صحيفة فرنسية: شرارة الحرب بين أمريكا وإيران ستنطلق من العراق

12

طباعة

مشاركة

تتلقى إيران العديد من اللكمات لكنها لا تستطيع الرد، هذا ما يفسره التصعيد الأخير في الخليج، الذي أثار مخاوف من صراع مفتوح بين طهران وواشنطن. وفي ظل الضغوط المتزايدة، يُطرح السؤال حول، إلى متى يمكن للجمهورية الإسلامية الصمود دون رد فعل؟ وما هو سلاحها المفضل؟ ولماذا سحبت واشنطن دبلوماسييها من العراق؟

أسئلة طرحتها صحيفة "لوريون لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، مشيرة إلى أن الإيرانيين يتعرضون لضغوط قصوى، في ظل وجود مجال صغير للمناورة للرد دون التعرض لخطر الصراع الذي قد يكلفهم أكثر، فمنذ خروجها من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 8 مايو/ أيار 2018، تضاعف واشنطن سياسات العقوبات على طهران لعزلها مالياً ودبلوماسياً.

وقد أُعيد فرض العقوبات الاقتصادية التي تم تعليقها في عام 2015 بحكم الواقع على عدة "مراحل"، إذ استهدفت أمريكا جميع الموارد الحيوية في البلاد؛ النفط والمعادن وقطاعات الأغذية والصرف الصحي، وحتى الكيانات العميقة بتصنيف الحرس الثوري "منظمة إرهابية أجنبية".

تضرر الشعب

وأشار التقرير إلى أنه وفقًا للأرقام الرسمية، يبلغ معدل البطالة 12٪ ومعدل الفقر 40٪، وقال صندوق النقد الدولي "اف ام أي" في أواخر أبريل/ نيسان إن التضخم قد يصل إلى 40٪ هذا العام، أما بالنسبة للعملة الوطنية، فقد استمرت في الانخفاض، حيث تم تداولها في نهاية شهر أبريل عند 144 ألف ريال مقابل الدولار الواحد، ولا يزال الفساد مستوطنًا.

وأوضحت الصحيفة أن الضحية الأولى لهذه العقوبات هي الشعب الإيراني نفسه، فعلى سبيل المثال، من الصعب للغاية الحصول على الفستق الرخيص أو اللحوم الحمراء في البلاد، وأصبحت أسعار الاحتياجات الأساسية مثل الأدوية مبالغا فيها، لدرجة أن الكثير من الإيرانيين يتنازلون عن العلاج، حتى لو كانت الحرب بعيدة، فإن إيران تعاني بالفعل، من حالة حصار.

وقال الباحث المتخصص في إيران بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، كليمنت تيرمي، للصحيفة: إن "الحكومة الإيرانية تعيش بشكل سيء في مواجهة هذه العقوبات، إذ لم يعد هناك تصدير للنفط، وتواجه صعوبات مع شركائها الصينيين أو الروس، والحوار مع أوروبا صعب التنفيذ سياسيا دون الفوائد الاقتصادية التي تتوقعها طهران في إطار الاتفاق النووي".

وبيّن الباحث أن الاختناق الأمريكي يمثل تهديدًا للنظام، خاصةً مع تزايد الاحتجاجات في شتاء عام 2017 /2018، أو في الآونة الأخيرة بعد الفيضانات الهائلة التي اجتاحت جزءا كبيرا من البلاد في مارس/ آذار الماضي، فالخطر على النظام يتمثل في أن غضب السكان يؤدي إلى المزيد من الصراعات الداخلية التي تضعف قوته.

ومن جهته أشار مؤسس موقع "بورس وبازار" المتخصص في الاقتصاد الإيراني، اسفنديار باتمانجليدج، للصحيفة إلى أن "المسؤولين الإيرانيين يعربون عن قلقهم البالغ إزاء الاحتجاجات الجماهيرية والتهديدات للمؤسسة بشكل عام". مضيفا أن الانتخابات المقبلة والطريقة التي سيعبر بها الإيرانيون عن غضبهم من الانتخابات تسبب الكثير من القلق.

شرارة من العراق

وأفادت "لوريون لو جور" أن الجمهورية الإسلامية تجد نفسها معزولة بشكل متزايد على الساحة الدولية، كما أنها تَضعف داخليا وتخنقها العقوبات، وقد يغري ذلك "الحرس الثوري" بالقيام بعمل عسكري ضد الأمريكيين، بما في ذلك الميليشيات المرتبطة بطهران في المنطقة، لإظهار أن لديهم القدرة على الرد على الضغوط الأمريكية وبالتالي تعزيز قوتهم في الداخل.

واستطرد التقرير: "لكن يبدو أن تنفيذ مثل هذا الإجراء محدود إلى حد ما، بالنظر إلى حقيقة أن طهران ليس لديها مصلحة في إثارة صراع مفتوح مع واشنطن". ونقل عن رئيس معهد الشرق الأوسط، بول سالم، القول: "يعرف الإيرانيون تمامًا أنهم لن يكون لديهم خيار سوى العيش في ظل نظام العقوبات، على الأقل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أي في وقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إنهم يتمتعون بأن لديهم القدرة على الانتظار حتى ذلك الحين".

من جهة أخرى لفتت الصحيفة إلى أنه رغم هبوط حدة التصريحات، لكن التوترات ما زالت حية، لكن لا يبدو أن دونالد ترامب أو آية الله خامنئي يريدان الحرب، غير أن التصعيد الأخير في الخليج أظهر كيف أن أدنى شرارة يمكن أن تشعل الشرق الأوسط بأكمله.

وأوضحت أنه في السياق الحالي، قد تأتي هذه الشرارة من العراق، حيث تخشى الولايات المتحدة من هجوم إيراني على رعاياها وإجلاء جزء من موظفيها الدبلوماسيين، ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية فإن الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، دعا الميليشيات العراقية في بغداد قبل ثلاثة أسابيع إلى "الاستعداد لحرب بالوكالة".

وأكدت "لو ريون لو جور" أن الميلشيات هي سلاح طهران الرئيسي في أي نزاع محتمل مع واشنطن، في ظل عدم تكافؤ القوى بين الجانبين، فطهران يمكنها الاستعراض لكنها لا تستطيع أن تتنافس عسكريًا مع الولايات المتحدة.

أرجلها في الخليج

وحذر ممثل الحرس الثوري، محمد صالح جوكار، في البرلمان الإيراني من أن "الجيش الإيراني" يستطيع "بسهولة" إغراق سفن البحرية الأمريكية الموجودة في المنطقة، لكن كقوة عالمية رائدة، تتمتع واشنطن بنفوذ كبير في المنطقة من خلال وجود أكثر من عشرة قواعد عسكرية وجوية وبحرية من تركيا إلى باكستان إلى عُمان، بحسب الصحيفة.

وأوضح التقرير أن الجيش الأمريكي يتمتع بمواقع إستراتيجية، خاصة في الخليج العربي، مما يسمح له بتطويق الجمهورية الإسلامية وتقديم إمكانية إسقاط سريعة عند الحاجة، وفي المجموع يوجد حوالي 60 ألف جندي أمريكي في الشرق الأوسط، استنادًا إلى أرقام 2018 التي قدمها "تشاتام هاوس" في دراسة بعنوان "تقييم السياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط".

ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى أن أمريكا تنشر صواريخ "باتريوت أرض جو" في الكويت والإمارات والبحرين وقطر والأردن، في حين أن مقاتلات "إف-22 رابتور" وطائرات "إف-16 فايتينج فالكون" ومقاتلات "إف/إيه-18 هورنت" وطائرات مراقبة "بيه-3 أوريون" تنتشر في قواعد مختلفة.

وذكر التقرير أنه توجد أيضًا في المياه الإقليمية قوات مختلفة من القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس، الذي يوجد مركز قيادته جزئيًا في البحرين، وهي ترسانة تعززها معدات من حلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديداً إسرائيل والسعودية، اللتان تملكان أحدث المعدات العسكرية.

قوة غير متكافئة

وقالت الصحيفة إنه في المقابل "لا تزال إيران تستخدم المعدات التي تسلمتها في السبعينيات وتمكنت من الحفاظ عليها"، بحسب بيتر ويزمان، الباحث في برنامج الأسلحة والنفقات العسكرية بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (سيبري).

وقال ويزمان: إن "الظروف الاقتصادية ليست جيدة والدولة خاضعة لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة منذ تسع سنوات". واستطرد التقرير، في حين أن الجمهورية الإسلامية لديها ميزانية دفاع أصغر مقارنة بالولايات المتحدة - 13 مليار دولار مقابل 684 مليار في عام 2018، وفي بلد يبلغ عدد سكانه 81 مليون نسمة، لدى طهران جيش كبير تعداده 523 ألف جندي و 250 ألف من جنود الاحتياط، وفقا لأرقام 2018، بحسب المقال.

وتابع، أما على الجبهة البحرية، تمتلك طهران 398 وحدة بحرية، بما في ذلك 230 قارب دورية و 33 غواصة، وهي موجودة في بحر قزوين والخليج العربي ومضيق هرمز والبحر الأحمر.

وأشار تقرير صادر عن مكتب المخابرات البحرية الأمريكي في عام 2017 -استشهدت به الصحيفة- إلى أنه بإمكان هذه القوة مجتمعة خلق قدرة إجمالية أكبر من مجموع مكوناتها، لا سيما عند استخدامها في الأماكن المقيدة مثل الخليج الفارسي ومضيق هرمز.

الميليشيات نقطة قوتها

ووفقا للمستشار بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، سيث جونز، على الرغم من أن الوسائل التقليدية لطهران ضعيفة مقارنة بواشنطن، إلا أن لديها القدرة على الرد بشكل غير متكافئ (لهجوم) داخل أو خارج إيران وإطلاق الصواريخ، من خلال الجيش النظامي والحرس الثوري.

وقال: إن "الإستراتيجية الإيرانية تعتمد على شبكة كبيرة من الميليشيات المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة: حزب الله في لبنان وسوريا، الذي تقدر عناصره بحوالي 20 ألف، وعدد كبير من جنود الاحتياط ونحو 130 ألف صاروخ، إضافة إلى حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في غزة، والميليشيات الشيعية العراقية أو المتمردون الحوثيون في اليمن".

وبيّّن أن القدرة على تنشيط جبهات متعددة في آن واحد هي بطاقة أساسية في إستراتيجية إيران، حتى لو لم تكن جميع الميليشيات مرتبطة بالتبعية الكاملة تجاه إيران، فطهران لديها الوسائل لإشعال النار في المنطقة حال الحرب المفتوحة مع واشنطن.

وقال جونز للصحيفة، إنه على الرغم من أن العديد من المراقبين يشككون في احتمال المواجهة الكاملة بين الطرفين، يمكننا أن نرى سيناريو شبيه بالعراق في عام 2003، حيث ستكون الولايات المتحدة قادرة على هزيمة القوات الإيرانية التقليدية. لكنها ستواجه مشاكل داخل الولايات المتحدة وإيران، أو مزيج من كليهما، وضربات صواريخ الجيش أو الحرس الثوري، بما في ذلك داخل المنطقة.