الاتفاقات الاقتصادية.. هل ترمم "الخلاف السياسي" بين تركيا والبحرين؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أفضت محادثات تركية بحرينية في العاصمة المنامة إلى توقيع أكثر من 40 اتفاقية وبروتوكولا ومذكرة تفاهم؛ من أجل توسيع وتعميق التعاون بين البلدين، وتطوير العلاقات في العديد من المجالات، مثل الدفاع والتجارة والصحة والتعليم والثقافة والسياحة.

جاء ذلك خلال زيارة أجراها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى المنامة، في 30 و31 يناير/كانون الثاني 2022، التقى خلالها نظيره البحريني، عبد اللطيف الزياني، وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، سلمان بن حمد آل خليفة.

علاقة متنامية

سلمان بن حمد آل خليفة، وصف العلاقة بين بلاده وتركيا بأنها "آخذة بالنمو"، وذلك خلال لقائه تشاووش أوغلو بقصر "القضيبية" في 31 يناير 2022.

وحضر الاجتماع من الجانب البحريني، وزيرا الخارجية الزياني، والمالية والاقتصاد، سلمان بن خليفة آل خليفة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء البحرينية الرسمية.

وخلال اللقاء، أكد ولي العهد على "ما تشهده علاقات الصداقة والتعاون بين البحرين وتركيا من تطور ونماء في مختلف المجالات".

كما شدد على "أهمية مواصلة تطوير التعاون الثنائي على كافة الأصعدة وبالأخص الاقتصادي منها بما يفتح آفاقا أرحب في مسار العلاقات المشتركة ويعود بالخير والنماء على البلدين والشعبين الصديقين".

وأشار آل خليفة إلى "أهمية الدفع بأوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين نحو مستويات أكثر تميزا تخدم المصالح المشتركة وتحقق التطلعات المنشودة للبلدين والشعبين الصديقين".

بدوره، أعرب وزير خارجية تركيا عن "شكره لولي العهد البحريني على ما يوليه من حرص واهتمام لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الصديقين"، بحسب الوكالة.

وخلال اللقاء "جرى استعراض القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومناقشة مختلف المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية"، وفق المصدر ذاته.

وفي 30 يناير 2022، قررت وزارة الخارجية التركية عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين أنقرة والمنامة في مارس/آذار 2022.

وأكدت مصادر دبلوماسية بحرينية أن القرار اتخذ خلال لقاء تشاووش أوغلو مع الزياني في المنامة.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن المصادر أن تشاووش أوغلو والزياني تناولا خلال اللقاء سبل تعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين.

ترتيب الأوراق

وبخصوص طبيعة العلاقة بين أنقرة والمنامة، قال المحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، خلال مقابلة تلفزيونية في 31 يناير/كانون الثاني 2022، إن "هذه الزيارة ليست الوحيدة في ضوء التحركات السياسية للخارجية التركية وإعادة التموضع وترتيب الأوراق في السياسة الخارجية".

وأضاف "رأينا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 زيارة لوزير الخارجية البحريني إلى تركيا".

وأوضح حافظ أوغلو أنه "على مستوى العلاقات الثنائية بين أنقرة والمنامة الكثير من الاتفاقات والتي تتجاوز الـ40 ما بين تجاري واقتصادي إلى عسكري، وكذلك التطلع إلى أمر مهم جدا وهو زيادة عدد السياح البحرينيين إلى تركيا والتجهيزات من الآن إلى الموسم الصيفي المقبل".

وأشار إلى أن "هناك إعادة ترتيب السياسات الخارجية، فالجميع بحاجة لبعض، سواء من البوابة الاقتصادية ثم تحولها إلى البوابة العسكرية والسياسية، وربما هناك تحالفات جديدة ستكون بين دول الخليج وتركيا في المنطقة".

وشدد حافظ أوغلو على أن "البوابة الأوسع للعلاقة هي الاقتصاد، وأنقرة وقعت اتفاقات مع البحرين والإمارات وقطر، وننتظر أيضا توقيع اتفاقات مع السعودية، لأن تركيا بلد مهم لهذه الدول سواء على مستوى السياحة أو التبادل التجاري، وذلك سيدعم أي تحرك سياسي مستقبلا".

ولفت إلى أن "المنامة لا يمكن أن تغرد خارج دول مجلس التعاون الخليجي، فالزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية والبحرين في فبراير/شباط 2022، لن تكون البحرين وحتى سلطنة عمان بعيدة عنها".

وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب الصحفي البحريني، إبراهيم النهام، إن "البحرين دائما مع استقرار منطقة الشرق الأوسط، وتشجع أي مبادرة في هذا الإطار، خاصة مع ما تواجهه من تحديات، وعلى رأسها الخطر الإيراني".

ونقل تقرير لوكالة "سبوتنيك" الروسية عن النهام في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قوله إن "البحرين في تحركها التصالحي مع تركيا تنسق مع دول الخليج الأخرى، فالمنامة دائما تتحرك داخل البيت الخليجي والعربي".

أما المحلل السياسي، سعد راشد، فقال خلال تصريحات للوكالة الروسية في 22 نوفمبر 2021 إن المنامة "جزء من الكيان الخليجي، وتأتي خطواتها ضمن توجه مجلس التعاون إلى فتح آفاق مع جميع الدول، من بينها تركيا".

وتابع: "إضافة إلى ذلك، تركيا لديها الكثير من الفرص الاستثمارية والكثير من التقنيات العسكرية التي تحتاجها البحرين، وخصوصا الطائرات المسيرة".

وبحسب راشد فإن "هناك رؤية واضحة للجانبين في الاستفادة من الخبرات المتبادلة، وكذلك الخبرة التركية في مجال الزراعة وغيرها من المجالات"، مضيفا "نأمل خلال الفترة المقبلة أن نشهد مزيدا من العلاقات، خصوصا في الجانب الأمني".

وخلال الأزمة الخليجية عام 2017، شهدت العلاقة بين تركيا والبحرين فتورا استمر ثلاث سنوات، لكنه تحلحل بعد اتصال أردوغان لتعزية ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في وفاة رئيس وزرائه (خليفة بن سلمان في نوفمبر 2020)، في بادرة هي الأولى منذ تراجع العلاقات بين البلدين.

وأقحمت المنامة نفسها في خلافات مع أنقرة؛ بعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض إجراءات عقابية على قطر، حليفة تركيا، منتصف 2017، ليتطور الخلاف لاحقا بتبادل الاتهامات والبيانات السياسية الحادة.

وعقب إعلان الدول الأربع مقاطعة قطر، دخلت تركيا على الخط بوقوفها إلى جانب الدوحة، ومنذ ذلك الحين شهدت علاقات البلدين "فتورا كبيرا واتصالات بالحد الأدنى".

اتفاقيات سابقة

لكن بالعودة إلى العام الذي سبق الأزمة الخليجية، فقد شهد لقاءات وزيارات بين ملك البحرين والرئيس التركي، بعدما زار الأخير المنامة في فبراير 2017، وهي الزيارة الأولى له إلى المملكة.

قبل تلك الزيارة، أدى ملك البحرين زيارة مماثلة إلى أنقرة في أغسطس/آب 2016، إضافة إلى زيارات من الجانبين من قبل مسؤولين أتراك وبحرينيين.

وعقد العاهل البحريني خلال زيارته إلى أنقرة محادثات رسمية مع أردوغان، جرى خلالها التوقيع على 5 اتفاقيات وبروتوكولات تعاون في عدة مجالات، كما شارك في افتتاح "جسر السلطان ياووز سليم"، الذي يربط شطري مدينة إسطنبول الآسيوي والأوروبي، بحضور رسمي تقدمه الرئيس التركي.

وكانت هذه هي الزيارة الأولى من نوعها للملك البحريني إلى تركيا منذ ثماني سنوات، وضعت أسس تعاون راسخ متنام بين البلدين، إذ بعدها بنحو شهرين استضافت البحرين "منتدى الأعمال الخليجي التركي الثاني"، في 1 و2 نوفمبر 2016.

وأتاح المنتدى الذي شارك فيه نحو 600 مستثمر بحريني وخليجي وتركي، فرصا كبيرة للتواصل بين رجال الأعمال الأتراك ونظرائهم في البحرين ودول الخليج، لبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودول المجلس وزيادة حجم التبادل التجاري، وتسويق الفرص الاستثمارية والتجارية المتوافرة في الجانبين، وتعزيز قنوات التواصل بين الجانبين.

وأوصى المنتدى بـ"العمل على تذليل العقبات المتعلقة بالتبادل التجاري، خاصة فيما يتعلق بدخول أصحاب الأعمال الأتراك لدول مجلس التعاون الخليجي وتسهيل معاملتهم في الإجراءات والتأشيرات المتعلقة بدخولهم لتفعيل التجارة الحرة".

وقال وزير الجمارك والتجارة التركي آنذاك، بولنت توفنكجي، في تصريحات على هامش مشاركته في المنتدى إن بلاده "ستكون مستعدة بشكل دائم لعقد اتفاقيات مع دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والتجارية".

ولفت إلى أن "الآونة الأخيرة شهدت نموا مضطردا في الميزان التجاري بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي عموما؛ حيث وصل مستوى التبادل التجاري بينهما خلال عام 2015 إلى حوالي 14.4 مليار دولار".

دعم متبادل

التطورات المتواصلة في العلاقات بين الجانبين يدعمها تقارب كبير في وجهات نظر البلدين تجاه مختلف القضايا على الصعيد السياسي، وتعاون اقتصادي متنام.

وتأتي البحرين على رأس الدول التي دعمت الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة في 15 يوليو/تموز 2016.

وأعلنت البحرين في بيان أصدرته خارجيتها آنذاك رفضها المساس بالشرعية الدستورية بقيادة أردوغان وحكومته المنتخبة.

وأعلنت دعمها "لكافة الإجراءات التي تتخذها الجمهورية التركية لتعزيز استقرارها وحماية مؤسساتها والحفاظ على مكتسباتها".

على صعيد العلاقات الاقتصادية، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والبحرين عام 2015 حوالي 329.7 مليون دولار، وسط طموح برفع حجم التعاملات التجارية بين البلدين ليصل إلى مليار دولار، ولا سيما بعد التطورات التي تشهدها العلاقات.

وفي هذا الصدد، أعلنت شركة ممتلكات البحرين القابضة "ممتلكات"، أنها تبحث عن فرص استثمارية في تركيا.

وقال الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة "ممتلكات"، محمود هاشم الكوهجي، لوكالة "الأناضول" في أكتوبر/تشرين الأول 2017، "نبحث عن فرص استثمارية في تركيا، وهذه الاستثمارات، يمكن أن تكون في قطاع الإنتاج أو الخدمات الصحية".

وأضاف "خلال مدة قصيرة سنستثمر في تركيا، ونعمل بشكل مكثف لهذا الغرض، فهي تمتلك اقتصادا جيدا ".

وتابع الكوهجي: "نحن إيجابيون جدا تجاه أنقرة، فهي تمتلك عمالة واقتصادا قويا جدا".

وتستثمر الشركة التي تعتبر الذراع الاستثماري للبحرين، في مجالات عديدة، منها إنتاج الألمنيوم وقطاع الطيران والخدمات المالية واللوجستية والصناعة والاتصالات والعقارات والسياحة والمواصلات وإنتاج الغذاء، فيما تعد تركيا من أهم الوجهات السياحية المفضلة للبحرينيين.

توتر سابق

لكن العلاقة بين أنقرة والمنامة حصل فيها بعض السياقات السلبية، والتي كان لها بعد تاريخي على اعتبار أن هناك مواقف سلبية من جهة البحرين تجاه تركيا خاصة بعد فترة "الربيع العربي" والأزمة الخليجية عام 2017.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت وزارة الخارجية البحرينية إلغاء إعفاء الأتراك من رسوم التأشيرة (60 دولارا)، بعد أن سبق وألغتها في 2017.

كما استنكرت المنامة تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لقناة "الجزيرة" القطرية، في يوليو/تموز 2020، عن الإمارات التي اتهمها بـ"دعم منظمات إرهابية" معادية لبلاده، وتوعدها بـ"الرد عليها في المكان والزمان المناسبين".

بعد حديث الوزير التركي، حصل اتصال هاتفي بين الزياني ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي آنذاك، أنور قرقاش، وبعد نصف ساعة من نشر خبر المكالمة الهاتفية على موقع وكالة أنباء البحرين، أصدرت الخارجية البحرينية بيانا استنكرت من خلاله التصريحات التركية.

وعقب ساعات من بيان الخارجية البحرينية، أصدرت خارجية مجلس الشورى بيانا استنكاريا، كما أقدمت خارجية النواب على فعل الأمر ذاته، لكن اللافت كان البيان الثاني لخارجية النواب بعد يوم من الحادثة، حيث دعت فيه إلى وقف الحركة الاقتصادية والسياحية بين البلدين.

وكذلك في خلاف آخر، أدانت أنقرة في سبتمبر/أيلول 2020، إقامة البحرين علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، معتبرة أن قرار المنامة "سيكون بمنزلة ضربة ضد الجهود المبذولة للدفاع عن القضية الفلسطينية".

وذكرت الخارجية التركية في بيان أن "الضغط والإكراه الذي يمارسه لاعبون من خارج المنطقة والتنازلات غير المسؤولة والمبنية على الاهتمام بالمصالح ضيقة الأفق، لا يمكن أن تمحو هذه الحقيقية.