رغم التقارب الدبلوماسي.. لماذا يخشى العراق إعلان دعمه لنظام الأسد؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم تدخل إيران في قراره، بقي دعم العراق للنظام السوري محصورا في مربع ضيق رغم احتفاظ الجانبين بعلاقات دبلوماسية وطيدة لم تنقطع منذ بداية الثورة عام 2011.

وكثيرا ما طرحت تساؤلات حول إحجام العراق الغني بالنفط والموارد عن دعم دمشق وإسنادها اقتصاديا، بالتوازي مع الحراك العراقي المكثف لإرجاع رئيس النظام بشار الأسد إلى الحضن العربي واستلام مقعد سوريا من جديد في الجامعة العربية.

والعراق من بين الدول العربية التي تحفظت على قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، حول تعليق عضوية جارتها سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد للثورة الشعبية ضد حكم الأسد.

لكن العراق وبضغط إيراني واضح أبقى على علاقات دبلوماسية كاملة مع نظام الأسد بشكل مستمرة، منذ صدور قرار العزلة العربية تجاه النظام السوري.

علاقة حذرة

اللافت أن العراق أدرك منذ البداية أنه رغم مكاسبه الكثيرة من انفتاح العلاقة الاقتصادية مع سوريا، إلا أن تجميدها كان خوفا من العقوبات الغربية عليها المحذرة من دعم النظام السوري.

وكانت بغداد على المستوى الرسمي مذاك تسير بحذر، مع لعب دور "العراب" عربيا ودوليا للتشجيع على عودة العلاقات الطبيعية مع الأسد.

وكذلك كانت حسابات بغداد تصب ظاهريا تجاه الأسد، بالأمور المتعلقة بالحدود بين البلدين، ومستوى ضبطها عبر تنسيق الجهود الاستخباراتية بينها.

ولم تتمكن بغداد من دعوة بشار الأسد لحضور قمة قادة دول جوار العراق التي جرت نهاية أغسطس/آب 2021، واضطرت إلى التأكيد على ذلك.

ولا سيما أن القمة حضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب زعماء وممثلي دول عربية لا يفضلون رؤية الأسد على طاولة تجمعهم.

وضمن هذا الإطار أكد الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، أنه يمكن تفسير البعد العراقي عن الأسد، بأن "بغداد ترى أنها في وضع تحتاج فيه لدعم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوطيد الاستقرار السياسي والأمني".

وأضاف العبد الله لـ "الاستقلال": "أن الحكومات العراقية حاولت تجنب أي تبعات مرتبطة بانتهاك العقوبات الدولية ذات الصلة بسوريا، أو خرق قانون قيصر فيما يرتبط بملف النفط".

ولفت الباحث إلى أن "العراق لا يزال يعيش مرحلة إعادة إعمار تتطلب تأسيس علاقة ثقة مع مختلف الفرقاء الدوليين لاستقطاب التمويل اللازم لنجاح هذه العملية، في ظل انخفاض أسعار النفط المورد الأساسي في الاقتصاد العراقي".

واستدرك قائلا: "لذا فإن العلاقة في شكلها الرسمي بين النظام السوري وبغداد محكومة بالاعتبارات السياسية ومقيدة بالعقوبات التي يفرضها قانون قيصر الأميركي".

وأقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر" وبدأ بتطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

رقابة أميركية

ويرى كثير من المراقبين في الشأن السوري، أن العراق حاول أن يجس النبض الأميركي في دعم نظام الأسد، ولا سيما عبر القوى العسكرية الموالية لإيران سواء بالبرلمان أو عبر الحالة المليشياوية.

لكن العراق رغم أنه عبارة عن ممر إستراتيجي لكل ما تريده إيران نحو سوريا، إلا أن شبكة الطرق البرية بين البلدين عبر البادية السورية كانت مرصودة أميركيا.

إذ عطلت الولايات المتحدة حركة الطريق البري من طهران والعراق إلى سوريا، عبر قاعدة التنف العسكرية الواقعة بالجنوب السوري وتحديدا بالقرب من المثلث الحدودي مع العراق والأردن، منذ عام 2015 وتمكنت من ضرب أي تحرك تجاري أو نفطي.

فضلا عن تشكيل القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية اللاعب الأكبر في تعطيل هذا الطريق الملتوي إلى إيران وحلفائها في سوريا ولبنان.

في هذا السياق، شرح الخبير الاقتصادي والأكاديمي السوري، خالد تركاوي لـ"الاستقلال"، كيف تعامل العراق وأذرع إيران مع محاولات دعم النظام السوري.

وقال تركاوي: "العراق فيه كتل سياسية بعضها شيعي وسني وأخرى أقرب للعلمانية وأيضا كردية تهمها مصالحها البراغماتية، لكن تبقى أميركا هي المتحكم الكلي بالبلاد بينما تتحكم إيران بالجزئيات".

ومضى يقول: "خلال عام 2020 خرجت إحدى الكتل الشيعية في البرلمان العراقي وهي الحشد الشعبي مطالبة بدعم الشعب السوري الذي يعاني عجزا بالوقود والمشتقات النفطية الأخرى، ودعت لتصويت البرلمان على الأمر، لكن جاء الاعتراض الأميركي سريعا ورفض الأمر".

وأردف قائلا: "لم يصمت الحشد الشعبي الموالي لإيران بل أرسل شحنات نفط خام من العراق إلى سوريا وعقب عبورها إلى الحدود، قصفها التحالف الدولي بقيادة أميركا ومنذ ذلك الحين اتضح أن الأمر ليس لعبة بل هناك رقابة صارمة".

وألمح تركاوي إلى أن "الكتل المدعومة من إيران في العراق تتحرك ضمن مربعات مصلحة معينة، وحتى طهران لا ترسل نفطا إلى نظام الأسد برا بل بحرا رغم طول وتكلفة مسار الناقلات البحرية لكونها تدرك أن الأمر في هذه النقطة ليس بيدها".

وضمن هذه الجزئية أيضا ينظر الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، إلى أن "قضية تزويد نظام الأسد بالنفط العراقي سواء كإعانة أو بأسعار تفضيلية يحكمه متغير أساسي يتمثل في محاولة الحكومة العراقية الموازنة بين القرب من محور إيران الداعم الأبرز لنظام الأسد وبين محور الدول المناهضة لهذا النظام".

واستدرك: "لكن وإن بدا غياب هذا الدعم في شكله الرسمي من قبل هذه الحكومة، فإن الوجود العسكري للفصائل العراقية على الأرض السورية والمحسوبة على إيران هي المتحكم الأساسي بالمعابر الحدودية مع سوريا، وما يمثله ذلك من قدرتها على توريد بعض شحنات النفط العراقي عن طريق التهريب لدعم نظام الأسد خلال السنوات الماضية".

وأمام هذه المعطيات التي سلطت الضوء على وضع العراق قبعة الحذر على رأسه، رغم استمراره في السير إلى جانب النظام السوري سياسيا، فإنه في الوقت الراهن تذهب بعض الآراء إلى أن العلاقة بينهما ذاهبة نحو متغيرات تحكمها التطورات الإقليمية.

متغيرات إقليمية

وهذا ما أشار إليه المحلل السياسي العراقي عمر عبد الستار، في حديث لـ"الاستقلال" بقوله إن "ضعف الالتزام الأميركي بالمنطقة، يدل على تقوية علاقة العراق بسوريا مستقبلا، بالتوازي مع حدوث تقارب إيراني مع بعض الدول العربية، وبالإضافة إلى محاولات صلح تركي سعودي وقطري مصري".

مما يعني وفق المحلل "أن كل هذا يشكل مفتاحا لتجنب التصعيد في المنطقة، والذهاب نحو حوارات لكنها ليست ناجحة بالضرورة، بل تشكل هدنة هشة".

ورأى عبد الستار أن "ما يحدث حاليا هو محاولة رفع اليد الأميركية نسبيا عن المنطقة بالتوازي مع تحرك إقليمي بعيدا عن تلك اليد ولا سيما مع وجود تصور بأن الولايات المتحدة ضعف التزامها بالمنطقة".

وذهب عبد الستار إلى القول: "إن عمليات التقارب هذه لا يستطيع قانون قيصر المفروض على النظام السوري إلغاءها بل يجرى العمل على إحداث ثغرات فيه لمد النظام بشيء من الحياة كي يبقى الوضع هادئا في سوريا والعراق ولبنان على الأقل لعام 2025".

وأرجع ذلك إلى "ضعف الاهتمام الأميركي بالمنطقة واتجاه واشنطن نحو الاهتمام بالأزمات مع الصين مما يعني أن جميع الدول ستعلب على عامل -لا غالب ولا مغلوب- خلال تلك الفترة، لأن التوازن سيكون صعبا بين المصلحة الأمنية المرتبطة بأميركا والاقتصادية المرتبطة ببكين".

ويجرى حاليا حراك اقتصادي عراقي سوري، إذ عقد ملتقى رجال الأعمال السوري العراقي في العاصمة دمشق في 16 ديسمبر/كانون الأول 2021.

واتفق هؤلاء على "تبادل الخبرات وإنشاء مصانع مشتركة في المدن الصناعية السورية والعراقية بهدف مواجهة قانون قيصر ودعم قطاع الصناعة العراقي بالاستفادة من تجربة سوريا في المدن الصناعية والتي تعود إلى عام 2004".

إلى جانب "إعفاء المنتجات المصنعة في العراق من الرسوم والضرائب عند دخولها الأسواق السورية والسماح للعمال السوريين المهرة بالعمل في المصانع العراقية".

واللافت أن رجال الأعمال يدركون خطورة قانون "قيصر" على تعاملاتهم، لكن وفق كثير من المراقبين فإن بناء علاقة اقتصادية في هذا التوقيت تأتي من باب كسب الاستثناءات الأميركية من هذا القانون والذي حصلت عليه بعض دول جوار سوريا كلبنان والأردن.

لهذا يدلل كثير من المراقبين في الشأن العراقي، أن بغداد تحاول أن تحصر العلاقة مع النظام السوري في الجوانب الاقتصادية فقط، والابتعاد عن الجوانب الأخرى سواء السياسية والعسكرية خوفا من الانجرار باتجاه لعبة المحاور سواء الإيرانية أو الروسية، والتي ستضر حتما بعلاقة العراق مع الولايات المتحدة.

واكتفت بغداد عند كل قضية يرتبط فيها الشأن السوري بالعراقي، بإرسال قائد هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض المقرب من إيران، لإبلاغ رسالتها إلى رأس النظام السوري بشار الأسد شخصيا والاتفاق عن بعض التفاهمات الأمنية على الحدود.