وعود أول 100 يوم.. هل أوفت بها حكومة عزيز أخنوش في المغرب؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع نهاية يوم 21 يناير/كانون الثاني 2022، يكون مر على منح الثقة للحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش، "100 يوم"، ما يلزمها وفق "عرف" سياسي جديد، بتقديم حصيلتها المرحلية.

ومنحت هذه الحكومة الثقة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وينتظر منها تقديم الحصيلة التي تباينت التقييمات حولها، واختلفت التعليقات بشأنها، خاصة أن أحزاب الائتلاف الحكومي خلال الحملات الانتخابية وبعدها قدمت وعودا كبيرة.

فكانت آمال المواطنين معقودة عليها؛ نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي زادت من قتامتها جائحة كورونا المتواصلة.

ومع هذه الوعود، وبعد انتظارات الشارع ملامسة التغييرات، شهدت المدن المغربية مع الأسابيع الأولى من تعيين الحكومة احتجاجات على قرارات اعتبرت "غير شعبية" وضد توقعات شريحة كبيرة من المواطنين.

ومن أبرز الملفات التي أثارت ضجة خلال أقل من 3 أشهر، تحديد سن المتقدمين لاختبارات المعلمين في أقل من 30 عاما، إجبارية التطعيم ضد كورونا، إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية بشكل تام لنحو شهرين.

تقييم صعب

وتتشكل الحكومة الجديدة من 3 أحزاب هي "التجمع الوطني للأحرار" عدد المقاعد: (102)، و"الأصالة والمعاصرة" (86)، و"الاستقلال" (81).

وقدم الائتلاف الحكومي برئاسة أخنوش زعيم "التجمع الوطني للأحرار" برنامجه في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، محددا 10 التزامات كبرى، أبرزها توفير مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وخلق طبقة وسطى في العالم القروي.

وسبق لحكومة سعد الدين العثماني (2017-2021)، أن قدمت حصيلة 100 يوم من عملها.

لكن الناطق باسم الحكومة الجديدة، مصطفى بايتاس، تجنب الإفصاح عما إذا كانت ستقدم حصيلتها لـ"100 يوم" من عمرها أمام البرلمان.

وفي الندوة الصحفية التي أعقبت الاجتماع الأسبوعي لها، في 6 يناير 2021، قال بايتاس: "هذه حكومة تعمل في إطار الدستور".

ويتحدث الفصل 101 من الدستور، عن أن رئيس الحكومة يعرض أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعملها، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين، وفق بايتاس.

وأضاف "هذه الأمور استجدت في الحياة السياسية، هناك دول تلجأ إليها وأخرى لا تفعل (يقصد تقديم حصيلة 100 يوم أمام البرلمان)، وهي قضايا سننظر فيها مستقبلا".

واعتبرت الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أنه "بعد مرور 100 يوم، من الصعب تقييم عمل الحكومة، لوجود مخطط تنموي جديد هناك مقترن بظروف تطبيقه".

واستدركت لموير في حديث لـ"الاستقلال": "لكن معلوم أن هذه التشكيلة جاءت بعد جائحة كورونا التي أفرزت ارتفاع البطالة بشكل كبير، كما أثرت على مجموعة من القطاعات الاقتصادية، في الحكومة السابقة". 

ولفتت إلى أن "الملك محمد السادس تدخل بمجموعة من الإجراءات الاستباقية، كصندوق كورونا، ودعم المقاولات، ومشروع (تعميم) التغطية الاجتماعية والذي نتمنى أن يطبق في أسرع وقت، لتحقيق الأمن الصحي والاجتماعي للعديد من الفئات الشعبية، بالإضافة إلى الورش المتمثلة في تطبيق المشروع التنموي".

وشددت لموير على أن "المغرب اليوم يراهن على التطبيق السليم للنموذج التنموي الجديد، وهذا ما جعلنا نرى عضوين من مهندسي هذا النموذج ضمن التشكيلة الحكومية".

وفي مايو/أيار 2021، أعلن المغرب تفاصيل برنامج جديد للتنمية الاقتصادية يمتد حتى عام 2035، وترأس لجنة "النموذج التنموي"، شكيب بنموسى، وهو وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في حكومة أخنوش.

انطلاقة مرتبكة

الكاتب والباحث المغربي عبد الرحيم التوراني قال في مقال نشره عبر موقع قناة "الحرة" الأميركي في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن "إيجابيات حكومة أخنوش حتى اليوم لا تزال مجرد حبر على ورق، بخلاف السلبيات التي جرت ترجمتها سريعا على أرض الواقع".

وتجلت تلك السلبيات، بحسب التوراني، في "مواصلة سياسة الزيادة في الأسعار المرهقة للطبقات الفقيرة، ومواجهة التظاهرات السلمية بالقمع والهراوات، وافتعال أزمة فرض جواز اللقاح (منذ 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021)".

إذ بدأ وقتها سريان قرار حكومي يقضي بإبراز وثيقة (جواز التلقيح) شرطا للتنقل ودخول المؤسسات العامة والخاصة والمقاهي وغيرها.

كما أن "تغيير وزيرة الصحة (نبيلة الرميلي) وإعفاءها بعد تعيينها فقط ببضعة أيام، في سابقة تعد أسرع تعديل حكومي جرى في تاريخ الحكومات المغربية، يعكس مدى الارتباك الذي انطلقت به حكومة أخنوش".

واستطرد التوراني: "لكن الأمر نفسه ينطبق على رئيس الحكومة الذي يشغل منصب رئيس مدينة أغادير، وعلى وزير العدل (محمد وهبي) الذي يرأس مدينة تارودانت، وعلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، التي ترأس مدينة مراكش (فاطمة الزهراء المنصوري)".

من جانبه، قال الصحفي مصطفى الفن: "الذي حصل عقب تشكيل حكومة أخنوش بتحالف تكون من الأحرار والأصالة والاستقلال هو أن هناك وزراء (احترقوا) في الأسبوع الأول من استوزارهم، وأصبح وجودهم كعدمه، وبدا واضحا أن ما حسبناه ماء صافيا كان مجرد سراب تحت مفعول (الظمأ) ليس إلا".

وأضاف الفن في منشور على فيسبوك: "هكذا أصبح الخبر، في الأيام الأولى من تشكيل هذه الحكومة، ليس هو استوزار فلان أو علان، بل متى يرحل الوزير فلان والوزير علان من تشكيلة يرأسها رجل أعمال وأموال علق عليه المغاربة آمالا عريضة".

وأشار إلى أن "هناك وزراء أسقطهم الفيسبوك أخلاقيا وسياسيا حتى قبل أن يجلسوا فوق كرسي الوزارة".

وأوضح ذلك بالقول: "ندرج هنا على سبيل المثال تلك الوزيرة التي جاءت بالزوج وبالعائلة وبسرير النوم كله إلى ديوان الوزارة (يقصد وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار)، أما باقي الوزراء ومعهم رئيس الحكومة نفسه فقد تبخروا في الهواء ولم نعد نسمع عنهم أي شيء".

واستطرد الفن قائلا: "أكثر من هذا، صار القحط والركود هو العنوان العريض لهذه المرحلة السياسية التي دخلتها البلاد مع حكومة لا تختلف (ربما) في أي شيء عن شركة من شركات الهولدينغ العائلي لأخنوش.. والحقيقة أن الصمت إذا طال فقد يفتح باب الخيمة، لا قدر الله، على مصراعيه أمام الرياح السياسية العاصفة".

واجب الانتظار

لكن أمام هذه الانتقادات، دافع الأستاذ الباحث في الاقتصاد، عبد المجيد شراس، بشدة عن حصيلة الحكومة، مشيدا بقراراتها خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، معتبرا أن "الهاجس الاجتماعي" كان عنوان المرحلة.

وفي حديث لموقع القناة الثانية (رسمي)، قال شراس: "يبدو لي من خلال العديد من القرارات التي أعلنت عنها الحكومة خلال 11 مجلسا حكوميا التي عقدتها خلال هذه الفترة، طغيان الهاجس الاجتماعي على برنامج عملها، لا سيما وأنها جاءت في سياق دولي لا يزال مطبوعا باستمرار انتشار الجائحة".

وتابع: "وبالتالي استمرار التداعيات السلبية لكورونا على مختلف القطاعات الاقتصادية، ولعل هذا ما دفع الفريق الحكومي إلى تخصيص أغلبية قراراته للنهوض بالأوضاع الاجتماعية للعديد من الفئات المهنية التي تأثر نشاطها الاقتصادي جراء الجائحة".

واعتبر شراس أن "الحكومة خلال المئة يوم الأولى من ولايتها، عملت على إعطاء الانطلاقة لمجموعة من الأوراش والمشاريع التي تروم من بين أمور أخرى تشجيع الاستثمار وتذليل العقبات الإدارية أمام المستثمرين وتسهيل الولوج إلى العقار".

واستدرك قائلا: "لكن أوراش لن يظهر تأثيرها في الوقت الراهن بل يجب الانتظار لفترة أطول لقياس درجة تطبيقها على أرض الواقع والقيمة المضافة التي ستأتي بها".

لكن الصحفي يونس الزوهير، قال في تدوينة على فيسبوك: "بعد 77 يوما من تعيين حكومة أخنوش، وبعد عقدها لـ12 مجلسا حكوميا، كل المؤشرات تدل على أحد احتمالين، كلاهما مرعب.

"إما أننا سنعيش أسوأ خمس سنوات حكومة بمصائبها ومشاكلها وفقدانها للبوصلة الذي سيحطم الرقم القياسي (مقارنة بفترة) العثماني عن جدارة واستحقاق".

وتابع: "وإما الأغلبية (المريحة)، لم تستطع بعد التغلب على (الدهشة) و(الخوف) وتحتاج ما بقي لإكمال 100 يوم من أجل أن يصل عدادها للصفر أو ستبقى مدهوشة إلى نهاية الولاية الحكومية".

ولفت الزوهير إلى أن "أداء الوزراء والبرلمانيين، وقرارات مجالس الحكومة، وتواصل أعضائها، وتدبيرها، كل ذلك ما زال دون المستوى ودون الوعود الانتخابية للأحزاب الثلاثة ودون البرنامج الحكومي بنفسه رغم ما يلاحظ عليه".

تقديم الوعود

لم يقتصر أعضاء الحكومة على تقديم الوعود، بل كشف المتخصص في شؤون البرلمان المغربي، ياسر المختوم على ادعاء وزراء إطلاق مشاريع جديدة مع أنها في الأصل تحسب للحكومة السابقة، أو برامج قائمة مسبقا أو إعطاء وعود دون إجرائها في موعدها.

ولفت إلى أن "(وزير التجهيز والماء، نزار) بركة قال في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان): هذه الحكومة (أخنوش) ستطلق مشروعا مهما جدا، وهو تحلية مياه البحر في مدينة الدار البيضاء الكبرى، ويهم 300 مليون متر مكعب".

واستدرك المختوم موضحا: "هذا المشروع جاءت به الحكومة السابقة وأعلن عنه وزير التجهيز والنقل السابق، عبد القادر اعمارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020".

وأشار إلى أنه في نفس السياق، قال الوزير بركة: "الحكومة الحالية اتخذت قرارا يقضي باستعمال المياه العادمة بعد معالجتها في سقي الحدائق وملاعب الغولف".

وعلق المختوم: "منذ سنوات وأنا أرى عددا من المدن تعتمد ذلك فعليا، منها الفنيدق، أما مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة السابق، فصدق على تمويل مثل هذه المشاريع بقيمة 210 ملايين درهم".

وفي سياق آخر، المتحدث باسم الحكومة، بايتاس، وخلال الندوة الصحفية في الرباط، قال إنه “سيتم الاحتفال بالسنة الأمازيغية هذا العام كما يجب!"، مضيفا أن “موضوع الأمازيغية لا يجب أن يظل موضوع مزايدات”.

حول الإجراءات والتدابير اللازمة التي يمكن اتخاذها لترسيم السنة الأمازيغية والإقرار بها عيدا وعطلة رسمية على غرار باقي الأعياد والعطل الوطنية، شدد بايتاس أن “الحكومة تتوفر على إرادة قوية للانخراط في ورش الأمازيغية”.

لكن مع حلول رأس السنة الأمازيغية لهذا العام (يوافق 13 يناير/كانون الثاني)، انتقد كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي الوزير كونه أخلف الموعد بعدم إعلان "رأس السنة الأمازيغية" عطلة رسمية.

وقال الناشط محمد داعزيز في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك: "قبل سنة وقع بايتاس طلبا للحكومة (السابقة) بترسيم يوم السنة الأمازيغية كعطلة رسمية... اليوم وهو الناطق الرسمي: بايتاس يقول إنه سيحتفل بالسنة الأمازيغية كما يجب.. والعطلة مشت من واد لآخر".

ارتباك كبير

وفي تفاعل حزبي، نشرت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، البرلمانية نبيلة منيب، ملصقا يظهر من خلاله قادة الأحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية الحكومية، عنونته بـ"في شهرين فقط، إنجازات حكومة الفضائح والمصالح والمقربين".

وعددت عبر منشورها على فيسبوك في 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، ما سمتها بـ"الفضائح" في "الجمع بين الوزارة ورئاسة جماعات المدن الكبرى، الزيادة في أسعار المواد الغذائية، زيادة صاروخية في أسعار المحروقات، تعيين الأزواج والأقارب في مناصب المسؤولية، الفرض التعسفي لجواز التلقيح، إقصاء حاملي الشهادات من اجتياز مباريات التوظيف".

وانتقدت سحب "مشروع قانون محاربة الإثراء غير المشروع"، وتخلي الحكومة عن "المغاربة العالقين بالخارج"، التمييز بين المغاربة واعتماد الإقصاء، فضلا عن قمع الوقفات السلمية واعتقال النشطاء، وفق منيب.

من جهتها، أوضحت الباحثة في العلوم السياسية، لموير أن "مشروع الدولة الاجتماعية يساري، من الصعب تطبيقه مع ليبراليين، خاصة أن الحكومة منذ تعيينها عاشت على وقع ارتباك كبير، رغم وجود حزبين كبيرين (التجمع الوطني للأحرار والاستقلال) لهما خبرة في التدبير".

وترى أن "كل الإجراءات التي جاءت بها الحكومة اليوم هي سابقة لأوانها، خاصة فيما يتعلق بتسقيف سن الولوج لاختبارات مهن التربية والتعليم".

إذ كان من الضروري على الحكومة التعاطي مع سد الخصاص في إطار تهيئة الأجواء الملائمة لاتخاذ قرارات من هذا النوع، وفق قولها.

بالإضافة إلى أنه "كان لزاما فتح نقاش مع كل الفرقاء الاجتماعيين من أجل التهييء خاصة أنها سنة دخول حكومي"، وفق لموير.

واعتبرت في حديث مع "الاستقلال" أن "حكومة أخنوش رفعت من سقف تطلعاتها والتزاماتها في العديد من القطاعات الحيوية، وهو ما كان من الممكن معه لمس روح المسؤولية".

واستدركت لموير قائلة: "لكن الواقع المغربي يستلزم ضرورة اجتثاث كل مظاهر الخلل، من أجل خلق النقلة النوعية التي تهدف لها الحكومة، خاصة أنها انبنت على تحالف حكومي مريح، عوض إثقال كاهل المواطنين بالعديد من الإجراءات التي تضرب من مصداقيتها".