بعد مفاوضات طويلة.. متى تنهي الأطراف اليمنية ملف المعتقلين؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع حلول رمضان الجاري، أطلق الحوثيون عرضا للحكومة الشرعية بإجراء عملية تبادل جزئي للأسرى، ودعا رئيس لجنة الأسرى التابعة للحوثيين، عبد القادر المرتضى، الطرف الآخر إلى استقبال هذا الشهر الفضيل بعملية تبادل أولية يفرج فيها عن ألف أسير من الجانبين.

لم يجد هذا العرض تجاوبا من الحكومة الشرعية، وعلقت أن الحوثيين غير جادين في إنهاء ملف الأسرى، ودائما ما يقومون بالالتفاف والتحايل على الاتفاقات بعد أشهر وجولات من المفاوضات.

وكان الرئيس عبدربه منصور قد أوضح في خطابه بمناسبة حلول رمضان أن الحوثيين يرفضون دائما كل المقترحات والتفوا على كل الاتفاقات ووضعوا العراقيل أمام اتفاق تبادل الأسرى، لكن زعيم جماعة الحوثيين اتهم الثلاثاء الماضي الحكومة اليمنية بالتنصل عن تنفيذ الاتفاق ومحاولة الالتفاف على الصيغة التي تم التوصل إليها في مشاورات الأردن.

وقال زعيم الحوثيين: "قلنا للطرف الآخر إننا جاهزون لتنفيذ اتفاق الأسرى على قاعدة الكل مقابل الكل أو بشكل نسبي، فلم نجد اهتماما منهم في هذا الملف والطرف الآخر يحاول دائماً أن يتنصل عن الاتفاقات والصيغ المتعلقة بمسألة الأسرى".

إلا أن الحكومة علقت، بأن الحوثيين هم المتسبب بعرقلة الاتفاقات، وقال وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضايل، إن تعنت الحوثيين والتفافهم على الاتفاقات بشأن تبادل الأسرى هو ما جعل المفاوضات تتعثر بهذا الخصوص.

وأضاف فضايل، إن الحوثيين انقلبوا على الاتفاق  في المرحلة الخامسة والأخيرة من مراحل المفاوضات التي استمرت لثلاثة أشهر، ورفضوا تنفيذ الاتفاق.  

طالما كان ملف الأسرى حاضرا في أجندة المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين وفدي الحكومة الشرعية والحوثيين، كان آخرها مفاوضات ستوكهولم، التي كان ملف الأسرى فيها أحد المخرجات التي تم الاتفاق والتوقيع عليها من قبل وفدي الشرعية والحوثيين، إضافة إلى اعتباره إحدى خطوات بناء الثقة التي ناقشها الوفدان لإثبات الجدية في التوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية. 

نصت الاتفاقية في ديباجتها على إنسانية هذا الملف وانطلاق الأطراف المتحاورة من فكرة لم شمل الأسر المكلومة، وعدم خضوع هذه القضية لأي حسابات سياسية، وقد لقي هذا الاتفاق بما فيه من توطئة نصت على الاعتبارات الإنسانية ترحيبا كبيرا من قبل المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، وشرائح المجتمع اليمني.

لا يستويان

يختلف الأسرى لدى الحوثيين عن آخرين لدى الجيش الوطني، فالأسرى لدى الجيش هم أسرى حرب، بينما الأسرى لدى الحوثيين هم مدنيون، إذ يقول الناشط الحقوقي موسى النمراني، لـ"الاستقلال": إن "الأسرى لدى الجيش الوطني تم أسرهم في المعارك والجبهات، بينما الأسرى لدى الحوثيين هم أسرى تم اقتحام بيوتهم ومتاجرهم واختطافهم في المدن والقرى والأرياف خلال سنوات الحرب ثم إخفاؤهم قسريا، وهذا أحد دوافع حملة الاعتقالات التي يشنها الحوثيون، الذين يخططون من خلالها لمبادلة مقاتليهم بأسرى محسوبين على الحكومة الشرعية".

وأضاف النمراني: "يفترض وفقا لاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب إنه يجب إطلاق الأسرى لدى الحوثيين، بدون مبادلة؛ لأنهم لا يعدون أسرى حرب، بل أسرى مدنيون".

وكان الحوثيون قد شنوا حملات اختطاف واسعة عقب انقلابهم على الحكومة الشرعية في 11 سبتمبر/أيلول 2014، اعتقلوا خلالها المعارضين السياسيين، وفق معلومات وفرتها لهم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لنظام صالح الذي أعلن تحالفه مع الحوثيين إثر الانقلاب، ثم قاموا بحملات فردية عقب السنوات التي تلت الانقلاب، اختطفوا واعتقلوا فيها كل من يغلب عليه الظن أنه يعارضهم، أو يتبنى موقفا لا يتوافق معهم بأي شكل من الأشكال، بحجة أنه من الخلايا النائمة.

وأيضا اختطف الحوثيون، الناشطين والصحفيين والمحامين والأطباء والأساتذة الجامعيين والمدرسين وطلبة المدارس والجامعات، فقد كان الاختطاف يتم بمداهمة بيوت المعارضين أو من أماكن عملهم، إضافة إلى أخذهم من الشوارع والأماكن العامة.

بنود الاتفاقية

تجاوز الوفد الوطني اعتبار عدم تساوي الأسرى عند الطرفين، ووافق على مبادلة أسرى حرب بأسرى مدنيين، وتم الاتفاق بين الجانبين على إجراء تبادل شامل لجميع الأسرى والمخفيين قسرا والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، ونصت الوثيقة التي نشرها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفث، في موقعه الرسمي، على تبادل شامل للمعتقلين دون استثناء أو أي شروط، وكانت بنودها كالآتي: 

  1. الاتفاق على إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفيا والمخفيين قسريا والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث لدى جميع الأطراف بدون أي استثناءات أو شروط؛ وذلك بهدف حل القضية بشكل كامل ونهائي.
  2. يسلّم كل طرف كل من لديه من أسرى ومعتقلين ومفقودين ومحتجزين تعسفيا ومخفيين قسريا والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث، لدى جميع الأطراف اليمنية ولدى التحالف العربي سواء كانوا يمنيين أو من دول التحالف وبمن فيهم: (فيصل رجب ، محمد قحطان، محمود الصبيحي، ناصر منصور هادي).
  3. لا يحق لأي طرف الامتناع عن تسليم أي شخص تم أسره أو اعتقاله أو احتجازه أو القبض عليه على ذمة الأحداث لأي سبب،  وتلتزم جميع الأطراف بذلك.
  4. تلتزم جميع الأطراف بعدم استثناء أي شخص تم أسره أو اعتقاله أو احتجازه أو القبض عليه على ذمة الأحداث لأي سبب.
  5. في حال تبين وجود أي أسرى أو معتقلين أو مفقودين أو محتجزين تعسفيا أو مخفيين قسريا أو الموضوعين تحت الإقامة الجبرية لدى أي طرف، أو المحتجزين على ذمة الأحداث، بعد عملية التبادل فإن جميع الأطراف ملتزمة بإطلاق سراحهم على الفور دون قيد أو شرط.

الصليب الأحمر مشرفا

أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي استعدادها الكامل للإشراف على عملية التبادل، ونقل الأسرى بطائراتها، ورفعت موظفيها في اليمن إلى 15 مندوبا لإدارة هذه العملية، وأعلنت عن جاهزيتها لتخصيص طائرتين سعة كل منهما 200 مسافر لنقل المحتجزين بين صنعاء ومدينة سيئون.

وتضمنت آلية تنفيذ الاتفاق تسليم كل طرف كشوفات صحيحة ودقيقة بأسماء الأسرى لدى كل طرف، على أن يجري تنفيذ ما اتفق عليه بعد التوقيع على الكشوفات النهائية، وتنفيذ عملية التبادل، وبحسب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن الطرفين تبادلا قوائم ضمت 16 عشر ألف شخص، من الطرفين، بما فيهم أشخاص معتقلون خارج اليمن، وآخرون أجانب محتجزون في اليمن.

وقال عضو الوفد المفاوض للحكومة الشرعية عضو لجنة الأسرى والمعتقلين، هادي هيج: إن تنفيذ اتفاقية تبادل الأسرى والمعتقلين تشمل خمس مراحل، الأولى: تبادل الكشوف، والثانية: الإفادات حول الكشوف، والثالثة: الملاحظات، والرابعة: الرد على الملاحظات، والخامسة والأخيرة: تنفيذ التبادل.

الأردن مستضيفا

على إثر تلك الاتفاقية، أعلنت عمّان استعداها لاستضافة مفاوضات لتبادل الأسرى، وأعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية، إن بلاده وافقت على طلب الأمم المتحدة استضافة عمّان لاجتماع حول اتفاق تبادل الأسرى المبرم بين الجانبين المتقاتلين في اليمن.

وأضاف: إن "الوزارة قد وافقت على الطلب المقدم من مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن لاستضافة عمان للاجتماع الذي سيعقد بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين، لمناقشة بنود اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، واجتمع الوفدان في عمان وأعلنوا الوصول إلى تفاهمات أولية حول تنفيذ اتفاق الأسرى والمعتقلين.

تعثر وتعنت

بالرغم من كل تلك الاستعدادات والتجهيزات لتذليل وتسهيل عملية تبادل الأسرى وترحيب الجميع بهذا الإنجاز، إلا أن ملف الأسرى تعثر ولم ير النور حتى الآن، وكانت القوائم التي تم طرحها من الطرفين قد تضمنت 16 ألف أسير، إلا أن ما تم الاتفاق عليه هو 2500 معتقل من الطرفين.

ومع تأكيد وفد الحكومة بعدم مصداقية الحوثيين بشأن بيانات الأسرى، خصوصا أنهم كانوا قد أقروا بوجود ثلاثةِ آلافٍ وستمائة معتقل في سجونهم من قائمة تضم تسعةَ آلافٍ وخمسمائة اسم قدمتها الحكومة، إلا أن الاتفاق كان قد تم عن مبادلة الأسماء المتفق عليها.

وكان وكيل وزارة حقوق الإنسان عضو لجنة تبادل الأسرى والمعتقلين باليمن، ماجد فضايل، قد أفاد بأن المشاورات بشأن تبادل الأسرى تعثرت بسبب تعنت الحوثيين ورفضهم تنفيذ الخطوة الأخيرة، المتمثلة بتبادل الأشخاص الذين توفرت عنهم معلومات من الطرفين.

وعن أسباب رفض تنفيذ الخطوة الأخيرة، أوضح فضايل أن الحوثيين يعملون على إطالة مدة المفاوضات وكسب الوقت لشن حرب جديدة. وكانت مشاورات تبادل الأسرى قد تضمنت الاتفاق على تبادل الجثث لدى الجانبين، إلا أن تنفيذ ذلك الجزء من الاتفاق تعثر هو الآخر.

أسرى السجون الإماراتية

بدا أن الأسرى اليمنيين في سجون الإمارات في وضع أصعب مما هو عليه الأسرى لدى الحوثيين، فبالإضافة إلى التعذيب والمعاملة القاسية التي يتلقاها المعتقلون في السجون الإماراتية بعدن، فإن المفاوضات لم تتناول الأسرى لدى السجون الإماراتية، وكانوا خارج الحسبة تماما.

وكان تقرير لوكالة "الأسوشيتد برس" بعنوان "من داخل السجون السرية: استطعنا سماع الصراخ"، قد كشف عن  وجود 18 سجنا سريا تديرها قوات تابعة للإمارات في جنوب اليمن، تقوم بتعذيب سجناء بوسائل وحشية دون محاكمات.

وكان أحد السجناء قد استطاع تسريب صور إلى الخارج رسم فيها صورا عن كيفية تعذيب المساجين في سجن معتقل فيه مع عدد آخر يخضع للحزام الأمني التابع للإمارات.

وتقرير آخر صادر عن لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة في أغسطس/آب 2018، أكد تورط الحزام الأمني التابع للإمارات بارتكاب جرائم حرب محتملة، وانتهاكات جسيمة، وأخرى بحق القانون الدولي الإنساني، وأعمال عنف تراوحت بين اختطاف وتعذيب واغتصاب، نفذتها قوات الحزام الأمني التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة، بحسب نص التقرير.