في زمن التطبيع.. كيف حافظت الكويت على موقفها المناهض لإسرائيل؟ 

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تاريخيا ووفقا للقانون التشريعي رقم 31 لسنة 1971، تعتبر إسرائيل بالنسبة للكويت "دولة أجنبية معادية"، والتعامل معها ينتج عنه عقوبة بالسجن المؤبد أو المؤقت من (5 - 10 سنوات) والأشغال الشاقة والغرامة المالية.

المسار الكويتي الحاسم في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، يختلف شكلا ومضمونا عن بعض نظرائه في الخليج وجزء من الدول العربية التي انزلقت إلى فخاخ التطبيع.

فالكويت نظاما وبرلمانا وشعبا، توحدت على الرفض الكامل للاحتلال، ورفض إقامة علاقات معه بشكل كامل. 

الحظر الصادم 

إسرائيل على خارطة السياسة الكويتية الرسمية ليست موجودة، ويطلق عليها اسم "الكيان" أو "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وربما يفسر هذا الأمر القرارات الحاسمة بشأن كل ما يتماهى أو يساعد على التطبيع معها. 

كان أبرزها ما جرى في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما أصدرت وزيرة الأشغال العامة الكويتية رنا الفارس، قرارا بـ"حظر مرور السفن التجارية المحملة ببضائع من إسرائيل وإليها عبر المياه الإقليمية الكويتية". 

ونص القرار الوزاري الكويتي على "منع الوكلاء البحريين المسجلين في قسم الوكالات البحرية في وزارة المواصلات، من تقديم طلبات تصريح دخول سفن أجنبية"، وذلك استنادا للمرسوم الأميري الصادر عام 1957، والذي نص على مقاطعة إسرائيل بشكل كامل.

فيما تضمن القرار أيضا "شمول الحظر السفن كافة القادمة من موانئ أخرى لتفريغ جزء من حمولتها في الموانئ الكويتية، متى كانت تحمل على ظهرها أيا من البضائع المنصوص بحظرها، وذلك بقصد شحنها من وإلى دولة فلسطين المحتلة، أو إلى موانئ أخرى بعد مغادرتها من الموانئ الكويتية".

وإمعانا في التضييق وتتبع المخالفين، شدد القرار على المعنيين في وزارة المواصلات ضرورة إحالة كل ما يكتشف لديها من مخالفة أحكام هذا القرار الى سلطات التحقيق المختصة للتصرف. 

ورحبت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالقرار، عبر بيان أصدره رئيس الدائرة الإعلامية للحركة في الخارج هشام قاسم، في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وقال قاسم إن القرار "يمثل تطبيقا للسياسة الكويتية القديمة الجديدة، التي تهدف دائما إلى الانتصار لفلسطين وقضيتها العادلة".

وشدد أن هذا الموقف "تحييه حماس وتكبره وتجله لأنه يتماشى مع قرار المقاطعة العربية للاحتلال، الذي تبنته الجامعة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي".

وأعلن قاسم، أن القرار "ينسجم مع التوجهات الرسمية للكويت، التي تنتصر لفلسطين في كل المحافل السياسية والدبلوماسية والبرلمانية والدولية".

 

قوانين رادعة 

تستند الكويت في قراراتها الحاسمة ضد إسرائيل، إلى مجموعة من القوانين والإجراءات الرادعة، أهمها "القانون الموحد"، الذي وافق عليه مجلس الأمة الكويتي في 31 مايو/أيار 1964.

وجاء بعد المرسوم التاريخي من أمير الكويت الراحل صباح السالم الصباح، الصادر في 26 مايو/أيار 1957 والذي بموجبه، تقع عقوبات بمن يتعامل ماليا واقتصاديا مع إسرائيل.

وقد سمى المرسوم الأميري آنذاك دولة الاحتلال باسم "العصابات الصهيونية". 

وحين وقعت بعض الدول العربية والخليجية مثل الإمارات والبحرين اتفاقات التطبيع عام 2021، كانت الكويت على النقيض.

وهو ما ظهر في 18 مايو/أيار 2021، عندما أعلن رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، أن المجلس يبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع استعجال اللجنة التشريعية للانتهاء من قانون "حظر ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني". 

وأوضح الغانم أن "المجلس سيشدد ويغلظ العقوبات على من يقوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك بهدف توجيه رسالة إلى الأشقاء في فلسطين أن الكويت ترفض كل الاعتداءات الإسرائيلية بحقهم".

وأقر البرلمان الكويتي في 27 مايو/أيار 2021 تغليظ عقوبة التطبيع مع إسرائيل، في جلسة تاريخية.

وفي ختامها أعلن نواب الأمة الكويتية عن التضامن الدائم مع نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقه الطبيعي في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ووجهوا التحية إلى المجاهدين والمرابطين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حسب البيان الختامي للجلسة.

مواقف حاسمة 

قوة الرفض الكويتية للتطبيع، ظهرت في مواقف عدة، وصلت إلى مواجهات دبلوماسية مباشرة مع ممثلي دولة الاحتلال في المحافل الدولية. 

ومن أهم تلك الصدامات وأكثرها إثارة ما وقع في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما حدثت مشاحنات وملاسنات بين وفدي الكويت وإسرائيل خلال انعقاد الدورة الـ 139 للجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي، في جنيف بسويسرا. 

وقتها ألقى مرزوق الغانم كلمة فضح فيها الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما تسبب في غضب واعتراض الوفد الإسرائيلي الذي حاول الضغط لمقاطعتها، دون جدوى.

وقد أبدى أعضاء الوفد الإسرائيلي امتعاضهم، ولم يكتفوا بذلك، بل وقفوا، ثم نزلوا إلى منصة الرئاسة حيث كانت تجلس رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي (آنذاك) غابرييلا بارون، وأمين عام الاتحاد مارتن شونغ كونغ.

وأبدوا اعتراضهم على ما جاء في كلمة الغانم، لكن لم يجر إعارتهم أي اهتمام حتى أنهى رئيس مجلس الأمة الكويتي حديثه.

واعتبر الغانم في كلمته تصديق الكنيست الإسرائيلي على قانون ما يسمى "يهودية الدولة" تحديا لقرارات مجلس الأمن، الذي يعتبر شرقي القدس أرضا محتلة.

وقال ممثل دولة الكويت إن "القانون البائس يعطي اليهود حق تقرير مصيرهم حصرا، متجاهلا الآخرين من مسلمين ومسيحيين كأنهم غير موجودين على الأرض". وذكر أنه "يشرعن وبشكل واضح الاستيطان على الأراضي المحتلة". 

وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وقفت الكويت لإسرائيل، كحجر عثرة، أمام محاولة تغيير وضعية المسجد الأقصى، وقد حذرت مجلس الأمن الدولي من تلك المحاولات.

جاء ذلك في إفادة المندوب الكويتي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير منصور العتيبي أثناء جلسة عقدت بشأن القضية الفلسطينية بالمقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك.

وقال العتيبي حينها إن "الطريقة التي يتعامل بها المجلس مع القضية الفلسطينية وعملية السلام بالشرق الأوسط ساهمت في فقدان الشعوب الثقة بإمكانية وقدرة المجتمع الدولي على تقديم الحلول".

وحذر من الانتهاكات الإسرائيلية في شرق القدس ومحاولاتها المستمرة تغيير الوضع القانوني للمسجد الأقصى المبارك، وتقسيمه زمانيا ومكانيا، وتقويض حرية صلاة المسلمين فيه. 

ذلك الموقف الكويتي تجاه إسرائيل، دفع عراب التطبيع جارد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وكبير مستشاريه، إلى انتقاد الموقف الكويتي الرافض للتطبيع، ووصفه بـ "المتشدد وغير البناء". 

وكان البرلمان الكويتي أول من سارع لشجب تطبيع الإمارات والبحرين، وإعلان موقف قوي داعم للقضية الفلسطينية، واعتبارها "قضية العرب والمسلمين الأولى"، وذلك من خلال بيان أصدره في 18 أغسطس/ آب 2020، ووقع عليه 41 نائبا من أصل 50 يشكلون مجلس الأمة. 

وتعهد أمير الكويت الراحل جابر الصباح، أكثر من مرة منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بأن الكويت ستكون آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل.

تاريخ مشرف 

للدولة الخليجية في هذا الملف تاريخ طويل منذ عام 1948، عقب تأسيس دولة الاحتلال مباشرة، وفي عام 1957 تأسس مكتب مقاطعة إسرائيل بالكويت. 

وفي العقود المتعاقبة تأكدت مقاومة الكويت للتطبيع من خلال إنشاء العديد من اللجان الشعبية تحت مسمى "مقاطعة الصهاينة"، والحرص على إقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع.

 ومن أبرز المشاهد منع الإسرائيليين من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، ومقاطعة اللاعبين الكويتيين أي مباريات مع نظرائهم في دولة الاحتلال. 

وعلى صعيد الصراع العربي الإسرائيلي في أوجه خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، شاركت الكويت في الحروب ولم تتخلف. 

فحين وقعت النكسة العربية في 5 يونيو/ حزيران 1967، بهزيمة لقوات الجيوش العربية، أعلنت القاهرة عقبها بداية حرب الاستنزاف، وفي ذلك الإطار أرسلت قوات كويتية إلى مصر وشاركت في أعمال القتال وتكبدت 20 قتيلا. 

وكانت الكويت حاضرة بقوة في حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث شاركت القوات المسلحة الكويتية في المعارك ضد إسرائيل، من خلال لواء اليرموك المتواجد في مصر، ولواء الجهراء الذي أرسل إلى الجبهة السورية.

وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، أغارت الطائرات الإسرائيلية على موقع القوات الكويتية المرابطة في عمق سيناء، وقتل 37 عسكريا كويتيا من ضمنهم الرائد خالد الجيران والملازم علي الفهد.

 وفي الجبهة السورية نفذت القوات الكويتية قصفا مدفعيا متواصلا ضد قوات العدو، في ذاك الوقت، وأبلت بلاء حسنا وتعرضت للقصف مرارا من قبل إسرائيل.

وبحسب شهادة العقيد عيسى حسين مال الله، في كتاب "دور الجيش الكويتي في الحروب العربية الإسرائيلية في جبهتي سيناء والجولان"، فإن المدفعية الكويتية اشتهرت في ذاك الوقت بدقتها ومهارة الرماة الكويتيين من الجيش وعرفت باسم "أبوردين" ولم تفقد القوة الكويتية في الجبهة السورية أي من جنودها.

وفي سبتمبر/ أيلول 1974، عادت القوات الكويتية من الجبهتين بعد توقف الحرب وجرى الاحتفال بعودتها، وتخليد شهدائها.