متحور أوميكرون الأسرع انتشارا.. لماذا يظن علماء أنه قد ينهي جائحة كورونا؟

علي صباحي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أثارت الزيادة الكبيرة في عدد المصابين بفيروس كورونا بمختلف دول العالم، الفقير منها والغني، تساؤلات عديدة عن جدوى اللقاحات وطبيعة الجائحة الحالية وآمال انتهائها.

ومنذ اكتشافه نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يتسبب أوميكرون، أحدث متحورات كورونا، في الغالبية العظمى من الإصابات، دون تمييز بين المحصنين بجرعات لقاح متنوعة أو من اكتسبوا مناعة طبيعية عبر الإصابة بأحد المتحورات السابقة.

وعلى عكس التخوفات التي اجتاحات العالم مع تفشي أوميكرون، بدأت تظهر دراسات في دول مختلفة تؤكد أن هذا المستجد يحدث اختراقا بكورونا، وقد يمهد لنهاية الجائحة، عبر عدة سيناريوهات، منها ما يعرف بـ"مناعة القطيع"، و"المناعة الفائقة"، و"المرض المتوطن".

متحور أوميكرون

وذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 7 يناير/كانون الثاني 2022 أن العالم سجل أكثر من مليوني إصابة بكورونا يوميا، في الأسبوع الأول من 2022، موضحة أن عدد الإصابات الجديد ارتفع بنسبة 270 بالمئة منذ رصد المتحور أوميكرون في بوتسوانا وجنوب إفريقيا نهاية نوفمبر.

وأوضحت أن متحور أوميكرون يتنشر بسرعة كبيرة في كل القارات، إذ سجلت أوروبا في ذلك الأسبوع إصابات غير مسبوقة بأكثر من 7.2 ملايين حالة، فيما سجلت الولايات المتحدة 4.8 ملايين إصابة.

وسجلت أستراليا أكثر من 369 ألف إصابة في الأسبوع نفسه، وأميركا اللاتينية والكاريبي 1.12 مليونا، والشرق الأوسط 209 آلاف حالة، وآسيا 714 ألفا، وإفريقيا نحو 305 آلاف إصابة.

ووفق منظمة الصحة العالمية، يعد أوميكرون المتحور الخامس المثير للقلق في عائلة كوفيد 19، وسبقه كل من بيتا، وألفا، وغاما، ودلتا.

ونقل موقع "فوكس" الأميركي عن علماء أوبئة أن أوميكرون معد أكثر من أي متحور سابق، وأكثر قابلية للانتقال بنسبة تصل إلى 50 بالمئة من سلفه الأقوى دلتا، وينجح في تفادي الحماية المناعية سواء تلك المكتسبة من اللقاحات أو الطبيعية عبر العدوى.

غير أنه يؤدي إلى حالات أقل خطورة من المرض ويسبب نسب وفيات ودخول أقل إلى المستشفى، حسبما ذكر الموقع في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

يدعم هذا الطرح، عالم المناعة في جامعة أكسفورد البريطانية، جون بيل بقوله إن أوميكرون الذي تفشى سريعا في العالم ليس نفس الوباء الذي شهدناه قبل عام، وذلك أمر يعزز الدراسات التي تؤكد أنه سلالة أكثر اعتدالا من كورونا، وفق بلومبيرغ.

وأضافت الوكالة في 29 ديسمبر أن "المشاهد المروعة التي رأيناها قبل عام، والتي تتمثل في امتلاء وحدات العناية المركزة، ووفاة الكثيرين مبكرا أصبحت الآن من التاريخ".

والأمر نفسه أكدته دراسة أجراها باحثون في جنوب إفريقيا، وهي أول دولة تفشى فيها المتحور، إثر حصولها على أدلة متزايدة على أن أوميكرون هو الأكثر عدوى، لكنه الأقل ضراوة من أسلافه، حسبما ذكرت بلومبيرغ في 13 يناير.

وفي ضوء هذه المعطيات، أكد الشريك المؤسس لشركة "موديرنا" الأميركية نوبار أفيان أن وباء كورونا قد يبدأ بالانتقال ليأخذ حال المرض المتوطن في 2022، كما الوضع مع الأنفلونزا، لكن الأمر يعتمد على القرارات التي تتخذ حول العالم.

وهذا التأكيد يتماشى مع نظرية يتبناها خبراء أوبئة حول العالم مفادها أن متحور أوميكرون سيقضي على وباء كورونا الذي أنهك العالم وتسبب بأكثر من 5.6 ملايين وفاة، علاوة على مليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية.

"لقاح طبيعي"

ويقول الدكتور الأردني حسام أبو فرسخ، استشاري تشخيص الأمراض النسيجية والفيروسية إن متحور أوميكرون يعد بمثابة لقاح طبيعي سينهي وباء كورونا من على الأرض.

ويضيف في مقال بـ"وكالة نبأ الأردن" في 19 يناير أن أوميكرون هو أول متحور يجتاح العالم كله في نفس الوقت، وجميع الإجراءات التي اتخذت لتخفيف سرعة انتشاره باءت بالفشل حتى في الدول ذات الحيطة الشديدة مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأستراليا.

فأوميكرون يصيب من أخذوا جرعتين من اللقاح أو حتى ثلاثا، ونسبة نجاعة اللقاحات في منع الإصابة لا تتجاوز بأحسن الأحوال 20 بالمئة، لكن معظم الإصابات خفيفة إلى متوسطة، ولا تتطلب دخول المستشفيات.

وموجات أوميكرون قصيرة، لكن أعدادها تتجاوز في العادة 3 أضعاف أو أكثر ما وصلت إليه الموجات السابقة.

فمثلا في بريطانيا كان أعلى معدل إصابات سابقا 60 ألفا، أما مع أوميكرون وصل إلى 250 ألفا.

وتوقع الدكتور الأردني أن تتحقق "مناعة القطيع" بعد أشهر قليلة في كل العالم تقريبا في نفس الوقت، فكل الإجراءات الاحترازية أثبتت فشلها مع أوميكرون.

فبريطانيا مثلا كانت أول من أوقف الطيران من إفريقيا، وهي الآن أكثر الدول التي ينتشر بها المتحور، ومع ذلك تتجه لرفع كافة القيود لأنها لم تعد تجدي، لذا لا معنى لفحص PCR للمسافرين، فكل العالم مصاب حاليا.

كما نشر عبر حسابه بفيسبوك مداخلة تلفزيونية لعالم الفيروسات الأميركي روبرت مالون أكد فيها أن أوميكرون بالفعل شديد العدوى ولا تحمي جرعتا لقاح أو ثلاثة من الإصابة به.

 لكن الخبر السار يكمن في أن دراسات صادرة في هونغ كونغ رصدت تحوير أوميكرون مكان إصابته.

وأضاف مالون أن متحور دلتا وما سبقه كان يصيب عمق الرئة، ما يسبب أمراضا حادة للبشر، أما أوميكرون فانتقل إلى القصبة الهوائية، "ونحن نعرف أن الفيروسات التي تفعل ذلك، تكون أكثر تفشيا لكن أقل خطورة".

وأوضح أن الأمر أشبه باللقاحات الموهنة الحية التي يصممها العلماء عن قصد من أجل تفعيل استجابة قوية من الجهاز المناعي والمخاط، وهذا أفضل ما يمكن أن نرغب في تحقيقه الآن.

كما أكدت وكالة رويترز البريطانية في الثاني من يناير أن زيادة الإصابات بمتحور أوميكرون يساهم في الوصول إلى مناعة القطيع مع استمرار ارتفاع الإصابات اليومية، وهو أمر تسمح به حاليا دول عديدة.

وفي نفس الاتجاه، نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 23 يناير عن الدكتور توم فريدن، المدير السابق للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، قوله إن " ثمة نهاية تلوح في الأفق، وإذا فعلنا ما يلزم بشكل صحيح، فلن يسيطر الوباء على حياتنا بشكل كبير في 2022".

مناعة القطيع

يقصد بـ"مناعة القطيع"، وفق موقع منظمة الصحة العالمية، الحماية غير المباشرة من مرض معد، التي تتحقق عندما يكتسب مجموعة سكانية ما المناعة، إما عن طريق اللقاح أو الإصابة السابقة بالعدوى، إذ يعجز الفيروس عن العثور على مضيف يمكنه التكاثر داخله.

وتدعم منظمة الصحة العالمية تحقيق مناعة القطيع عن طريق التطعيم وليس بالسماح للمرض بالانتشار في أوساط أي شريحة سكانية، لما قد ينتج عن ذلك من حالات وفيات لا داعي لها.

وتتفاوت نسبة الأشخاص الذين يتعين تحصينهم لتحقيق مناعة القطيع بين مرض وآخر.

فمثلا في الحصبة يجب تطعيم نسبة 95 بالمئة من السكان، و80 بالمئة في شلل الأطفال، فيما لا تزال النسبة غير معروفة بشأن كورونا، لكن يرجحها خبراء أوبئة بين 60 – 75 بالمئة.

وفي مقابل هذا التفاؤل، قالت إيفون مالدونادو، عالمة الأوبئة لـ"سي إن إن" في 23 يناير "إننا في الحقيقة لا نعرف ما الذي سيحدث بالضبط؟ هناك نماذج للأمراض ودروس من الأوبئة في الماضي، لكن رؤية العلماء ضبابية".

وأضافت أن ثمة أملا فيما حدث في جنوب إفريقيا، حيث اكتشف العلماء هذا المتحور لأول مرة في نوفمبر  2021 وبلغت الحالات هناك ذروتها وتراجعت بسرعة، وحصل الأمر نفسه في المملكة المتحدة، وهذا ما يعتقد الخبراء أنه سيحدث في كل العالم.

وتوقعت ظهور متحور آخر من كورونا، قد يكون قابلا للانتقال بشكل متساو أو حتى أكثر من أوميكرون. ويمكن أن يسبب أعراضا أكثر خطورة للناس، أو قد لا يظهر أي أعراض على الإطلاق.

فعندما كان "إتش 1 إن 1" (إنفلونزا الخنازير) جديدا تسبب في أحد أسوأ الأوبئة في التاريخ في عام 1918، وأصاب ثلث سكان العالم وقتل 50 مليونا منهم، وانتهى هذا الوباء في النهاية، لكن الفيروس لا يزال معنا حتى اليوم.

سيناريوهات مستقبلية

وأوضحت عالمة الأوبئة الأميركية: "كان هذا أساسا لجميع فيروسات (إتش 1 إن 1) التي نراها كل عام، ظهرت كثير من الطفرات منذ ذلك الحين، لكنها من نفس السلالة. لذا من المحتمل أن كورونا سيفعل شيئا مشابها".

ولا تزال الولايات المتحدة تخسر ما معدله 35 ألف شخص سنويا بسبب الإنفلونزا، وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، "لكننا نواصل حياتنا"، وهكذا لن يعود الوضع تماما إلى ما كان عليه، وأكدت مالدونادو أن "هذا هو أفضل سيناريو".

ومع هذا السيناريو الشبيه بالإنفلونزا، يحتاج العالم إلى التركيز على حماية المعرضين للإصابة بأمراض خطيرة، والتأكد من حصولهم على اللقاحات.

أما السيناريو الأسوأ هو إذا أفلت المتحور من حماية اللقاحات والعلاجات. وقالت مالدونادو: "أعتقد أن هذا أقل احتمالا للحدوث".

ويأمل مدير المعهد الأميركي للحساسية والأمراض المعدية "أنتوني فاوتشي"، ألا يحدث هذا السيناريو.

وقال لـ"سي إن إن": "لا يمكنني إعطاء إحصائية عن فرصة حدوث ذلك، لكن علينا أن نكون مستعدين، لذلك نأمل في الأفضل ونستعد للأسوأ".

من جانبها ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن مناعة القطيع يراد بها أن يكتسب 75 بالمئة؜ على الأقل من المجتمع الحصانة المكتسبة ضد الفيروس سواء بالإصابة المباشرة أو أخذ اللقاح المصنع.

وأضافت في تقرير بعنوان ”انتهت مناعة القطيع.. ولتحيا المناعة الفائقة“ في 17 يناير أن لقاحات كورونا الحالية والإصابات السابقة لا توفر حماية دائمة ضد العدوى.

وهذا يجعل من المستحيل على عدد كاف من أفراد المجتمع أن يصبح محصنا لمنع انتشار الفيروس.

واستدركت: لكن هذا ليس مدعاة لليأس، سيوفر أوميكرون ما يعرف بـ”المناعة الفائقة“، أي حماية أقوى ضد المتحورات الجديدة وحتى فيروسات كورونا المستقبلية، وستكون الحياة الطبيعية ممكنة حتى مع استمرار انتشار الوباء وتحولاته.

ورغم أن المناعة الفائقة لن تمنع بالضرورة الأشخاص من الإصابة بالفيروس أو نقله إلى آخرين، فإن معظم الأشخاص الذين يصابون بالعدوى، حتى مع وجود متحور أكثر ضراوة، سيعانون من أعراض خفيفة أو لا يعانون من أي أعراض.

وهذا ما سيحول أزمة كورونا من جائحة إلى وباء مستوطن مثل الإنفلونزا الموسمية التي تنتشر عالميا في فصل الشتاء كل عام.