آبي أحمد يقترح منطقة عازلة مع إقليم تيغراي.. حسن نية أم مناورة إعلامية؟

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتفاقم الأزمة الإنسانية في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا وسط اتهامات متبادلة بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بشأن المتسبب في هذه المعاناة. 

وفي هذا الإطار اقترحت الحكومة الإثيوبية إقامة منطقة عازلة مع تيغراي تديرها الأمم المتحدة في خطوة ربما تساهم في تخفيف وطأة الوضع الإنساني الذي يعاني منه الإقليم بسبب الصراع الدائر منذ أكثر من 14 شهرا. 

واندلعت حرب أهلية في إثيوبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما أرسل رئيس الوزراء آبي أحمد الجيش الفيدرالي إلى إقليم تيغراي للسيطرة على الإدارة المحلية التابعة لـ"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

وبرر رئيس الوزراء آبي أحمد الخطوة آنذاك بأن "قوات تيغراي هاجمت معسكرات للجيش الفيدرالي"، وتعهد بتحقيق نصر سريع وهو ما لم يتحقق.

خطوة حكومية

في 14 يناير / كانون الثاني 2022 اتهمت الخارجية الإثيوبية جبهة تحرير تيغراي بتأزيم الوضع الإنساني من خلال افتعال العديد من العراقيل.

ومن بين تلك العراقيل ادعاء الجبهة أن سائقي شاحنات المساعدات الإنسانية الذين ينتمون للإقليم يرفضون العمل خارجه لأسباب أمنية.

كما أكدت أن "الحصار الذي تفرضه الحكومة الإثيوبية على الإقليم له آثار مدمرة على السكان المدنيين"، مشيرة إلى أن احتلالها بعض المدن جاء لإجبار الحكومة على إنهاء الحصار المفروض على تيغراي.

وردا على تلك المزاعم أعلنت الوزارة الإثيوبية في بيانها معالجة هذه المشكلة من خلال تبادل السائقين في المنطقة العازلة ومنح عفو شامل للسائقين.

وأضافت أن الحكومة الإثيوبية قررت إصدار لوحات الأمم المتحدة المؤقتة للشاحنات التي حصل عليها برنامج الأغذية العالمي من السودان وتسهيل تسيير رحلات جوية إضافية لزيادة نقل الأغذية والمساعدات الطبية إلى الإقليم. 

وبالتزامن مع ذلك، نقلت وكالة رويترز عن أطباء يعملون في الإقليم معاناة الكثيرين، وبينهم أطفال من سوء التغذية، وهناك من يموتون يوميا بسبب عدم السماح بدخول الدواء إلى الإقليم. 

وبحسب بيانات الأمم المتحدة يحتاج أكثر من 90 بالمئة من سكان إقليم تيغراي البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين نسمة للمساعدات الغذائية والإنسانية العاجلة. 

وفي 9 يناير أعلنت الأمم المتحدة تعليق عملياتها الإغاثية في إثيوبيا بعد غارة جوية حكومية على إقليم تيغراي راح ضحيتها أكثر من 50 شخصا. 

كما يأتي هذا الإعلان عقب مطالبة جبهة تيغراي الحكومة الإثيوبية إلى احترام القانون الدولي وبدء مفاوضات لوقف إطلاق النار من دون شروط، وفق صحيفة "لوبوان" الفرنسية مطلع يناير.

واعتبر المحلل السياسي الإثيوبي زاهد زيدان أن المقترح الحكومي بإنشاء منطقة عازلة إن صدق ونفذ، فإنه سيدل على حسن ثقة الحكومة إزاء إقليم تيغراي والأمم المتحدة. 

وأضاف لـ"الاستقلال" أن الحكومة الإثيوبية تتحدث عن أن مواطني تيغراي هم جزء لا يتجزأ من الجسد الإثيوبي الكبير، ومشاكلها فقط مع جبهة تحرير تيغراي.

وأشار زيدان إلى اهتزاز ثقة الحكومة في الأمم المتحدة وأن ذلك لم يأت من فراغ بل مما تعتبره "سوء إدارة مكتب الأمم المتحدة في أديس أبابا ودعمه للإعلام الخارجي الذي كان يريد هز سمعة البلاد وتشبيهها بالتجربة الأفغانية" على حد وصفه.

 تسويق إعلامي 

في المقابل، يعتبر مراقبون المبادرة الحكومية بأنها محاولة للتسويق الإعلامي في ظل التضييق المتواصل على إيصال المساعدات إلى إقليم تيغراي خشية أن تستخدمها جبهة تحرير تيغراي لصالحها. 

كما تقول الأمم المتحدة إن الحكومة تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي الذي لم تدخل إليه أي شاحنات منذ 15 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأكد مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم أن "الناس في تيغراي بإثيوبيا، الذين يعيشون تحت الحصار بحكم الأمر الواقع منذ أكثر من عام، يموتون بسبب نقص الدواء والغذاء والهجمات المتكررة بطائرات مسيرة".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر في 13 يناير أن "منظمة الصحة العالمية والشركاء يطلبون الوصول الآمن دون عوائق لتقديم المساعدات الإنسانية إلى ملايين الناس الذين هم في أمس الحاجة إليها".

بينما يقول عضو البرلمان الفيدرالي الإثيوبي، محمد العروسي إن الحكومة الإثيوبية قدمت عديدا من المبادرات لإنهاء الأزمة والخطوة الأخيرة جاءت بعد اتهامات جبهة تيغراي للحكومة بالتضييق على إيصال المساعدات للإقليم.

وأضاف العروسي في تصريحات تلفزيونية لفضائية الجزيرة القطرية في 14 يناير: "هذه الخطوة جاءت من الحكومة لتوضيح موقفها بأنها قدمت كل ما لديها من مبادرات، وبناء على حسن النوايا، وبعد إنشاء هيئة الحوار الوطني وإطلاق عديد من السجناء".

كما أكد المحلل الإثيوبي زيدان أن تخوفات الحكومة الإثيوبية من استغلال جبهة تيغراي المنطقة العازلة لصالحها، لم تأت من فراغ. 

وقال إن "الحكومة في المرحلة الأولى للنزاع عام 2020، عندما أنهت الصراع مع الجبهة في ثلاثة أسابيع، لم تحكم الإقليم وجعلت هناك حكومة مؤقتة من أبنائه، وتم إخراج الجيش من هناك". 

 لكن مع خروج الجيش بالتزامن مع بدء موسم الزراعة، "استغلت جبهة تحرير تيغراي ذلك الوضع واستعادت السيطرة على المناطق التي كانوا يحكمونها، ثم بدأت في السيطرة على بعض المناطق الحدودية مع إقليم عفر وإقليم أمهرة" بحسب زيدان. 

وأشار إلى أن كل تلك التجاوزات التي وقعت في المنطقة العفرية والأمهرية هي ما يسبب التخوفات الحالية. 

وفي هذا الإطار جاء إعلان المتحدث باسم الجيش الإثيوبي عن إنهاء هذه المرحلة من الصراع، بقوله إنها لم ولن تكون مثل المرحلة الماضية وأن الجيش على حدود تيغراي على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي متغيرات. 

 دور الأمم المتحدة

البيان الذي دعت فيه الخارجية الإثيوبية إلى إنشاء منطقة عازلة طالبت فيه أيضا المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بفتح تحقيق بشأن سلوكيات المدير العام للمنظمة، أدهانوم واصفة إياه بأنه "غير محايد". 

وأدهانوم شغل منصبي الصحة والخارجية في إثيوبيا لسنوات وينتمي لإقليم تيغراي.

وتتهم الخارجية الإثيوبية أدهانوم بانتهاك مسؤوليته المهنية والقانونية من خلال استخدام منصبه لتضخيم مستوى الطوارئ في إثيوبيا، لتبرير التدخل الإنساني وتعبئة المجتمع الدولي ضد إثيوبيا.

وحول هذه النقطة، قال المحلل الإثيوبي زيدان إن الأمم المتحدة إن كانت منصفة، فالمطلوب منها أن توصل هذه الأدوية والمعونات الغذائية بسلام لا مثلما فعلت في المرات الماضية.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن المنظمة الدولية في نظر الحكومة الإثيوبية تجاوزت مواثيق الأمم المتحدة في حملة الدعم الغذائي والدوائي التي قدمتها خلال الشهور السابقة لإقليم تيغراي. 

وفي 19 نوفمبر / كانون الثاني 2020 اتهم قائد الجيش الإثيوبي برهان جولا، تيدروس أدهانوم، بمحاولة شراء أسلحة وحشد الدعم الدبلوماسي لجبهة تحرير تيغراي التي كانت تقاتل القوات الحكومية في ذلك التوقيت. 

وقال جولا في بيان تلفزيوني بعد أسبوعين من بدء الصراع: "هذا الرجل عضو في تلك المجموعة وهو يفعل كل شيء لدعمها، عمل لصالحهم للحصول على الأسلحة".

وأشار زيدان إلى تصريحات سابقة للمتحدثة باسم رئاسة الوزراء الإثيوبية قالت فيها إن الحكومة منعت وصول المعونات لأنها سمحت بدخول قافلة من 1225 شاحنة تحمل مساعدات إلى الإقليم لكن لم يعد منها سوى 193، متهما قوات تيغراي بالاستيلاء على هذه الشاحنات. 

وأوضح زيدان أن "المعونات التي كانت تصل إلى تيغراي كانت تدخل من ميناء جيبوتي إلى الإقليم دون تفتيش، وعندما جرى تفتيشها وجدوا أنها تحتوي على بعض الأسلحة وأجهزة اتصال لاسلكية وبعض الأغذية التي توصف بأغذية الحروب التي تعطي الطاقة المفرطة وما شابهها".

من جانبه، يشير تقرير أعده مركز المستقبل للأبحاث (مقره الإمارات)إلى أن الأسابيع الأخيرة في إثيوبيا شهدت مؤشرات إيجابية تتعلق بحدوث تهدئة للحرب الأهلية الدائرة منذ نهاية 2020.

منها الإفراج عن معتقلين سياسيين والإعلان عن حوار وطني شامل ودعم دولي وأممي للمصالحة. 

وخلص التقرير المنشور في 13 يناير إلى أن التطورات الأخيرة تعكس جملة من المؤشرات الإيجابية رغم التحديات التي ربما تؤثر سلبا على مسار المصالحة الوطنية وتجعلها عرضة للانتكاسات. 

ورجح التقرير أن تواصل الولايات المتحدة ضغوطها من أجل انخراط الأطراف الإثيوبية كافة في الحوار الوطني الشامل للتوصل إلى تسوية للأزمة الراهنة.