منذ بداية الأزمة.. هكذا تتسبب السعودية بتخبط مواقف حكومة اليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ شن التحالف العربي عمليته العسكرية في اليمن، استهدف عدة نقاط مدنية، من بينها منازل آهله بالسكان والمدنيين وصالات أفراح وعزاء وتجمعات للمواطنين، وقد راح ضحية تلك الغارات، التي أعلن التحالف مسؤوليته عن عدد منها، مئات المواطنين.

كان آخرها استهداف طائرات التحالف لحي سكني قرب شارع الرباط في حي الدائري غرب صنعاء، في حادثة ذهب ضحيتها ستة قتلى من بينهم أربعة أطفال على الأقل، وعشرات الجرحى، وقد أعلن التحالف على لسان الناطق باسم التحالف تركي المالكي مسؤوليته عن تلك الغارات وقال إنها أحيلت للجنة تقييم الحوادث. 

ليس الجديد تلك الحادثة التي راح ضحيتها مدنيون، بل المتجدد هو ما يلاحظ عن موقف الحكومة الشرعية التي تقيم في السعودية، إذ لم تكن قادرة على التنديد أو حتى بتعزية أهالي الضحايا، في وقت علت فيه تنديدات مسؤولين حكوميين وقادة أحزاب باستهداف الحوثيين محطتي ضخ للنفط تابعة لشركة أرامكو السعودية قبل ذلك بأيام.

وقال الكاتب والإعلامي عبد الله الحرازي في حديث لـ"الاستقلال": إن "الحكومة الشرعية باتت في حكم أسير الحرب لدى السلطات السعودية، وتم إملاء القرار والإرادة عليها، حتى أصبحت مهمتها هي شرعنة التدخل السعودي الإماراتي في اليمن والتغطية على أخطاء التحالف وجرائمه".

وأضاف الحرازي: "أريدَ للحكومة الشرعية أن تكون رجع صدى للموقف السعودي، إذ لم تعد قادرة على تمثيل مصالح اليمنيين إلا بما يخدم هذا الهدف، ومن هذا المنطلق يمكن فهم موقفها الأخير الذي كانت فيه أكثر حمية على منشآت النفط أكثر من دماء اليمنيين".


من جهته، قال الأستاذ السابق في العلاقات الدولية بجامعة صنعاء الدكتور قيس نوري، في حديث لـ"الاستقلال": إنه "يظهر من خلال مواقف الحكومة الشرعية والتي بدت مزدوجة وغير متسقة، أن السلطات السعودية على الأرجح تمارس عبر أجهزتها الأمنية قدرا كبيرا من الإرهاب على المسؤولين اليمنيين المتواجدين على أراضيها، وتمارس ذلك القمع على المسؤولين الحكوميين التابعين للشرعية، إلى مستوى لم يعودوا قادرين على انتقاد انتهاكاتها في اليمن، بما في ذلك الانتهاكات التي اعترفت بها".

السجن ينتظره

يتعرض للاعتقال والإخفاء والإقامة الجبرية كل من يخرج عن الخط الذي ترسمه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السعودية، سواء كان سياسيا أو إعلاميا أو ناشطا، وتفرض الأجهزة السعودية الإقامة الجبرية على محافظ المهرة السابق ووزير الدولة الحالي في الحكومة اليمنية محمد بن كدة، على إثر موقفه المعارض للتواجد السعودي في محافظة المهرة.

وكان بن كدة، قد أجرى اتصالات مع الحكومة اليمنية التي استدعته قبل ثلاثة أشهر، على إثر موقفه المعارض للتواجد السعودي في المهرة، أكد فيها أن السلطات السعودية تمنعه من السفر.


ومثل ذلك الصحفي اليمني مروان المريسي، الذي تم اختطافه في الأراضي السعودية وإخفاؤه قسريا منذ أكثر من عام، فقد ذكرت منظمة مراسلون بلا حدود، في 21 من مايو/أيار الجاري، أن المريسي محتجز في السجون السعودية.

وقالت المنظمة التي تتخذ من العاصمة الفرنسية مقرا لها في بيان، إن السلطات السعودية احتجزت الصحفي اليمني مروان المريسي المصنف منذ يونيو/حزيران 2018 في عداد المفقودين، مشيرة إلى أن عائلة الصحفي حصلت أخيرا على أخبار عنه، بعدما كادت تفقد الأمل في معرفة مصيره.

وكتبت زوجة المريسي في تغريدة لها على "تويتر"، أن مروان اتصل بها في مكالمة دامت بضع دقائق، مؤكدة أن زوجها "ما زال على قيد الحياة".


وعلى الطريقة ذاتها، كانت السلطات السعودية قد اعتقلت في وقت سابق الناشط والفنان علي الحجوري، وأودعته السجن لأكثر من 3 أشهر بتهمة سب الدين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي التهمة التي نفاها الحجوري، عقب خروجه بعد تعهد أمضاه بعدم الحديث عن المواضيع السابقة التي وجهت إليه التهم بسببها.

يقول الصحفي والكاتب خالد شاكر لـ"الاستقلال": إن "الهارب من لظى الحوثيين إلى نار السعودية كالمستجير من الرمضاء بالنار، من سلم من سجون الحوثيين لم يسلم من زنازين السعودية، إلا أن يسكت ويلتزم الصمت ولا ينتقد الممارسات السعودية في اليمن، ومن تجرأ وانتقد كان مصيره السجن، تماما كما يعمل الحوثيون".

مديح وتطبيل

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال أحد الصحفيين اليمنيين المقيمين في السعودية، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: إن "الأجهزة الاستخباراتية السعودية وصلت لحد الإملاء على مسؤولين من الشرعية ماذا يكتبون في حساباتهم على تويتر وبماذا يغردون".

وأضاف: "تفرض الأجهزة الأمنية السعودية رقابة على الناشطين اليمنيين في المملكة وتحاسبهم على أي تقصير، والتقصير يعني أنهم لا يقومون بمديح دور الرياض في اليمن، خصوصا عند حصول أي حدث يتطلب منهم الإشادة بدورها".

وكان وزير الإعلام اليمني المقيم في السعودية معمر الإرياني، قد وصل به المديح إلى نشر صورة لولي العهد السعودي إبان زيارته للولايات المتحدة الأمريكية وعلق عليها في تغريدة: "فارس في مشيته، فارس في نظرته، فارس وهو في الأصل فارس".


وقد أثارت هذه التغريدة استياء معظم اليمنيين، معتبرين ذلك المديح نوعا من أنواع "التطبيل" الذي لا يليق بوزير يمثل حكومة شرعية يفترض أن لها سيادة وتحترم نفسها.

وفي حين قال بعض المراقبين، إن المسؤولين اليمنيين في السعودية مجبرون على هذا السلوك، يقول آخرون إنهم غير ذلك، فهم يسترزقون عبر التزلف ويتلقون مرتبات ضمن مرتبات اللجنة الخاصة.  

خذلان وانتهاك للسيادة

لا يقتصر "الإرهاب" الذي تمارسه السلطات السعودية على انتهاك السيادة للحكومة الشرعية ومصادرة قرارها، بل يتسبب بخذلانها في معاركها ضد الحوثيين، إذ لم تعد حكومة اليمن قادرة على فعل شيء، فقد تركت مناطق تتبع المقاومة تواجه مصيرها مع جماعة الحوثي، من دون أن تتدخل الشرعية أو تكون قادرة على فعل شيء، في الوقت الذي كان يتطلب أن تقوم بواجبها في دعم المقاومة لصد هجمات الحوثيين الشرسة، وقد تسبب ذلك الخذلان بسقوط تلك المناطق واحدة تلو الأخرى، كان آخرها قبائل حجور التي قاومت الحوثي لأشهر عدة.

يقول الكاتب والصحفي منصور النقاش، في حديث لـ"الاستقلال": إنه "في الوقت الذي يتم حصار حجور والتنكيل بأهلها، تذهب السعودية التي تدعي دعمها للشرعية ووقوفها مع المقاومة ضد الحوثيين، إلى المهرة باحثة عن موطئ قدم لنفوذها في تلك المنطقة، بينما تصم الشرعية آذانها، وكأن لا علاقة لها البتة بقضية حجور".

لم تكن قبائل حجور هي المخذولة فقط، فقد خذلت من قبل قبائل مريس والحقب في الضالع، وقبائل عتمة في ذمار، بالإضافة إلى قبائل الصبيحة في محافظة لحج، وهي جبهات أسهمت بتشتيت جهود الحوثي، وأضعفت من تركيزه على الجبهات الأخرى في المدن الرئيسية كالحديدة وتعز وصعدة، الأمر الذي كان يفترض أن ينعكس بشكل إيجابي على مسار المعركة في الجبهات الحدودية والمدن الهامة.

لكن هذه الجبهات، بحسب مراقبين، قوبلت بخذلان وتجاهل منقطع النظير من الحكومة الشرعية، وتركت تواجه مصيرها لوحدها، حتى سقطت بيد الحوثي، كإحدى نتائج مصادرة القرار الوطني وانتهاك السيادة.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الكاتب والصحفي وديع عطا: "كل تلك الممارسات التي تنتهجها السلطات السعودية تجاه الشرعية لا تعفي الحكومة الشرعية من مسؤوليتها تجاه اليمن واليمنيين، فإن لم تكن السعودية حلا، وصارت جزءا من المشكلة، فلتبحث الشرعية عن حلول أخرى، وإلا فهي المسؤول الأول والأخير عن كل ذلك العبث الذي يجري في اليمن".