"الإغلاق لا يمنع الانتكاسة".. لماذا ترفض حكومة أخنوش فتح حدود المغرب؟

الزاهي أحمد | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أمام استمرار قرار إغلاق الحدود المغربية، الذي دخل حيز التنفيذ منذ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بسبب الانتشار السريع لمتحور كورونا "أوميكرون" خصوصا بأوروبا وإفريقيا، تعالت الأصوات الداعية إلى الإسراع بفتح الحدود مجددا وبأسرع وقت.

هذه الدعوات جاءت من قبل مواطنين عالقين خارج المملكة، وسياسيين وأطباء قالوا إن "الإغلاق لا يمنع الانتكاس"، ومهنيي القطاع السياحي الذين تكبدوا خسائر كبيرة جراء هذا الإغلاق.

وفي 4 يناير/كانون الثاني 2022، تظاهر العشرات من موظفي وكالات السفر، أمام مقر وزارة السياحة بالرباط، احتجاجا على ما وصفوه بـ"الأوضاع الكارثية" لشركاتهم جراء قرار المملكة إغلاق حدودها بشكل مفاجئ.

وطالب المتظاهرون الحكومة بـ"دعم مادي" تفاديا لإعلان وكالات السفر والسياحة إفلاسها، خصوصا في حال استمرار إغلاق الحدود.

حلول ترقيعية

وأمام دعوات فتح الحدود واحتجاجات مهنيي السياحة، وجدت الحكومة "صعوبة" في كيفية مواجهة تداعيات إغلاق الحدود على مختلف القطاعات، حيث سارعت في محاولة منها للحد من التأثيرات السلبية لغلق الحدود على القطاع السياحي، إلى إطلاق "مخطط استعجالي" بقيمة 2 مليار درهم (214 مليون دولار) لإنقاذ القطاع السياحي من الانهيار.

وتأتي إجراءات الدعم الحكومية، بعد أكثر من 22 شهرا من تداعيات الأزمة الصحية، حيث اعتبرت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، أن هذه التدابير تعد "دفعة قوية لقطاع السياحة، ومن شأنها ضمان الإبقاء على الشركات والمحافظة على مناصب الشغل وتجنب ضياعها والاسترجاع التدريجي لعافية القطاع".

وأعلنت الوزارة، عن اعتماد خمسة تدابير رئيسة تتعلق على وجه الخصوص بتمديد صرف التعويض المحدد في 2000 درهم (215 دولارا) خلال الربع الأول من عام 2022، لفائدة عمال القطاع السياحي والنقل السياحي والمطاعم المصنفة، إلى جانب تأجيل أداء الاشتراكات المستحقة لصندوق للضمان الاجتماعي لمدة ستة أشهر لفائدة هؤلاء العمال.

ومن ضمن الإجراءات الحكومية المتخذة لدعم القطاع السياحي، تأجيل آجال استحقاق القروض البنكية، لمدة قد تصل إلى سنة لفائدة أصحاب الفنادق وشركات النقل السياحي، إذ ستقوم الدولة بدفع الفائدة المرحلية لمدة تعادل عدد أشهر التوقف عن النشاط خلال 2021، وكذلك خلال الربع الأول من 2022.

بالإضافة إلى إعفاء أصحاب الفنادق من "الضريبة المهنية" خلال سنتي 2020 و2021 والتي ستقوم الدولة بدفعها.

ولكن رغم هذا "المخطط الاستعجالي" لإنقاذ القطاع السياحي، فإن القرار لم يشمل جميع الفاعلين في القطاع السياحي من قبيل مهنيي وكالات الأسفار الذين استنكروا "إقصاءهم"، خصوصا وأن قطاع وكالات الأسفار يعتبر من ضمن الأكثر تضررا من جائحة كورونا، ناهيك على أن مجموعة من مهنييه تعرضوا للإفلاس.

مخاطر ومحاذير 

ومقابل مطالب فتح الحدود والاحتجاجات ضد قرار الإغلاق وما خلفه من تداعيات سلبية على مختلف الأنشطة الاقتصادية خاصة القطاع السياحي، فإن البعض يتخوف من أن يشكل قرار فتح الحدود "مغامرة"، خاصة وأن معطيات وزارة الصحة المغربية، أظهرت "هيمنة " متحور "أوميكرون" على الإصابات الجديدة المسجلة.

وبالتالي قد يتحول قرار فتح الحدود إلى "مغامرة" من شأنها أن ترهق كاهل المنظومة الصحية، وتحدّ من قدرتها على التحكم في الانتشار المتزايد للفيروس.

وحول المخاطر التي يمكن أن تنجم عن فتح الأجواء المغربية، أكد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أنه "لا توجد أي مغامرة في فتح الحدود في ظل الظروف الحالية".

وشدد في حديث لـ"الاستقلال"، على أن "فتح الحدود اليوم، قرار معقول، لا سيما إذا ما استحضرنا التأثيرات السلبية للغلق على مختلف الأنشطة والجوانب الاجتماعية والإنسانية".  

واعتبر الدكتور حمضي، أن "قرار فتح الحدود أو إغلاقه ليس مرتبطا فقط بمدى خطورة الحالة الوبائية، بل هو أيضا مرتبط بمدى تأثير قرار الإغلاق على الأنشطة الاقتصادية والسياحية وعلى العلاقات الاجتماعية وغيرها".

واستطرد أنه "عند الموازنة بين ما يمكن أن يخسره المغرب وبائيا وصحيا واقتصاديا واجتماعيا وبين ما يمكن أن يربحه بفتح الحدود، نجد أن ما سيربحه أكثر مما سيخسره".

وبناء على ذلك، دعا الباحث في السياسات والنظم الصحية، حمضي، إلى "التفكير في فتح الحدود بما يتماشى مع مقاربتنا المغربية الناجحة والاستباقية والمبنية على اتخاذ القرارات بناء على المعطيات العلمية لحماية المواطنين وحماية المملكة بأقل ما يمكن من الأضرار الاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية".

وسجل أن الإغلاق لمدة أسبوعين (أول إعلان قبل تمديده المتواصل حتى 31 يناير 2022) كان "قرارا معقولا جدا"، نظرا لأن المغرب كان متحكما في الوضعية الوبائية، إضافة إلى أن المتحور "أوميكرون" كان ما يزال جديدا ولا نعرف عنه شيئا.

واستدرك حمضي موضحا: "اليوم لدينا معطيات جديدة أهمها يتعلق بالجانب العلمي، الذي أكد بأن أوميكرون أقل فتكا من دلتا تقريبا بـ80 بالمئة، ناهيك على أن أقسام الإنعاش (وحدة العناية المركزة) بالمغرب، لا تعاني من الضغط الكبير جدا باستثناء مدينة الدار البيضاء".

وأشار إلى أن "دخول مواطنين أو سياح أجانب إلى المغرب وهم ملقحون بشكل كامل وبشهادة تحليل سلبية (PCR) أقل خطرا من الناحية الوبائية من مواطنين أو قاطنين تلقيحهم غير كامل ولا يلتزمون بالتدابير الوقائية تماما".

وشدد حمضي على أن "دخول وافدين بالشروط المعمول بها لا يشكل خطرا وبائيا أكبر مما هو عليه الوضع."

"لا يمنع الانتكاسة"

من جهته، اعتبر عضو اللجنة الوطنية العلمية والتقنية لكوفيد 19، البروفيسور عز الدين إبراهيمي، أنه "حان الوقت لتمكين فئات عريضة من المواطنين المغاربة للعودة إلى حياة طبيعية (..) ومرة أخرى بتعايش مع هذا الفيروس".

ونبه إبراهيمي، عبر "فيسبوك"، أن "الإغلاق الأخير كان ضربة بالنسبة لسياحتنا، بينما استفادت منه دول أخرى ظلت حدودها مفتوحة مثل مصر، وتركيا، والإمارات".

وأضاف إبراهيمي، "لا يمكنني أن لا أترافع عن هذا العدد الهائل من المغاربة العالقين أو المشتاقين للمغرب في غربتهم (..)".

وتابع: "كثير من القصص التي أتلقاها تحز في القلب (..) كيف يمكنني أن لا أتعاطف معها وأترافع عن مغاربة العالم ومجيئهم لبلدهم لا يشكل أي خطر على وضعيتنا الصحية(..) كيف لي أن أتناسى العالقين (..) وهم في بلدان متعددة حول العالم (..) أتضامن مع الجميع".

وقال إبراهيمي: "الحقيقة اليوم أن الإغلاق لا يرصد أي مكتسبات، لا من الناحية الصحية ولا الوبائية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، ولا يُلمع سمعة المغرب ولا يعطي مصداقية أكبر لقراراته"، مشيرا إلى أن "الإغلاق كذلك لا يحمينا من أية انتكاسة".

ولفت إلى أن "كل الهيئات الصحية الدولية، توصي بفتح الحدود ورفع قيود السفر عندما يكون الإبقاء عليها لا يؤثر على ارتفاع عدد الإصابات بالبلاد ولا انتقال العدوى على نطاق أوسع، وكذلك بانعدام خطر نقل سلالة جديدة من بلد معين".

مطالب فتح الحدود لم تقتصر على مهنيي القطاعات الاقتصادية المتضررة من الإغلاق ولا على الأطباء وأعضاء "اللجنة الوطنية العلمية والتقنية لكوفيد 19"، بل شملت أيضا سياسيين وأمناء عامين لأحزاب، في مقدمتهم الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله.

ودعا بنعبد الله إلى التعجيل بإعادة فتح الحدود التي كان لإغلاقها انعكاسات وخيمة على العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وأوضح في لقاء مع فريق التقدم والاشتراكية لمجلس النواب (معارضة)، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، أن العديد من الدول التي قررت غلق الحدود خوفا من المتحور الجديد "أميكرون"، تراجعت عن هذا القرار.

وبيّن بنعبد الله أن المعطيات المتعلقة بالوضعية الوبائية في المغرب تشير إلى أن نسبة انتشار المتحور الجديد "أوميكرون" تصل إلى قرابة 80 بالمئة، وبالتالي، يرى المتحدث ذاته، أن "فتح الحدود مع اتخاذ الاحتياطات الصحية الضرورية لن تكون له انعكاسات وخيمة على انتشار الوباء".

وطالب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، حكومة عزيز أخنوش، بالتفكير بجدية في إعادة فتح الحدود، بالنظر إلى الأوضاع المتردية التي باتت تعرفها العديد من القطاعات الاقتصادية خاصة السياحة وكل القطاعات والخدمات المرتبطة بها،

وسجل بنعبد الله، أن إعادة فتح الحدود سيتيح للعديد من المواطنين المغاربة العالقين بالخارج العودة إلى بلدهم وذلك باتخاذ كل الاحتياطات الضرورية، كالتوفر على "جواز التلقيح" أو إجراء التحليل عند الوصول (PCR).

معاناة مستمرة

ومقابل مطالب فتح الحدود واحتجاجات بعض المهنيين على تردي أوضاعهم بسبب قرار الإغلاق، عبر رئيس الحكومة، أخنوش، عن تفاؤله بقرب فتح الحدود خلال الأسابيع المقبلة.

وأفاد أنه "تتم دراسة موضوع فتح الحدود المغربية"، مردفا "ننتظر قرار اللجنة العملية واللجنة الوزارية بهذا الخصوص، لأن الحدود لا يمكنها أن تبقى مغلقة دائما".

وأشار أخنوش، في لقاء صحفي مع القناتين المغربيتين "الأولى" و"الثانية" (رسميتان) مساء 19 يناير/كانون الثاني 2022، إلى أن "موضوع فتح الحدود أصبح يطرح نفسه بقوة مادام أن الواقع أظهر أن أوميكرون لا يؤثر بشكل كبير على المرضى، إضافة إلى أن القطاع السياحي تضرر بشكل كبير من هذا الإغلاق".

من جهته، رمى الناطق باسم الحكومة والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، كرة فتح الحدود في ملعب "اللجنة بين وزارية" (لجنة تضم عددا محدودا من الوزارات).

وأعرب عن أمل الحكومة في أن تصل "اللجنة المذكورة" التي تعكف على موضوع فتح الحدود، بالاعتماد على توصيات "اللجنة العلمية المكلفة بكوفيد-19"، إلى نتائج إيجابية حول هذا الملف.

وسجل بايتاس، خلال ندوة صحفية أعقبت انعقاد مجلس الحكومة في 20 يناير/كانون الثاني 2022، أهمية قرار تعليق الأجواء، الذي اتخذه المغرب، منذ ظهور الإصابات الأولى لمتحور أوميكرون على الصعيد الدولي.

وأمام تفاؤل حكومة أخنوش، تستمر معاناة المغاربة مع التداعيات السلبية لقرار إغلاق الحدود التي لا تقتصر على القطاع السياحي الذي يمثل حوالي 7 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، بل تشمل مختلف القطاعات وإن بدرجات متفاوتة.

وأمام هذه المعطيات مازال السؤال الذي يتردد صداه في أرجاء المغرب، هل ستكتفي الحكومة باتخاذ "إجراءات محتشمة" لتجاوز أزمة الإغلاق، أم أنها ستسارع نحو فتح الحدود بغض النظر عن التكلفة الصحية لهذا القرار.