في ظل نظام عالمي متصارع.. ما مستقبل "التطبيع الإقليمي" بالشرق الأوسط؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "صباح" التركية الضوء على ما شهدته منطقة الشرق الأوسط عام 2021 من تغيرات خيم عليها تطبيع للعلاقات بين الأطراف المتصارعة، لكنها أبقت الوضع على صفيح ساخن قابل للغليان في أي لحظة.

وقالت الصحيفة في مقال للكاتب مراد يشيلطاش إن 2021 كان عاما مميزا ومثيرا للاهتمام، احتفظت فيه جائحة كورونا بمكانتها ودورها كأكثر اللاعبين تأثيرا في المسرح العالمي.

وبينما تقاوم الدول تداعيات الجائحة المدمرة من ناحية، تستعد على الناحية الأخرى لمرحلة جديدة ستشهد تغييرات جذرية على عديد من الأصعدة.

مرحلة جديدة

وأوضحت الصحيفة أنه بينما يستمر الصراع على النفوذ بين القوى العظمى، خيمت أجواء من التطبيع على العلاقات بين دول الشرق الأوسط.

ورغم أن هذه الأحداث تبدو في ظاهرها متناقضة، ففي الواقع ليس بالأمر المستغرب؛ بالنظر إلى ما مرت به المنطقة خلال العشر سنوات الماضية.

فمع اندلاع ثورات الربيع العربي، أصبح الشرق الأوسط الميدان الذي يشهد المنافسة على القوة والأمن.

والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا، هو "كيف ستطبع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط العلاقات بينها في الوقت الذي يدخل فيه النظام العالمي مرحلة جديدة من الصراع الجيوسياسي، حيث ترتفع حدة المنافسة على السلطة؟

فالربيع العربي ساق بلدان المنطقة إلى معسكرات وتكتلات مختلفة ما جعل بعض الدول تركز طاقاتها لضمان أمنها مثل السعودية إيران وتركيا.

ودفع دولا أخرى للدخول في صراع داخلي لتفقد عديد منها مكانتها وثقلها في ميزان القوى العام، في مقدمتها سوريا، وليبيا واليمن، والعراق.

وأوضحت الصحيفة التركية أن المنطقة عاشت مثيلا لذلك إبان غزو العراق عام 2003، الذي جرف المنطقة إلى فوضى تعددية قطبية.

غير أن الربيع العربي هز هذه التعددية القطبية بما لا يمكن مقارنته مع ما نتج عن غزو العراق في 2003.

كما لفتت إلى أن دول الخليج مثل الإمارات وقطر فضلت تطبيق سياسة استنزاف القوى من خلال المشاركة في جبهات مختلفة.

أما التحول إلى إستراتيجية الهجوم المباشر فبرز مع حصار قطر في عام 2017. ولو نجح هذا الحصار في هدفه وحدث تغيير في السلطة بالدوحة، لكنا نتحدث اليوم عن مشهد مختلف تماما.

وفي خضم ذلك، بدا وكأن إسرائيل كانت الطرف الرابح في كل هذا، رغم تنوع التهديدات التي تواجهها.

إذ دخلت تركيا وإيران ـ وهما أقوى منافستين لإسرائيل ـ في حرب بالوكالة في سوريا بينما كانت الدول العربية تعاني من انقسام أيديولوجي وفقدت قوتها بشكل كبير.

ووفقا لما تراه إسرائيل، فالتنافس بين السعودية وإيران في الحرب اليمنية تسبب في إنهاك واستنزاف قواهما الخاصة لا أكثر. غير أن طهران أصبحت أيضا تهديدا قريبا من إسرائيل مع دخولها سوريا.

محاور التطبيع

ولفتت الصحيفة إلى أن ثمة أحاديث عن بدء فترة تطبيع في منطقة الشرق الأوسط تدور في عدة محاور.

 في مقدمتها محور التطبيع العربي الإسرائيلي. وفيه تبرز الإمارات كفاعل رئيس وعملت جنبا إلى جنب مع إسرائيل في إطار اتفاقيات إبراهام.

وبمشاركة البحرين والمغرب، توسعت عملية التطبيع العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن السعودية لم تتبن دورا واضحا في عملية التطبيع، إلا أنه لا يمكن القول إن الرياض انزعجت من ذلك، ما يجعلها جزءا منها.

وبينما ترسم إسرائيل الخريطة الجيوسياسية لهذا التطبيع، يظهر بوضوح دعم الفاعلين الدوليين لإعادة هندسة وبناء السياسة العربية اليهودية.

وتظهر تركيا في محور آخر، فالتغيير الذي شهدته المنطقة مع الربيع العربي، جعل من أنقرة لاعبا بارزا بقوتها الصارمة وقبضتها الحديدية.

 إذ تشكل تحالف يعارض تركيا في عديد من القضايا الحاسمة مثل سوريا، وليبيا، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى شرق البحر المتوسط.

بيد أنه من شأن تراجع أجواء التوتر بين تركيا والإمارات الذي كان يتفاقم مع كل أزمة إقليمية جديدة، التأثير على تطبيع أنقرة علاقاتها مع عديد من العواصم الأخرى.

وفي حال سادت على العلاقات بين تركيا ودول مثل مصر وإسرائيل والسعودية، نظرة تستند إلى الحقائق الجيوسياسية، فقد تحدث كثير من التطورات السريعة في 2022.

أما المرحلة التي تمر بها سوريا فتبرز في محور ثالث، فعلى الرغم من صعوبة الأمر مقارنة بالتطبيع على المحورين الآخرين، فإن التطورات في 2021 تؤكد أن هناك مناقشات تحدث بين النظام السوري والدول العربية عبر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

والهدف من ذلك، تمهيد أرضية لشرعية للنظام السوري وحل المشكلة السورية بالعمل المشترك بين الدول العربية. وفي حال انضمت سوريا إلى جامعة الدول العربية في عام 2022، فيمكن لعملية التطبيع هذه أن تأخذ شكلا أكثر واقعية.

حدود وقيود

وأشارت "صباح" إلى أنه بالنظر إلى جميع ما سبق، يمكن القول إن أجواء التطبيع الإقليمي ستكون هي السائدة في عام 2022، خاصة في حال أضفنا إلى جهود التطبيع الإسرائيلية العربية التركية السورية، المفاوضات بين السعودية وإيران.

 غير أن هذا التطبيع يواجه قيودا ومحددات، في مقدمتها توقيته.

إذ بدأت جهود التطبيع في وقت اشتدت فيه المنافسة في جميع أنحاء العالم. ومن الصعب أن يكون للتنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والغرب، انعكاس إيجابي على المنطقة.

فالولايات المتحدة تركت منطقة الشرق الأوسط لمصيرها عندما حولت انتباهها للصين، وما حدث في أفغانستان أصبح بمثابة درس يتعلم منه الفاعلون في الشرق الأوسط.

وجهود روسيا لسد الفجوة، واهتمام الصين المتزايد بالشرق الأوسط وغموض إستراتيجية الولايات المتحدة، كل ذلك قد يتسبب في تحويل المنطقة لساحة تنافس عالمي مرة أخرى.

كما أنه لم يتم التغلب بعد على المشاكل الإقليمية المتراكمة. فلم تختف بعد احتمالية نشوب صراع عسكري في ليبيا، ولبنان، واليمن، والعراق، وسوريا.

لذلك سيكون من المبكر القول إن الصراع انتهى، خاصة وأنه لم يتم الوصول لمصالحة سياسية؛ وقد أظهر تأجيل انتخابات 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021 في ليبيا، مدى صعوبة تنفيذ القرارات المتخذة دون حصول توافق سياسي.

ومن القيود أيضا، الغموض الذي يحيط بسياسة إيران النووية. فللخروج بنتيجة ملموسة من محادثات فيينا، لا تحتاج طهران إلى تقديم تنازل، بل تنازلات.

وكل يوم لا يتم الوصول فيه إلى حل، تزداد احتمالية حشد إسرائيل لندن وواشنطن والخليج للذهاب إلى حل عسكري في مواجهة طهران.

وانقلاب المحادثات إلى صراع عسكري يعني اختفاء أجواء التطبيع من المنطقة بشكل تام. لذلك، ربما تكون إيران الحلقة الأكثر هشاشة في سلسلة التطبيع الإقليمي، حيث يمكن لطهران أن تكون دافعا للتطبيع كما يمكن أن تكون سببا لأزمة جديدة.

كما أن مفهوم التطبيع يمثل تحديا في حد ذاته، إذ ليس هناك توافق في الآراء بشأن أي قضية إقليمية بين أي من الجهات الفاعلة المذكورة أعلاه. فلا يمكن لتطبيع تركيا مع إسرائيل ومصر أن يصل إلى مستوى مصالحة جيوسياسية.

وينطبق الشيء نفسه على التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل والدول العربية بين بعضهم البعض. خاصة وأن استمرار الخلافات الأيديولوجية وتضارب المصالح ستظل أمورا مثيرة للتوتر.

والواقع أن الأهم في كل ذلك، الضغط الذي قد تشكله التطورات المحتملة في السياسة الدولية على عمليات التطبيع هذه. وبينما تحتدم المنافسة العالمية، فإن السؤال الحقيقي الذي يحتاج إلى إجابة هو "ما النتائج التي ستتولد عن جميع عمليات التطبيع؟"