المغرب.. "رداءة" على الشاشة تتكرر كل رمضان رغم الانتقادات

وصال طنطانا | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي في رمضان من كل سنة بانتقادات المغاربة للأعمال التلفزيونية التي تبثهما قناتي الدولة "الأولى" و"الثانية"، حتى أصبحت العادة طقسا من طقوس الشهر الكريم بالمغرب.

وسط كل هذه الانتقادات تواصل القناتين بث الأعمال ذاتها، بل وتصور أجزاء جديدة منها، تكلف الملايين؛ يعتبر المغاربة أنها مال عام تأخذ من جيوب دافعي الضرائب، أي من جيوبهم.

"رداءة" هذه الأعمال كما تسميها وسائل الإعلام وعدد كبير من المنتقدين جعلت أحد أعضاء لجنة انتقائها، الصحفي والناقد أحمد الدافري، ينتقدها في تدوينة له على "فيسبوك" في السنة الماضية، ما تسبب في ضجة كبيرة باعتبار الأمر يتعارض مع القانون الداخلي للّجنة، إذ ينص على أن العضو ينبغي أن يبقى محايدا وأن لا يعطي أي تقييم شخصي للأعمال التي تم انتقاؤها داخل اللجنة التي تحمل مسؤولية الاختيارات، وليس من حق أي عضو أن يتحدث عن الأعمال التي تم انتقاؤها إلا بتفويض من باقي الأعضاء. 

الفنان المغربي، محمد الشوبي انتقد بدوره ما يعرض على الشاشات المغربية، مشددا على أن هناك "لوبي يضغط إعلاميا يتحكم في توجهات البرامج وحتى الإعلانات". 

اختيار الأعمال

تطرح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (المؤسسة المسؤولة على القنوات العمومية) طلبات العروض الخاصة بالأعمال الرمضانية -كما خارج رمضان- فتتنافس عليها شركات الإنتاج أمام لجنة الدعم، للحصول على عمل أو اثنين، وفقا لمعايير مهنية وفنية وإدارية. ورأى الناقد الفني والسينمائي المغربي، مصطفى الطالب، أن حصة الأسد غالبا ما تكون لكبريات شركات الإنتاج التي تستحوذ كل سنة على الصفقات. وهكذا نشاهد الأعمال الفنية التي وافقت عليها اللجنة وغالبا ما تهيء في فترة وجيزة.

وتساءل الطالب في حديث لـ"الاستقلال": إن "كانت اللجنة تتحمل المسؤولية لوحدها؟ قبل أن يستدرك، طبعا لا، فإدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والهاكا (الهيئة العليا للسمعي البصري) أيضا يتحملان المسؤولية في ما يعرض أحيانا من رداءة الأعمال الرمضانية، وخاصة ما يتعلق التي تتسم بالارتجالية وغياب العمق (رغم بعض الجهود على مستوى الإخراج)".

واعتبر الناقد الفني، أن تطلعات المشاهد المغربي خلال شهر رمضان في مشاهدة أعمال ذات قيمة فنية خاصة الأعمال التاريخية والدينية والأدبية التي لم نعد نراها على شاشاتنا، وهذا في ظل منافسة القنوات العربية والأجنبية الأخرى التي تبث أعمالا درامية متميزة تستقطب المشاهد المغربي.

الارتجالية التي ذكرها الطالب، تظهر في كون بعض المشاريع التلفزيونية ظلت تنتظر قرار لجنة الانتقاء إلى حدود أيام قليلة قبل بداية شهر رمضان. وبحسب عدد من المهنيين من الصعب الحديث عن الجودة والحلقة الواحدة من السلسلات الفكاهية تحضر في أقل من يوم واحد، ومن الطبيعي أن تنعكس هذه على جودة الأعمال.

وعن المراحل التي تمر منها هذه الأعمال قبل الوصول إلى المشاهد، قال الكاتب والصحفي المغربي المتخصص في الشأن الثقافي، سعيد منتسب، إن طلبات العروض أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن المُنتج (وهي الدولة) يعيد باستمرار بناء نفس الآليات التي تروم التحكم في "الصورة" عبر تحويلها إلى أداة لإنتاج الابتذال الفني. والدليل على ذلك أن الدولة ساهمت في قتل مئات شركات الإنتاج التي كان بإمكانها التغريد خارج السرب. كما ساهمت بإفراغ طلبات العروض من المعنى، عبر التزكية القبلية لشركات إنتاج معينة على حساب أخرى، وأيضا بتشكيل لجان صورية توزع الريع على من تشاء دون حسيب ولا رقيب.

الأرقام لا تعني الجودة

في الوقت الذي تصر فيه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على أنها تسعى لتحقيق تراكم كمي ونوعي في مجال الدراما، بتوفير ميزانيات كبيرة لإنتاج أعمال بجودة عالية، شدد الطالب على أن البرامج الرمضانية لا تحقق كلها نسب مشاهدة عالية، وإذا حققت بعضها ذلك فلا يعني نجاحها.

بدورها أصدرت مؤسسة "ماروك ميتري" الخاصة بقياس نسب المشاهدة في المغرب، تقريرا يكشف مدى إقبال المشاهدين على متابعة الأعمال الرمضانية الكوميدية، إذ سجلت إحداها أكثر من 12 مليون و569 ألف متابع في الأيام الأولى من رمضان.

الناقد الفني يعزو ذلك لتزامنها مع وقت الإفطار الذي تجتمع فيه العائلة المغربية لمشاهدة ما تقدمه قنواتها، وغالبا ما تستهوي هذه الأعمال الأطفال واليافعين، وإلا فجل الأسر المغربية لها همومها وقضاياها اليومية و"متخومة" من تلك الأعمال التي لا تراعي شعور المواطن ولا خصوصية رمضان الدينية، فضلا عن أنها مشغولة برمضان وطقوسه الروحية من صلاة ومجالس ذكر وتفقه في المساجد، فكيف سيشاهدون كل تلك الأعمال؟

وعقّب مصطفى الطالب، بأن نسب 4 أو 6 ملايين مشاهد للبرنامج لا تعني شيئا في مجتمع تقدر نسبته بـ 38 مليون، في عصر الثورة الرقمية، فاليوم بلغة العصر يمكن لفيديو أو لأغنية أن تحقق الترند على "يوتيوب" لتصل إلى أكثر من 6 ملايين مشاهد.

وعليه فمسألة نسب المشاهدة أو نجاح عمل ما تظل نسبية، بحسب الناقد، الذي اعتبر أن "يوتيوب" هو الذي يحقق أعلى نسبة مشاهدة ويهدد وجود التلفزيون، لأنه دائما يقدم الجديد للمشاهد ويلبي حاجياته وفضوله وينمي حاسته النقدية.

"تغلبوا على المنتقدين"

انتقاد الأعمال التلفزيونية أصبح طقسا رمضانيا يتكرر كل سنة، لكن نفس الأعمال والوجوه تتكرر. ما جعل سعيد منتسب، يرى أنه "يجب الإقرار جملة وتفصيلا برداءة الأعمال التلفزيونية الرمضانية"، وبضرورة تحرير هذا القطاع من "اللوثة الدماغية" التي تسيطر عليه، حتى نتفادى ذلك الوقوع المتكرر في ما يجعلنا نسمح باستمرار بوجود مثل هذه الأعمال، خارج مبدأ تنويع العرض التلفزيوني، وكأنها قدر لا محيد عنه.

وقال منتسب في حديث لـ"الاستقلال"، إن التلفزيون يحتاج إلى لغة كاملة، وليس إلى "التهريج" خارج اشتراطات التثقيف والترفيه. ويحتاج حصرا إلى إرادة لإنتاج المعنى في تعدده، لا إلى تلك الإرادات التي تلتقي كلها من أجل تكريس "الضبط الجماعي" و"قولبة الجمهور" وحصره في استهلاك الرخيص والمبتذل.

وزاد الكاتب المغربي، قائلا: "أعتقد أن البناء التلفزيوني لا يقتضي فقط التفكير في آليات الإبداع وبنيات الإنتاج (طلبات العروض، السيناريو، الإخراج، شروط الإنتاج)، بل يقتضي التفكير أساسا في الدراما التلفزيونية كتعبير فني يساهم في إنتاج الوعي والقيم الاجتماعية وإعادة إنتاجها، لا على أساس ما يلائم السلطة بمعناها الأعمّ (السياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ والأخلاقيّ والديني)، بل على أساس صناعة الإنسان الحر المتحيز للديمقراطية وحقوق الإنسان".

في اعتقاد المفكر المغربي والدكتور في علم الجماليات، موليم العروسي، غالبية الذين ينتقدون الأعمال التلفزيونية يشاهدونها بالطبع، مضيفا: "ولكني لا أشك في مواقفهم هم يشاهدون لكي يستطيعوا النقد. ونقدهم يدفع الناس إلى المشاهدة لأن النقد يولد الفضول. والغالبية العظمى التي ترفع نسب المشاهدة لا تعير اهتماما لما يقوله النقاد أو أنها لا تقرأ بالمرة".

بحسب حديث العروسي لـ"الاستقلال"، فإن الأمر لا يتعلق بكونهم على حق أو في الضلال المبين هناك مشاهدة ومتابعة ويجب التوجه إلى قراءة إستراتيجيات التلاعب بالجمهور والتأثير عليه، التي هي إستراتيجيات تجارية محضة. وزاد قائلا: "ظني أن الذين يختارون مسلسلات رمضان ويسهرون على تنفيذها بل يتدخلون في إعادة كتابة سيناريوهاتها تغلبوا على المنتقدين".

"زبائن الرداءة"

وفي إجابة له عن سؤال؛ كيف يمكن إيقاف ذلك؟ قال مصطفى الطالب، إن هذا رهين بإرادة المسؤولين في التغيير وفي الرفع من ذوق المشاهد وفي احترام ذكائه ومشاعره، وفي جعل التلفزيون أداة لبناء الإنسان حضاريا وثقافيا وعلميا وأداة للتفكير في مستقبل المجتمع والأجيال الصاعدة وانتشالها من الضياع واللامسؤولية والهدر بشتى تجلياته، ولاسيما في ظرفية عالمية متوترة يعرف فيها الوطن العربي تمزقا وتخلفا وحروبا داخلية تؤثر على وجوده ومستقبله.

وتابع الناقد الفني: الأمر رهين أيضا بانخراطهم في رفع تحدي المنافسة المهنية والفنية التي تفرضها قنوات الساتلايت الأجنبية التي توفر للمشاهد حرية الاختيار وبرامج عديدة، فالبقاء للأصلح وليس للرداءة والارتجال. ورهين بمدى وعي المنتجين والمخرجين والفنانين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم أمام المجتمع وأمام التاريخ.

لم ينف الدكتور في علم الجماليات، أن هذه الأعمال هي مستوحاة من حياة المغاربة اليومية وأنها تشبههم إلى حد بعيد. مشددا على أنها، ربما لا ترقى إلى ذائقة بعض المثقفين وبعض الصحفيين وجزء من الطبقات الوسطى التي تملك وسائل الاطلاع على تجارب دولية؛ لكنها تعكس صورة لجزء مهم من مغاربة اليوم.

وضرب الأستاذ الجامعي مثلا بما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي وكيف أن الأشياء "التافهة" كما تسميها عدد من وسائل الإعلام، غزت الفضاء الافتراضي ولديها زبائن، وأردف مؤكدا: "جزء كبير من هؤلاء هو أيضا زبون لما تقدمه التلفزة".