ناصريون ومباركيون يخرجون عن صمتهم.. لماذا انتقدوا السيسي قبل ذكرى يناير؟

محمد السهيلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وجهت شخصيات سياسية مصرية محسوبة على "التيار الناصري" عدة رسائل حادة إلى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قبل أيام من الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بالتزامن مع تقارير دولية تكشف حقيقة ما يرتكبه النظام من سياسات خاطئة، فضلا عن بطشه الأمني بحق المصريين.

وصدرت هذه الرسائل عن رموز معروفة في الوسط السياسي المصري، بينها المرشح الرئاسي الأسبق لدورتي (2012، و2014) حمدين صباحي، وهدى نجلة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

كما أتت بعد أيام من انتقاد علاء نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، لأحد خطابات السيسي التي اتهم فيها الرؤساء السابقين بالخوف وحملهم تحول مصر إلى وضع سيء، فضلا عن انتقادات حقوقية دولية متواصلة لسياسات السيسي القمعية.

مواقف جريئة

وبعد غياب طويل متعمد أو قسري عاد صباحي للظهور على الساحة السياسية، داعيا إلى تدشين جبهة من كل التيارات لإنقاذ الثورة مما وصفه بـ"نظام الاستبداد والبطش والظلم".

وتأتي عودة صباحي مؤسس حزب "الكرامة"  قبل نحو أسبوع من حلول الذكرى الـ11 لثورة يناير، وغلب عليها جرأة افتقدها منذ انقلاب السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013 الذي كان أحد مؤيديه.

وقال صباحي خلال احتفال لحزب "الكرامة" في 13 يناير 2022 إن "المعركة الحالية بين أصحاب الأمل في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وبين اليأس من تغلب قوى الاستبداد والبطش والظلم" .

وفي رؤيته، أكد أن "الأمل في أصحاب الحق والساعين إليه؛ هو وحدتهم وتنظيمهم"، موضحا أن "ثورة يناير 2011، افتقدت التنظيم، ووصل بنا الحال إلى ما نحن فيه".

وطالب بضرورة قيام "جبهة وطنية كبيرة تتسع لكل التيارات لقيادة الثورة والتغيير المأمول الذي ينتظره الشعب"، مشددا على أنه "لا وقت متاح، وتيار واحد لا يستطيع قيادة التغيير، لذا ندعو إلى جبهة لكل التيارات".

رسالة أخرى جاءت للسيسي من هدى نجلة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قالت فيها: "أبي لم يكن رئيسا قمعيا ولم يبن القصور".

ففي تصريح اعتبره كثيرون موجها للسيسي، قالت هدى عبدالناصر إن والدها تعامل مع "مظاهرات الطلبة" التي طالبت بإعادة محاكمة قادة طيران الجيش المصري إثر "نكسة 1967" بحكمة شديدة.

وفي موضوع آخر، أضافت هدى خلال لقائها في 14 يناير مع الإعلامي مصطفى بكري، بفضائية "صدى البلد" المحلية، أن والدها كان ينزل عادة في استراحة بسيطة تابعة لوزارة الزراعة فى برج العرب شمال غربي البلاد، وفي منطقة القناطر شمالي القاهرة.

وأكدت نجلة عبدالناصر، أن الاستراحات التي جهزت لوالدها خصيصا ألحقها بفندق "سيدي عبد الرحمن" بالإسكندرية،  لأنه "لم يكن يحب ذلك".

وهي كلمات اعتبرت موجهة للسيسي الذي اعترف بتشييد القصور، وكشفت تسريبات للمقاول المعارض محمد علي، أنه بنى عديدا منها، بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومنطقة الهايكستب شرقي القاهرة.

وفي مواجهة أخرى أكثر مباشرة، وجه علاء نجل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، انتقادات حادة للسيسي، مستنكرا تعبيرات أطلقها الأخير مؤخرا وفي مناسبات سابقة على مصر مثل "شبه دولة وكهنة" وهي ما تمس نظام أبيه بشكل واضح.

وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وخلال افتتاحه مشروعات بالصعيد، انتقد السيسي نظام مبارك قائلا: "من خوفهم على الكراسي لم يصارحوا الناس بكارثة تسعيرة خدمات الطرق والنقل، لحد ما جعلوا البلد كهن، طرق متهالكة وسكة حديد وقطارات متهالكة".

ورغم أن علاء مبارك طالما تحدث منتقدا بعض السياسيات في عهد السيسي لكن دون أن تمس الأخير شخصيا إلا أنه انتقد بشدة حديث السيسي، قائلا له عبر تغريدة بموقع"تويتر" حذفها لاحقا: "مع كل الاحترام لحضرتك لم تكن مصر في يوم ولن تكون بإذن الله كهنة أو شبه دولة".

وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى صراع خفي بين دولتي مبارك والسيسي، وأن الأخير أراد الرد بقوة مشوها نظام مبارك بتحميله أسباب انهيار البلاد وتحولها إلى كهنة.

بينما رد علاء مبارك بقوة لأنه لم يعد لديه ما يخشاه بعد غلق ملف قضية "التلاعب بالبورصة" آخر الاتهامات الموجهة له ولأخيه جمال مبارك.

مطالبات بالرحيل

وتأتي المواقف الثلاثة في توقيت ظهرت فيه هاشتاغات مطالبة برحيله، إذ تصدر وسم "#ارحل_يا_سيسي" موقع "توتير" لعدة أيام مصحوبا بتغريدات تعبر عن حالة الغضب الكبير في الشارع المصري من سياسات النظام.

وذلك بعد ساعات من تصريح السيسي خلال "منتدى شباب العالم" أنه على استعداد للرحيل الفوري من منصبه إذا كانت هناك رغبة شعبية في ذلك.

كما تتزامن تلك الرسائل مع ما وجهته ناشطة حقوقية للسيسي من انتقادات خلال منتدى شباب العالم بشرم الشيخ الذي عقد في 10 يناير 2022، بحضور 5 آلاف شاب من دول العالم، وكان مثار جدل كبير.

وفي حضور السيسي جلسة نموذج محاكاة مجلس حقوق الإنسان، انتقدت ممثلة تحالف البحر المتوسط انتهاكات حقوق الإنسان بمصر، وهاجمت جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، بحق المعارضين.

وفي نفس الأسبوع وجهت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية انتقادات حادة لملف نظام السيسي الحقوقي في تقريرها الأحدث لعام 2021، الصادر في 13 يناير، بعنوان: "لا نهاية للقمع المنهجي استهداف الحقوقيين والمواطنين ومضايقتهم وتعذيبهم".

وقالت المنظمة: "في 2021، صعدت السلطات من استخدام محاكم أمن الدولة – طوارئ التعسفية، لمقاضاة النشطاء والمنتقدين السلميين الذين انضموا إلى آلاف المعارضين الموجودين في سجون مصر المكتظة".

وأضافت: "أصدرت المحاكم أحكاما بالإعدام في محاكمات جماعية، مما زاد من أعداد الإعدامات التي تتصاعد بشكل حاد".

ولفت التقرير إلى أن "الحكومة أصدرت في يناير 2021، اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية لسنة 2019 الذي نص على قيود صارمة مفروضة على المنظمات المستقلة". 

وأشار إلى أن "الجيش واصل فرض قيود مشددة على الحركة بسيناء وهدم مئات المباني في شمال سيناء تحت ذريعة محاربة (ولاية سيناء)، ومن المحتمل أن ترقى عمليات الهدم هذه إلى جرائم الحرب".

وقال إن "الظروف المتردية في السجون ومراكز الاعتقال المصرية غير خاضعة للرقابة المستقلة. غالبا ما تحرم السلطات السجناء المرضى من الحصول على الرعاية الصحية الكافية.

وبحسب منظمة "كوميتي فور جستس" الدولية (مقرها جنيف) توفي 57 سجينا، معظمهم محتجزون لأسباب سياسية، في الحجز في الأشهر الـ8 الأولى من 2021.

وفي السياق، أكد تقرير منظمة "أمنيستي" لعامي 2021/2020 أن السلطات المصرية واصلت نهج معاقبة أي معارضة علنية أو مفترضة، وقمعت بشدة الحق في التجمع السلمي، وفي حرية التعبير، وفي حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها.

وأكدت المنظمة "احتجاز عشرات الصحفيين تعسفيا دونما سبب سوى عملهم أو آرائهم النقدية"، و"واصلت فرض قيود على حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها فيما يتعلق بمنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية".

 وأشارت إلى أن "ظروف الاحتجاز قاسية وغير إنسانية، وحرم سجناء من الرعاية الصحية الكافية"، لافتة لوفاة 35 شخصا في السجون أو بعيد إطلاق سراحهم.

رسائل بلا تأثير

وعن دلالات هذه المستجدات، يقول الناشط السياسي المصري حسن حسين إن "الرسائل السياسية يجب أن تستند لحقائق لا يمكن أن يدحضها الواقع من ناحية، وإلى قوة جماهيرية تعبر عنها تلك الرسائل وتدافع عن حقوقها ومصالحها من ناحية أخرى، والأهم أن يكون صاحب الرسائل ذا مصداقية تاريخية وأخلاقية". 

ويوضح لـ"الاستقلال": "وفي حالتنا هذه تتوفر الشروط الموضوعية للرسائل إلى حد كبير، أما بالنسبة لأصحاب الرسائل فالعكس تماما، وخاصة في حالتي حمدين صباحي وهدى عبدالناصر، فقد تسببا بكثير من الشروخ في جدار الثورة بمواقفهما المترددة والساذجة، التي لا تعبر عن وعي سياسي ناضج".

"ولأن الرسول أهم من الرسالة، مهما كانت صحيحة، فدعوات تشكيل جبهات سياسية جديدة، لن يستجيب لها أحد، لسببين: أولهما أنه لا توجد قوى سياسية واضحة المعالم، تتمتع بثقة الجماهير، فأغلب القوى الموجودة تسببت بانتهازيتها وسذاجتها السياسية في هزيمة ثورة يناير "، يضيف حسين.

والسبب الثاني، وفق الناشط المصري، "عجز تلك القوى الهشة عن حشد الجماهير حولها ومعها في أي عمل سياسي جديد، والدليل الأكبر على ذلك، أن تلك القوى تعاني من فراغ حزبي كبير، ولا تضم سوى بضع عشرات".

ويتابع: "وكل يوم يغادرها وينفض عنها الكثير من أعضائها، ولا تأثير يذكر لها في مقاومة الاستبداد، حتى يمكن الاصطفاف بجوارها فيما تقترحه".

وعن الظهور المفاجئ لصباحي، قال حسين: "ليس بجديد عليه، تلك عادته التي يكررها عبر تاريخه السياسي الطويل، واحتمالات الغياب تدينه ولا تنصفه، سواء كان مستسلما لإجبار السلطة له، أو كان الغياب اختيارا شخصيا، وأنا أميل للاحتمال الثاني".

وأضاف: "برغم كل الضغوط والقمع الذي يمارسه النظام الحاكم، إلا أن هناك العشرات من العقول النابهة صاحبة الوعي التاريخي، من كافة المدارس السياسية، يكتبون على مدار الساعة للارتقاء بوعي الجماهير، وللمطالبة بضرورة حشدها وتنظيمها لمقاومة دولة الفساد والاستبداد والتطبيع".

وأشار إلى أنه "لم تتمكن عمليات القبض الواسعة من إرهاب الناس عن ذلك، بل ربما تزايدت في الآونة الأخيرة حدة اللهجة ضد النظام وممارسات ومواقف وتصريحات السيسي شخصيا". 

ويعتقد حسين، وهو أحد المعتقلين السياسيين السابقين في عهد السيسي أنه "لايمكن أن يكون اختفاء صباحي إجبارا من السلطة، ولو كان ذلك فما المتغير الجديد الذي دفع بالشجاعة إلى عروقه، ليتخلى عن صمته ويعود للساحة من جديد؟".

"اللهم إلا إذا انتابته الرغبة في الظهور على المسرح من جديد، لا أكثر ولا أقل، وخاصة أن دعوته تثير السخرية، بل والخجل من سياسي يفترض في نفسه ما ليس فيه، يدعو إلى تشكيل جبهة إنقاذ تم تشكيلها في السابق بنفس الآليات ونفس الشخصيات"، وفق حسين.

وعن مدى نجاح دعوة صباحي، توقع الناشط المصري أنها "ستفشل كما فشلت سابقتها، وكما فشلت الحركة المدنية الديمقراطية، لأن القاعدة تؤكد أن نفس المقدمات في نفس الظروف لا بد حتما أن تؤدي إلى نفس النتائج".

وعن مآل نظام السيسي، ختم حسين حديثه بالقول: "التاريخ يجيبنا بوضوح أنه إلى زوال مثله مثل كافة الأنظمة المستبدة، وأن مصير الطغاة دائما يكون تحت أحذية الثوار، وتلك حكمة التاريخ التي نثق فيها، وتؤكدها وقائعه".

تململ كبير

من جانبه، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا إن "هناك حالة تململ عموما في الأوساط السياسية بمختلف تنوعاتها من السياسات التي يقوم بها السيسي والتي توصل بالبلاد إلى حالة إفلاس حقيقي وتقويض دورها الإقليمي".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "السيسي يضغط على المصريين بدرجة بالغة جدا، وينفذ سياسات داخلية وخارجية تضر بأصول الأمن القومي لمصر، سواء بملف سد النهضة أو قضية تيران وصنافير، وحاليا بالوضع الاقتصادي وبطشه برجال الأعمال".

وتابع: "تقييمي أن الأمر لا يقتصر على صباحي، بل هناك تململ داخل مؤسسات الدولة من سياساته التي تضر الدولة المصرية؛ وبالتالي أتوقع أن يكون هناك في المرحلة الحالية نوع من التنشيط والحراك السياسي مدعوم بأطراف إقليمية ودولية".

ورأى مولانا أن "المشهد المصري ربما يصل إلى حافة انفجار شعبي، وتلك الأطراف سترغب في استباق هذا الوضع بإحداث انفراجة في المشهد".

ولفت إلى أن "حديث السيسي في منتدى الشباب الأخير عن قضية التظاهر وقوله: (ادفعوا 50 مليار دولار كل سنة وأنا أنزل لكم المتظاهرين طالما هذا طلبكم)؛ أظن أنها  موجهة لمؤسسات داخل الدولة وأطراف خارجية بأن الوضع الحالي يصعب استمراره".

كم أشار  كذلك إلى "القبض على رجال الأعمال محمد الأمين، وحسن راتب، وصفوان ثابت، وغيرهم من رجال الأعمال".

ويعتقد الباحث المصري أنه "بالتالي فالضغوط التي يقوم بها السيسي ستدفع صباحي وغيره من الذين كانوا أطرافا في الانقلاب إلى التحرك ليكونوا واجهة لحراك جديد، وفي نفس الوقت يكتسبوا ثمرات في حال حدوث تغيير".