المبادئ لا تتجزأ.. لماذا رفض "نصر الله" لقاء خالد مشعل في لبنان؟

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، وبينما كانت دماء الشعب تزهق على يد قوات نظام بشار الأسد التي وجدت دعما غير محدود من حزب الله اللبناني، وقف رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الخارج خالد مشعل، وسط قطاع غزة رافعا علم الثورة ومؤيدا لحق شعبها في الحياة. 

وقفة مشعل في 8 ديسمبر/كانون الأول 2012، كانت بمثابة إعلان واضح بتحييد العلاقات مع النظام السوري و"حزب الله"، والوقوف إلى جانب المتظاهرين السلميين، بعدها مرت العلاقات السياسية بين حماس وحزب الله بمنعطف خطير، أقرب إلى المقاطعة والعدائية.

فنظام الأسد لم ينس موقف مشعل أبدا، إذ اتخذه عدوا رئيسا له، وداهم مكاتب الحركة في الداخل السوري، وأغلقها بالشمع الأحمر، وطرد عددا من أفرادها خارج البلاد، أما "حزب الله" وقادته المتورطون في الصراع، فقد فسروا قرار مشعل بمساندة الثورة بمثابة رسالة صريحة مضادة لتوجهاتهم ومنددة بجرائمهم. 

هجوم شرس

ذلك التحفظ الواضح ضد مشعل، ظهر خلال زيارته إلى لبنان في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، في ظل أزمة اللاجئين الفلسطينيين بمخيم برج الشمالي جنوب لبنان. 

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان نحو 200 ألف يتوزعون على 12 مخيما، تخضع أغلبيتها لنفوذ الفصائل الفلسطينية، ويشهد بعضها من حين إلى آخر توترات واشتباكات مسلحة.

لذلك توجه مشعل إلى هناك، وأعلن ضرورة الحفاظ على أمن المخيمات وعدم الانجرار إلى قتال داخلي، وعقد لقاءات مع مسؤولين لبنانيين، بينهم مفتي الجمهورية، عبد اللطيف دريان، وكذلك رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي.

لكن لم يستقبله زعيم حزب الله، حسن نصر الله، بينما شنت وسائل إعلام الحزب الممولة إيرانيا، هجوما شرسا على مشعل بشخصه وصفته، ولم ترحب بقدومه.

ففي بيان حركة "حماس" صدر إبان زيارة مشعل، أعلنت أنه "بعد أيام على وقوع انفجار في مخيم البرج الشمالي، والذي أعقبه سقوط قتلى نتيجة إطلاق النار في مراسم تشييع أحد ضحايا الانفجار، وصل إلى بيروت رئيس الحركة في الخارج خالد مشعل، للمشاركة في أنشطة وفعاليات الذكرى الـ34 لانطلاقة الحركة، وإجراء محادثات مع المسؤولين". 

وأضاف البيان أن "مشعل سيلتقي عددا من الشخصيات والمرجعيات الرسمية والمسؤولين في لبنان؛ لبحث سبل تحسين الأوضاع الاجتماعية والإنسانية للفلسطينيين خلال هذه الظروف الصعبة".

من جانبها، قالت وسائل إعلام لبنانية محسوبة على حزب الله، مثل موقع قناة "المنار"، إن مشعل طلب لقاء نصر الله، عبر مسؤولين من حماس في بيروت، لكن رد الأخير كان الرفض، وكذلك رفض إجراء لقاء مع كوادر حماس السياسية المرافقة له.

وغرد رئيس حزب "التوحيد العربي"، الوزير السابق وئام وهاب، وهو من الشخصيات المقربة من أمين حزب الله، عبر حسابه على "تويتر": "مشعل غير مرحب بك في بيروت. اذهب والتحق بثورات الربيع العربي الإخوانية التي خربت الوطن العربي. ما زالت سوريا تنزف وليبيا محتلة بسبب ثورات إخوانكم".

قال ذلك متغافلا عن تورط حزب الله وزعيمه في سوريا، والجرائم المرتكبة هناك، بحسب منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش التي قالت ضمن تقريرها الصادر في 22 أبريل/ نيسان 2013، إن "حزب الله يمارس القتل التعسفي في سوريا". 

مفارقات عدة 

وبالعودة إلى موقف حزب الله وزعيمه من مشعل والوفد المرافق له، فإنه حمل مفارقات عدة، أولا لأن زيارة رئيس مكتب حركة حماس في الخارج، هي الأولى إلى لبنان بعد زيارته عام 2010 حينما كان رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعمومها، داخليا وخارجيا. 

ثانيا، أنها دخلت في طور المقارنة بما حدث مع رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، أثناء زيارته الأخيرة للبنان في 27 يونيو/حزيران 2021، حيث تم استقباله بحفاوة من قبل نصر الله، واحتفت به أجهزة الإعلام ومحطات التلفزة، سواء التابعة لحزب الله مثل "المنار" أو المقربة منه مثل قناة "الميادين"، وذلك على خلاف ما وقع مع مشعل تماما. 

حينها تم الحديث عن الاستقبال المتميز للحركة بقيادة هنية، فذكر مصدر مسؤول في الحزب لصحيفة "رأي اليوم" اللبنانية، أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين حزب الله وحركة حماس جاءت بعد إبعاد مشعل من رئاسة مكتبها السياسي، وانتخاب هنية خلفا له.

وكان موقف مشعل المؤيد للثورة السورية، وخروج الحركة من دمشق ونقل مكتبها السياسي إلى الدوحة عام 2013، مثيرا لغضب نصر الله وقيادات حزبه "التي لم تغفر هذا الموقف له حتى الآن". 

ولم يتم دفن جزء من الخلافات بين الجانبين، وبدء صفحة جديدة في العلاقات، إلا بعدما أقدمت حماس على تغييرات هيكلية في صفوفها القيادية، ووجود هنية بقوة كشخص يمكن التعامل معه بالنسبة لنصر الله، بدلا من مشعل.

لا خيار 

الناشط السياسي اللبناني محمد عطوي، عضو حزب "الكتاب" المناهض لحزب الله، قال إن "موقف حزب الله وحسن نصر الله من مشعل، طبيعي في إطار حالة التمييز والإقصاء التي بدأت مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وتحديدا الثورة السورية عام 2011".

وأضاف عطوي لـ"الاستقلال": "لا شك أن موقف مشعل حمل بعدا سيئا لهؤلاء، إذ كانوا يصدرون أنفسهم على أنهم سادة المقاومة، وشيوخ النضال والجهاد ضد إسرائيل، وأنهم الداعمون الرئيسيون لحماس والفصائل الفلسطينية عموما".

وتابع: "لكن تورطهم في سوريا، وموقف مشعل حينها، كشف عورات الحزب وادعاءاته تماما كما كشفتها الدماء التي أريقت في سوريا على يد أفراد الحزب الذين قاموا (بغزو) سوريا وإحباط ثورتها على مرأى ومسمع من العالم والدول العربية الصامتة". 

واعتبر عطوي أن "صوت مشعل اخترق مبكرا الصمت المخزي، وساهم بتصريحاته ومساندته للثورة في كشف حقيقة حزب الله ودوره المشبوه، وكيف يعقل أن يتم تجاوز مقتل مئات الآلاف من الشعب السوري على يد مليشيات الحزب".

واستطرد "ولو فعل مشعل غير هذا لخسرت حماس شعبيتها ومصداقيتها، فلا يقبل أن يضحى بثورة شعب وقضيته من أجل قضية أخرى، وكلاهما على نفس القدر من الأهمية للشعوب العربية والإسلامية، وإن احتكمنا للبراغماتية أحيانا لكن لا يمكن أن تكون هي الأساس أمام أزمات مثل هذه". 

وزاد: "وعلى الجانب الآخر فيجب أن ندرك أن حزب الله قبل 2011 الذي كان رمزا للمقاومة بسبب حرب إسرائيل وإعلانه الممانعة، اختلف تماما عن الحزب بعد الربيع العربي، وبعد انخراطه في الحرب السورية ثم الحكومة اللبنانية، إذ بدأت تظهر المفاصلة، من ليس معنا فهو ضدنا، وهو أمر داخلي وخارجي".

وتابع عطوي: "وعليه قامت خارطة علاقات الحزب وزعيمه، وطبق هذا على مشعل تحديدا، باعتباره الرجل الذي تسبب في شرخ العلاقات مع المقاومة الفلسطينية". 

مبعث الأزمة 

بينما أرجع المحلل السياسي الفلسطيني، ناصر الصوير، مبعث الأزمة الحالية بين مشعل وحزب الله إلى "توقيت الزيارة نفسها، أكثر من أي بعد آخر".

وقال الصوير في حديث لـ"الاستقلال"، "أعتقد أن توقيت الزيارة جاء بشكل غير صحيح، ونعلم جميعا موضوع الانفجار والحوادث التي جرت في مخيم برج الشمالي بلبنان قبل أيام".

بالإضافة إلى أن حزب الله "مرتبط ارتباطا عضويا مصيريا مع النظام السوري، الذي له علاقة سيئة جدا مع مشعل على وجه الخصوص، لمواقفه المؤيدة للثورة السورية، ورافضة للمذابح التي ارتكبها النظام، وبالتالي حزب الله ليس لديه القدرة على إغضاب نظام الأسد".

واستدرك المحلل السياسي الفلسطيني موضحا "لكن دعنا نقول أن العلاقة بين حزب الله وحماس ككيانات، تختلف عن علاقتها بالأشخاص، فحتى وإن وجدت إشكاليات بين مشعل ونصر الله، فإن المصالح والأيديولوجيات هي التي تحكم".

وختم الصوير حديثه بالقول: "لذلك فإن عدم استقبال مشعل من قبل نصر الله وقيادات الحزب، سواء لدوافع سابقة، أو لإرضاء الطرف السوري، وبعض الأطراف داخل لبنان الكاره لحماس، لن يؤثر على العلاقة العامة بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية في كل الظروف، لأنه كما قلت العلاقات بين الكيانات أوسع وأشمل".