أصابهم الأمن بالعمى والنظام بالإهمال.. قصص مأساوية لمصابي حراك الجزائر

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تغيرت حياة بعض الشباب المشاركين في الحراك الجزائري (فبراير/شباط 2019) بعد أن أصبحوا ضحايا عبوات غاز مسيل للدموع أو الرصاص المطاطي، لكنهم يطلبون اليوم من الدولة أن تدعم رعايتهم الصحية في الخارج.

في الشهر المذكور بمدينة البويرة (شمال)، حاول رابح ديب (22 عاما) مع متظاهرين آخرين منع عقد اجتماع للمرشح الرئاسي وقتها علي بن فليس. 

تأكد المحتجون، آنذاك، أن الانتخابات التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول بعد شهور من التعبئة التي أدت إلى سقوط رئيس النظام السابق عبد العزيز بوتفليقة كانت تهدف لإنهاء الحراك.

وبعيدا عن الاكتفاء برحيل الرئيس السابق، يطالب ناشطو الحراك الجزائري بإصلاح شامل للنظام السياسي. 

 لكن السلطة الحاكمة لا تعطي بالا لتلك المطالب بنفس الطريقة وتريد أن تعلن صافرة نهاية تلك الاحتجاجات، وفق ما تقول مجلة جون أفريك الفرنسية.

كانت الشرطة الجزائرية تهاجم المتظاهرين التابعين للحراك دائما. سقط رجل عجوز خلال إحدى التظاهرات، وقد أتى رابح لمساعدته. عندها وجد الأخير نفسه هدفا برصاصة مطاطية من الأمام. 

وقد كانت تلك أولى محاولات السلطة الجزائرية للخروج من حلقة الاحتجاج التي تعرف باسم الحراك. 

 قال ديب وهو يعاني من تورم في حلقه بمحاولة سرده لليوم الذي تعرض فيه لطلق رصاص مطاطي: "اتجهت إلى مستشفى البويرة، الذي لم يكن لديه الإمكانيات للاعتناء بي".

وأردف: "اتصلت بأربع مستشفيات في الجزائر العاصمة، ولم يرغب أي منها في تقديم الرعاية لي".

وواصل: "أخيرا بفضل تدخل أقاربي تمكنت من الخضوع بعد 48 ساعة، إلى عملية في مقلة العين المصابة، بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة".  

توفي ديب بعد أن علم بخبر ضياع عين ابنه متأثرا بنوبة قلبية. علاوة على أن أحدث تقنيات العناية بالعيون مثل عمليات الزرع وحتى نزع أحشاء مقلة العين غير متوفرة في الجزائر.

المعابر السرية

 في يناير/كانون الثاني 2020، دفع ديب 100 ألف دينار (631 يورو) نفقات سفر واستشارة في تونس. 

وقال: "أخبرني الأطباء التونسيون أنه كان بإمكانهم فعل شيء ما لو أجريت لي عملية جراحية في الوقت المناسب بسبب نزفية في مقلة العين اليسرى".

 عندما أعيد فتح المجال الجوي في يونيو/حزيران 2021، بعد 14 شهرا من تعليق الرحلات بسبب وباء كورونا، حاول ديب دون جدوى الحصول على موعد لتقديم ملف طلب التأشيرة الخاص به نحو فرنسا أو إسبانيا. 

 ويقول إن نزع الأحشاء من بقية مقلة العين، ثم زرع طرف اصطناعي للعين سيسمح له بتجنب الورم وفقا للأطباء.

وفي محاولة يائسة، دفع 600 ألف دينار (3788 يورو) من أجل العبور السري إلى إسبانيا.

لكن حتى قبل الوصول إلى نقطة الانطلاق في كانستيل وهو شاطئ على ساحل وهران، اعتقل مع "جمعي"، وهو واحد من أصدقائه الحراكيين أيضا مصاب بالعمى، من قبل الدرك وقد جرى احتجازهما من قبل الشرطة لمدة ثمانية أيام. 

جرى عرض الصديقين على القاضي والإفراج عنهما. وقد حكم على المهرب (الذي نظم الهجرة) بالسجن سبع سنوات.

بعد تلك الحادثة، استسلم ديب وأغلق المقهى الخاص به وغرفة الألعاب التي لم يعد لديه القوة على إدارتها. 

يعترف  لمجلة "جون أفريك" الفرنسية بحسرة ويقول "لم أر طبيبا منذ ثلاثة أشهر، دع ما يجب أن يحدث، لا يمكنني تحمل المصاريف بعد الآن".

وتابع: "أريد أن أشاهد التلفاز وأطلب الدعم في الخارج، لكن رفاقي من الحراك لا يريدون مرافقتي، إنهم خائفون".

يتذكر أنيس مزيان الذي كان حينها طالب ماجستير في اللغة الإنجليزية بجامعة "تيزي وزو" ويقول "بدأت المظاهرات في ذلك اليوم في ساحة لا بوجي (ولاية بجاية)".

وواصل: "راح المتظاهرون يرشقون الشرطة بالحجارة، ومع ذلك ساد الهدوء الشارع الذي كنت فيه".

كان أنيس يومها على وشك الالتحاق بالمطعم الذي كان يعمل فيه بعد دروسه الجامعية ويقول إن "الذعر عم المكان، حاولنا الفرار".  

وأوضح بالقول: "سمعت صديقي يتصل بي وعندما التفت إليه تلقيت ضربة. أصابت عبوة غاز مسيل للدموع وجهه مما أدى إلى انفجار مقلة عينه اليسرى، مع كسر في الجدار الأمامي للجيب الفكي".

رفض العلاج والتأشيرة

جرى إجلاؤهم إلى مستشفى تيزي وزو حيث ينظف الجراحون الجرح ويخيطونه. تستغرق العملية سبع ساعات، تليها ثلاثة أسابيع من العلاج في المستشفى. 

وبالكاد في العشرينيات من عمره، أصبح أنيس المتحدث باسم حراك المكفوفين بظهور متعدد على تلفزيون بربار المحلي.  

وهي تغطية إعلامية كانت ستجعله محل رفض لتلقي العلاج من قبل عيادات طب وجراحة العيون في الجزائر العاصمة ووهران، لعدم رغبة تلك العيادات في أن يرتبط اسمها بشخصية حراكية.

هنا مرة أخرى، تدخلت شبكات التضامن غير الرسمية، ووافق طبيب من تلمسان على تزويد أنيس بطرف اصطناعي تجميلي للعين بعمر 5 سنوات، مع تخفيض في السعر بمقدار النصف. 

ثم قرر أنيس تجربة حظه في الخارج، حيث قدم له مستشفى أدولف التابع لمؤسسة روتشيلد في باريس دعما يقدر بنحو 3200 يورو. ووالده المقيم في فرنسا هو الذي سيكون المسؤول عن دفع تلك الفاتورة.

ورغم أنه موعد طبي، قدم أنيس طلب تأشيرة في يناير 2020 وجرى رفضه.

ثم انتقل إلى إسبانيا حيث عرض عليه مستشفيان إجراء العملية، أحدهما في برشلونة والآخر في أليكانتي مقابل مبلغ قدره 8000 يورو. 

أطلقت بعدها مهمة من قبل الأصدقاء وأفراد الأسرة لجمع المبلغ، لكنه أيضا واجه رفض طلب التأشيرة مرة ثانية.

يعاني الشاب المصاب نفسيا من فقدان التوازن والدوخة. ولم تعد حساسيته للغبار تسمح له بممارسة الملاكمة وكرة القدم.  

الشاب الذي أصبح مدرسا مؤقتا بعد عامين من المعاناة في جامعة تيزي وزو ، يخشى الآن مضاعفات عدم قدرته على اتباع بروتوكول علاجي مناسب.

كما أن وضعه الاجتماعي لا يساعده على تسلق المصعد الاجتماعي، رغم شخصيته الحازمة، وفق وصف المجلة. 

وبينت أن الدعم المالي الوحيد يأتيه من والدته المطلقة التي تعاني مرض التصلب العصبي المتعدد.

بذلك، وجد أنيس نفسه مجبرا على العمل في مواقع البناء بعد أن دفعت والدته دوراته الجامعية بقيمة 300 دينار للساعة (1.89 يورو). 

وكما يقول المتحدث باسم الحراك الذي صار صاحب إعاقة إن "العودة إلى العمل بالمعدلات السابقة أمر مستحيل على المكفوفين، وكثير منهم عملوا في السباكة أو البناء".

لجنة الرعاية

 وبالتالي، تدفع تلك الإعاقة والصدمة النفسية أيضا الشاب وليد للتخلي عن وظيفته كصانع بيتزا بعد إصابته في عينه اليمنى بقذيفة غاز مسيل للدموع خلال تظاهرة 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 في بومرداس.

يشتكي قائلا: "أرى ضبابية، غالبا مجرد ضوء خافت، بعيني المتضررة". 

وكان وليد قد تلقى في إسبانيا تأكيدات بأنه يستطيع استعادة 50 بالمئة من قدراته البصرية مقابل رعاية تبلغ حوالي 3 ملايين دينار (ما يقرب من 19 ألف يورو)، وهو مبلغ لا يستطيع جمعه.

وبالمثل يتذكر عبد القادر اللحظة الدقيقة التي تغيرت فيها حياته. كان ذلك في 13 ديسمبر 2019 يوم إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية.

حينها بدأت المناوشات في بلدة أكبو حوالي الساعة 9:30 مساء بين الشرطة والمتظاهرين. 

وقع وقتها إلقاء الحجارة من قبل المتظاهرين. وردت الشرطة عليهم بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.  

يقول: "كنت بجوار منزل عمي الذي ترعرعت فيه وعندي هناك العديد من الأصدقاء، أصبت برصاصة مطاطية من الأمام. فقدت الوعي على الفور واستيقظت في اليوم التالي في مستشفى سيدي عيش". 

بقي عبد القادر في المستشفى لمدة ثمانية أيام. وحتى قبل تشخيص الأطباء، يعرف الشاب أنه فقد عينه بشكل غير قابل للاسترداد. يقول عن ذلك: "شعرت على الفور بعيني تخرج من محجرها".

وكانت قد شكلت لجنة دعم وطنية لضحايا الحراك في ديسمبر لمحاربة النسيان الذي قد يتخلل تلك الحوادث وتقديم المساعدة القانونية والنفسية.  وقد تقدم الضحايا بشكوى إلى المحاكم والتحقيق جار.

المحامية وريدة لونيس منسقة مجموعة الدفاع الجماعية حددت حوالي عشرين مصابا من الحراك، بما في ذلك 15 شخصا مكفوفا تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عاما.

تقول: "لا نحاول تجريم أي شخص، لكن إذا لم تؤد الشكوى إلى عقوبة فإننا سنعرض ذلك على مجلس الدولة". 

وأوضحت أن "الهدف هو الحصول على تعويض ووضع ضحايا الحراك في حالة من اليقظة حول وضعهم، ونحن مدركون أن أعمال الحداد مستحيلة لمن أعمتهم المظاهرات الشعبية".

في الوقت نفسه، أرسل أنيس مزيان رسائل طلب العلاج الطبي ومعاش العمى نيابة عن جميع المصابين بالعمى بسبب الحراك، في أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2020 على التوالي إلى رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (بوزيد لزهاري) ووزيرة التضامن الوطني (كوثر كريكو). 

لكن ظلت تلك الطلبات دون إجابة. ويأسف أنيس بمرارة ويقول "نقل ضحايا حرائق منطقة القبايل (صيف 2021) إلى الخارج وهي مبادرة جيدة، لكننا نشترك في نفس الجنسية والحب للوطن".