نفق مظلم.. هكذا نزعت استقالة حمدوك "ورقة التوت" عن عسكر السودان

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جاءت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بمثابة صب الزيت على النار في أزمة السودان المشتعلة منذ الإجراءات الانقلابية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وكان حمدوك اُتهم بالخيانة من قبل رفقائه في حكومة قوى الحرية والتغيير، إذ اعتبروه بمثابة قنطرة للانقلاب العسكري، قبل أن يستقيل ليتحدثوا عن سقوط القناع المدني للجنرالات.

وما بين استقالة حمدوك ومهمته الأساسية في الوصول بالمرحلة الانتقالية إلى بر الأمان عبر انتخابات شاملة، يستلم فيها مكون من المدنيين السلطة، برزت جدليات الإدارة المتخبطة، والأجندات التي حاول كل طرف من مكونات الحكم فرضها.

وهو أمر أدى في النهاية إلى صدام حتمي، وعودة الشارع إلى التظاهر للمطالبة بحقوقه في الحرية والتنمية والعدالة.

ضغوطات شديدة 

في 2 يناير/ كانون الثاني 2022، أعلن حمدوك، استقالته من منصبه، على خلفية التظاهرات الشعبية المتواصلة في الشوارع والميادين ضد اتفاقه الأخير مع المجلس العسكري، أملا في حلحلة الأزمة السياسية بالبلاد.

وقال حمدوك في خطاب متلفز نقله التلفزيون الحكومي: "قررت تقديم استقالتي لأفسح المجال وأرد الأمانة للشعب السوداني".

وأضاف: "حاولت قدر استطاعتي أن أجنب بلادي الانحدار نحو الكارثة".

وشدد رئيس الوزراء المستقيل على أن "الثورة السودانية ماضية في غاياتها والنصر أمر حتمي"، دون أن يوضح وجهته المقبلة.

وجاءت استقالة حمدوك تزامنا مع احتجاجات واسعة في العاصمة الخرطوم سقط فيها ثلاثة قتلى و108 جرحى، ما رفع عدد القتلى إلى 57 منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ومنذ ذلك اليوم، يشهد السودان تظاهرات ردا على إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، وهو ما اعتبرته قوى سياسية ومدنية "انقلابا عسكريا" يستهدف منع تسليم السلطة الانتقالية للمكون المدني كما كان متفقا عليه.

وتعرض حمدوك لضغوط شديدة حتى يقدم استقالته، وفق صحيفة "السوداني" (خاصة)، إذ نقلت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021 عن مصادر مطلعة أن "حمدوك معتكف في منزله منذ أيام".

وأضافت أنه "أخطر طاقم مكتبه بأنه أبلغ المكون العسكري (في السلطة الانتقالية) باستقالته، خلال اجتماع مع البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)".

تداعيات الاستقالة

دخل حمدوك قبل إعلان استقالته في دائرة جدل واسعة، بدأت بعد رفع الإقامة الجبرية عنه وتوقيعه مع البرهان اتفاقا سياسيا، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تضمن عودته لمنصبه، وتشكيل مجلس سيادة جديد وحكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

فيما اعتبرت القوى السياسية المحركة للشارع، وفي مقدمتها قوى الحرية والتغيير، الاتفاق "محاولة لشرعنة الانقلاب"، وتعهدت بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق "الحكم المدني الكامل" خلال الفترة الانتقالية، محملة حمدوك جزءا رئيسا من المشكلة. 

بينما رأى مراقبون أن خروج حمدوك من بوتقة مجلس السيادة، بمثابة انتزاع ورقة التوت التي سترت الإرادة العسكرية المطلقة للجنرالات.

فقبل إجراءات البرهان الانقلابية، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويقود فيها حمدوك الحكومة.

وكان حمدوك هو الحلقة الأقوى في الإطار المدني أمام المكون العسكري، وبخروجه انتهت معالم التجربة السابقة، واتفاقات الفترة الانتقالية التي أعقبت عزل عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019. 

لذلك كان وقع الاستقالة مؤثرا في الحراك الشعبي والعملية السياسية بالسودان، فسرعان ما أعلن رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، غداة تنحي حمدوك أن "استقالة رئيس الوزراء كارثة على البلاد داخليا وخارجيا". 

وعن أسباب استقالة حمدوك كشفت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 3 يناير 2022 أنها جاءت عقب عدم التزام المكون العسكري متمثلا في البرهان بالاتفاق الموقع بينهما، خاصة فيما يتعلق بقرارات حمدوك بتعيين وكلاء وزراء وأمناء عامين لتصريف شؤون الولايات.

وجوبهت هذه القرارات باعتراضات من المكون العسكري، إضافة لرفض البرهان إعادة السفراء الذين فصلهم عندما كان حمدوك في الإقامة الجبرية.

ونقلت "سي إن إن" عن مصادر خاصة داخل الحكومة لم تسمها أن المكون العسكري طلب من حمدوك التشاور في التعيينات وهو ما رفضه واعتباره مخالفا لاتفاقه مع البرهان.

كما فشل حمدوك في إقناع الحركات المسلحة بالاستقالة من الحكومة لتمكينه من تشكيل حكومة كفاءات مستقلة حيث تمسكت الحركات بنصيبها في السلطة.

زمن غفلة

من جانبه، علق حاكم إقليم دارفور غربي السودان، مني أركو مناوي، على استقالة حمدوك، قائلا إنه "لا بديل عن الحوار والاعتراف المتبادل بين مكونات البلاد".

وأردف: ‏"استقالة حمدوك واحدة من تجليات الأزمة السياسية والاجتماعية المتراكمة التي لم تفهمها القوى السياسية التي ورثت البلاد في زمن غفلة أغلب الشعب".

ومن الداخل المشتعل إلى الخارج المترقب، جاءت ردود الفعل تباعا على الاستقالة، بداية من وزارة الخارجية الأميركية، التي دعت في 3 يناير 2022، القادة السودانيين إلى ضمان استمرار الحكم المدني، عقب استقالة حمدوك.

فيما قالت فيكي فورد، وزيرة بريطانيا لشؤون إفريقيا، في تغريدة عبر تويتر: "حزينة للغاية من خبر استقالة ‪حمدوك‬، كان يعمل في خدمة السودان ورغبة شعبه في مستقبل أفضل".

وأتبعت: "أعلى الملايين أصواتهم منذ انقلاب 25 أكتوبر، للمطالبة بالحكم المدني، يجب الآن أن تحترم قوات الأمن والجهات السياسية الفاعلة الأخرى هذه المطالب".

أما رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، فولكر بيرتس، فأورد في بيان: "يجب أن تكون تطلعات الشعب السوداني إلى مسار ديمقراطي، واستكمال عملية السلام حجر الزاوية في جميع الجهود المبذولة لحل الأزمة الحالية".

وبشكل متكرر يزعم البرهان أن إجراءاته خطوات تصحيحية لضبط مسار الثورة السودانية وإخراج البلاد من أزماتها، كما تعهد بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة في وقتها المحدد (بعد انتهاء الفترة الانتقالية)، وتسليم الحكم إلى إدارة مدنية. 

استقالة متأخرة 

وتعليقا على استقالة حمدوك، قال الصحفي السوداني الشهير فوزي بشرى عبر فيسبوك إن "خطاب حمدوك اليوم هو الخطاب الصحيح في الزمان الخطأ، هذا هو الخطاب الذي كان ينبغي أن يقوله لحظة خروجه من المعتقل".   

وأضاف: "قنطرة الانقلاب، أخيرا قد سقط قناع المدنية باستقالة حمدوك". 

أما السياسي السوداني إبراهيم عبدالعاطي، فيؤكد لـ"الاستقلال" أن "استقالة حمدوك أمر متوقع وحتمي، فالسودان وصل إلى مرحلة مفترق الطرق بين المكونين العسكري والمدني في الحكم، والشارع لا يهدأ، والقوى الدولية تتدخل لرأب الصدع وإنقاذ الموقف".

ويضيف عبد العاطي أن "حمدوك وجد نفسه بين شقي رحى، أن يخسر ظهيره الشعبي إلى الأبد وحلفاءه من قوى الحرية والتغيير، أو يظل بين يدي العسكريين الذين لا يثقون به ولا يثق بهم، حتى ينتهي دوره، ثم يلقى إلى خارج العملية السياسية، كالورقة المحروقة، وهو ما أدركه الرجل متأخرا، لكنه رأى أن الوقت لا يزال مناسبا للقفز من السفينة المعطوبة". 

ويستطرد: "علينا أن نعترف أن حمدوك ورجاله لم يكونوا رجال المرحلة الماضية بامتياز، وأنهم بدلا من أن يتحصنوا بالشارع، ويسعون إلى انتخابات حقيقية، تفرز سلطة مدنية، فضلوا المغامرة عبر إعادة هيكلة مؤسسات الدولة والقواعد الحزبية، وفق أجندتهم الخاصة التي ترضي الغرب ولا تصب في مصلحة السودان".

"فإذا ما ارتأوا أن الأجواء مهيأة لنجاحهم سارعوا إلى الانتخابات بعد ذلك، وهو ما لم يحدث إذ إن يد العسكر أسرع وأسبق وأقوى منهم، فتحطم مخططتهم بعد أن فقدوا الظهير الشعبي تقريبا"، يتابع السياسي السوداني.

ويوضح أن "السودان بعد 25 أكتوبر ليس كما قبله، وفكرة الصدام تبدو جنونية، وفيها مغامرة أخرى أشد خطورة، ولو فقه الجميع الواقع، لاتفقوا على خطوات تقرب البلد من سلطة مدنية موحدة، تمثل جميع الأطياف، ولا تستثني أحدا".

ويؤكد أنه حال لم يحدث ذلك "سيدفع الجميع الثمن بلا استثناء، وسيدخل السودان إلى نفق مظلم بلا هوادة، وها هم قد اختبروا شراكة العسكر، فأين وصلوا؟ وأين وصل حمدوك؟".