كيف تخطط الإمارات لتعزيز قبضتها الأمنية على سقطرى اليمنية؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكد يمر أسبوع على تصريحات محافظ أرخبيل سقطرى رمزي محروس، بأن السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية بسقطرى لن تسمح بوجود أي أحزمه أمنية أو تشكيلات مسلحة خارج إطار أجهزة الدولة، حتى قامت الإمارات بإرسال 300 جندي بلباس مدني من أبناء سقطرى، على متن سفينة إماراتية، قامت بتدريبهم في وقت سابق بعدن (جنوب)، الخاضعة لسيطرة أبوظبي.

محروس أكد في لقائه بمشايخ ووجاهات اجتماعية في سقطرى بأن السلطة ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار المحافظة، داعيا الحاضرين إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي والسلطة المحلية في المحافظة، ضد أي تشكيلات عسكرية خارجة عن النظام والقانون، في إشارة للتحركات التي تقوم بها الإمارات على الجزيرة منذ أكثر من عام.

محاولات العودة

تسعى الإمارات لإنشاء نخبة سقطرية، على غرار النخب التي أنشأتها في حضرموت (وسط) وشبوة (جنوب) والمهرة (شرق)، وهي تشكيلات مسلحة موازية للأجهزة الأمنية الرسمية، تسعى من خلالها لتعزيز قبضتها الأمنية، ولكن هذه المرة بأدوات محلية ومن خلال أبناء الجزيرة.

مؤسسة جيمس تاون الأمريكية أعدت تقريرا عن جزيرة سقطرى قالت فيه إن الإمارات العربية المتحدة المشاركة ضمن التحالف العسكري باليمن، تدعم تشكيل مليشيات محلية في جزيرة أرخبيل سقطرى تعمل ضد الحكومة الشرعية.

الكاتب والصحفي وديع عطاء قال: "الإمارات تقوم باستغلال حاجة الفقراء من أبناء الجزيرة وتقوم بتجنيد المراهقين منهم، محاولة إنشاء كيانات موازية للجهاز الحكومي والسلطة المحلية في المحافظة، عبر القوة العسكرية وعبر استقطاب بعض الأعيان والوجهات الاجتماعية في الجزيرة ومنحهم بعض الامتيازات، كالوعد بمنح الجنسية الإماراتية وابتعاث أولادهم إلى دبي وأبوظبي".

يضيف عطا لـ "الاستقلال": "قامت الإمارات اليوم بإرسال 300 جندي من أبناء الجزيرة تم تجنيدهم تحت مسمى النخبة السقطرية، ليكونوا مجرد ميلشيا تابعة ومنقادة لأبو ظبي".

تحايل والتفاف

في مايو/آيار 2018 اضطرت الإمارات لسحب قواتها التي جاءت على متن 5 طائرات عسكرية بعد أن رفعت الحكومة الشرعية رسالة رسمية لمجلس الأمن، بشأن الوجود العسكري غير المبرر للقوات الإماراتية والتصرفات التي تنتقص من السيادة اليمنية، على نحو يقع على الضد من أهداف التحالف المعلنة في استعادة الشرعية.

الإمارات ردت برسالة رسمية لمجلس الأمن أيضا، بأنها تعترف بسيادة اليمن التام على الجزيرة، وتؤكد تنسيقها مع السعودية والحكومة الشرعية في تحركاتها، لكنها اضطرت لسحب قواتها لتحل محلها قوات سعودية، مدعية التنسيق مع الحكومة الشرعية بهذا الخصوص.

بقيت الإمارات موجودة في سقطرى من خلال قادة عسكريين يمنيين موالين لها، ومن خلال العمل بشكل أقل وضوحا تحت مظلة التحالف، بحسب تقرير جمس تاون الذي أضاف أن خلفان المزروعي، ممثل دولة الإمارات في سقطرى، يسيطر على المطار والميناء الرئيسي والعديد من المواقع الأخرى هناك.

إلى جانب ذلك، تحرص الإمارات على أن تكون حاضرة من خلال القوة الناعمة وشراء ولاءات أبناء الجزيرة حسب تصريحات أبناء الجزيرة لـ"الاستقلال"، في وقت سابق، لكنها تعمل في نفس الوقت على فرض واقع عسكري جديد من خلال تجنيد وتدريب المئات من أبناء الجزيرة لتشكيل نخبة سقطرية، كجهاز مواز يعمل على إضعاف الأجهزة الأمنية الحكومية والسلطات المحلية العاملة في الجزيرة ويتحكم بالمشهد الأمني والعسكري.

هجوم لاذع

الحكومة الشرعية في اليمن وعلى عكس موقفها المتقارب مع الرياض، تعيش توترا متصاعدا مع أبو ظبي، وهو ما ظهر في تصريحات محافظ سقطرى رمزي محروس الرافضة لأي تشكيلات عسكرية خارج الأجهزة الرسمية للدولة، في إشارة لتحركات أبو ظبي.

تصريحات محروس الأحدث لكنها ليست الوحيدة، ففي مقابلة تلفزيونية لمحافظ المحويت (غرب)، شن الدكتور صالح سميع هجوما لاذعا على الأجندة الإماراتية في اليمن، ووصفها بالممارسات "الرعناء والغبية".

سميع اتهم الإمارات بـ"إرباك المشهد في اليمن، وتصرفها بلؤم مستغلةً حاجة اليمن للمساندة"، كاشفا لأول مرة، أن الشرعية "لم تطلب الدعم من الإمارات، كما تدعي، وأنها طلبت المساندة من السعودية فقط" داعيا إلى "ضرورة الاستغناء عن خدمات الإمارات، ما لم تغير أجندتها، وتقف مع الشرعية في دحر الانقلاب".

أصوات أخرى

لم تكن تصريحات سميع هي الوحيدة التي أشار فيها لدور الإمارات، وإن كانت هي الأشد، فقد صرح من قبله وزير النقل صالح الجبواني بأنه لا بد من تصحيح العلاقة بين الحكومة الرياض ـ أبو ظبي، بعد 3 سنوات من تدخل هذا التحالف في اليمن.

سميع أضاف أن "التحالف واجه اتهامات بأن عملياته لم تؤد في الواقع إلا إلى مفاقمة الأوضاع، سواء من حيث التسبب بمقتل آلاف اليمنيين أو تدهور الوضع الإنساني أو مزيد من إضعاف الحكومة الشرعية".

من قبله أبدى مستشار رئيس الجمهورية عبد العزيز جباري، في مقابلة تلفزيونية، انزعاجه من "العلاقة الغامضة بين التحالف والحكومة الشرعية، وإنشاء ودعم فصائل مسلحة على حساب وجود الحكومة"، في إشارة للأحزمة الأمنية والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في المحافظة الجنوبية.

بالإضافة إلى الوضع المزري الذي وصلت إليه الحكومة الشرعية، وتآكل وجودها على الأرض، وصيرورتها إلى "حكومة ديكورية"، حسب وصفه: "لا يستطيع أعضاؤها القيام بواجباتهم، ولا يقدرون على العودة إلى اليمن، وممارسة مهامهم"، وقدم جباري على إثر ذلك استقالته من منصبه كنائب رئيس للوزراء، ووزير للخدمة المدنية.

شرخ مجتمعي

الإمارات لا تلتفت إلى الضرر المجتمعي الذي ستحدثه بين أبناء الجزيرة، فبالإضافة إلى نوايا السيطرة والسطوة الأمنية التي تنوي ممارستها في الجزيرة سوف تتسبب بأكبر شرخ مجتمعي في تاريخ الجزيرة.

فتجنيد 300 من أبناء الأرخبيل يمارسون القمع ضد إخوانهم في الجزيرة قد يتسبب في تفتيت المجتمع وزرع الشقاق بين أبناء الأرخبيل البالغ عددهم نحو 150 ألف نسمة، إذ سيعمل هؤلاء كنخبة سقطرية على استنساخ الممارسات من الحزام الأمني بعدن والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية في ممارسة القمع والإرهاب وتنفيذ عمليات اغتيال لإخوانهم من أبناء المحافظة.

المحلل السياسي ياسين التميمي أشاد بتصريحات رمزي محروس ووصفها بـ "الوطنية والشجاعة، وتمثل رد اعتبار للمواقف المبدئية لقيادة السلطة المحلية".

مضيفا  لـ"الاستقلال": "هذه التصريحات تكشف المحاولات الإماراتية التي تسعى لإعادة خلق أدوات قمعية تستخدمها أبو ظبي في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية، وتكشف التدابير الإماراتية التي تجاوزت كل الحدود وتخطت كل الخطوط الحمراء المتعلقة بكرامة اليمنيين وسيادتهم".

ورغم احتجاج الحكومة الشرعية على تلك التحركات التي تمارسها الإمارات، إلا أن استنكارها قوبل بالتجاهل من قبل أبو ظبي، ومن قبل المجتمع الدولي.

مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج تيموثي ليندر كينغ رفض في لقاء له مع قناة الحرة اتهام الإمارات بدعم مجموعة من الانفصاليين وإنزالهم في سقطرى، قائلا: "رأينا تقارير ولكن لا يمكنني أن أتكلم عن هذا تحديدا، إلا أن الإمارات شريكة معنا في محاربة الإرهاب في اليمن ونعمل سويا للتوصل إلى حل سياسي للصراع اليمني".