أهداف أخرى وراء سعي إيران للاستثمار بنفط سوريا.. ما موقف الأسد وروسيا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تواصل إيران رمي بالونات اختبار في سوريا، للتأكيد على مضيها بترسيخ حضورها طويل الأمد في هذا البلد، الذي زجت فيه آلتها العسكرية قبل عقد من الزمن لإنقاذ رئيس النظام بشار الأسد من السقوط.

وهذه المرة أعلن مساعد وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية أحمد أسد زاده، في الثاني من يناير/كانون الثاني 2022، أن بلاده أرسلت وفدا إلى سوريا، لدراسة آفاق جديدة للتعاون المشترك حول المشاريع النفطية.

وذكر أسد زاده، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة "فارس" الإيرانية، أن لدى وزارته برنامجا للتعاون مع سوريا و"دول محور المقاومة"، حسب تعبيره.

وخلال الفترة الماضية، لم يكن النفط من الملفات التي ركزت فيها طهران اهتمامها عبر توقيع اتفاقيات مع النظام السوري بهذا الخصوص، على غرار ما فعلته روسيا.

ورقة النفط

لقد كانت "عين إيران مسمرة" أكثر نحو توقيع عقود واتفاقيات تجارية وأخرى ثقافية واجتماعية تضمن تثبيت التغلغل الأيديولوجي، مسنودا باتفاقيات تحقق أرباحا ومنافع آنية إضافة إلى النشاط الواسع في استملاك الأراضي السورية عبر الشراء العقاري.

لكن تركيز طهران حديثها في هذه المرحلة على النفط السوري، بالرغم من مصارعة الأخير على قطرات منه لإنقاذ ضائقته المستمرة من نقص المحروقات له غاية تصب في مصلحتها على المدى البعيد.

إذ تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن، على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بالبلاد.

 ويتركز الوجود الأميركي حاليا في شمال شرقي سوريا، على حماية آبار النفط، بعد التراجع عن خطة الانسحاب التي سنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نهاية 2018 وخفض بموجبها عدد الجنود هناك.

وسابقا كانت إيران تركز في مباحثاتها مع النظام السوري على سبل تطوير وتعزيز التعاون في مجالات النفط والغاز والثروة المعدنية، وخاصة في مجال تحويل السيارات للعمل على الغاز الطبيعي وتأمين احتياجات قطاع النفط من المواد الكيميائية والمعدات النفطية.

لكن هذه المناقشات بقيت تدور في مربع طرح الأفكار والتي من الممكن أن تكون نواة لتعاون أوسع يخدم النهوض بمجال الصناعة النفطية بسوريا، رغم إثبات الوقائع الميدانية أن إيران بالذات بعيدة عن المشاريع النفطية بخلاف روسيا التي ضمنت كثيرا من العقود.

ويرى كثير من المراقبين الاقتصاديين، أن إيران تفكر في إنشاء مصاف للنفط في شرق حمص، حيث تشكل المنطقة عقدة قريبة لمناطق تواجد مليشيات ونفوذها، فضلا عن القرب من العراق بما يسمح لها بالتمهيد لكثير من الأمور من توصيل أنابيب نفط برية أو عبر الموانئ السورية.

ويؤكد هؤلاء أن طهران حينما تفكر في إنشاء أي مشروع في سوريا، فهي لا تحسب حساب العقوبات الدولية، كونها متمرسة في التهرب منها وهي نفسها تخضع لعقوبات متلاحقة بالأصل، وهذا يندرج في سياق التحدي للولايات المتحدة وللدول الغربية.

بالون إيراني

وأمام هذه المعطيات، فإن توقيت إرسال طهران وفدا لدراسة آفاق جديدة للتعاون المشترك حول المشاريع النفطية مع النظام السوري عبر برنامج تقول إنه معد مسبقا، هو ذو صبغة سياسية أكثر ما هو واقع حقيقي قابل للتطبيق على الأرض.

في هذا الإطار، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أنه "خلف كل حركة عربية باتجاه نظام الأسد يجرى إطلاق بالون اختبار إيراني".

فبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، جرى الإعلان عن بدء توافد الحجاج الشيعة إلى سوريا وهذا الإعلان جاء بعد تعيين السفير البحريني (وحيد مبارك سيار)".

وقال جلو لـ "الاستقلال": "إن إرسال الوفد الإيراني إلى سوريا: "هو لدراسة رد فعل النظام من خلال المبادرات التي تطلقها دول عربية لناحية إعادة العلاقات معه ودراسة مدى استجابة الأسد لها التي يشاع دائما أنها تهدف لإبعاده عن إيران".

وأردف قائلا: "وهذا هو خفايا ما تفعله طهران، إذ إن تجاوب الأسد مع المشاريع الإيرانية هو من يحدد معرفة ضغط النظام وتوجهه للتعاون مع المبادرات العربية".

وبنفس الوقت يعطي رسالة من إيران للطرف للعربي بأن مخططهم في سوريا سارٍ وهي موجودة وباقية، وفق قوله.

وكان عبد الله بن زايد، زار في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رئيس النظام السوري في العاصمة دمشق، وقيل وقتها إن التهافت العربي على الأسد الذي يعيش في عزلة عربية ودولية منذ عقد من الزمن، ما هو إلا محاولات لإبعاده عن الحضن الإيراني.

وتبع ذلك تعيين ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، رئيسا للبعثة الدبلوماسية للمملكة لدى النظام السوري في دمشق، وهو وحيد مبارك سيار بلقب سفير فوق العادة مفوض.

واعتبر الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، أن "المشاريع النفطية لا تقاس بمن يسيطر على مناطق تواجدها حاليا في سوريا، سواء أميركا أو روسيا، بل تسعى إلى ربط حكومة الأسد بعقود للمستقبل يمكن الاعتماد عليها حال غياب الأميركي والروسي".

ولفت جلو إلى أن "الإيرانيين لا ينظرون فقط للأميركان بأن وجودهم غير شرعي بل كذلك للروس بالنسبة لهم، إذ تنظر طهران لموسكو على أنها حاجة حاليا وليس كوجود مشروع ودائم، بل إن إيران تعتبر أن سوريا هي لها وحدها فقط".

واستدرك قائلا: "بالنهاية مشاريع طهران متضاربة مع الجميع في سوريا، وهذا يندرج على المشاريع النفطية، ولا سيما مع البحث عن در أموال إلى الخزينة الإيرانية نتيجة الصرف المالي على هذا البلد".

صراع الثروات

ركزت تحركات الروس بسوريا على الصعيد الاقتصادي عبر محاولتهم الاستئثار بالقسم الأكبر من الاستثمارات، وبالأخص ما يتعلق بالنفط والغاز وإعادة الإعمار دون مراعاة مصالح الإيرانيين والاتفاقات الموقعة من جانبهم مع النظام.

بينما الإيرانيون لديهم أطماع أبعد من اقتصادية تتعلق بالأيديولوجيا والمد الشيعي، دون إغفالهم منذ عام 2012 تفكيك اقتصاد الدولة السورية، وانتزاع حصص اقتصادية تعتبر من الثروات السيادية للبلد.

إذ إن طهران انتزعت خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية من النظام السوري منها توقيع 23 فقط في يناير/كانون الثاني دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات.

وكثيرا ما أبدت طهران انزعاجها من النظام السوري لمنح شركات روسية عقودا تخص الثروات الباطنية.

إذ إن ما يشكل نقطة تثير الخلاف بين طهران وموسكو وما زالت تداعياته قائمة حاليا هو صراع النفوذ في البادية السورية، خاصة بعد امتعاض إيران من منح النظام شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية في 27 مارس/آذار 2018 عقد استثمار واستخراج الفوسفات في منطقة مناجم الشرقية بحمص.

وينص العقد على تقاسم الإنتاج بين الطرفين بحيث تكون حصة الوزارة 30 بالمئة من كمية الإنتاج، فيما يترتب على الشركة الروسية دفع قيمة ثمن كميات الفوسفات المنتجة.

إضافة لتسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص وأجور ونفقات إشراف الوزارة والضرائب والرسوم الأخرى والبالغة بحدود 2 بالمئة ولمدة 50 عاما، وبإنتاج سنوي قدره 2.2 مليون طن من بلوك يبلغ احتياطه الجيولوجي 105 ملايين طن.

كما سبق لديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي، أن قال في ديسمبر/كانون الأول 2017، إنّ بلاده الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة.

وأضاف أنه "في سوريا يوجد أكبر حقل فوسفات الذي يمكن الاستثمار فيه منتجات مطلوبة في العديد من البلدان مثل الأسمدة".

ويبلغ احتياطي الفوسفات في منطقة المناجم الشرقية بسوريا 1.8 مليار طن منذ عام 2009، مقارنة مع الطاقة الإنتاجية للشركة العامة للفوسفات والمناجم والبالغة 3.5 ملايين طن سنويا.

ولم تخف موسكو حينها رغبتها في إمكانية تحقيق عوائد اقتصادية بالقطع الأجنبي جراء إنتاج وتصدير الفوسفات.

ولا سيما أن سوريا كانت تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.

وعقد الفوسفات هذا أفلت من يد إيران وذهب إلى روسيا بعد ضغوط كبيرة تلقاها النظام السوري من الأخيرة، لكون خام الفوسفات في منطقة خنيفيس بريف حماة غنية بالفوسفور.

إذ تصل نسبة خامس أوكسيد الفوسفات إلى 31 — 32 في المئة، ما يجعله من الأصناف الجيدة القادرة على منافسة نظيرتها المتوافرة في الدول الأخرى المعروفة بإنتاجها لهذه المادة.

عقود مقوننة

واستطاعت روسيا خلال العقد الأخير، جعل إيران خارج معادلة النفط والغاز والفوسفات السوري، وذلك عبر تعزيز حضورها في مناطق انتشار هذه الثروات أو عبر سحب الاتفاقيات لصالحها من النظام.

وحول هذه الجزئية، ذهب الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، لتفسير الخطوة الإيرانية المتمثلة بالإقدام على الاستثمار في قطاع النفط وفق برنامج للتعاون من ثلاثة جوانب.

وقال العبد الله لـ "الاستقلال": أولا، ترسيخ إيران لوجودها في هذا القطاع بشكل مقونن عبر عقد الاتفاقات الاستثمارية الرسمية مع الحكومة السورية، والتي ستمكنها من فرض سيطرتها على ما هو متاح من الحقول النفطية لدى النظام والتي تقدر نسبتها بـ 10 بالمئة في الوقت الحاضر".

وأضاف الباحث: "كذلك تتطلع طهران إلى السيطرة على الحقول النفطية خارج مناطق النظام، وهو ما حدث في كل من البلوك رقم 12 والحقل رقم 27 في مدينة البوكمال".

إذ تستطيع شرعنة وجودها في هذه الحقول أمام كل من الروس والأميركان عبر العقود الموقعة مع حكومة النظام في حال تغيرت المعطيات التي تحكم النفوذ في مناطق النفط.

وألمح العبد الله إلى أن "إيران تحاول استخدام القوة الناعمة لتحقيق أكبر قدر من العوائد المرتبطة بقطاع النفط مثل سيطرتها على طرق نقل الشحنات النفطية من أماكن قسد والعراق إلى مناطق النظام من خلال ارتباطها بشركة القاطرجي لنقل هذه الشحنات وتوزيعها عبر أذرعها المحلية، وتحكمها بشركة الفجر الأمنية التي تحمي هذه الشحنات".

هذا "إلى جانب محاولة إيران فرض طوق أمني على مصفاتي بانياس وحمص عبر أذرعها المحلية للسيطرة على هاتين المصفاتين عبر الاستفادة من عقود الصيانة والتحكم بمخرجاتها من حيث الأسعار والتوزيع لتحقيق العوائد".

إذ ستعزز الاتفاقات الموقعة من استخدامها للقوة الناعمة وتمكنها من السيطرة على هاتين المصفاتين من خلال إجبار الروس على الامتثال للشروط الإيرانية في هذا الصدد.

وأخيرا فإن خطوة استثمار إيران في قطاع النفط، وفقا للباحث في مركز "عمران" تتسم "برمزيتها من حيث محاولة طهران إثبات وجودها في هذا القطاع والسيطرة على مفاصله بشكل مقونن عبر الاتفاقيات الموقعة، في مسعى منها لمناكفة الروس والأميركان استباقا لأي عملية إعادة إعمار مستقبلية، بحيث تكون أحد أوراقها التفاوضية لمستقبل وجودها".

وفي أرقام غير نهائية، كشف وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية التابع للنظام السوري محمد سامر الخليل، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن خسائر قطاعي النفط والكهرباء بلغت 195 مليار دولار منذ عام 2011.