الحرب السيبرانية بين أميركا وروسيا والصين.. من يملك النفوذ الأكبر؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "إلباييس" الإسبانية الضوء على معركة النفوذ السيبراني الدائرة بين القوى العظمى، في مقدمتها أميركا والصين وروسيا، مؤكدة أن هذه المنافسة تحدد ملامح النظام العالمي الجديد.

وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تعد القوة المهيمنة في هذه المنافسة، فيما تبذل الصين جهدا هائلا لنيل مكانتها، بينما تعرف روسيا بفعاليتها العدوانية للغاية في هذا القطاع.

"الأسوأ آت"

وقالت الصحيفة إن منتصف يناير/ كانون الثاني 2022 كان شاهدا على إحدى الهجمات الإلكترونية المجهولة إلى حد الآن.

وبينما كانت القوات الروسية تتمركز على الحدود مع أوكرانيا، وبُذلت محاولات دبلوماسية محمومة لمنع اندلاع حرب، بدأ هجوم إلكتروني يحمل رسالة مفادها "عليكم أن تخافوا، الأسوأ آت"، في التسلل إلى أنظمة الكمبيوتر الأوكرانية.

وأعلنت سلطات كييف على الفور إلى أن موسكو مسؤولة عن الهجوم.

ويرى خبراء أنه، عمليا، إذا قررت روسيا مواصلة تصعيدها ضد أوكرانيا والغرب، فإن الفضاء الإلكتروني سيكون المساحة التي ستستغلها لصالحها.

ونقلت عن جريج أوستن، مدير برنامج صراعات الإنترنت والفضاء والمستقبل في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (مقره بريطانيا) قوله "تمثل العمليات الإلكترونية الروسية ضد أوكرانيا الحملة الهجومية الأكثر عدوانية من نوعها ضد دولة أخرى".

وأضاف: "ما رأيناه في الآونة الأخيرة جولة من الهجمات، التي غالبا ما تكون بهدف التجسس، ضد مجموعة واسعة من الأهداف المهمة إستراتيجيا. وهذا مهم لأنه، بالطبع، يمكن استخدام جميع أشكال التجسس الإلكتروني للتجهيز لهجمات تخريبية".

ونوهت الصحيفة بأن هذه الحلقة جاءت للتذكير بجانب مقلق، ألا وهو الأهمية المركزية للقوة السيبرانية في المنافسة بين القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين.

ويشهد عصرنا أكبر تحد للوضع الراهن القائم منذ عقود، الذي تنازع على الهيمنة فيه الصين الصاعدة بقوة وروسيا المصممة على ترسيخ مصالحها.

ومن هنا، يلعب الفضاء السيبراني دورا مهما لتوضيح ميزان القوى بين الدول العظمى والتحالفات في بعض المجالات الحاسمة لتشكيل النظام العالمي المستقبلي.

وأشارت إلى أن البعد الرقمي أساسي في حياة المجتمعات الحديثة. ويعتمد ازدهار أي أمة وأمنها عليه.

 لذا فالدفاع المناسب عنه يعد قضية وجودية للدولة. وهناك العديد من العوامل التي تهم الدول في هذا المجال، سواء على الجانب الدفاعي أو الهجومي.

وفي السياق، يمكن تسليط الضوء على أنشطة التجسس الخارجي (السياسي، أو العسكري، أو الصناعي)، وهجمات التخريب (تستهدف مثلا البنى التحتية والخدمات الأساسية).

إضافة إلى التدخل في الحياة الجماعية لمجتمع معاد (مثلا عبر التأثير على الانتخابات) أو المراقبة الداخلية (تحارب مثلا الإرهاب).

تقييم الصراع

وأوضحت الصحيفة أنه في مجال شديد الغموض كعالم النفوذ السيبراني من الصعب تقييم مكانة القوى العظمى.

ومع ذلك، هناك عناصر كافية للإشارة إلى الميزات والاتجاهات ذات الصلة وإصدار بعض التقييمات.

وبشكل عام، تقدم دراسات عددية معلومات قيمة في هذا السياق، مثل تلك التي ينشرها مركز بيلفر بجامعة هارفارد الأميركية، أو المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية البريكاني، أو معهد بوتوماك الأميركي.

وبينت الصحيفة أن هناك تقاربا بين الخبراء في اعتبار أن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة، وتحتفظ بميزة كبيرة على الآخرين.

ويتفق الخبراء أيضا حول أن الصين تبذل جهدا هائلا لنيل مكانتها، وهي الجهة الفاعلة الوحيدة التي لديها القدرة على وضع نفسها عند مستويات التميز في جميع القطاعات الإلكترونية جنبا إلى جنب مع أميركا.

كما يجمع الخبراء أن روسيا جهة فاعلة عدوانية للغاية، مع قدرات هجومية عالية ولكن أيضا قيود واضحة.

ومن الاستنتاجات الأخرى، يقر الخبراء بأن العديد من الدول الأوروبية جهات فاعلة ذات صلة، لكن حجمها المحدود والصعوبات في بناء التوافق داخل الاتحاد الأوروبي يعرقل آفاقها.

ويرى أوستن وفريقه أنه "فيما يتعلق بالتخريب والتأثير، فإن روسيا اللاعب الأكثر عدوانية، قبل الولايات المتحدة، ثم الصين. من ناحية أخرى، تشتهر بكين بنشاط كبير في قطاع التجسس، وخاصة لسرقة الأسرار الصناعية".

من جانبها، أشارت جوليا فو، الباحثة المتخصصة في قدرات الصين بمركز هارفارد بيلفر، إلى النشاط الأخير لبكين لجمع المعلومات الاستخبارية حول التحقيقات في فيروس كورونا.

قوى أخرى

ولفتت الصحيفة إلى أن جهات فاعلة أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية، تظهران إلى جانب القوى العظمى الثلاث من بين الدول الخمس التي تراكمت في رصيدها أكبر عدد من الهجمات، وفق إحصاءات لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

وبينت أن وضع القطاع الخاص يعد عاملا أساسيا لقياس القوة السيبرانية لبلد ما. وعموما، تمتلك الولايات المتحدة القدرات الأكثر تقدما.

وفي هذا السياق يقول أوستن: "يعود هذا التقدم إلى عمل الأمريكيين بجد لتحقيق هذا الهدف لمدة 25 عاما على الأقل، إن لم يكن 30".

بالإضافة إلى ذلك، يملك الأمريكيون مجمعا صناعيا عسكريا الأكثر تقدما. ويملكون أقوى الشركات في هذا القطاع، إضافة إلى القدرة على تعبئة الإمكانات الخاصة للأهداف العسكرية والسرية.

وأوردت الصحيفة أن اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، لديها مجتمع رقمي عالي التقنية، لكن القيادة السياسية لم تتعامل مع هذا الأمر بعزم، تاركة البلاد في تراجع فيما يتعلق بإمكاناتها.

من ناحية أخرى، تملك الهند اقتصادا رقميا هائلا ومتخصصين بارعين في هذا المجال. لكن قدرتها العامة متخلفة كثيرا عن قدرة القوى العظمى، ويتركز نطاق نشاطها بشكل كبير على الصعيد الإقليمي.

وأشارت إلى برنامج التجسس بيغاسوس، الذي طورته شركة إن أس أو الإسرائيلي. وبعد بيعه للعديد من البلدان، أصبح هذا البرنامج موضوع فضيحة دولية بسبب الاستخدام الرهيب له ضد المعارضين أو الصحفيين.

وفي منطقة الشرق الأوسط، هناك جهات فاعلة أخرى نشطة للغاية في هذا الشأن، لاسيما إيران، وإن كانت بقدرات محدودة. أما في أوروبا، يميل الخبراء إلى تصنيف بريطانيا وفرنسا على أنهما الأفضل.

وبشكل عام، تدار معركة السيطرة على القوة السيبرانية على أصعدة متعددة. وتعتمد الهيمنة في العالم الحديث إلى حد كبير على تطور هذه المنافسة غير المرئية.