"يأمن العقوبة".. هكذا حول الأسد سوريا لأكبر مصنع كبتاغون بالشرق الأوسط

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحدثت تقارير إعلامية عن تطوير رئيس النظام السوري بشار الأسد الإنتاج الصناعي لمادة الأمفيتامين (محفز قوي للجهاز العصبي المركزي) بهدف الالتفاف على العقوبات الدولية وترسيخ شبكات الولاء له.

تعتبر قائمة الجرائم المنسوبة بالفعل إلى الأسد طويلة على غرار الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والمجازر المنظمة والاغتصاب الممنهج وحملات الإخفاء القسري وطرد مجموعات سكانية بأكملها.  

إنتاج ضخم

واقتناعا منه بإفلاته من العقاب، أضاف الديكتاتور السوري الآن جريمة الإنتاج الضخم والتسويق العدواني للمخدرات، وفق ما تقول صحيفة لوموند الفرنسية.  

إذ أصبحت الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد بالفعل منطقة الإنتاج الرئيسة للكبتاغون، وهو مادة الأمفيتامين التي تعد المملكة العربية السعودية أكبر سوق لها في العالم. 

ومن ثم فإن الشبكات التابعة لنظام الأسد هي المسؤولة وخاصة من لبنان عن نقل شحنات هذا المخدر إلى شبه الجزيرة العربية.

عندما أرسل والده ورئيس النظام السابق حافظ الأسد جيشه لاحتلال جزء كبير من لبنان عام 1976، لم يضيع وقته في أخذ الضريبة على الحشيش المزدهر بالفعل في سهل البقاع اللبناني.

لكنه على العكس من ذلك شجع على تنمية زراعة الخشخاش في تلك المنطقة.

أنشأ حافظ الأسد مختبرات لتحويل الأفيون المنتج محليا إلى هيروين تحت سيطرة جيش النظام السوري المحتل آنذاك. 

وتقول صحيفة لوموند إن أباطرة نظام الأسد الذين يديرون هذه التجارة بأرباح كبيرة يجندون لهذا الغرض في سوريا عصابات تلقب بالشبيحة أو "الأشباح".  

وقد كان رئيس المخابرات العسكرية اللواء علي دوبا يترأس هذا الكارتل الواقعي، قبل تهميشه من بشار الأسد الذي خلف والده حافظ عام 2000، كسيد مطلق لسوريا. 

أدى انسحاب الكتيبة السورية من لبنان عام 2005 تحت ضغط شعبي إلى إنهاء دورة المافيا الأولى للديكتاتورية السورية.

بدأت دورة ثانية قبل بضع سنوات، وهذه المرة في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.  

 وجرى تعديل العرض في هذه الحالة وفقا للطلب القوي جدا على الكبتاغون في المملكة العربية السعودية، حيث لا يمكن إنكار شعبية هذا الأمفيتامين.  

وهذه المادة الاصطناعية تعتمد في البداية على الفينتيلين، "أبو الهلالين"، بسبب اثنين من أشكال C المتقاطعة التي تشكل علامتها التجارية.

ترافق النزول إلى جحيم المليشيات السورية مع ازدهار ورش تصنيع الكبتاغون المحلية لتزويد المقاتلين بالمنشطات الاصطناعية أولا، ثم ضمان مصدر للعملة الأجنبية للقوات المحلية. 

في هذا السياق، "طور إرهابيو تنظيم الدولة صناعة الكبتاغون الخاصة بهم التي يجرى تهريبها إما إلى تركيا أو إلى المناطق الموالية للأسد"، وفق لوموند. 

لكن استعادة نظام الأسد للأراضي بمساعدة كبيرة من سلاح الجو الروسي وعلى الأرض من المليشيات الموالية لإيران، يضعه اليوم كزعيم بلا منازع للكبتاغون على نطاق إقليمي.

دفعت العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد إلى اتباع سياسة استباقية لإنتاج الكبتاغون وتسويقه.

تقع المسؤولية التنفيذية على عاتق اللواء ماهر الأسد الأخ الأصغر لبشار، وهو أيضا رئيس الفرقة الرابعة، الحرس الأميري للنظام المتورط بالفعل في العديد من عمليات القتل والانتهاكات.  

وتجرى حماية ورش إنتاج الكبتاغون من قبل جنود سوريين يرتدون الزي العسكري. وتسمح الشبكة المحكمة من حواجز الفرقة الرابعة في جميع أنحاء الأراضي الخاضعة لسيطرة نظام الأسد بالتداول السلس لشحنات الأمفيتامين.  

مصدرون ووجهات

حدد تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2021 اثنين من مستغلي الحرب سيئي السمعة باعتبارهما القنوات "المدنية" الرئيسة لمثل هذا التهريب.

جرت مكافأة أحدهما وهو عامر خيتي على خدمته المخلصة عبر منحه مقعدا برلمانيا في "الانتخابات" التشريعية في يوليو/تموز 2020. 

أما الثاني فهو خُضر طاهر الذي منحه بشار الأسد وسام الاستحقاق بنفس القيمة، وفق ما تقول لوموند.

وأنفق كل من عامر خيتي وخضر طاهر كثيرا من الأموال على المآدب واللوحات الإعلانية والتجمعات والحفلات الموسيقية، خلال الحملات الدعائية التي أجريت في فترة إعادة تسلم بشار الأسد السلطة في مارس/آذار 2021.

هذا الانقلاب في المافيا مكن بشار الأسد، بدعم قوي من شقيقه ماهر، من إدارة التوترات التي هزت أخيرا الدائرة الحاكمة، مع الطموحات التي أبدتها "السيدة الأولى"، أسماء الأسد، وانتفاضة غير مسبوقة من قبل رجل الأعمال الملياردير رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام.

 وجرى تعزيز العلاقات الحميمية بالفعل بين الدكتاتورية السورية وحزب الله اللبناني بسبب الحاجة إلى تصدير الكبتاغون من بيروت إلى المملكة العربية السعودية.  

السعودية بدورها استشاطت غضبا بسبب تزايد عدد مضبوطات الأمفيتامين المموهة بالفواكه والخضراوات من لبنان.

وقررت المملكة في أبريل/نيسان 2021 فرض حظر على الواردات الزراعية من لبنان.

ثم عاد النظام السوري إلى الحدود الأردنية التي كانت فور إعادة فتحها في أغسطس/آب 2021 مسرحا لمحاولات تسلل لشحنات كبيرة من الكبتاغون.

حتى إنه جرى إسقاط طائرة بدون طيار محملة بالأمفيتامينات عندما غادرت الفضاء السوري. وفي يناير/كانون الثاني 2022، قتل ضابط أردني في اشتباك مع مهربين سوريين. 

تقدر السلطات الأردنية أن خُمس الأدوية المتجهة إلى السعودية من الممكن أن يقع استهلاكها في الأردن أثناء عملية العبور (التهريب)، وهو احتمال كارثي لبلد ما زال حتى الآن بمنأى عن المخدرات.

من الواضح أن ثني نظام الأسد عن متابعة أو حتى تكثيف مثل هذه الحركة المربحة سيتطلب المزيد، تقول لوموند.   

وتضيف: "يمكن للطاغية السوري بأي حال من الأحوال أن يتباهى بتحويل بلاده إلى أول دولة مخدرات جديرة بهذا الاسم في الشرق الأوسط".

وتناولت العديد من التقارير تطور إنتاج الأسد لهذا المخدر وخاصة تطور عائداته بالعملة الصعبة.

وأوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية أبريل 2021، أن سوريا صارت مركزا عالميا لإنتاج “الكبتاغون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعا وتطورا تقنيا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى. 

وفي عام 2020، بلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاغون” فقط، أكثر من 3.46 مليار دولار أميركي، بحسب دراسة مركز “COAR”.

وقد أدى الانكماش الهائل لاقتصاد النظام السوري خلال سنوات الحرب إلى زيادة اعتماده على “اقتصاد الحرب” من أجل ضمان بقائه.

ويشمل “اقتصاد الحرب” الذي انتشر نتيجة للحرب في سوريا، بحسب ما أوضحته دراسة لمركز “COAR” بشكل واسع تجارة المخدرات، التي انتشرت مع غياب القوانين بعد عام 2011.

وفي نهاية عام 2019، قُدرت صادرات النظام السوري المضبوطة عالميا من “الكبتاغون” فقط بحوالي ثلاثة مليارات دولار أميركي، وهي أكثر من ثلاثة أضعاف الصادرات القانونية للنظام التي وصلت إلى حوالي مليار دولار. 

كما أشار موقع “Syria Report“، المختص بالأعمال والاقتصاد، إلى أن حجم صادرات المخدرات السورية وتقلّص أنشطة التجارة المشروعة يجتمعان لجعل المخدرات “إلى حد بعيد أهم مصدر للعملة الأجنبية” في سوريا.