"بولتون" عرّاب حروب أمريكا بالشرق الأوسط.. ماذا يريد من إيران؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما يشبه الإجماع، اتفقت التقارير والتحليلات السياسية المتابعة للأزمة بين طهران وواشنطن، أن سببها الأساسي هو مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي صرح قبل أشهر بأنه لا يجب على النظام الإيراني أن يحتفل بعد ذلك بعيد الثورة الإيرانية.

بولتون الذي وصفته التقارير المختلفة بأنه "عراب الحروب الأمريكية"، لم تقف جهوده في إشعال الوضع بمنطقة الخليج العربي، والشرق الأوسط، بدفع إدارة ترامب نحو التصعيد مع إيران، وإنما امتدت تحركاته الصدامية لفنزويلا، التي شهدت انقلابا عسكريا فاشلا ضد الرئيس الفنزويلي، ولم تكن مفاجأة أن بولتون كان مهندس هذا الانقلاب الفاشل، أما على صعيد كوريا الشمالية، فقد وصفت تصريحات بولتون عن سلاحها النووي، بأنها غبية، وتصدر عن شخص لا يدري ماذا يقول.

لماذا إذن يريد بولتون إشعال الحروب حول العالم؟ ولماذا يريد تكرار تجربة الحرب الأمريكية في العراق والذي كان أحد أهم داعميها، لماذا يريد تكرارها الآن مع إيران؟ وهل يمكن أن تستجيب إدارة ترامب لضغوط بولتون التي لم تعد مستورة، نحو إشعال منطقة الشرق الأوسط بحرب بدت ملامحها أنها لن تكون عبارة عن نزهة للقوات الأمريكية؟

أبعدوه قبل الحرب

من جانبها وضعت صحيفة "نيوزويك" الأمريكية، شرطا واحدا لتجنب الحرب الأمريكية مع إيران، وهو إقالة جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي من منصبه، وليس فقط إبعاده عن الملف الإيراني، وبحسب تحليل للباحث بالمجلس الإيراني الأمريكي الوطني "سينا توسي"، في الملف الرئيسي للصحيفة، فإن أفضل طريقة لتجنب الحرب مع إيران هي إقالة بولتون.

وأكد، أن قرار إيران بالثأر من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي كان حتميا بسبب تضييق الخناق المستمر عليها بعد هذا "الصبر الإستراتيجي" الذي مارسته طوال العام الماضي، على أمل أن الأطراف الأخرى في الاتفاق كانت ستتصدى لبلطجة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتتحدى العقوبات الأمريكية إذا ظلت إيران ممتثلة تماما للاتفاق.

وأشار الباحث أنه في إطار سياسة المعاملة بالمثل مع إدارة ترامب، فإن بولتون سوف يضمن أن يصبح التصعيد تلقائيا ويستحيل عكس اتجاهه، وبينما يبدو أن ترامب لا يريد حربا فبإمكان بولتون أن يجعله يسير نائما نحوها بمنتهى الطواعية، خاصة وأن بولتون لا يتوانى عن إيجاد طرق أخرى لإثارة نزاع بين واشنطن وطهران، وباعتباره مؤيدا قديما لضربات عسكرية أمريكية ضد إيران، قاد بولتون فرض عقوبات من جانب واحد لم يسبق لها مثيل، ساعيا للقضاء على صادرات النفط الإيرانية ومتفاخرا بشكل استفزازي بنشر حاملة طائرات هجومية في الخليج العربي.

واستدل الباحث المتخصص في العلاقات الأمريكية الإيرانية بتقرير نشرته شبكة "سي أن أن" بأن ترامب أخبر أصدقائه قائلا: "لو كان لبولتون ما أراد لكان بالفعل في حالة حرب في أماكن متعددة"، وصرح في مناسبة أخرى أنه يأمل في التوصل إلى "اتفاق نزيه" مع إيران، مضيفا: "نحن لا نبحث عن إيذاء أي شخص، لا نريدهم أن يمتلكوا أسلحة نووية، هذا كل ما نريده".

وعلق توسي بأن التصريح الأخير لترامب يتعارض مباشرة مع حقيقة سياسته تجاه إيران التي يقودها بولتون بكل المقاييس. وأضاف أن بولتون، مهندس حرب العراق، يقلد في الواقع قواعد اللعبة للرئيس السابق جورج دبليو بوش التي أدت إلى هذا الصراع الكارثي.

وأوضح الباحث،  أن إستراتيجية بولتون تجاه إيران تميزت بربطها بشكل غير دقيق بتنظيم القاعدة، وقوله دون سند إن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وقيامه بتسييس تقييمات الاستخبارات بشأنها، وأن تهديداته الأخيرة بـ "القوة التي لا تلين" ضد إيران، استندت إلى معلومات استخباراتية غامضة بشأن مؤامرة إيرانية مزعومة، مما يثير احتمالات عملية توريط يمكن أن تؤدي إلى نزاع كارثي على مستوى المنطقة.

هل هناك خلاف؟

في تحليل لها عن التصعيد الأمريكي تجاه إيران، ذهبت وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن هناك خلافا بين الرئيس ترامب ومستشاره للأمن القومي، حول التعاطي مع الأزمة الإيرانية، خاصة وان ترامب يحمل بولتون مسؤولية الفشل في فنزويلا، حيث أدار الأخير عملية الانقلاب الفاشلة لصالح خوان غوايدو، ما أحرج الموقف الأمريكي وزاد من قوة عدوها نيكولاس مادورو، الذي خرج من الانقلاب الفاشل مكتسبا المزيد من الثقة والثبات والمؤيدين.

ويتفق الخبير الإستراتيجي الروسي فلاديمير دوبرينين، مع ما ذهبت إليه الوكالة الفرنسية، حيث أكد في تحليل بمجلة "أوراسيا ديلي"، أن وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو خدع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، بعد أن أبرما اتفاقا خلال محادثات هاتفية بينهما للإطاحة بنيكولاس مادورو.

وأشار دوبرينين إلى أنه يبدو أن أمرا ما حدث دفع بـ "بادرينو" ألا يصبح "عرابا للثورة الفنزويلية"، ولم ترد الأغلبية المطلقة من الجنرالات الفنزويليين على الاتصالات التي قام بها بولتون ورجاله في مؤسسة الأمن القومي، وهو ما عبر عنه بشكل واضح، إليوت أبرامز، المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية إلى فنزويلا، عندما صرح قائلا أنه "لم يستطع الاتصال بأحد لإعطاء الإشارة المطلوبة، كما لو أن جميع المتآمرين، قاموا بإغلاق هواتفهم المحمولة".

وبالعودة لتحليل وكالة الأنباء الفرنسية، فإن هذه الأزمة دفعت ترامب للتعامل مع طموحات بولتون الدموية، بشيء من التروي وعدم الاندفاع، وهو ما ترجمته تصريحات ترامب الأخيرة بأنه لا يرغب في شن حرب مع إيران.

وترى الوكالة الفرنسية، أن انتماء بولتون لتيار المحافظين الجدد هو الذي يدفع نحو جرّ الولايات المتحدة لحرب مع إيران، ليكرر نفس السيناريو الذي سبق أن قام به مع العراق عندما كان وكيلا لوزارة الخارجية الأمريكية وسفيرا لبلاده في الأمم المتحدة.

وأشارت الوكالة إلى أن التخوف من تحركات بولتون، لم تعد قاصرة على خصومه فقط، وإنما امتدت أيضا لقلب المعسكر الجمهوري منذ عينه ترامب مستشارا للأمن القومي في مارس/ آذار 2018، لوجود قواسم مشتركة بينهما، منها العداء للمنظمات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، والدفاع الشديد عن السيادة الوطنية.

وبحسب التحليل نفسه، فإن رغم هذا التوافق بين الرجلين، إلا أن هناك خلافا محوريا شديدا بينهما، يمثل علامة فاصلة في التعاطي مع الأحداث والقضايا المختلفة، حيث يميل ترامب لسياسة الانسحاب من "النزاعات التي لا تنتهي" والمكلفة جدا بنظره، وهو ما يتعارض مع مستشاره بولتون الميال لسياسة التدخل في النزاعات، وهو ما عبر عنه ترامب مؤخرا بقوله: "لدي جون، ولدي غيره من ذوي التوجهات المرنة، وفي النهاية أنا من يتخذ القرارات".

انقسام الأمريكان

وأشار تحليل لموقع "الجزيرة نت"، إلى أن إدارة ترامب تشهد في هذه المرحلة انقساما لم تعهده من قبل حول التعاطي مع إيران، بين قوى متشددة تقترب من دوائر المحافظين الجدد، وترحب بالتوتر في الخليج واحتمالات حدوث مواجهات عسكرية، وبين قوى معتدلة لا تسعى للتصالح مع طهران لكنها لا ترغب في مواجهة عسكرية محتملة لا يعرف أحد تفاصيلها ولا طريقة إنهائها.

ويرتكن التحليل إلى مواقف معلنة لعدد من صقور الإدارة الأمريكية الذين يتبنون موقفا متشددا ضد إيران ويشغلون مناصب مهمة في إدارة ترامب، منهم مايك بينس نائب الرئيس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، إلا أن مستشار الأمن القومي جون بولتون يعد الأكثر تشددا.

وبحسب استطلاع للرأي نظمه أحد مراكز الأبحاث الأمريكية يومي 6 و7 مايو/أيار الجاري وشمل ألف ناخب أمريكي، فإن 25 بالمئة يعتقدون أن سياسة ترامب تجاه إيران "تعد عدائية جدا"، في حين يرى 26 بالمئة أن سياسة ترامب "ليست عدائية بما يكفي"، بينما اعتبر 38 بالمئة منهم أن سياسة ترامب تجاه إيران "مناسبة".

ويترجم هذا الانقسام الأمريكي تجاه التعاطي مع إيران، سلسلة التقارير والبيانات الصادرة عن المراكز البحثية الأمريكية، حيث رحبت المراكز البحثية اليمينية المحافظة بالتصعيد الأمريكي تجاه ترامب، وفي مقدمتها، "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" و"معهد هدسون" و"مؤسسة هيريتج" و"منتدى الشرق الأوسط".

وعلى الجانب الآخر، تتعامل مراكز الأبحاث الليبرالية بتحفظ شديد تجاه سياسة ترامب نحو إيران منذ انسحابه من الاتفاق النووي قبل عام، وما تبعه وصولا للحظة التوتر الحالية، ومن بين هذه المراكز، "بروكينغز" ومؤسسة "كارنيجي" و"مجلس العلاقات الخارجية ومركز الدراسات السياسية و الإستراتيجية".

لماذا إيران؟

وتجيب مجلة "فورين بوليسي" عن هذا السؤال، من خلال تحليل موسع أكدت فيه أن سياسة ترامب تجاه إيران وقعت في يدي مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي طالما دعا إلى تغيير النظام في طهران، وكان شخصية أساسية في الدفع نحو الحرب على العراق قبل عقدين.

وتؤكد المجلة، أن المراقبين للأحداث يلاحظون وجود تشابهات عديدة بين ما يحصل الآن وما حصل خلال فترة التحضير لغزو العراق عام 2003، ووفق تحليل المجلة فإنه "ليس أقلها وجود بولتون نفسه، وهو هذه المرة في موقع أكثر قوة من موقعه في 2003، والقلق هو أن بولتون كان في أواخر عام 2002 وبدايات 2003 وكيلا لوزير الخارجية، وكان مناديا بالحرب، واتهم بأنه تلاعب بالمعلومات الاستخباراتية لتبرير الغزو، وقال في 2015 إنه غير نادم على الدور الذي قام به، فيما أصبح ينظر إليه على أنه كارثة إستراتيجية".

ويستدل التحليل بأن بولتون هو من أعلن قبل أسبوع عن إرسال حاملة الطائرات ابراهام لنكولن، والقوة الضاربة التي شملت أربع قاذفات "بي 52" للشرق الأوسط، وهو ما كان يمثل رسالة واضحة غير ملتبسة للنظام الإيراني بأن أي هجوم على المصالح الأمريكية، أو مصالح حلفائها، سيقابل بقوة غير متهاونة.

وفي تعليقه للمجلة علي هذه الخطوة، يؤكد غريغ ثيلمان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، بأنه اصطدم بـ "بولتون" عندما كان يعمل تحت إمرته قبل غزو العراق، وأضاف معلقا: "لم أسمع بأن ذلك حدث أبدا، إنه أمر غير مسبوق.. أن يقوم مستشار للأمن القومي باستخدام سلطته لإرسال هذا البيان، هذا لم يحصل حتى في غزو العراق".

أما السيناتور الديمقراطي توم أودال، فقد كتب مقالا في "واشنطن بوست"، أكد فيه أنه بعد غزو أمريكا للعراق بست عشرة سنة نتدحرج ثانية باتجاه صراع آخر غير ضروري في الشرق الأوسط، بناء على منطق خاطئ ومضلل.ووفق التحليل السابق، فإن مستشار الأمن القومي لم يخف رغبته المستمرة في تغيير النظام في طهران، حيث كتب مقالا عام 2015، أكد فيه أن "الحل الحقيقي للأسلحة النووية التابعة للملالي هو التخلص من الملالي أنفسهم"، مشيرا إلى أنه أعلن حديثا في الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في  فبراير/ شباط ، في فيديو تم نشره من البيت الأبيض، وكان موجها للزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي، قائلا: "لا أظن أنه سيكون لديك المزيد من الاحتفالات بذكرى الثورة التي ستستمتع بها".

وتنقل المجلة عن صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا نشرته في يناير/ كانون الثاني الماضي، بأن بولتون طلب من البنتاغون توفير أهداف عسكرية إيرانية للبيت الأبيض، بعد أن قام أشخاص بإطلاق قذائف هاون في بغداد.