعا طموحا إلى حد ما في المجال الطاقي والاستقلال الاقتصادي على الرغم من أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في ناميبيا لا تزال تشكل العقبات الرئيسة أمام التنمية المستدامة.

يشير الموقع إلى أن الحكومة قررت التركيز على إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتأمل في أن تصبح أول مركز للإنتاج داخل القارة بالمستقبل القريب.  

وبين بأن الهيدروجين "الأخضر" أو "النظيف" وقود لا ينتج انبعاثا مباشرا لثاني أكسيد الكربون ويمكن استخدامه كبديل لأنواع الوقود الأحفوري التقليدية. 

وأضاف بأنه ينتج عن عملية كيميائية تسمى التحليل الكهربائي من مصادر متجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. 

ولفت إلى أن المشكلة الرئيسة الحالية تكمن في ارتفاع التكاليف وفي عدم توفره بكثرة مقارنة بالهيدروجين "الرمادي" الأكثر تلويثا  للبيئة لا سيما وأن إنتاجه يتطلب استثمارات كبيرة.

أهداف جيوسياسية

نوه الموقع بأن ناميبيا بإمكانها أن تستفيد من موقع جغرافي مفيد بالتأكيد، يتميز بأشعة الشمس وهبوب الرياح طيلة فترات طويلة من العام، وهذا يمكن أن يوفر موارد ثابتة للألواح الشمسية وتوربينات الرياح.

وفقا لدراسة أجرتها صحيفة "أفريكان إكسبراس"، يصل الإشعاع الشمسي السنوي في ثلثي الأراضي الناميبية إلى أعلى من 2700 كيلو واط في الساعة لكل متر مربع ويمكنه الاعتماد على أكثر من 3500 ساعة من أشعة الشمس في السنة.

يتوقع الموقع أن هذه الإمكانيات إذا جرى استغلالها بشكل جيد ودعمها باستثمارات إستراتيجية وهادفة، ستضمن للدولة ميزة تنافسية مهمة من حيث الإنتاج والأسعار.

وأوضح أن البلد الإفريقي يهدف إلى أن يصبح أحد أهم المراكز في العالم بما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاستقلال الطاقي مع ما يترتب على ذلك من انخفاض بمعدل البطالة. 

وأشار إلى أنه يتوقع أن يخلق المشروع حوالي 15 ألف فرصة عمل في السنوات الخمس المقبلة لبناء المحطات، منها 3 آلاف وظيفة دائمة.

من جهته، صرح جيمس مينوبي، مستشار الرئيس الناميبي هاجي جاينجوب، لشبكة بي بي سي البريطانية بأن الأخير يريد الشروع في خطة انتعاش اقتصادي هيكلية وديناميكية على الصعيد العالمي إلى جانب الاستثمار في الزراعة واللوجستيات والنقل.

ذكر الموقع أن المنطقة المخصصة حاليا لبدء الأشغال وهي منتزه تساو خيب الوطني، الواقعة في الصحراء على بعد 100 كيلومتر من الساحل، ستكون حاسمة لإدارة الطرق البحرية الرئيسة. 

علاوة على ذلك، سيكون من الضروري تعزيز الممرات البرية الرئيسة للوصول إلى الدول الأخرى في شرق إفريقيا، والتي ترغب ناميبيا قريبا في ربط علاقات معها كشركاء ومشترين.

في غضون ذلك، جرت دعوة ناميبيا لأول مرة في تاريخها إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا)، لمناقشة السياسة والاقتصاد العالميين.

من ناحية الاستقلال الطاقي، ستكون الدولة التي تستثمر في إزالة الكربون أقل اعتمادا على واردات الفحم والطاقة، خاصة من جنوب إفريقيا المجاورة المورد الرئيس، ينوه الموقع الإيطالي. 

وكشف الموقع أن الهدف هو الوصول إلى نسبة 70 بالمئة من الطاقة التي تستخدمها الدولة من مصادر متجددة بحلول عام 2030 وأن يكون 80 بالمئة من هذا الإنتاج داخليا.

لفت إلى أن المشكلة الرئيسة تتمثل في الجانب الاقتصادي خصوصا وأن ناميبيا تواجه تكاليف تقدر بنحو 8.3 مليارات دولار، أي أقل بقليل من الناتج المحلي الإجمالي المسجل في عام 2021 (حوالي 11 مليار دولار).

عقبات واستثمارات 

وبين الموقع أنه من المؤكد أن العوائق التي تحول دون تحقيق المشروع كثيرة. أولا، ناميبيا بمفردها غير قادرة على الوصول إلى المعايير المعمول بها، سواء بالنسبة للمسألة الاقتصادية (التكاليف الأولية ضخمة) أو فيما يخص الخبرة العملية في هذا الشأن.

وذكر أن الرئيس جينغوب، عمل في السنوات الأخيرة على جذب المستثمرين، المحليين والأجانب، في القطاع العام والخاص لمساعدته في إدارة التكاليف.

واستفاد جينغوب من حقيقة أن البلد يصنف أقل البلدان فسادا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفقا لبيانات منظمة الشفافية الدولية،

بالإضافة إلى ذلك، سيستند المشروع دائما إلى المصلحة العالمية لتحقيق ما يسمى بـ "حياد الكربون" لتقليل غازات الاحتباس الحراري والآثار البيئية.

إذا فشل هذا الهدف، فإن أهمية الهيدروجين ستنخفض بشكل كبير مع عواقب وخيمة لتغطية الاستثمارات، يرجح الموقع الإيطالي.

على المستوى العلمي، يعتبر الهيدروجين الأخضر شديد التقلب وقابلا للاشتعال. لذلك ينبغي على ناميبيا بناء وتحسين المرافق اللازمة للتخزين والإمداد، وتأمين عمليات النقل لتجنب وقوع كوارث، يؤكد معهد التحليل.

كما أنه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يرى الموقع أن عملية الانتقال الطاقي والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يسهما بالضرورة في تحسين التنمية البشرية والحقوق العالمية.

في نوفمبر/تشرين الأول 2021، دشنت شركة Hypen Hydrogen Energy المشروع رسميا. وهي شركة خاصة أنشئت بالشراكة بين شركة Nicholas Holdings Ltd البريطانية وشركة Enertrag Service GmbH الألمانية، ومن المتوقع أن تصدر 300 ألف طن سنويا.

بالإضافة إلى ذلك، ساعد بنك التنمية الإفريقي حكومة ناميبيا من خلال تخصيص حوالي 195 مليون دولار.

يتوقع الموقع أن تكون الصين من بين الشركاء المحتملين في المستقبل لا سيما وأنها استثمرت بشكل كبير في القارة الإفريقية لعقود.

على الصعيد العالمي، تعتبر أستراليا واليابان الدولتان الرائدتان في هذا القطاع بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات من قبل تشيلي، والتي يمكنها استغلال صحراء أتاكاما.

من جهتها، تفضل الدول الأوروبية في الوقت الحالي، التطلع إلى إفريقيا، التي يتمتع بعضها باستثمارات كبيرة على أمل زيادتها في المستقبل، وفق الموقع. وأبرمت ناميبيا على وجه الخصوص اتفاقيات مع بلجيكا وهولندا وخاصة ألمانيا. 

وكانت وزيرة البحث العلمي الألمانية أنيا كارليشيك  قد أبرمت شراكة أولى في نهاية أغسطس/آب، تتعهد بموجبها ألمانيا باستثمار حوالي 40 مليون يورو للمشاريع التجريبية ودراسات الجدوى، بالإضافة إلى تعزيز تكوين الخبراء والمتخصصين في هذا القطاع.

يرجح المعهد الإيطالي أن يشكل الهيدروجين التوازن الجيوسياسي الجديد في المستقبل بسبب الانتقال الحتمي بشكل متزايد من النفط ومشتقاته إلى الطاقة النظيفة.

يكشف تقرير لوكالة "إيرينا" حول الآثار الجيوسياسية للانتقال الطاقي بأنه بحلول عام 2050 سيغطي الهيدروجين ما يصل إلى 12 بالمئة من استهلاك الطاقة العالمي، وستكون الحصة الأكبر من نصيب الهيدروجين الأخضر على حساب أنواع أخرى منه.

سيؤدي ذلك إلى تغيير الميزان العالمي من حيث الإنتاج والتجارة، لصالح الدول القادرة على الإنتاج بتكلفة أقل، وتوافر المواد الخام، لذلك تتمتع إفريقيا بميزة طبيعية كبيرة. 

بالإضافة إلى ناميبيا بدأت جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا أيضا في التحرك خصوصا وأن الرهان كبير، يختم الموقع.