فقد سيادته.. هكذا يعاني المغرب من "احتلال فعلي" منذ التطبيع مع إسرائيل

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"صدمة" التوقيع على اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، لم تقف عند لحظة التقاط الصور وإلقاء الكلمات.

فمع توالي الأيام، تنامت "بشكل غير طبيعي" علاقة التعاون بين الطرفين، بتوقيع اتفاقيات وعقد لقاءات على مستوى لم يكن في حسبان حتى المتفائلين.

وبينما "استبشر" طرف بأن يقوى موقف الرباط بشأن ما يطلق عليه "الوحدة الترابية" (إقليم الصحراء الغربية)، حذر آخر من "الخطوة المستفزة" ورأى أن سيادة البلاد ضاعت بـ"شبك الأيادي" مع كيان الاحتلال.

استعمار جديد

وبمناسبة مرور سنة على استئناف العلاقات، هاجمت رئيسة الحزب "الاشتراكي الموحد"، نبيلة منيب، اتفاق التطبيع، محذرة من نتائجه بالقول إنه "رهن للسيادة الوطنية".

وقالت منيب في ندوة نظمها حزبها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، إنه "على مستوى السياسة العامة في المغرب، هناك مشكلة باستكمال الوحدة الترابية، إلا أن سياسة التطبيع ترهن مسألة سيادة البلاد، لأن القرار لم يعد في يدنا وسيادتنا تسلب منا”.

وانتقدت زعيمة "الاشتراكي الموحد"، بشدة في هذا الصدد، مسار تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، قائلة: "كيف يمكن غدا أن نطالب بسبتة ومليلية، والشركات الإسرائيلية جاءت للتنقيب".

وتخضع مدينتا "سبتة" و"مليلية" للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي، ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497.

وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

وفي تعليق على حديث منيب، قال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، أحمد ويحمان: "ما جاء على لسانها هو تصريح لمسؤولة من طراز ومستوى أول من النخبة المغربية وتعرف ماذا تقول، وتصريحها يندرج في سياق عدد من مواقف الفاعلين والمسؤولين السابقين يتحدثون عن فقدان السيادة على القرار في البلاد".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "التطبيع بهذا الشكل والمستوى لم يعد مقتصرا كما هو متعارف عليه في دول المشرق كتجربة مصر والأردن، بل هو احتلال فعلي وشروع في تكريس وترسيم وفرض الهيمنة الصهيونية على الأرض وما تحت الأرض المغربية، وكذلك احتلال للإرادة وتحكم في صنع القرار السياسي والدبلوماسي".

وتابع ويحمان: "هذا كله نرصده ونتابعه بالملموس، وعدد من الباحثين والمثقفين والمفكرين والسياسيين والمسؤولين السابقين في الحكومة أصبحوا يتحدثون فعلا عن الحماية أو الاحتلال أو فقدان السيادة الوطنية، هذا كله أصبح مرصودا بشكل جلي". 

وشدد على أن "الشعب المغربي وقواه ونخبته الحية والواعية تتلمس هذا الواقع حقيقة، وأن الأمر لم يعد مقتصرا على التطبيع أو زيارة وفد هنا أو هناك، وإنما الهيمنة على القرار المغربي سياسيا ودبلوماسيا".

وأشار إلى أن "مسؤول مكتب الاتصال، دافيد غوفرين، أعلن نفسه سفيرا للكيان الصهيوني بالرباط من طرف واحد (في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، دون أن يقدم أوراق اعتماده كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية".

ولفت ويحمان إلى أن "تل أبيب فرضت إملاءات على الرباط تجلت في عدد من المستويات، من خلال إعطاء الحق الحصري لشركات صهيونية للبحث والتنقيب على النفط والغاز في مدينة الداخلة (جنوب)، والاتفاقيات المتعلقة بالفوسفات".

وواصل: "كل هذه الأمور وغيرها كثير تؤكد أننا فعلا إزاء اختطاف الدولة المغربية والاستيلاء على القرار والسيادة الوطنية".  

هذه الانتقادات لم تكن الأولى، بل جاءت أيضا على لسان وزير الثقافة الأسبق المفكر المغربي بنسالم حميش، حيث وصف محاولات التطبيع التي تجرى مع إسرائيل بمثابة "استعمار جديد" لبلاده.

وفي ندوة سياسية تحت عنوان "المغرب إلى أين؟" نظمتها مؤسسة عابد الجابري (غير حكومية) بالرباط في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال حميش: "محاولات التطبيع التي تجرى مع إسرائيل، هي بمثابة استعمار جديد، لكن يحدث بطريقة أخرى".

خسارة كبيرة

ومنذ إعلان إسرائيل والمغرب في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 استئناف العلاقات الدبلوماسية التي توقفت عام 2000، شهدت "حرارة" في عدد من الملفات والمشاريع الموقعة.

ففي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقع المغرب وإسرائيل، أربع اتفاقيات في مجالات متعددة، مرتبطة بالإعفاء من إجراءات التأشيرة، وأخرى في مجال الطيران المدني، والابتكار وتطوير الموارد المائية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال المالية والاستثمار.

وفي يوليو/تموز 2021، وقعتا أول اتفاقية في مجال الحرب الإلكترونية "سايبر"، تقضي بإقامة تعاون في البحث والتطوير ومجالات عملياتية في السايبر.

كما وقعت الخطوط الجوية الملكية المغربية وشركة "العال" الإسرائيلية للطيران في أكتوبر/تشرين الأول 2021، مذكرة تفاهم استعدادا لاتفاقية مشاركة الرمز التي ستسمح برحلات جوية بين الجانبين وإلى وجهات أخرى.

وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أجرى وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، زيارة إلى المغرب استمرت يومين، هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق لأحد من أسلافه في هذا المنصب، أن زاروا الرباط، وجرى خلالها إعلان توقيع اتفاقيتين بين الجانبين في مجالات عسكرية.

كما أعيد افتتاح مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، واعتزام تدشين خط طيران مباشر بين الجانبين.

هذه الحركة السريعة والنشيطة في مسار التطبيع والتي فاقت التوقعات، اعتبرها ويحمان في حديث لـ"الاستقلال" بأنها "خسارة كبيرة للوطن".

وقال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع": "لم يكسب المغرب أي شيء من هذا التطبيع، بل بدأ يخسر كل شيء، حتى في ملف الصحراء الذي انقلبت فيه واشنطن على قرار (الرئيس السابق دونالد) ترامب والكيان الصهيوني نفسه يدلي بتصريحات على أنهم يؤمنون بالقرارات الدولية، كما يتبجحون". 

واستطرد "فضلا عن أن الخطيئة التاريخية والمسخ الكبير هو ربط قضية الوحدة الترابية (الصحراء) بالكيان الصهيوني وبالولايات المتحدة كرمز من أكبر رموز التطهير العرقي والإبادات الاجتماعية في العالم والتاريخ".

وتزامن إعلان ترامب في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، موافقة المغرب على التطبيع مع إسرائيل، مع قراره الاعتراف بـ"سيادة المغرب" على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو".

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب جبهة "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.

ومنذ 1975، يدور نزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.

هامش التدارك

ومع هذه التطورات، شدد ويحمان على أن "المغرب بدعوى الدفاع عن وحدته بدأ يخسر الوطن كله، وأصدقاءه ووحدته الترابية، ومنهم رئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي".

وبيّن أن المرزوقي الذي دخل في عداوات بسبب دفاعه عن مغربية الصحراء، كان أول المدينين للمغرب بعد توقيع التطبيع.

وأضاف: "الآن وجدنا أنفسنا في موقف لا نحسد عليه، بعدما كنا في كل المؤتمرات نتفوق في الدفاع عن صحرائنا، كيف لنا أن ندافع عن هذا الملف، بعدما قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إنهم جاهزون للذهاب إلى أبعد الحدود في التطبيع؟".

واستطرد ويحمان: "كل الخسران هو حصيلة التطبيع، ولا يمكن أن تأتي منه أي فائدة، وحيث ما حل يأتي الخراب".

من جانبه، قال الأستاذ الجامعي خالد البكاري في تدوينة عبر "فيسبوك" إن "أكبر إساءة واحتقار وتقزيم للمغرب هو ما يكتبه ويقوله البعض، من أن المغرب مضطر للتطبيع والتعاون مع إسرائيل، بسبب الأطماع والمؤامرات الجزائرية (هكذا)، وأن ما تقوم به الجزائر هو ما دفع المغرب لتمتين علاقته بإسرائيل.

وتساءل: "هل المغرب الذي عمره 12 قرنا كما تقولون (ونقول أكثر من ذلك)، والذي له شراكة مع أكبر القوى في العالم التي أصبحت بحاجة له لكي تتمدد في إفريقيا، هل هو ضعيف إلى درجة الاستنجاد بكيان استعماري لم يمر على تأسيسه سوى 63 سنة، لمواجهة الجزائر؟".

وأجاب البكاري: "إذا أردتم الدفاع عن التطبيع، فابحثوا عن مبررات وأهداف كبرى، ولا تحتقروا بلدكم وتستصغروه لهذه الدرجة، وتصوروه ضعيفا لا يقوى على حماية حدوده بدون الاستعانة بقوة بدورها تعيش رعبا يوميا، ولم تستطع جعل شعبها الذي جلبته من مختلف دول العالم يحس بالأمان".

فيما نبه ويحمان إلى أن "صانعي القرار السياسي والاستخباراتي والعسكري من الصف الأول في الكيان الإسرائيلي يحضرون لتفكيك المغرب والجزائر معا، ويشعلون نار الحرب في المنطقة كلها من خلال الحرب الجزائرية المغربية".

وأشار إلى "قطع العلاقات بين البلدين، وإغلاق الأجواء الجزائرية في وجه الطيران المغربي والمناوشات هنا وهناك، وبعض الضحايا التي لا يزال من يقف وراءها (غير معروف في المنطقة العازلة)، كل هذا لإشعال فتيل الحرب التي- لا قدر- لن تبقي ولن تذر في حال اندلعت".

وبين رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" أنه لو حدثت الحرب بين الجارين "سيتفكك المغرب إلى عدة كيانات، ويجرى تقسيم الجزائر إلى خمس دويلات، وفق الرؤية الإسرائيلية".

وختم ويحمان حديثه بالقول: "ما يحضر للمغرب والمنطقة رهيب جدا، والمغرب لا يمكن أن يستفيد، وكنا نصرخ وندعو إلى ضرورة التحرك قبل فوات الأوان، لكن الأوان بدأ يفوت، ولم يبق إلا هامش التدارك، فهل سنتدارك هذا الوضع؟".