صواريخ "سام 7".. هكذا أعلنت مرحلة جديدة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"كنا نعلم أنهم سيردون بطريقة استعراضية بضرب موقع فارغ خشية انهيار حكومتهم الضعيفة إثر اندلاع حرب لا يريدونها، لذا كان الرد بصواريخ سام7 على غارات الاحتلال حاسما".

هكذا لخص مصدر قريب من المقاومة الفلسطينية في غزة لـ"الاستقلال" دوافع استخدام صواريخ "سام7" لردع إسرائيل بعدما قصفت موقع "القادسية" التابع لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالقطاع، ما أجبرها على الهروب.

واستخدمت المقاومة الفلسطينية في ساعة مبكرة من فجر 2 يناير/ كانون الثاني 2022 صاروخين أرض جو من طراز "سام7" في التصدي لغارات طائرات مروحية إسرائيلية بغزة.

وجاء ذلك ردا على غارات استهدفت موقع القادسية، كما قصفت مدفعية الاحتلال عددا من النقاط التابعة للمقاومة قرب الحدود الشمالية لغزة، ما أحدث دمارا في الأماكن المستهدفة، دون سقوط جرحى.

وعقب القصف الإسرائيلي، قالت فضائية الأقصى التابعة لـ"حماس"، إن المقاومة في غزة استهدفت الطائرات المروحية للاحتلال بصاروخين من طراز سام 7 المضاد للطيران، وتحدثت عن إصابة مروحية وسط تكتم إسرائيلي.

واعترفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية في اليوم نفسه بإطلاق صواريخ سام على طائراتها، لكنها استدركت: "لم تقع إصابات ولا أضرار".

فيما وصف موقع "تايمز أوف إسرائيل" إطلاق المقاومة صواريخ سام 7 على الطائرات الإسرائيلية بأنها "واقعة نادرة الحدوث".

رسائل المقاومة

المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته قال إن ثمة رسائل من استخدام المقاومة "سام7" يأتي أولها في إطار تجارب الصواريخ المستمرة التي يصل مداها إلى تل أبيب والقدس.

والرسالة الثانية كانت إطلاق صاروخين، "بطريق الخطأ نتيجة للأحوال الجوية"، قرب شواطئ حيفا وتل أبيب، لإبلاغ حكومة إسرائيل بأن "تل أبيب صارت مثل سيدروت"، أي يسهل قصفها بصواريخ المقاومة مثل مدن غلاف غزة.

وجاءت الرسالة الثالثة لنقل تهديدات مباشرة من المقاومة لطائرات الاحتلال أن سماء غزة لم تعد مستباحة وبانتظارها مفاجآت أخرى، لذلك هربت فورا وتوقفت عن القصف.

فصواريخ سام ليست نهاية المطاف أو آخر ما تمتلكه المقاومة، وما شاهده الاحتلال في سيف القدس جزء من قوة المقاومة المعدة للاستخدام لا الاستعراض.

ولخص المصدر رسائل إطلاق صواريخ التدريبات وصاروخي سام7 في أن "المقاومة جاهزة ولديها في جعبتها المزيد من المفاجآت للعدو، وإذا لم تنعم غزة بالهدوء والإعمار وإطلاق سراح الأسرى سيسقط (رئيس الوزراء الحالي) نفتالي بينيت كما سقط بنيامين نتيناهو". 

من جانبه فسر المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف رسائل المقاومة بأن الاحتلال أدرك أن تهديدات المقاومة ليست من فراغ بعدما شاهد بأم عينه وقوف المقاومة أمامه بصواريخ سام7.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن هذه الصواريخ تحدث عنها الاحتلال سابقا ولم يرها إلا ليلة أول يناير 2022 كحقيقة واقعة موجهة ضد طائراته، فانسحبت طائرات العدو من سماء غزة ولم تعد".

واعتبر استخدام صواريخ سام 7 "استعراضا من قبل المقاومة ورسائل أرسلت للمحتل أن أي عدوان سيواجه بأمور لم يدركها ولم يحسب لها حساب، وما كان قبل سيف القدس وخلال أيام العدوان ليس كما هو بعد سيف القدس، وقواعد الاشتباك تغيرت".

و"سيف القدس" هو الاسم الذي أطلقته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة على عمليتها ردا على العدوان الإسرائيلي على القطاع بين 10 و21 مايو/ أيار 2021 الذي شمل إطلاق آلاف الصواريخ تجاه كافة المدن الإسرائيلية وبينها تل أبيب، وأعقبها وقف إطلاق نار بوساطة مصرية.

وأضاف الصواف أن المقاومة أطلقت بعد ذلك صواريخ تجريبية بعد منتصف الليل وهو وقت غير معتاد لنقل رسائل للاحتلال مفادها "إن لم تكف عن عدوانك فالتصعيد سيكون أكبر وأصعب".

وأشار إلى أن إسرائيل كانت مرتبكة، ولم تتخذ قرار القصف إلا بعد ساعات طويلة، فهي تريد الرد، ولكنها تخشى أن ترد المقاومة بشكل أكبر، وتستهدف مدنا إسرائيلية كبرى بزخات صواريخ أقوى وأقسى مما شاهدته في سيف القدس.

تغير قواعد الاشتباك

فيما رأى اللواء المتقاعد الفلسطيني واصف عريقات أن إدخال المقاومة الفلسطينية لصواريخ سام7 أرض -جو للمعركة، من شأنه تقييد حركة سلاح الجو الإسرائيلي، وتغيير المعادلة وقواعد الاشتباك، ما يؤشر إلى دخول المقاومة مرحلة جديد من صراعها مع المحتل".

وأكد لوكالة "قدس برس" في 2 يناير 2022 أن "قوة إسرائيل الأولى في الجو، وتستطيع السيطرة على أي معركة من خلاله بقدرة طائراتها، لكن استخدام سام7 يعني تقييد عملها، والتقليل من حرية الحركة والمناورة في غزة".

وأوضح عريقات أن هذه الصواريخ تقلق إسرائيل، لأنها تصيب الطائرات على مسافات قريبة من (3 إلى 4 كم) خاصة الطائرات المروحية والمسيرة".

وزاد أنه "على الرغم من أن سام7 سلاح قديم، لكنه يربك حسابات الاحتلال وطياريه، ويؤثر على قدراتهم في إصابة الهدف".

وقال إن "لم تلحق الصواريخ إصابات فهي تؤثر في المعنويات وفي القدرة على التركيز، حيث اعتادوا أن يسرحوا ويمرحوا فوق قطاع غزة دون رادع".

و"سام 7" هو نظام دفاع جوي صاروخي محمول على الكتف، من نوع أرض - جو، أنتجه الاتحاد السوفييتي سابقا ودخل في الخدمة العسكرية منذ عام 1968، ويعرف في الغرب باسم "ستريلا" أي السهم.

ويعمل هذا النظام على التوجيه الحراري للصاروخ، ويبلغ مداه نحو 3,700 متر بارتفاع يصل إلى 1,500 متر بسرعة 430 مترا بالثانية.

وتخشى تل أبيب صواريخ "سام" عموما على خلفية دورها في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حين أقام الجيش المصري جدارا من صواريخ "سام" المضادة للطيران بمختلف أنواعه، إضافة إلى منظومات مضادة للدروع، كبدت إسرائيل خسائر فادحة.

الوسيط المصري 

فيما أكد مصدر دبلوماسي مصري لـ"الاستقلال" أن القاهرة دخلت على الخط فور إطلاق صاروخي غزة، ونقلت لتل أبيب أن حماس تؤكد أنه تم إطلاقهما بطريق الخطأ ولم تقتنع تل أبيب ورفضت التعهد بعدم الرد.

وأضاف مفضلا عدم الكشف عن هويته أن مصر طلبت من حماس دليلا على أن القصف تم بطريق الخطأ بفعل الطقس، لكن المقاومة قالت إنها الأحوال الجوية، ومصر رجحت أن ترد إسرائيل بأي بشكل "لحفظ ماء الوجه".

لكن مصر نقلت لإسرائيل تحذيرا من المقاومة مفاده "قصف بقصف"، لذا جاء الرد الإسرائيلي ليس على مستوى قصف تل أبيب وإنما على مستوى قصف مستوطنات غلاف غزة، أي روتينيا بلا خسائر فعلية.

ويؤكد المحلل الفلسطيني الصواف أن الوسيط المصري تحرك بالفعل في محاولة لكبح جماح الاحتلال حتى لا يقوم بقصف غزة، لكنه لم ينجح ولم يتمكن من إقناع الاحتلال بخطورة قصفه الذي قد يفتح أبواب التصعيد على مصراعيها.

"لم يستمع الاحتلال للوساطة المصرية وقصف مناطق في القطاع، لكن ما منع الاحتلال من مواصلة هجومه هو المقاومة التي تصدت له وحالت دون استمرار توسعه"، يضيف لـ"الاستقلال".

وقبل الرد الإسرائيلي قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 2 يناير 2022 أن مصر تجري اتصالات مع تل أبيب والفصائل الفلسطينية في غزة لمنع التصعيد بين الجانبين.

ونقلت عن مصادر أمنية لم تسمها قولها إن "مصر تحاول إقناع إسرائيل باحتواء حادث سقوط الصاروخين، كما تحاول أيضا إقناع الفصائل الفلسطينية بضبط النفس".

كما قال مسؤول إسرائيلي لموقع "واللا" في نفس اليوم إن إسرائيل أرسلت رسالة للوسطاء المصريين مفادها أنها "تأخذ إطلاق الصواريخ من غزة على محمل الجد".

وأضاف المسؤول أن إسرائيل أوضحت لمصر أن "الحادثة غير مقبولة حتى في ظل المزاعم أن الأمر تم عن طريق الخطأ".

رد إسرائيلي ضعيف

ورجح المحلل الفلسطيني "صالح النعامي" أن تكون حكومة بينيت اضطرت للرد بسبب الحسابات الداخلية رغم أنه لا يوجد لإسرائيل مصلحة في اندلاع جولة تصعيد ضد المقاومة في غزة.

ويسود اعتقاد داخل إسرائيل أن حكومة بينيت، بخليطها غير المتناغم سياسيا، "هشة"، وغير قابلة للبقاء طويلا، وهي مشكلة من 8 أحزاب يمينية ووسطية ويسارية والقائمة العربية الموحدة.

وأوضح النعامي عبر حسابه على تويتر أن "بينيت خشي أن عدم الرد على إطلاق الصاروخين سيدل على تهاوي قوة الردع، التي زعمت إسرائيل أنها راكمتها في أعقاب الحرب الأخيرة".

وقال إن إسرائيل معنية باستثمار رصيدها السياسي والدبلوماسي حاليا في التأثير على مخرجات مفاوضات فيينا النووية؛ وهو الرصيد الذي سيتآكل في حال اندلع تصعيد مع غزة؛ فضلا عن أن التصعيد يمكن أن يفجر الأوضاع في الضفة الملتهبة أصلا.

لذلك جاء الرد الإسرائيلي محدودا "لأن حكومة بينيت الضعيفة تخشى من ردة فعل الجمهور الصهيوني في حال سمح بإعادة إعمار غزة بدون الإفراج عن الأسرى الصهاينة لدى حماس".

رغم أنه لا يوجد لإسرائيل مصلحة في اندلاع جولة تصعيد ضد المقاومة في غزة، إلا أن هذه الموجة قد تندلع بسبب الحسابات الداخلية لحكومة بينت.
فبينت يخشى أن عدم الرد على إطلاق الصاروخين صباح اليوم سيدل على تهاوي قوة الردع، التي زعمت إسرائيل أنها راكمتها في أعقاب الحرب الأخيرة

(1-3)

— د.صالح النعامي (@salehelnaami) January 1, 2022

لكن هذا الرد الضعيف أثار غضب عديد من الإسرائيليين الذين اعتبروا الرد "عاديا وأقل من عادي"، ما يؤكد وفق موقع "عكا للشؤون الإسرائيلية" حدوث تغيير جديد في موازين القوى والردع.

وقال المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي رونين مانليس إن "رد الجيش على إطلاق الصاروخين كان عاديا وأقل من عادي"، معتبرا أن هذا يؤكد أن الهجوم على غزة في مايو 2021 كان عملية "إنجازاتها محدودة وقصيرة الأمد".

فيما قال مراسل قناة "كان" الحكومية، آساف بوزايلوف إن "الهجوم المحدود ضد غزة معناه أن إسرائيل قبلت حجة البرق، وهذا "يعطي إشارة لحماس بأننا عاجزون ونطلب الشفقة؛ لقد شاهدوا عجزنا".

كما انتقد المراسل العسكري بصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوآف زيتون الرد على قصـف تل أبيب معتبرا أنه "هو نفس الرد على قصف سديروت"، واعتبر "هجمات إسرائيل على غزة هدفها إيصال رسالة لحماس بأن "إسرائيل تطلب عدم الانجرار للتصعيد".

من جانبها، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن هناك دلائل تشير إلى أن إسرائيل لا ترغب في تدهور الوضع مع حماس، لذلك لم تقلص مساحة الصيد ولم تغلق معابر البضائع ولم توقف أو تقلص دخول العمال الفلسطينيين.

وسخر مراسل القناة 13 الإسرائيلية "ألموغ بوكر"، من وزير الجيش الإسرائيلي بني غانتس، قائلا: "رد محسوب هدفه كله أن يقول: لقد استجبنا وقمنا بالرد، لكن عمليا لا يوجد تغيير فيما يتعلق بالماضي".

كذلك سخر مراسل قناة "كان" ماندي ريزل، من طبيعة الأهداف التي قصفها الجيش، قائلا: "يطلقون الصواريخ تجاه البحر، وسلاح الجو يستهدف بالصواريخ الكثبان الرملية، هذا هو المنطق بشكل عام"، وفق تعبيره.