المجتمع المغربي يتحول إلى الشيخوخة.. آثار سلبية عميقة على مستقبل المملكة

فاتحة المودن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تشهد بنية المجتمع المغربي تغيرا على مستوى الهرم الديمغرافي خلال السنوات الأخيرة، إذ تزايدت نسبة المسنين في مقابل انخفاض الشباب.

ونبه تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط (رسمية) أصدرته في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلى النمو المتسارع لهذه الفئة من المجتمع.

وأكدت أن عدد الأشخاص المسنين سجل نموا متسارعا خلال 2021 مقارنة مع 2004، إذ كان لا يتجاوز سوى 2.4 مليون نسمة أي ما يمثل 8 بالمئة من سكان المغرب.

وأشارت ذات المؤسسة في تقريرها إلى أن الأشخاص الذين يبلغون 60 سنة فما فوق بلغ ما يقارب 3.4 مليون نسمة، وهو ما أصبح يمثل 11.7 بالمئة من مجموع السكان.

عوامل الشيخوخة

بدأت تظهر على بنية المجتمع المغربي شيخوخة السكان أي التحول من هيكل عمري تغلب عليه فئات الشباب إلى آخر ترتفع فيه فئات المسنين.

وينجز المغرب الإحصاء العام للسكان انسجاما مع توصيات الأمم المتحدة التي تنص على إجراء العملية على الأقل مرة كل عشر سنوات، وقد نفذت الرباط هذه العملية 6 مرات.

وحسب تقرير آخر للمندوبية السامية للتخطيط، أصدرته في الأول من أكتوبر 2017، فإن نسبة الأشخاص المسنين في ارتفاع متسارع، إذ تزايدت بثلاث مرات ونصف ما بين 1960 و2014.

ارتفعت نسبة هذه الفئة بالمغرب من مجموع السكان من 7.2 إلى 9.4 بالمئة ما بين 1960 و2014.

وأفادت مندوبية التخطيط المغربية أن هذا الارتفاع سيصل إلى 23.2 بالمئة خلال 2050 مع عدد المسنين الذي سيناهز 10.1 ملايين فرد.

وانتقل عدد الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق من مليونين و376 ألف نسمة سنة 2004 إلى 3 ملايين و209 آلاف نسمة خلال 2014، أي بزيادة قدرت بـ35 بالمئة خلال هذه الفترة.

ويضيف ذات المصدر أن نصف الأشخاص المسنين  هم من النساء، مما ينذر بوصول نسبة هذه الفئة إلى 52.2 بالمئة خلال سنة 2030.

وتعتبر شيخوخة السكان متسارعة نسبيا بالوسط الحضري مقارنة بالوسط القروي وذلك يعود إلى الهجرة القروية نحو المدن.

بحسب عبد الرحيم عنبي أستاذ علم  الاجتماع بجامعة ابن زهر في مدينة أغادير، يعود طول أمد الحياة بالمغرب وارتفاع نسبة الشيخوخة إلى 3 عوامل أساسية "أولها تحسن المستوى المعيشي". 

وأضاف عنبي لـ"الاستقلال"، أن مغرب الأربعينيات من القرن الماضي كان فيه متوسط أمد الحياة لدى المغاربة 48 سنة بسبب سوء التغذية التي كان يعاني منها المغاربة والنقص الكبير بتنوع المواد الغذائية.

وتعود وفرة الغذاء إلى الاستصلاح الزراعي الذي شهده المغرب منذ الاستقلال وكذا استيراده موادا غذائية عبر انفتاحه على دول أخرى. 

أما العامل الثاني فيرى عنبي أنه يعود إلى تحسن وسائل التطبيب والصحة من خلال توفير العلاجات والتطعيمات التي حدت من الأمراض المتسببة في ارتفاع عدد الوفيات.

المستوى الثالث الذي أدى لارتفاع الشيخوخة يعود إلى الثقافة الصحية التي أصبحت لدى المغاربة، من وقاية ورياضة وأكل صحي والاهتمام بالنظافة والوعي بأهمية الصحة. 

وأضاف أن تحول العمل من قطاعات غير مهيكلة إلى العمل مع الدولة وفر للمغربي أجرة وتأمينا صحيا.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية

تغيرات البنية العمرية لسكان المغرب، تنعكس بالطبع على المستوى الاقتصادي بالبلاد من ناحية الإنتاج والاستهلاك.

ويرى المحلل الاقتصادي الساري رشيد أن "ارتفاع معدل الحياة في المغرب الذي انتقل من 63 إلى 74 سنة في الآونة الأخيرة له انعكاسات اقتصادية، إذ أصبحنا حاليا نلمس عجز مجموعة من صناديق التقاعد والضمان الصحي في مواردها المالية وهناك احتمالية تفاقم الوضع".

وأضاف الساري لـ"الاستقلال" أن ضغوطات الحياة جعلت هذه الفئة من المجتمع تعاني أمراضا مزمنة عديدة مما ينعكس سلبا على الفاتورة الصحية للمغرب، مشيرا إلى أن وباء كورونا زاد من حدة تأزم الوضع.

ونبه المحلل الاقتصادي إلى أنه يجب ألا ننسى أن مجموعة من المسنين، بل نسبة كبيرة منهم، كانت تعمل في القطاع غير المهيكل وهو ما يجعل فاتورة التطبيب في المصحات العمومية مرتفعة جدا.

إضافة إلى الأعباء والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية مما يضطرهم للتسول أو البحث عن موارد مالية بشتى الطرق، وفق تعبيره. 

إجمالا، يقول الساري إن هذه الفئة العمرية للأسف عوض أن تكون استمرارا لنهضة المجتمع أصبحت تشكل عبئا اقتصاديا كبيرا يستفحل يوما بعد يوم.

نصف السكان من الأشخاص المسنين، ليس لديهم مصدر دخل بنسبة 52.4 بالمئة، حسب بيانات المسح الوطني حول السكان والأسرة لسنة 2018 الذي أجرته مندوبية التخطيط، وهو ما يوضح ضعف وضعهم الاقتصادي. 

وبلغت نسبة الأشخاص المسنين الذين صرحوا بأن لديهم مصدر دخل حوالي 6.7 بالمئة.

ويبلغ الذين  لديهم مصدر للدخل من فئة الذكور 74 بالمئة، وفي الفئة العمرية التي تبلغ 60-69 سنة بنسبة 6.54 بالمئة، والمقيمون في الأوساط الحضرية بنسبة 8.53 بالمئة.

وحسب نفس البيانات، فإن السكان من الأشخاص المسنين الذين ليس لديهم مصدر للدخل هم أساسا من الإناث، وتوجد أكبر نسبة منهم بالمجال القروي.

كما تشير البيانات إلى أن حوالي 49 بالمئة، من الأشخاص المسنين يحصلون على منحة تقاعد، منهم 54 بالمئة إناث مقابل 48 بالمئة ذكور. 

وفي ظل تزايد نسبة المسنين بالمغرب وتغير الهرم الديمغرافي لهذا البلد، تتراجع نسبة الشباب ضمن عدة عوامل، من بينها انخفاض نسبة الخصوبة؛ إذ أصبح معدلها لا يتجاوز 1.8 طفلا لكل امرأة بالوسط الحضري.

برامج الحكومة 

تراجع سن الزواج بالمغرب الذي انتقل في المتوسط من 17.3 سنة عند النساء في 1960 إلى 25.7 عام 2014.

كما أن الوسائل التي أصبحت متوفرة لمنع الحمل ساهمت أيضا في ذلك، فاستعمال وسائل منع الحمل بالمغرب شهد ارتفاعا.

إذ كانت تمثل 19.4 بالمئة في الثمانينيات لتصل إلى 71 بالمئة خلال السنوات الأخيرة.

وتشير الإحصائيات أن نسبة الشباب البالغين أقل من 15 سنة تراجع من 31.2 بالمئة خلال 2004 إلى 28 بالمئة خلال 2014.

لذلك، قررت الحكومة المغربية اتخاذ إجراءات تجاه هذه الفئة المتزايدة في تركيبة المجتمع. واقترحت "البرنامج الوطني المندمج للنهوض بأوضاع الأشخاص المسنين 2021-2030".

وحسب وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، فإن البرنامج يأتي في إطار تعزيز جهود المغرب لمواجهة التحديات الناتجة عن التحولات الديمغرافية والاجتماعية وتقديم أجوبة ملائمة لاحتياجات وانتظارات الأشخاص المسنين.

ويستهدف البرنامج الحكومي الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق. ويهدف حسب نفس الوزارة إلى "تحقيق الالتقائية بين البرامج والإستراتيجيات الوطنية بجميع ربوع البلاد في مجال حماية الأشخاص المسنين".

كما يهدف إلى وضع تدابير لضمان حقوق الأشخاص المسنين والنهوض بمختلف أوضاعهم الاجتماعية ومنع كل أشكال التهميش والإقصاء ضدهم؛ إحداث وتفعيل آليات التنسيق للتتبع والتقييم على المستويين الوطني والجهوي".

يركز البرنامج الخاص بالأشخاص المسنين والذي تعمل عليه الحكومة المغربية على محاور إستراتيجية والمتمثلة في: تعميم التغطية الاجتماعية والوقاية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة.

إضافة إلى توفير بيئة تمكينية داعمة، المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية للأشخاص المسنين ثم تعزيز وتطوير المعرفة والنهوض بالمجال التشريعي.

ويأتي تطبيق مثل هذه البرامج الخاصة بفئة معينة من المجتمع، في إطار ما نصت عليه مقتضيات الدستور المغربي المعدل سنة 2011. 

خاصة فيما يتعلق بوضع السلطات العمومية وتفعيلها لسياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، بما فيهم الأشخاص المسنون.