ضغوط بايدن أم عبدالله الشريف.. من اضطر السيسي لإطلاق معتقلين في مصر؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

طوال سنوات منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، طالبت منظمات دولية النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي، بالإفراج عن المعارضين والناشطين المعتقلين، لكن السيسي لم ينفذ أي منها، زاعما أنه لا يوجد في مصر أي معتقلين سياسيين بل محاكمات طبيعية في قضايا جنائية أو أمنية.

غير أنه خلال الأسابيع الماضية، أفرج السيسي عن عدد من الناشطين والمعارضين، مع توقعات بالإفراج عن المزيد منهم، ما فتح باب التساؤلات عن أسباب إخلاء سبيلهم، لا سيما أنها جاءت بعد "شروط أميركية"، و"مساومات" مع ناشطين آخرين.

شروط أميركية

في 13 و14 سبتمبر/ أيلول 2021، نشرت صحيفتا "بوليتيكو" و"واشنطن بوست" الأميركيتان، تقارير تتحدث عن حجب إدارة الرئيس جو بايدن 10 بالمئة (130 مليون دولار) من المساعدات العسكرية للجيش المصري، ورهنها بشرطين.

الشرط الأول، إنهاء قضية ما يسمى "التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني (القضية 173 لسنة 2011)، التي تحركت مصر لتصفيتها قبل عام، وتبرئة أغلب المنظمات الأهلية الأجنبية والمصرية المتهمة فيها، تمهيدا للغلق الكامل لها.

والثاني، إسقاط الاتهامات بحق 16 ناشطا مصريا معتقلا وإطلاق سراحهم، وقالت صحف أميركية إن واشنطن أرسلت أسماءهم للقاهرة عبر السفارة الأميركية في يونيو/حزيران 2021، دون تحديدهم.

وقال مصدر أميركي لصحيفة واشنطن بوست: "إذا نفذ المصريون الشروط وأكملوا معايير حقوق الإنسان التي وضعناها فإنهم سيحصلون على الـ130 مليون دولار المحجوزة".

من جانبه، أوضح الحقوقي المصري المقيم بالخارج بهي الدين حسن أن المهلة التي وضعتها إدارة بايدن لرئيس النظام المصري عبد الفتاح لسيسي لتنفيذ الشروط، مقابل الإفراج عن باقي المعونة الأميركية، تنتهي منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، ويتردد أن السيسي طلب مدها لآخر الشهر.

وذكر حسن عبر تويتر في 9 يناير  أنه "جرى تحرير 5 معتقلين من الـ16 هم: إسراء عبد الفتاح، وباتريك زكي، وعلا القرضاوي، ورامي شعث، ورامي كامل، وخلال أيام يكتمل الإفراج عن 16 أسيرا مصريا اشترطت إدارة بايدن الإفراج عنهم".

وأوضح أن الشرط الثاني المتعلق بإنهاء قضية 173 الخاصة باتهامات ملفقة لمنظمات مجتمع مدني، يكاد ينتهي، لكنه توقع إنهاء القضية "ورقيا"، واستبدالها بقضايا أخرى "أخبار كاذبة، ضرائب".

انفراجة مزعومة

بالتزامن مع توقع مصادر مصرية مختلفة إطلاق مزيد من المعتقلين في صورة إفراجات فردية، أكد البرلماني السابق محمد أنور السادات، الذي يوصف بأنه "عراب المصالحة بين النظام والمعارضة"، أنه سيتم الإفراج عن آخرين. 

وكتب في 9 يناير عبر فيسبوك إنه يجرى حاليا العمل على مراجعة حالات المحبوسين احتياطيا، تمهيدا للإفراج عنهم خلال الأيام القليلة القادمة في إطار تفعيل الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واعتبر ذلك "انفراجه كبيرة". 

السادات، وهو رئيس حزب الإصلاح والتنمية ومنسق مجموعة الحوار الدولي التي زارت أميركا للوساطة لنظام السيسي، قال إن النيابة والقضاء يراجعون ملفات محبوسين للإفراج عنهم.

بجانب الخمسة الذين تحدث عنهم بهي الدين حسن، تم إطلاق الشاعر خالد سعيد صاحب أغنية "مصر تحيا" بعد 3 سنوات حبس منذ يوليو/تموز 2017، لأنه شارك ثورة يناير 2011 وكتب أشعارا عنها.

كما تم إخلاء سبيل 15 فتاة وسيدة في 10 يناير بتدابير احترازية، بعدما تجاوزن مدة الحبس الاحتياطي أكثر من عامين، بعد اعتقالهن ضمن حملات قبض عشوائية عام 2019، أو لأن أزواجهن لهم خلفيات سياسية.

كذلك قررت محكمة جنايات القاهرة في 11 يناير إخلاء سبيل 10 معتقلين على ذمة قضايا سياسية بتدابير احترازية، بعد فترات حبس احتياطي تزيد على عامين.

وفي نفس اليوم قررت النيابة العامة رفع اسم المهندس الناشط السياسي ممدوح حمزة من قوائم الإرهاب، وإلغاء الحكم الصادر ضده بحبسه 6 أشهر، وإعادة محاكمته مرة أخرى.

هذه الإفراجات اعتبرها "أكاديمي مصري" مؤشرا على رضوخ النظام في مصر لشروط الإدارة الأميركية بعدما وضحت نية بايدن رفضه لقاء السيسي قبل تنفيذ شروطه بتخفيف القيود القمعية خشية انفجار الوضع في مصر وتضرر مصالح أميركا.

الأكاديمي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح لـ"الاستقلال" أن النظام في مصر لن يرضخ للشروط الأميركية كلها، لكنه يبدي نوعا من "التساهل" ببعض الإفراجات ويحاول "التحايل والالتفاف عليها" دون أن يعني هذا أن هناك انفراجة سياسية حقيقية.

"مساومات الشريف"

من ناحية أخرى، قال ناشطون مقربون من اليوتيوبر عبد الله الشريف المشهور بتسريباته عن النظام إن الأخير هو من يقف وراء إطلاق سراح بعض المعتقلين، لا ضغوط أميركا، مشيرين لإطلاقه 50 من هؤلاء المعتقلين مقابل عدم نشره تسريبات تفضح رموز النظام.

"الشريف"، الذي تحدث سابقا عن مقايضة وقفه نشر تسريبات بإطلاق معتقلين، نشر عدة تغريدات حول إطلاق المعتقلين، في إشارة ضمنية لوقوفه وراء الإفراجات الأخيرة.

وفي مطلع يناير 2022 نشر الإعلامي المصري المقيم في لندن أسامة جاويش حوارا صوتيا مع عبد الله الشريف يلمح إلى مفاوضات بينه وبين نظام السيسي للتنازل عن نشر تسريبات مقابل الإفراج عن معتقلين.

وقال الشريف في الحوار: "أنا تنازلت عن حاجات كثير الفترة اللي فاتت وقد أتنازل الفترة القادمة، مقابل انفراجة إن شاء الله"، وذلك مقابل الإفراج عن معتقلين كثمن لعدم كشفه عن تسريبات جديدة.

وشهد عام 2021 الإفراج عن الصحفي خالد داود، وأستاذ العلوم السياسية حازم حسني، والصحفية سولافة مجدي وزوجها الصحفي حسام الصياد، والناشطتين إسراء عبد الفتاح، وماهينور المصري. 

ورغم هذه الإفراجات، جاء الحكم بمواصلة سجن نشطاء مثل علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين، في نهاية ديسمبر 2021، واكتفاء المتحدث باسم خارجية بايدن بالقول إنه يشعر بخيبة الأمل من الحكم، ليزيد من الشكوك حول التزام نظام السيسي الكامل بالشروط الأميركية.

قيود حقوقية

برغم إظهار القاهرة مرونة في ملف الجمعيات الأهلية، تمثلت في كشف أنور السادات موافقة الحكومة على مد مهلة توفيق أوضاعها ستة أشهر أخرى بعد انتهائها 11 يناير 2022، اشتكت منظمات حقوقية من شروط التسجيل.

فبعدما أعلن طلعت عبد القوي رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية بمصر في 9 يناير، تقدمه بتعديل لمجلس النواب بمد المهلة 6 أشهر، أوقفت منظمة حقوقية شهيرة عملها في مصر.

"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أعلنت وقف نشاطها الحقوقي بعد 18 عاما من العمل لدعم الحريات، بسبب شروط التسجيل المتعسفة التي تلغي وظيفتها، ما يؤكد إصرار السلطة على عدم رفع القيود عن العمل الحقوقي كما يروج.

وأعلن جمال عيد مدير الشبكة، في 10 يناير عبر توقفهم عن العمل وتجميد عمل المنظمة في مصر بسبب ما يوجهونه من "تهديدات وملاحقات".

كما أبلغ عيد موقع "مدى مصر" في اليوم ذاته تسلمه رسالة غير رسمية من الأمن، عبر موظفين بوزارة التضامن تشترط لتسجيلها كجمعية أهلية في الوزارة تغيير اسم المؤسسة الحقوقية، وتوقفها عن رصد أوضاع السجون، والدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

وأوضح أنه "لن يسمح للأعلى صوتا والأكثر نشاطا بالحديث عن الحريات في مصر في الوقت الحالي، ولن نتحول إلى مؤسسة متواطئة".

وكشف لقناة "الحرة" الأميركية في 11 يناير أن حوالي 26 ألف جمعية قدمت أوراقها بالفعل لتوفيق أوضاعهم، من بين 56 ألفا، لكن كثيرا منها عبارة عن جمعيات صغيرة في الريف ونشاطها ضئيل للغاية". 

حقوقيون آخرون، بينهم نجاد البرعي، أكدوا أن مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية أبلغتهم استمرار إدراجهم على قوائم منع السفر، رغم رفع قاضي التحقيق أسماءهم من منع السفر، وإنهاء الدعوى ضدهم.

ومنذ فبراير/ شباط 2021، وبعد شهر واحد من تولي الرئيس بايدن، تمت تبرئة 75 جمعية أهلية في قضية التمويل الأجنبي، آخرها في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وأبلغ مدير مكتب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، محمد زارع موقع "مدى مصر" في 12 يناير أن عدد الممنوعين من السفر على ذمة تلك القضية 33 شخصا.

"زارع" قال إن تعامل السلطة مع المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية "لن يختلف"، مضيفا أن "هناك مناورات تتم في الوقت الحالي لتفويت الفرصة على الإدارة الأميركية لاستقطاع 130 مليون دولار من معونتها لمصر".

وذلك بإخلاء سبيل عدد من النشطاء السياسيين وحفظ التحقيقات مع عدد من المنظمات الحقوقية في القضية 173، "لكن ليس من المتوقع حدوث انفتاح أو إصلاح وضع المجتمع المدني في مصر في المدى القريب".

وتواجه منظمات المجتمع المدني خطر الإغلاق، إذا لم تمتثل للتسجيل خلال مهلة توفيق الأوضاع، في ظل قانون يرى بعض النشطاء أن المقصود منه اتخاذ إجراءات قانونية ناعمة ضد المنظمات الحقوقية من خلال إغلاق إداري وليس أمني.

وفي 10 يناير، أصدرت 20 منظمة دولية ومصرية، بيانا أعربت فيه عن "قلقها البالغ إزاء استمرار وبقاء منظمات المجتمع المدني المستقلة في مصر في ظل التهديد الوجودي الذي يمثله قانون الجمعيات الحالي ولائحته التنفيذية".

وطالبت المنظمات الموقعة، ومن بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، مجلس النواب بإلغاء القانون والعمل مع المنظمات المستقلة لصياغة إطار تشريعي جديد يتوافق مع المعايير الدولية.

وذكرت المنظمات أن هذا القانون يسمح للسلطات باقتحام مقار منظمات المجتمع المدني دون إخطار مسبق، وتفتيش الوثائق، وعزل أعضاء مجالس هذه المنظمات.

وأضافت: يجرد القانون منظمات المجتمع المدني من استقلاليتها، ويمنعها من رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن أفعالهم. 

سبب آخر لتراجع السيسي، يتمثل في الإحراج المتعمد لنظامه من جانب أميركا في قضية تجسس بيير جرجس، حيث تعمدت وزارة العدل الأميركية، على غير المعتاد، إصدار بيان رسمي، عن كشف الجاسوس وتجسسه على المعارضين المصريين.

واعتبر مسؤول سابق قريب من نظام السيسي هذه "سابقة" لم تعتد مصر أن تحدث في تعاملها مع أميركا، بأن يتم الإعلان رسميا، وعبر وزارة العدل الأميركية عن كشف جاسوس مصري يتجسس على مواطنين أميركيين من أصل مصري.

وأبلغ "الاستقلال" أن الأمر يبدو كأن أميركا "أرادت أن تحرج النظام بهذا الإعلان العلني، لزيادة الضغوط عليه، ولتدفعه لتقديم تنازل بالمقابل".

وأشار إلى أن قضية التجسس تشكل إحراجا بالغا للسيسي شخصيا ولأجهزته الأمنية؛ لأن الجاسوس لا بد وكشف ضباط مخابرات مصر العاملين في قضية التجسس هذه.

معضلة أميركية

هذه التطورات جاءت بالتزامن مع دراستين تحاولان ضمنا حل المعضلة التي تتعلل بها إدارة بايدن وما سبقها لعدم عقاب النظام في مصر على ممارسته القمعية بدعاوى أن ذلك يضر مصالح أميركا.

الدراسة الأولى كانت لمعهد كارنيجي الدولي (مقره بيروت) في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عن "معضلة الديمقراطية والأمن في السياسة الخارجية للولايات المتحدة"، وحاولت تفنيد ما يقال عن أن مصلحة أميركا مرتبطة بالتعاون مع نظام السيسي.

الباحثان توماس كاروثرز، وبنيامين بريس تساءلا: ما هي المصالح الأمنية المحددة التي ستساعد الشراكة مع الحكومة الأجنبية المعنية في تعزيزها؟ وما العلاقة بين المصالح الأمنية التي تأمل الولايات المتحدة أن تخدمها هذه الشراكة والوضع الديمقراطي الإشكالي للشريك؟

وطرحا ثلاثة سيناريوهات مختلفة للعلاقة مع مصر: أولها أن المصالح الأمنية الأميركية لا ترتبط بالحالة السياسية للشريك.

وثانيها، أن المصالح الأمنية الأميركية ستستفيد على الأرجح إذا تحسن الوضع الديمقراطي للبلد الشريك.

وثالثها، أن المصالح الأمنية للولايات المتحدة قد تتضرر إذا ما تقدمت الديمقراطية في بلد شريك مصر.

وأوضحا أن قطاعي الدفاع والاستخبارات في الإدارة الأميركية يريان أن مصر تخدم المصالح الأمنية الأميركية بشكل جيد على الرغم من سياساتها الاستبدادية ومسار السيسي الاستبدادي القاسي.

وأن الرأي الأكثر شيوعا داخل بيروقراطية السياسة الخارجية، والدفاع، والاستخبارات، يزعم أن التحول الديمقراطي في مصر قد يؤثر سلبا على المصالح الأمنية الأميركية، مستشهدين "بصعود جماعة الإخوان المسلمين في ظل إدارة الرئيس الراحل محمد مرسي قصيرة العمر". 

وأكدا أن أصواتا مختلفة، منها المجتمع المدني، تؤكد أن قمع السيسي الذي لا هوادة فيه قد يؤدي، بمرور الوقت، إلى مزيد من التطرف وعدم الاستقرار المحتمل في مصر.

وشددا على أن هذا "يعني تضرر المصالح الأمنية الأميركية بسبب الاستبداد المصري، على المدى الطويل".

الدراسة الثانية الأكثر وضوحا، كتبتها "سارة ليا ويتسن"، رئيسة منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (مستقلة/ مقرها واشنطن)، في مجلة "فورين بوليسي" بتاريخ 10 يناير عما أسمته "مغالطة معضلة حقوق الإنسان بمصر مقابل الأمن القومي الأميركي".

وأكدت أن "الحكومة الأميركية قادرة تماما على ضمان أمن مواطنيها دون أن تكون صديقة للطغاة، ودون بيع الأسلحة للحكام المستبدين".

وأضافت أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان "لا تستطيع" العمل بسبب الدعم العسكري الأميركي للطغاة والتأثير الفاسد للحكومات الأجنبية التي تبيع السلاح لهذه الأنظمة الاستبدادية".

وأشارت ويتسن إلى أن "الجنرال السيسي يقلد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مهاجمة المعارضين هنا في الولايات المتحدة، ويعتقد أنه يمكن أن يفلت من نفس النوع من البلطجة الوحشية".

وشددت على أن فشل حكومة بايدن في معاقبة ابن سلمان هو السبب الذي يجعل السيسي يعتقد أنه يستطيع الإفلات من العقاب عند تجسسه ومضايقته لمنتقدي نظامه المقيمين هنا في الولايات المتحدة.