تصعيد وكلاء إسرائيل وتحديد خليفة عباس.. قراءة في نتائج اجتماع "فتح" برام الله

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

دخل محمود عباس في التاسع من يناير/كانون الثاني 2022، عامه السابع عشر رئيسا للسلطة الفلسطينية بعد انتخابه عام 2005 خلفا للرئيس الراحل ياسر عرفات.

في الأثناء، جددت اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في 19 يناير 2022 اختيار عباس رئيسا للدولة واللجنة.

اقتصرت تغييرات فتح على ثلاث قيادات هم: عزام الأحمد لأمانة السر في منظمة التحرير، وروحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني الفلسطيني بعد استقالة سليم الزعنون، وأهمهم حسين الشيخ بعضوية اللجنة التنفيذية.

التغييرات التي تبدو شكلية، تثبت في واقع الأمر أقدام مؤيدي التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في حركة فتح، الذين يعارضون المقاومة المسلحة ويصفونها بالعنف.

جاءت التدويرات في ظل بدء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وفصائل المقاومة إستراتيجية جديدة للتصعيد في الضفة الغربية بالمقاومة "الشعبية"، ونقل الصراع لمناطق السلطة الفلسطينية والقدس.

كما أتى ذلك بالتزامن مع زيارة "مهينة" أجراها عباس لمنزل وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال الأخير إنه بحث فيها "قضايا أمنية لضبط الاستقرار في الضفة"، في إشارة للتنسيق ضد خطط حماس.

مراقبون اعتبروا قرارات مركزية فتح صادمة لأنها أبعدت شخصيات تاريخية، وأتت بأخرى قريبة من إسرائيل، وتوقعوا صداما داخليا قريبا قد يؤدي لانقسام الحركة.

أكدوا لـ"الاستقلال" أن الاجتماع كان يفترض أن يشهد انتخابات وهو ما لم يحدث، وكان أشبه بتعيينات محسومة، بدا منها أن عباس والمقربين منه يستهدفون حسم معركة خلافة الرئيس البالغ من العمر 86 عاما، مبكرا.

"ما جرى في اللجنة المركزية لحركة فتح ليس أمرا عابرا، ولكنه محاولة لترتيب الوضع داخل منظمة التحرير وحشو المناصب التي خلت عقب موت صائب عريقات، واستقالة حنان عشراوي، ثم سليم الزعنون، من رئاسة المجلس الوطني".

بعبارة أخرى جرى "ترتيب الأمر بحيث يكتمل تفرد فتح بالمنظمة عقب تفرد عباس بالسلطة"، بحسب ما قال المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف لـ "الاستقلال".

وأردف أن "عباس بات يشعر أن أجله قد دنا، لذلك أراد ترتيب منظمة التحرير بالطريقة التي تخدم مصالح فريق أوسلو".

مايسترو التنسيق

وتابع: "رشح عباس حسين الشيخ عضوا في اللجنة التنفيذية لتصعيده أمين سر لها بدلا من صائب عريقات، بحيث بعد وفاة عباس يصبح الأول رئيسا للسلطة الفلسطينية، وهو ما يريده الكيان الصهيوني".

هذا سيقطع الطريق على اللواء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة والطامع الأول في خلافة عباس، ويقطع الطريق على القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان الذي تعده أوروبا والغرب ليكون الخليفة.

ومما يشار إليه هنا، أن عباس والشيخ قدما خدمة كبيرة لإسرائيل خلال لقائهما وزير الجيش الإسرائيلي مؤخرا، بوقف توثيق جرائم إسرائيل، بحسب المحلل الفلسطيني صالح النعامي.

فلسطينية أكدت أن حسين الشيخ هو "مايسترو التنسيق مع الاحتلال" لقمع المقاومة في الضفة الغربية، وتريده إسرائيل بشدة مع بدء حماس مرحلة جديدة بنقل المقاومة للضفة والقدس.

أوضحت المصادر لـ"الاستقلال" أن إسرائيل تعتبر الشيخ أحد رجالاتها، لأنه يعادي المقاومة الشعبية في الضفة، وكذا المسلحة في غزة، واشتهر بعقد لقاءات وفتح خطوط ساخنة مع الاحتلال لقمع المقاومين.

حين هاجمت قوى سياسية إسرائيلية استقبال غانتس للرئيس عباس، ومعه الشيخ، في منزله، خرج رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، بعدها بيومين ليوضح لهم خدمات الشخصيتين، بحسب المصادر.

كوخافي أعطى في 31 ديسمبر 2021 مثالا على ذلك بقوله: "شنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، عملية في جنين بدلا من الجيش الإسرائيلي ضد المقاومين".

ذكر أن قوات السلطة الفلسطينية الأمنية دخلت إلى أزقة مخيم جنين الضيقة، وعملت ضد المقاومين بموجب التنسيق الأمني مع إسرائيل، وصادروا وسائل قتالية، واعتقلوا ناشطين كثرا، بحسب ما نقلت عنه القناة 12 الإسرائيلية.

المراسل العسكري للقناة، نير دفوري، علق قائلا: "هذه القصة تبرز أهمية الحفاظ على التنسيق الأمني مع الفلسطينيين، فهذا هو الموضوع الرئيس الذي بحثه غانتس وعباس والشيخ، أي العمل سويا ضد المقاومة الفلسطينية".

حين سألت قناة "ميديا لاين" حسين الشيخ في 25 يوليو/تموز 2021 عن تطلعه لتولي خلافه عباس الطاعن في السن، حاول التهرب من الإجابة والحديث عن ضرورة "إعطاء الفرصة لجيل الشباب للقيادة"، وأنه لا يركض وراء الرئاسة.

بعد يوم واحد من هذا التصريح، وصفت صحيفة جيروزاليم بوست 26 يوليو 2021، حسين الشيخ (60 عاما) وماجد فرج (50 عاما) بأنهم "الحرس الشاب" وهم القوة الخفية في السلطة الفلسطينية.

نقلت "جيروزاليم بوست" عن "مسؤولين فلسطينيين كبيرين" أن "الشيخ يشغل منصب كبير المستشارين السياسيين لعباس"، وأنهم "القادة الفعليون" ولديهما سلطة أكبر من أي مسؤول فلسطيني آخر، وأكثر الموثوق بهم من جانب عباس.

ونقلت عن فلسطينيين في رام الله وصفهم "الشيخ" بأنه رئيس الوزراء الحقيقي، بينما قال آخرون إنهم يعتبرون "فرج" وزيرا للدفاع.

كما نقلت الصحيفة عن "مسؤول مخضرم في فتح" قوله: "الرئيس عباس سيفعل حرفيا أي شيء يطلبان منه فعله، لأنهما أقوياء للغاية بفضل علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة".

أضاف: "إذا أراد الإسرائيليون والأميركيون شيئا من السلطة الفلسطينية، فإنهم يعرفون ممن يطلبون ذلك: حسين الشيخ وماجد فرج ".

صحفي فلسطيني يقيم بالضفة الغربية أكد لـ "الاستقلال" أن ترشيح "الشيخ" لعضوية اللجنة التنفيذية، معناه أن يكون هو الأقرب للفوز بمنصب أمين سر المنظمة.

أوضح أنه بذلك سيكون نائب رئيس المنظمة، ورئيس السلطة، ومن يحل محله في حال غيابه أو موته حتى إجراء الانتخابات، وهو مؤشر واضح على حسم وضعه كخليفه لعباس.

لم يبق إلا ترشيحه رسميا للمنصب في المؤتمر الثامن المزمع عقده في نهاية مارس/آذار 2022، كما يقول صحفي في الضفة الغربية فضل عدم ذكر اسمه.

وكالة "قدس برس" أكدت في 19 يناير 2022 أن اجتماع فتح "شهد سيطرة مطلقة لتيار (حسين الشيخ-ماجد فرج)، المدعوم أميركيا وإسرائيليا بشكل علني، على بقية التيارات المتناقضة داخل حركة فتح.

نقلت عن "مصدر خاص" من حركة فتح أن ما جرى كان مجرد اجتماع لمبايعة عباس، لا انتخابات، لأن فتح ملف الشخصية البديلة عنه كان كفيلا بتفجير الاجتماع، وخلق خلافات وانشقاقات إضافية بين قيادات يعملون على تأجيلها.

المصدر أكد أن "فتح دخلت بهذه الترتيبات الأخيرة مرحلة جديدة يعلو فيها كعب حسين الشيخ، المقرب من الإسرائيليين، وخليفة عباس المتوقع.

أشار إلى تراجع أسماء تاريخية، أمثال محمود العالول نائب رئيس الحركة، وتوفيق الطيراوي رئيس جهاز المخابرات العامة السابق إضافة إلى جبريل الرجوب"، لذا الصدام بين قادة الحركة قادم لا محالة، وهو بدأ على مواقع التواصل بالفعل.

صحيفة "القدس العربي" اعتبرت في 18 يناير 2022 أن اختيار حسين الشيخ ممثلا لحركة فتح في اللجنة التنفيذية جاء في ضوء ممارسته منذ فترة طويلة، المهام التي كانت مناطة بالراحل عريقات.

الشيخ كان يشرف بالإنابة على "الملف السياسي" في المنظمة والسلطة الفلسطينية بالفعل، وهو عضو أساسي في الوفد الفلسطيني الذي يرافق عباس في جولاته الخارجية، وهي مهام كان ينفذها عريقات قبل وفاته.

وكان الشيخ أيضا أحد الذين التقاهم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي 11 يناير 2022 مع عباس في شرم الشيخ.

أيضا حضر جميع اللقاءات التي عقدها الرئيس الفلسطيني مع مسؤولين دوليين وأميركيين وإسرائيليين، خلال زيارتهم إلى رام الله، وشارك في اللقاء الأخير مع وزير الجيش الإسرائيلي.

كما شارك "الشيخ" كممثل عن فلسطين، في الاجتماع الثلاثي الفلسطيني المصري الأردني، الذي عقد بالقاهرة في 27 ديسمبر 2021، بمشاركة وزيري خارجية مصر سامح شكري والأردن أيمن الصفدي، وبحضور رؤساء المخابرات.

ديكتاتورية وقمع

تتخوف مصادر في حركة فتح، إضافة لفصائل أخرى، من صراع قريب قد يحدث قبل أو بعد وفاة عباس حول المناصب، وأن يكون هذا الاجتماع هو الأخير ونهاية رئيس السلطة والمنظمة نفسها وانشقاقها.

تحدثت عن عدم رضا فصائل منظمة التحرير، وغضب واسع من استئثار مقربين من عباس في "فتح" بالمناصب الكبرى، ما قد يشكل خطرا على ما تبقى من الحركة، ويفتح الباب أمام صراع داخلي قد يؤدي لتفتيت ما تبقى منها.

محلل سياسي فلسطيني في رام الله قال لصحيفة جيروزاليم بوست 26 يوليو/تموز 2021 إن "فرج والشيخ صديقان حميمان وحليفان، لكن لهما أعداء كثيرون بين قادة فتح الذين يرون أنفسهم خلفاء طبيعيين لعباس".

وواصل: ينظر إلى تحالف "الشيخ –فرج" وعلاقاتهما الوثيقة بعباس على أنه "ضربة لاثنين من كبار مسؤولي فتح: جبريل الرجوب ومحمود العالول، اللذين كانا يوصفان بأنهما خلفاء محتملين لعباس".

قال المحلل للصحيفة إن "حسين الشيخ وماجد فرج هما النجمان الصاعدان والأقوى تأثيرا من الرجوب والعالول، ويسيطران على أذن الرئيس، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع الإسرائيليين والأميركيين".

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سابقا، ناصر القدوة، قال إن ما تمخض عن اجتماع فتح أبرز مشكلة غياب العمل المؤسساتي لدى السلطة ومنظمة التحرير، وحالة الاهتراء والترهل والتمزق التي أصابتهما.

أكد في تصريحات لموقع "قدس" المحلي 19 يناير 2022 "غياب أي عمل تنظيمي معقول، وأي ديمقراطية داخلية"، وانتقد انفراد اللجنة المركزية بالقرارات قائلا: "لا توجد مؤسسة اسمها لجنة مركزية".

عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق انتقد تعامل حركة فتح مع مؤسسات الشعب الفلسطيني على أنها "ملكية خاصة، تفعل بها ما تريد، دون الرجوع لشعبنا وقواه الحية".

اعتبر في تغريدات على تويتر أن تجديد الثقة بالرئيس الفلسطيني "مكانه أصوات الشعب، وليس بتصويت أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وإلا فلتعلن أن لجنتها المركزية هي أعلى سلطة في البلاد، ولا سلطة غيرها للشعب".

وكان مرزوق انتقد مسبقا، التجهيز لعقد المجلس المركزي الفلسطيني "دون توافق وطني".

وأشار إلى أن "مخرجاته مجهزة سابقا"، واعتبر ذلك "تعبيرا عن نهج الإقصاء الذي تمارسه فتح ومصادرتها لحق الشعب في اختيار قيادته".

لا تخفي الصحف العبرية فرحتها بصعود حسين الشيخ، وبجانبه صديقه اللواء ماجد فرج، لأنهما مؤيدان لاستهداف المقاومة الشعبية في الضفة، وأيضا المسلحة في غزة أو الضفة.

"إذا وصل الاثنان إلى السلطة في حقبة ما بعد عباس، فيمكن لإسرائيل وأميركا والاتحاد الأوروبي أن يتنفسوا الصعداء، فكلاهما يؤمن باستمرار التنسيق الأمني ​​والمدني"، هكذا توقعت جيروزاليم بوست في تقريرها السابق.

أشارت لرفض ومعارضة حسين الشيخ وماجد فرج، "لأي شكل من أشكال التقارب بين السلطة الفلسطينية وحماس، عكس ما يريده قادة آخرون بحركة فتح".

أكدت أنه: "طالما استمر الشيخ وفرج في مناصب عليا فإن احتمال إنهاء الخلاف بين فتح وحماس سيبقى معدوما".

ربما لهذا توقع المحلل الفلسطيني مصطفى الصواف محاربتهما معا لأي مقاومة في الضفة الغربية "شعبية" كانت أو "مسلحة".

قال لـ "الاستقلال": التصعيد قائم في الضفة من الاحتلال وأجهزة عباس، أما غزة فالاحتلال له فيها حسابات مختلفة بعيدا عن انتخابات فتح، ولا يرغب في الوقت الحالي بأي تصعيد معها ولكنه يتحرش بها بإرهابه في القدس والضفة وداخل السجون".

وأكد أن "تحول المقاومة الشعبية إلى مقاومة مسلحة تطور طبيعي، لذا كان القرار من قبل الاحتلال هو ضرورة وقف الأولى، وإسناد هذا لأجهزة السلطة الفلسطينية التي تحمي المستوطنين ومنع التصدي لهم، بتعليمات من غانتس".

وبعد يومين من تغييرات فتح الأخيرة وتصعيد "رجال إسرائيل" في المنظمة، شنت أجهزة أمن السلطة هجمة شرسة ضد المقاومة الشعبية واعتقلت العديد من الناشطين الذين يواجهون الاستيطان في جبل صبيح.

وهو ما وصفه الناطق الإعلامي باسم حماس حازم قاسم في تغريدة على تويتر، بأنه "خدمة واضحة للاحتلال والمستوطنين، وتشجيع لهم على مواصلة إجرامهم في الضفة".