هل تنجح عُمان في إنقاذ الشرق الأوسط من الحرب؟

12

طباعة

مشاركة

قد تلعب سلطنة عمان دورا حيويا في تهدئة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، بما لها من مساع حميدة وعلاقات جيدة مع العالم الإسلامي والغرب. إذ توجّه وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، إلى طهران في 20 مايو/ أيار، على خلفية التوتر المتصاعد في علاقات إيران مع الولايات المتحدة والسعودية والإمارات. وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية المملوكة للدولة، ناقش ابن علوي ونظيره الإيراني القضايا الإقليمية والعالمية.

وعلى الرغم من أن تفاصيل الاجتماع بين ابن علوي ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف غير معروفة للجمهور، إلا أن الرئيس التنفيذي لشركة استشارات المخاطر الجيوسياسية في واشنطن، جورجيو كافيرو، قال إنه رهان آمن على أن الاحتكاك الشديد بين طهران وواشنطن كان الموضوع الرئيسي للمناقشة.

وأشار كافيرو في مقال له، على النسخة الإنجليزية من موقع "تي أر تي" التركي، إلى أنه قبل 6 أيام من زيارة كبير الدبلوماسيين العمانيين إلى طهران، أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مكالمة هاتفية مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد.

جسر فوق المياه العكرة

ووفقًا لبيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أعرب بومبيو عن امتنانه للشراكة الدائمة بين السلطنة وأمريكا واستمرار الحوار حول أكثر القضايا صعوبة في الشرق الأوسط. وشدد أرفع دبلوماسي أمريكي وسلطان عُمان على أهمية دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وناقش الاثنان التهديدات الإيرانية لمنطقة الخليج.

ومن المثير للاهتمام، بالنسبة للخبير الجيوسياسي أنه بعد يوم واحد من زيارة علاوي للعاصمة الإيرانية، زعم وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة، باتريك شاناهان، أن الإجراءات الأمريكية جمدت الهجمات الإيرانية المحتملة التي بدأ المسؤولون في واشنطن التحذير عنها قبل أسابيع، دون أن يقدم أي تفاصيل.

واعتبر كافيرو أنه على الرغم من عدم وضوح ما إذا كانت زيارة بن علوي المفاجئة لطهران مرتبطة ببيان شاناهان، فإن عمان تعمل على نزع فتيل التوتر في العلاقات بين طهران وواشنطن.

وبحسب الكاتب، تتمتع عُمان بخبرة في مساعدة الإدارات الأمريكية السابقة، والقيادة الإيرانية على العثور على أرضية مشتركة من أجل تجنب المواجهة العسكرية. ومضى الخبير يقول: "هناك تاريخ موثق جيدًا لعمل مسقط كقناة خلفية بين إيران ومجموعة من الدول، ليست الولايات المتحدة فقط، ولكن أيضًا المملكة المتحدة والسعودية ومصر أيضًا".

بخلاف جيرانها

وأوضح أنه على النقيض من الدول الأعضاء المباشرين في مجلس التعاون الخليجي، تتمتع عمان بحسن نية في إيران. مضيفا أن "أساس هذه العلاقة الثنائية الدافئة يسبق الثورة الإيرانية وإطاحة الشاه، ولم ينهِ تأسيس الجمهورية الإسلامية اللاحق الروابط بين مسقط وطهران القائمة على الاحترام المتبادل".

وتابع: "على النقيض من ذلك، من خلال الحفاظ على الحياد في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) والعمل مع نظامي آية الله روح الله الخميني وصدام حسين للتفاوض على وقف إطلاق النار خلال ذلك الصراع، رسخت مسقط نفسها كلاعب فريد في النظام الجغرافي السياسي للخليج، حيث خدمت كصديقة للجميع ودون أن تكون عدوة لأحد".

على عكس القيادة في أبو ظبي والمنامة والرياض، وافق المسؤولون في مسقط على أنه من خلال التوفيق والحوار والمشاركة والتنازل، يمكن للجهات الفاعلة العالمية والإقليمية أن تقوم بتعديل سياسة طهران الخارجية، بحسب الكاتب.

وأفاد المقال، أن مثل هذا التفكير الذي يميز النهج العماني في الصراع، يمثل تباينًا مع الإستراتيجية العامة لإدارة ترامب تجاه طهران التي ترتكز على تهديد الجمهورية الإسلامية ومعاقبتها وتخويفها من أجل تغيير جذري في سلوكها في الشرق الأوسط، إن لم يكن محاولة صريحة لتنفيذ تغيير النظام في إيران.

وأضاف أنه "أثناء رئاسة باراك أوباما، كان الجسر الدبلوماسي المؤدي إلى طهران الذي يمر عبر مسقط حاسماً من حيث مساعدة سلف ترامب في التنقل في المياه الصعبة. وأشار إلى أن أبرز الأمثلة كان عندما يتعلق الأمر بتأمين الإفراج عن الرهائن السياسيين الأمريكيين المحتجزين في سجن إيفين الإيراني بتهمة التجسس في عام 2011 واستضافة محادثات أمريكية ـ إيرانية سرية حول الملف النووي التي أدت إلى نقطة تحول للخطة الشاملة المشتركة العمل (JCPOA) في عام 2015.

وتابع: "على حد تعبير وزير الخارجية السابق جون كيري، تقدم السلطنة لواشنطن "نصيحة حكيمة وتساعد في إيجاد حلول للمشاكل المختلفة في المنطقة". وواصل الكاتب قائلا: "على الرغم من أن عشرات المحللين جادلوا بأن ترامب أقل احتمالًا من اللجوء إلى القناة الخلفية العمانية للتواصل مع طهران، يبدو أن الإدارة الحالية ربما تقدر القيمة في الخدمات الدبلوماسية في مسقط أيضًا".

بعيدًا عن شفا الحرب

وبيّن أنه في حين أن الدول الأخرى -العراق وقطر وسويسرا وروسيا- قد تؤكد نفسها على أنها الجهات الفاعلة الأكثر قدرة على إزالة التوترات بين طهران وواشنطن، فقد تكون عُمان هي صاحبة النجاح الأكبر في هذا الدور في المساعدة على جلب الأميركيين والإيرانيين للعودة إلى الطاولة".

ومضى يقول: "إذا تأكدت صحة ذلك، فسيكون ذلك سببًا آخر للقيادة الأمريكية لتكون ممتنة لعلاقتها الخاصة مع مسقط التي تعود إلى قرون مضت، ومع ذلك، انطلقت في عام 1980 بعد تأسيس شراكة عسكرية إستراتيجية في أعقاب الثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان".

وبحسب الكاتب، لدى كل من الولايات المتحدة وإيران الكثير الذي يمكن خسارته من حرب محتملة قد تتعرض لخطر الانفجار مع استمرار تصاعد التوتر بشكل خطير. وأردف كافيرو يقول: "بطبيعة الحال، فإن الجهود العمانية الرامية إلى التقليل إلى أدنى حد من احتمال حدوث مثل هذه المواجهة العسكرية تتعلق أيضًا بالأمن القومي للسلطنة، والمصالح الجغرافية السياسية والاقتصادية".

وأشار إلى أنه بالنظر إلى أن عمان وإيران تشتركان في مضيق هرمز، فإن مثل هذا السيناريو الكابوس سيضغط على مسقط في الموازنة بين طهران وواشنطن من أجل اختيار جانب منهما.

واعتبر الخبير الجيوسياسي أن السلطنة هي المسؤولة عن الحفاظ على الأمن في نقطة التقسيم الإستراتيجية التي تفصل شبه جزيرة مسندم وإيران. وبالتالي، ستظل القيادة في مسقط دائمًا ترى أهمية كبيرة في العمل مع جميع الفاعلين في الخليج (بما في ذلك إيران) لضمان ألا تؤدي التوترات إلى حدوث أزمة في المضيق أو بالقرب منه، التي من المحتمل أن تكون لها عواقب سلبية للغاية على تطور عمان والاستقرار الداخلي.

ولفت المقال إلى أن أكثر ما ترغب فيه حكومة عمان هو أن تعود الولايات المتحدة إلى خطة العمل المشتركة الإيرانية، وأن تفي إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق. وأشار إلى أنه برغم صعوبة هذا التحدي، إلا أن سلطنة عمان ستعمل على تقريب حلفائها وشركائها -الولايات المتحدة وإيران- بعيدًا عن شفا الحرب.

وختم الكاتب مقاله بالقول، إنه على الرغم من أن العديد من المتغيرات لا تزال مجهولة، بما في ذلك مدى اهتمام القيادة الإيرانية بالتعامل مع إدارة ترامب، فإن الفضل في قيادة السلطنة هو أن بن علوي وغيره من الدبلوماسيين العمانيين يواصلون استكشاف الخيارات التي يمكن أن تمهد الطريق لمزيد من تفاهمات بين مجموعة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على مختلف جوانب خطوط الصدع الجيوسياسية والقضايا الإقليمية الحساسة.