الشيخ رائد صلاح لـ"الاستقلال": التطبيع إلى زوال والانقلابات على الثورات احتلال

12

طباعة

مشاركة

قال القيادي الإسلامي الشيخ رائد صلاح المفرج عنه حديثا من سجون الاحتلال إن النيابة الإسرائيلية حاولت خلال التحقيق معه محاكمة القرآن الكريم والسنة النبوية والفولكلور الفلسطيني، لإدانته بالتحريض على المقاومة والرباط في المسجد الأقصى.

وأكد صلاح (63 عاما) الذي يرأس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة أن المسجد الأقصى حق إسلامي فلسطيني عربي خالص، وسيظل هكذا إلى قيام الساعة، والوجود الإسرائيلي به باطل وسينتهي كما بدأ لأن ذلك من سنن الله.

وأضاف في حوار مع "الاستقلال" أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض سيطرته وسيادته بالقوة على المسجد الأقصى، ويخطط لتفكيك الحاضنة العربية حول المسجد لفرض قطيعة مطلقة على امتداده الطبيعي.

وعن وضع الحركة الإسلامية التي حظرتها إسرائيل منذ 2015، قال صلاح: "نحن ننتمي إلى ثوابت إسلامية عروبية فلسطينية غير قابلة للحظر نستمد منها فهمنا ورؤيتنا وسنبقى مع هذه الثوابت حتى نلقى الله".

وأشار إلى أن فلسطينيي الداخل (عرب 48) ضحايا عنصرية المجتمع الإسرائيلي بكل معنى الكلمة، ويتعرضون لسياسة التحريض العلني المكشوف ضد العرب، فضلا عن استباحة أرضهم ومقدساتهم.

وشدد صلاح على أن الكيان الإسرائيلي متناحر فيما بينه، وحدة الاستقطابات داخله تهدد وجوده.

كما لفت "أسد الأقصى"، وهو لقب ضمن ألقاب عديدة يطلقها الفلسطينيون على الشيخ، إلى أنه رغم مآسي الانقلابيين في بلدان الربيع العربي بدعم خارجي واحتلال داخلي فإنه مؤمن ومتفائل بقدوم ربيع نبوي يكون رحمة لكل أهل الأرض.

وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، عانق الشيخ رائد صلاح الحرية من جديد، عقب إفراج الاحتلال الإسرائيلي عنه بعد أن قبع 17 شهرا في السجن، بتهمة "التحريض على المقاومة".

وتأتي هذه التهمة ضمن ما يُطلق عليه "ملف الثوابت" التي امتدت محاكمة الشيخ رائد في إطاره ثلاث سنوات بدأت في أغسطس/آب 2017، وتواصلت على صور مختلفة.

الاحتلال يجرم ثوابتنا

في البداية شيخنا كيف مرت فترة الأسر الأخيرة وما أسبابها؟

كانت محاولة يائسة وفاشلة من طرف المؤسسة الإسرائيلية لتجريم ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية التي يقف على رأسها قضية القدس والمسجد الأقصى.

في الأصل كانت محاولة لمحاكمة القرآن الكريم، والسنة النبوية، والفولكلور الفلسطيني الشعبي، فهم حاولوا التحقيق معي حول قول الله "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".

فحاولت النيابة اعتبار هذه الآية بالذات، وكلمة "ورابطوا"، دعوة إلى التحريض.

كما حاولت أيضا ابتزازي بتهمة التحريض من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".

ومع أن هذا الحديث يدعو إلى كثرة الصلاة وكثرة الخطى إلى المساجد؛ إلا أن النيابة أعطت لنفسها الحق بمحاكمة الحديث وابتزازي بتهمة الدعوة إلى الرباط منه.

كما وقفت عند بعض الهتافات الشعبية الفولكلورية الفلسطينية، وحاولت إدانتها واعتبارها تدعو إلى التحريض والإرهاب.

ومرت محاكمتي على ثلاث مراحل، في الأولى كنت معتقلا 11 شهرا في سجن انفرادي، ثم انتقلت إلى سجني البيتي في بلدة كفر كنة أولا، ثم انتقلت إلى مدينة أم الفحم على مدار سنتين وكنت في سجن بيتي ممنوعا من الخروج، ثم بعد ذلك حكم علي بمواصلة السجن 17 شهرا في سجن انفرادي. 

وفي الخلاصة أقول الحمد لله، وجدت أن الدعاء هو حبل نجاتي والتضرع إلى الله هو سندي، وثبتني الله على كل هذه المواقف الصعبة.

ما مستقبل الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني في ظل الاستهداف الإسرائيلي لأنشطتها؟

المؤسسة الإسرائيلية حظرت الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015، ولا وجود تنظيميا لها الآن، وأي إنسان يتهم بالتماهي معها سيحاكم ويسجن.

لكن نحن في الأصل ننتمي إلى ثوابت إسلامية عروبية فلسطينية غير قابلة للحظر وننتمي إلى القرآن الكريم والسنة النبوية ومنها نستمد فهمنا ورؤيتنا وسنبقى مع هذه الثوابت حتى نلقى الله.

حدثنا عن تاريخ المرابطين ودورهم في حماية الأقصى؟ 

نحن نؤكد أن قضية القدس والمسجد الأقصى هي قضية كل مسلم وعربي كما أنها قضية كل فلسطيني، وهي قضية جامعة لكل أبناء الأمة، وفي تصوري الكل يحمل الشوق للقدس ويتمنى أن يحيا ويأتي ذات يوم ليركع ويسجد في المسجد الأقصى.

ونحن في هذه المرحلة مطالبون بالحفاظ على ماهية حقيقة القدس والمسجد الأقصى، فهي قضية ظاهرة على من عاداها كظهور القرآن الكريم على كل من عاداه.

ومما لا شك فيه أنها كانت ولا تزال هي الرافعة في مسيرة تاريخنا الإسلامي العربي الطويل، فحشود كل الأمة كانت تشد الرحال على مدار القرون الماضية إلى القدس والمسجد الحرام.

ومن هذا الباب فإنني كلي يقين وتفاؤل كما قال سلفنا الصالح إن بيت المقدس لا يعمر فيه ظالم.

عرب 48

كيف ترى واقع فلسطينيي الداخل أو عرب 48؟

نحن نمر في مرحلة حرجة في الداخل الفلسطيني، فنعاني من عدة قضايا أساسية في واقع حياتنا، ومن أخطرها تغول ظاهرة العنف التي ذهب ضحايا لها الكثير.

وتشير كل الجرائم أن المؤسسة الإسرائيلية هي التي سهلت انتشار السلاح الأعمى داخل مجتمعنا الفلسطيني كعرب 48، وهي التي غضت الطرف عن كثير من القتلة، وتهاونت في الأحكام التي حاكمت فيها "بعض بعضهم".

وأنا لا أقول ذلك تحليلا؛ بل هي تصريحات صدرت عن بعض أزرع الجهاز الأمني الإسرائيلي وبلا شك هناك قلق يومي في مسيرة حياتنا، إضافة إلى هموم أخرى عن مصير أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا، خاصة في النقب والمدن الساحلية عكا وحيفا ويافا واللد والرملة.

وأمام كل ذلك نحن ندرك بيقين أن رؤيتنا الوحيدة هي الصمود بكل معاني الكلمة في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا حتى نلقى الله.

كيف يمكن للحركة الإسلامية التصدي لحالة الخدمات والبنية التحتية والمرافق في ظل الانفلات الأمني وانتشار الجريمة والسلاح المنفلت؟

أؤكد أننا من خلال لجنة المتابعة العليا التي تمثل كل الأطياف السياسية في الداخل الفلسطيني لعرب 48، أقمنا لجانا باسم "لجان إفشاء السلام" وأنا كنت رئيسا للمشروع، واجتهدنا أن نواصل المسيرة إلا إنني تعرضت للسجن.

ولكن الآن نسعى لتجديد دور هذه اللجان لإفشاء السلام بكل معناه الواسع في الداخل الفلسطيني ولنا برنامج عمل وخطوات تفصيلية كثيرة جدا كما قلت هدفها في النهاية نقل واقع مجتمعنا المر إلى واقع يحيط به لغة الحوار والصفح والتسامح.

كيف تجدون عنصرية الحكومة الإسرائيلية وكيف يمكنكم فضح هذا الوجه؟

نحن ضحايا بكل معنى الكلمة لهذه العنصرية ولعل من أخطر مظاهر هذه العنصرية اليوم هي سياسة التحريض العلني المكشوف علينا، إلى جانب استباحة أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا كما يتم الآن في النقب.

فعلى سبيل المثال بعد خروجي من السجن وقبل أن أتفوه بأي كلمة واجهت تحريضا شديدا غريبا من كثير من أقطاب السياسة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو.

فوصلت إلى نتيجة واحدة أنهم يحرضون علي لكوني عربيا مسلما فلسطينيا، وما عشته اليوم يبرز كم هو الواقع المر الذي نعيشه، فصرنا نسمع أصواتا كثيرة هذه الأيام تحرض ضدنا بلغة شنيعة غير مسبوقة على مدار العقود السابقة.

وبات أهلنا إذا ذهبوا للمسجد الأقصى يجدون من ينتظرهم ليقمع وجوههم، فيعتقل البعض، ويضرب الآخر.

كيف ترى الكيان المحتل من داخله؟

المتابع للإعلام العبري يرى أنهم يتناولون ما يعانيه المجتمع الإسرائيلي من استقطابات بين متدينين وعلمانيين أولا، وبين متدينين متشددين وغير متشددين ثانيا، وبين متدينين شرقيين وغير شرقيين ثالثا.

ونفس الشيء على مستوى العلمانيين، ولا شك ان هذه التباينات تعكس نوع من التقاطع والصدامات التي تعوق مسيرة هذا المجتمع.

وبرز ذلك في مسيرة انتخابات الكنيست التي أعيدت 4 مرات بسبب هذه الاستقطابات وبسبب عدم الوصول الى توافق يمكن أن يجسد مصلحة ما لها جميعا.

وأعتقد أن شدة هذه الاستقطابات تزداد، والهوة بينها تتسع وكثير ممن شغلوا مناصب رؤساء للموساد الإسرائيلي يتحدثون أن الخطر الذي يهدد إسرائيل هو خطر داخلي بسبب هذه الاستقطابات.

الأقصى حق خالص

ما دور الحركة الإسلامية في الداخل في الدفاع عن الأقصى في وجه جماعات الهيكل واعتداءات المستوطنين؟

 نحن نقوم بواجبنا تجاه القدس والمسجد الأقصى، وهو واجب واضح لا ينتهي وليس محدودا بالبعد الزمني؛ بل هو دائم ما دمنا في هذه الحياة.

لذلك نجتهد من خلال مبادرات شد الرحال إلى الأقصى، والعبادة بمعناها الواسع بالمسجد بالقدر المستطاع، والمساهمة بدعم الاقتصاد لأهلنا المقدسيين لاسيما في الأسواق القديمة.

وفي نفس الوقت نحافظ على الخطاب الواضح بأن المسجد الأقصى المبارك حق إسلامي فلسطيني عربي خالص وسيظل هكذا إلى قيام الساعة.

بينما الوجود الإسرائيلي في الأقصى باطل وسينتهي كما بدأ وهذا من سنن الله.

ماذا عن تهجير أبناء القدس، وهدم منازلهم، والتنكيل بهم، والتضييق المتواصل عليهم؟

واضح جدا أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض سيطرته وسيادته بالقوة على المسجد الأقصى والقدس، ومن هنا نجد محاولات لوضع يده على بيوت أهلنا هناك، وهدم كثير من البيوت، إضافة إلى محاولات دائمة لتغيير أسماء الشوارع.

وهناك دائما سياسة الاعتقالات للمقدسيين، لأنهم يشكلون حاضنة الحياة اليومية للمسجد الأقصى، وكأن الاحتلال يطمح في تفكيك هذه الحاضنة من أجل فرض قطيعة مطلقة على المسجد عن امتداده الطبيعي.

كيف يمكن مواجهة حمى التهويد المتواصلة بالمناطق العربية داخل الخط الأخضر وبالقدس والضفة؟

الطريقة الوحيدة لمواجهة حمى التهويد هي الصمود في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا، والحفاظ على انتمائنا وهويتنا.

التطبيع إلى زوال

كيف ترى مستقبل الأقصى في ظل الهرولة العربية نحو الكيان الصهيوني؟

أنا شخصيا قلتها ومازلت أؤكدها وإن كانت هذه الهرولة العربية محزنة لكل حر؛ إلا أنها لا تخيفني إطلاقا؛ لأنها هرولة رسمية لا تمثل الشعوب العربية، وهي تتصادم مع ضمير الشعوب وثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية.

لذلك أقول إن هذه الهرولة فعل مفتعل طارئ، ولد مؤقتا وسينتهي كما ولد، وسنبقى ملتزمين بالحضارة الإسلامية العربية.

كيف ترى ما يسمونه باتفاقات إبراهام؟ وما الغرض من ورائها؟

هذه المسميات تذكرني بقول الله: "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان"، هي مسميات لا أصل لها تحاول أن تلبس طاقية الإخفا باسم نبي الله إبراهيم لتمرير التطبيع.

لكن كلنا نعلم أن نبي الله إبراهيم من هو وما هو ولاؤه، وما هو دينه، فعندما عرّف عن نفسه بالقرآن الكريم قال بصريح العبارة إنه حنيفا مسلما، جاء إلى الأرض ليحرر الناس من عبادة الأوثان سواء كانت من الحجر أو البشر.

لذلك هو من الجذور التي نفتخر بالانتماء إليها، أما هذه الهرولات التي تسمى بهذا الاسم تناقض كل المناقضة شخصية نبي الله إبراهيم، ورسالة الإسلام التي جاء بها إلى الأرض.

كيف ترى صفقة القرن اليوم؟ هل انتهت أم لا يزال ينفخ البعض فيها الروح؟

صفقة القرن من ضمن المحاولات للتطبيع، وأنا مازلت أؤكد أن هذه الدائرة هي رسمية ولا تمثل إلا أشخاصها الرسميين. 

ولا تمثل الشعوب العربية المسلمة التي تتصف بالوفاء والأمانة، ولا يمكن في يوم من الأيام أن تدير ظهرها لثوابتها الإسلامية العروبية الفلسطينية.

أنا شخصيا متألم من هذه الصفقة لكن نحن على يقين أن الحق هو الأصل وهو الظاهر كما يقول سبحانه: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل".

ماذا تنصح الأشقاء في فتح وحماس والجهاد؟

أنا أقول لكل الشعب الفلسطيني بغض الطرف عن الفصائل إن القضية الفلسطينية قضية عادلة، وروح هذه القضية هو حق العودة، وتاج هذه القضية هي القدس والمسجد الأقصى.

وكل حر في العالم سواء كان مسلما وعربيا أو غير عربي مسلم يلتف حول هذه القضبة ويدعمها، ولذلك المطلوب من شعبنا الفلسطيني الحفاظ على ثوابت هذه القضية والثبات عليها والعمل على وحدة الداخل الفلسطيني حتى تبقى كبيت واحد وأسرة واحدة.

وفي تصوري الوحدة هي الأساس وسيأتي يوم يكون لهذه القضية بإذن الله حلها العادل.

كيف ترى مستقبل المنطقة العربية وربيعها العربي وثوراته التي تم الانقلاب عليها؟

اتسعت رقعة الآلام في كل المنطقة العربية وبلغت الملايين من القتلى والمعتقلين والمشردين، وتم الانقلاب فيها على الربيع العربي بحركات بهلوانية مصطنعة مدعومة من الخارج، وشكلت فرض احتلال داخلي على الشعوب العربية في كثير من الدول العربية.

وأنا مع كل هذه الآلام أقول إن هذه مرحلة هجينة على نبض الشارع المسلم والعربي، مهما ملكت من قدرات سياسية اقتصادية عسكرية ودعم خارجي.

لذلك مرة أخرى أقول إنني متفائل بأن هذا الربيع العربي سينجب بإذن الله ربيعا نبويا سيكون لكل أهل الأرض إلى جانب الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني.

وسيكون رحمة بعد أن أصبح كل أهل الأرض يعانون من الاستعمار الأعمى الذي امتص دماء الشعوب، فالأوان آن لبدء مسيرة حضارية ربانية تحمل الخير والسعادة لكل أهل الأرض، هي الربيع النبوي المنتظر.