تزامنا مع حراك تشكيل الحكومة.. لهذا تصاعدت التفجيرات والاغتيالات في العراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

هجمات عديدة تتعرض لها مقرات الأحزاب الكردية والسنة في العراق، وذلك عقب انتهاء المصادقة على الانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس للبرلمان، والسعي إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، خلافا للحكومات السابقة التي تشارك جميع القوى في تشكيلها.

وجاءت هذه الهجمات عقب تهديدات أطلقتها مليشيات وأحزاب موالية لإيران، فقد أصدر المسؤول الأمني في "كتائب حزب الله" "أبي علي العسكري"، بيانا تناقلته وسائل إعلام في 10 يناير/كانون الثاني 2022 حذر فيه من "أيام عصيبة على البلد سيكون الجميع فيها خاسرا".

وقال "العسكري" إن "أصواتنا بحت وهي تنادي بإرجاع الحقوق لأهلها، وحذرنا مرارا وتكرارا من خطورة مصادرة حق الأغلبية، والسير وراء الإرادة الخارجية، وبالأخص البريطانية والإماراتية".

هجمات متعددة

وعلى ضوء ذلك، أًلقيت في يناير 2022، قنابل يدوية على مكتب حزب "تقدم" (سني) والحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد التي شهدت أيضا استهداف مصرفين مملوكين للأكراد بقنابل يدوية، وتفجير مقر نائب رئيس البرلمان (كردي) شاخوان عبد الله في كركوك.

وكذلك وقعت في بغداد محاولتان فاشلتان لاغتيال النائب في البرلمان عن حزب "تقدم" عبد الكريم عبطان، والمتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم الفيلي، فيما قتل القيادي في التيار الصدري مسلم عيدان بنيران مسلحين في محافظة ميسان.

تزامنا مع هذه الهجمات، تعرضت المنطقة الخضراء لقصف استهدف محيط السفارة الأميركية، بثلاثة صواريخ انطلقت من منطقة كرارة جنوبي بغداد.

لكن منظومة الدفاع الجوي "سي رام" التابعة للسفارة تمكنت من اعتراض صاروخين، وسقط الثالث ضمن المنطقة المجاورة.

وقالت خلية الإعلام الأمني العراقية خلال بيان لها إنه "في عمل إرهابي جبان، تعرض السكان الأبرياء في المنطقة الخضراء ببغداد ومقرات البعثات الدبلوماسية التي تتحمل القوات الأمنية مسؤولية حمايتها إلى هجوم بواسطة عدد من الصواريخ".

وأضاف البيان في 13 يناير 2022 أن "القصف تسبب بإصابة طفلة وامرأة بجروح، وسقطت إحدى هذه الصواريخ في مدرسة إيلاف داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد".

في 9 يناير 2022، انضم تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري إلى كتل سنية وكردية من أجل دعم أولى خطوات تشكيل الحكومة الجديدة عن طريق إعادة انتخاب محمد الحلبوسي زعيم حزب "تقدم" السني رئيسا للبرلمان العراقي.

كما أبدى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 11 يناير 2022 دعمه للحكومة، قائلا: "لا شرقية ولا غربية.. أغلبية وطنية" في إشارة ضمنية لرفضه النفوذ الإيراني والأميركي داخل العراق.

تفجيرات سياسية

من جهته، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد إحسان الشمري، أن "التفجيرات الأخيرة سياسية وليست إرهابية، وموجهة من جهات متنفذة إلى أطراف معينة، لم تتفق مع جماعات أخرى في قضية تشكيل التحالفات والحكومة الجديدة".

ونقل تقرير صحفي عن الشمري، في 20 يناير 2020 قوله: "بكل تأكيد لدى الأجهزة الأمنية المختصة معلومات وأدلة تؤكد أن هذه التفجيرات سياسية لا تقف خلفها تنظيمات إرهابية، فهي استهدفت مقار حزبية محددة، ومصالح لأطراف كردية".

لفت الشمري إلى أن "التفجيرات هي رسائل تحذير لهذه الأطراف المستهدفة بألا تكمل النهج الذي سارت عليه خلال الفترة الماضية، في ما يخص التحالفات السياسية واتفاقيات تشكيل الحكومة الجديدة".

وبين أن "الرسائل السياسية عبر التفجيرات وغيرها، ربما لا تتوقف خلال الفترة المقبلة، إذا أصرت بعض الأطراف في المضي نحو مشروع قد يقصي مجموعات مؤثرة من عملية تشكيل الحكومة الجديدة".

وأكد الشمري أن "كشف نتائج التحقيقات أمام الرأي العام أمر مستبعد، فهذا الأمر سيولد مشاكل سياسية جديدة كبيرة، كما سيُدخل الحكومة الحالية في أزمات مع بعض الأطراف التي هي في الأساس متورطة بعمليات إرهابية كهذه".

وينوه مدير مركز "بغداد" للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي بأن هناك رسائل مخيفة صدرت من أطراف في الإطار التنسيقي، توعدت بالانتقام في حال عدم إشراكهم بالحكومة، مذكرا بتصريحات عالقة في ذهنه لأحد قادة الإطار قال فيها إنهم سيكونون معارضة مؤذية، وكذلك تغريدات أبو علي العسكري.

ونقل تقرير عن الموسوي في 16 يناير أن كل ما يحدث من خروقات أمنية وعمليات اغتيال لا يمكن إبعاده عما صدر من تلك التهديدات.

وأوضح أن اغتيال عناصر "سرايا السلام" التابعين للصدر لا يخلو من إشكاليات مرتبطة بالمشروع الذي طرحه رئيس التيار الصدري "لحصر السلاح بيد الدولة وحل الفصائل ومحاسبة الفاسدين"، والتحول بشكل الحكومة إلى الشكل الوطني بدل التوافقية والمحاصصة.

"إستراتيجية التفاوض"

وفي السياق، وصف ديفيد لابود الباحث في "مكتب سوريا والعراق" بمؤسسة كونراد أديناور ومقرها لبنان، هذه الهجمات بأنها قد تكون "جزءا من إستراتيجية التفاوض".

وقال الباحث في مقابلة مع قناة "دويتشة فيله" الألمانية إنه "على الرغم من عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الهجمات فإنه جرى إدانتها من قبل قادة تحالف الفتح والحشد الشعبي، ولكنني أرجح أن التصعيد الأخير يأتي ضمن إستراتيجية تفاوضية".

وأضاف لابود أنه "لم يفز تحالف الفتح بالأصوات الكافية لذا فهو يتصرف بلا رحمة وحزم مع الكتل التي تتفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة".

بدوره، قال الباحث العراقي فنر حداد للقناة الألمانية: "المسار الذي سيسلكه العراق على الأرجح سيكون ما بين هذين النقيضين".

وأضاف "سيستمر العنف السياسي ويتصاعد، لكن أعتقد أن التوصل إلى صفقة أو اتفاق سيكون الأكثر ترجيحا من الانزلاق إلى حرب أهلية خاصة أن استبعاد أي لاعب رئيس من الحكومة المقبلة لن يمر مرور الكرام".

وذكر حداد: "سابقا كانت الولاءات الطائفية تأتي في المقدمة فوق أي اعتبارات أخرى عندما يتعلق الأمر بتشكيل الحكومة في العراق".

فعلى سبيل المثال كان الساسة من الكتل الشيعية يتحدون معا لتشكيل أكبر تكتل ما يمهد الطريق أمام اختيارهم رئيس البلاد الذي سيسمي رئيس الوزراء. لكن يبدو أن الأمر أصبح ضربا من الماضي، كما قال.

وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي علي البيدر أن من يقف وراء الاستهدافات، يمتلك الأذرع المسلحة من أجل إخافة القوى السياسية الفاعلة، لا سيما السنية، ومحاولة جرها نحو جناح سياسي معين وإبعادها عن معادلة الأغلبية التي يسعى الصدر لتنفيذها.

 أو على الأقل لإبقائها على الحياد من دون الانضمام إلى جهة سياسية على حساب أخرى في مسألة اختيار الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة.

ولفت البيدر خلال تصرح له في 16 يناير أن هذه الهجمات تندرج أيضا ضمن "عمليات تصفية حسابات" واضحة بين الأطراف السياسية، خاصة استهداف التيار الصدري، حسب قوله.

وأوضح أن الصدر تمكن من كسر الإرادة السياسية لبعض الأطراف الشيعية التي تمثل جماعات مسلحة.

وقبل التفجيرات بأيام، حذر زعيم "التيار الصدري" من تعرض شركائه للتهديد، قائلا: "لن نسمح لأحد، كائنا من كان، بأن يهدد شركاءنا أو يهدد السلم الأهلي، وإن الحكومة القادمة حكومة قانون، ولا مجال فيها للمخالفة أيا كانت وممن كان. لا عودة للاقتتال الطائفي أو للعنف".