مستقبل تنظيم الدولة كما يراه المفوض الأمريكي لمحاربته

إبراهيم عبدالله | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بريت ماغريك المحامي ذو الـ 46 عاماً والمفوض من قبل رئيسين أمريكيين (باراك أوباما ودونالد ترامب) للقضاء على تنظيم الدولة في العراق والشام يتساءل عن حقيقة انتصاره على التنظيم الذي فقد آخر معاقله في الباغوز شرق دير الزور في سوريا أواخر مارس/آذار الماضي.

اهتمام ماغريك المبعوث الأممي لدى التحالف الدولي لمحاربة "تنظيم الدولة"، والذي يوصف بالمستشار الأقدم لوزارة الخارجية الأمريكية، بموضوع تنظيم الدولة بدأ في إطار عودته الثانية للعمل الحكومي عام 2013 بعد خدمة ممتدة مع إدارة الحكم المحلي الأمريكي للعراق عام 2004 وجهود مارثونية في جمع الفرقاء العراقيين تحت عملية سياسية دائمة توجتها مساهمته في صياغة الدستور العراقي المؤقت.

ومع الاستقرار النسبي للعملية السياسية للعراق ونجاح جهود إعادة التموضع للقوات عام 2006 انتقل ماغريك للأعمال البحثية والاستشارية في مراكز ملحقة بجامعة هارفارد (تأسست بولاية ماساشوستس عام 1636)، أحد أقدم الجامعات الأمريكية وأعرقها، ومجلس العلاقات الخارجية (سي إف آر) في نيويورك.

خط أحمر

تحذيراته لم يستمع لها أحد في حينها، وبدا كأنه يؤذن في مالطا، يعود ماجريك لتلك الأيام قائلاً: "كنا نتعامل مع سوريا في إطار مبدأ أوباما باعتبار السلاح الكيميائي خطاً أحمر، وهو المبدأ الذي أعاق عملنا كثيراً وكنا كمن أوثق الحبال بيده على يده".

متابعا: "الذي أثار اهتمامي هو أن عدد المقاتلين الذي توافدوا عبر تركيا للمشاركة في الصراع وقتها فاق 40 ألف مقاتل، كنا نحذر الأتراك، لكنهم كانوا يؤكدون لنا دوماً أن المشكلة الأولى هي الأسد وضرورة رحيله، ثم لكل حادث حديث".

ينتقل ماغريك للحديث أنه في أواسط عام 2014 بدأ الخوف يزداد بشدة في أوساط النخبة السياسية في بغداد من أن العاصمة بذاتها قد تسقط في يدي التنظيم الذي بدا وقتها أن تقدمه لا يقهر، وذلك بعد المجازر الكبيرة التي تلت سقوط الموصل وما حولها.

ويضيف: "الإشاعات كانت كبيرة لدرجة أن أحدها تحدثت عن أرتال من السيارات الرباعية الدفع قد دخلت بغداد، تأكدنا منها وتبين أنها كانت إشاعة، لكن الجميع بدا مرعوباً".

إقامة السياج

يلمح ماغريك أنه لولا التدخل السريع من الرئيس أوباما وتحمله الشخصي لإدارة الصراع مع التنظيم الذي عمد إلى مكافحته عبر إستراتيجية "إقامة السياج" والقاضية ببدء ضربات جوية وفورية وتشكيل تحالف واسع من 57 دولة للتعاون وتوزيع الأدوار، لكن لسير المعركة مع تنظيم الدولة مسار آخر.

ماغريك أوضح أن أوباما تفرغ لإدارة موضوع الحرب على تنظيم الدولة بشكل أقرب للإدارة اليومية عوضاً عن تفويض القادة العسكريين بالشكل المعتاد، مضيفاً أن هذا "الولع" الرئاسي منذ 2014 إلى 2016 هو الذي أدى بالتحالف لتحقيق نتائج كبيرة في وقت قصير.

ويضيف: "قدرة الولايات المتحدة على بناء تحالفات كبيرة في وقت قصير قابلتها رغبات الحلفاء بالتكسب الجانبي على حساب الأهداف العامة، فالخليجيون يريدون من التحالف ضرب إيران، والأتراك يرغبون في تحجيم الأكراد وكان لابد من إدارة توقعاتهم ولجم الاندفاعات الآنية مع إبقاء التركيز على تنظيم الدولة لا سواه".

وفي ذات العام 2015 الذي تم تكليف ماغيرك فيه بتنسيق جهود التحالف كمفوض رئاسي خاص، كان عليه أن يفاوض الإيرانيين مفاوضات صعبة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، وهو الأمر الذي عزز سمعته في واشنطن كرجل إنجازات. 

ثم جاءت الانتخابات العراقية والجهود الماراثونية للخروج بحكومة يقل فيها تأثير قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني للحد الأدنى وهو الأمر الذي نجح فيه ماغريك بعد مفاوضات شاقة.

بعد 5 أعوام من بدء الحرب على تنظيم الدولة تبدو سوريا وقد تراجع الصراع فيها لثلاث مناطق نفوذ (كردية - أمريكية) في الشمال والشمال الشرقي، (تركية - ثورية) في الشمال الغربي، وبقية يحكمها ما تبقى من نظام الأسد بمعونة حلفائه الروس والإيرانيين.

استقالة مفاجئة

وقد تفاجىْ المتابعون لمسيرة ماغريك باستقالته المفاجئة أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، وهي الخطوة التي قام بها رداً على الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب بسحب قواته من سوريا.

ماغريك ألمح إلى أن استقالته والتي كان من المفترض أن تتم بشكل طبيعي في فبراير/شباط 2019 قد تم تقديمها بعد أن أحرجه ترامب بإلغاء إستراتيجية البقاء في سوريا والتي تم إقرارها مع وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي استقال أيضا بعد يوم واحد من إعلان ترامب المفاجئ سحب قواته من سوريا.

هذه الإستراتيجية (البقاء في سوريا) بحسب ماغريك تم تنسيقها مع الدول المشاركة في التحالف من خلال توافقات حملت شكل الضمانات الشخصية من طرف ماجيرك، والتي قضى عليها قرار ترامب المفاجىء. 

ماغريك يبدي تخوفه من وضع الإدارات الأمريكية للأهداف بدون إتاحة موارد مادية أو بشرية كافية لدعمها، ويتخوف أيضا من تقليص إدارة ترامب الصرف على موازنات الخارجية مقابل زيادة الأموال الموجهة للبنتاجون، مؤكداً في ذات السياق أن القضاء على تنظيم الدولة تم بفقد جنديين أمريكيين فقط مقابل 60 ألفاً من السوريين الذي تم تدريبهم وتسليحهم من مجاميع متعددة.

مستقبل التنظيم

هجمات سريلانكا الأخيرة لتنظيم الدولة لم تفاجىء ماغريك الذي رآها أتت بعد تحذيرات متوالية منذ مدة للحكومة المحلية بوجود تحركات، إلا أن كولمبو لم تأخذها على ما يبدو على محمل الجد. 

هذه الهجمات التي استهدفت بالإضافة للفنادق دور عبادة مسيحية حملت رسالة التنظيم الدموية وطابعه المتزامن والدقيق في الاستهداف، ويتوقع ماجيرك أن يستمر نشاط التنظيم في قادم الأيام داخل ليبيا وأفغانستان والساحل الإفريقي.

وعلى خلاف نظريات المؤامرة السائدة لا يرجح ماغريك وجود دعم من "دولة ما" أدى في نهاية المطاف إلى تشكل تنظيم الدولة على ما كان عليه، مؤكداً أن سلسلة من الإهمال واختلاف الأولويات والفوضى في دول الإقليم هو ما أدى لتشكل التنظيم في لحظة تاريخية فارقة.