لاكروا: المجتمع الدولي منشغل بتطويق طالبان ويترك الأفغان للمجاعة

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، وضعت الدول الغربية حدا للمساعدات المالية، ما شل النظام المصرفي للبلاد وجعل من الصعب إيصال المساعدات الإنسانية.

وفي مواجهة احتمالية حدوث مجاعة في أفغانستان، تحاول المنظمات غير الحكومية التكيف مع تردد المجتمع الدولي بشأن ما يجب فعله بعد وصول طالبان للسلطة. 

وهنا تتساءل صحيفة لاكروا الفرنسية: كيف تتعامل مع دولة عندما يكون 20 من كبار مسؤوليها، البالغ عددهم 33، مدرجا في قائمة عقوبات الأمم المتحدة، ووزير داخلية تلك الدولة مطلوب لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي بمكافأة قدرها 10 ملايين دولار؟

وفي 7 سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت طالبان عن تشكيل حكومة مكونة "من أكثر الشخصيات تطرفا في الحركة"، وفق ما نقلت الصحيفة، عن تقارير ومسؤولين غربيين. 

ودخلت طالبان في 15 أغسطس/آب 2021 العاصمة كابول بعد أسابيع من هجوم خاطف، واستولت على السلطة في أفغانستان، وبعدها بأسبوعين أنهى التحالف بقيادة الولايات المتحدة عمليات الإخلاء التي سمحت لأكثر من 100 ألف شخص بمغادرة البلاد.

وتابعت لاكروا: "لا يزال المجتمع الدولي مترددا فيما يتعلق بوصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان".

وبينت أن "رفض الجماعة الأصولية الوفاء بوعودها بالانفتاح يعني أن الاعتراف بالنظام ليس على جدول الأعمال العالمية"، بحسب تقديرها. 

لكن بينما تراقب المنظمات الإنسانية انهيار الدولة في ذهول، فإن مماطلة القوى العظمى التي يبدو أنها غير مهتمة تسير في منحى تصاعدي، وفق الصحيفة.

ويحذر مدير العمليات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر دومينيك ستيلهارت، من أن "الوقت ينفد لدينا، لقد بلغنا بالفعل وضعا حرجا هناك (في أفغانستان)".

مشكلة السيولة 

ولأن أفغانستان في حالة سقوط حر، يمكن لـ97 بالمئة من سكانها، وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن يقضوا العام 2022 تحت خط الفقر، بينما يعاني ما يقرب من 24 مليون شخص بالفعل من الجوع. 

وقال ممثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية في أفغانستان عبد الله الدردري، لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إن المنظمة لم تخف دهشتها من انهيار اقتصادي على نطاق لم نشهده من قبل.  

انخفض الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان بنسبة 20 بالمئة في غضون أسابيع، كما يمكن أن يتحول الضعف الشديد وانعدام الأمن الغذائي والبرد القارس في الشتاء الأفغاني إلى كارثة إنسانية.

أدى وصول طالبان إلى كابول في 15 أغسطس/آب، حرفيا بين عشية وضحاها، إلى وقف المساعدات المالية التي كانت الدولة الأفغانية تعتمد عليها بالكامل لمدة عشرين عاما.  

وقد تزامنت الكارثة الإنسانية هناك مع تجميد واشنطن لأصول البنك المركزي الأفغاني والعقوبات التي تستهدف "الجماعة الأصولية".

وهي عقوبات تشل البنوك الأجنبية خوفا، وتعيق دخول السيولة إلى البلاد.  

نتيجة لذلك أدى انهيار النظام المصرفي ونقص السيولة إلى تعقيد عمل المنظمات غير الحكومية التي لا تزال موجودة هناك.

تقول سارة شاتو رئيسة برنامج أفغانستان لأطباء بلا حدود (MSF) في أفغانستان إن الأمر يتعلق بالسيولة المالية وكيفية دفع مستحقات للناس وخاصة الموردين. 

تضطر بعض المنظمات غير الحكومية إلى تأخير المدفوعات. ويستخدم البعض الآخر نظام الحوالة، وهو شبكة غير رسمية من الصرافين في جميع أنحاء البلاد يمكنهم تحويل الأموال على وعود بسيطة بالسداد. 

أخيرا، اضطر الآخرون وخاصة الأصغر منهم إلى التوقف عن العمل في البلاد. وقد تعهد كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتقديم 1.29 مليار دولار لصالح أفغانستان.  

لكن المجتمع الدولي لا يزال مترددا بشأن كيفية المضي قدما، خوفا من أن تقع المساعدة المرسلة في نهاية المطاف في أيدي طالبان.

تطويق طالبان

حاولت الأمم المتحدة من جانبها، في أكتوبر/تشرين الأول عبر مبادرتها الخاصة، دعم القطاع الطبي في البلاد من خلال تجاوز النظام الرسمي.  

جمع أكثر من 23500 عامل طبي في جميع أنحاء البلاد رواتبهم، حوالي 150 دولارا شهريا للممرض و700 دولار للجراح، دون أن يكون لدى الوكالة علم، وقدموها إلى وزارة الصحة.

بين برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في إحدى المراسلات أنه: "تلقى 90 بالمئة من الموظفين رواتبهم مباشرة في حساباتهم المصرفية، وأولئك الذين ليس لديهم حساب، عادة في المناطق الأكثر عزلة، حصلوا عليها نقدا".

وقال الاقتصادي السابق في صندوق النقد والبنك الدوليين توريك فرهادي، إن التجربة ساعدت بالتأكيد في التعامل مع أكثر الأمور إلحاحا، لكنها "ليست مستدامة على المدى الطويل". 

يوضح هذا المستشار السابق للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي: "يمكن أن ينجح الأمر في تيمور الشرقية، لكننا هنا نتحدث عن بلد يبلغ عدد سكانه 39 مليون نسمة، يحتاج نصفهم على الأقل إلى المساعدة". 

وصرح دومينيك ستيلهارت أنه: "من المهم الحفاظ على نظام الرعاية الصحية قائما، ولكن تخيل أنه سيكون عليك تنفيذ ذلك على المدى الطويل، مع جميع الوزارات". 

وكما تلاحظ سارة شاتو فإن منظمة أطباء بلا حدود تواجه نفس المشكلة إذ إنه: "عندما تدفع فاتورة الكهرباء فإنك تعطي أموالك للدولة، أي لحركة طالبان".

مع ذلك، يستمر سلوك أسياد أفغانستان الجدد في جعل القوى العظمى مترددة. 

قال توريك فرهادي: "كنا نأمل أن تقدم طالبان تنازلات للمجتمع الدولي، ونرى أنهم في النهاية غير قادرين على الإصلاح".

تعويم الاقتصاد

وأوضحت الصحيفة: "نسي نظام طالبان، الذي حقق انتصارا منقطع النظير، وعود الحكومة الشاملة واحترام حقوق الإنسان التي أعلن عنها المتحدثون باسمه لعدة سنوات".

وهي الالتزامات التي ربطت بها واشنطن الحفاظ على المساعدات، كما لخص الممثل الخاص للولايات المتحدة في أفغانستان "توماس ويست"، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. 

وقال ويست: "لسنوات، حذر المسؤولون الأميركيون طالبان من تفضيلهم الاستيلاء على السلطة بالقوة بدلا من التفاوض مع مواطنيهم، لأنه بعد ذلك ستتوقف المساعدات محل التساؤل وغير الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي، وهذا ما حدث".

وبين أن "الخوف من إضفاء الشرعية على السلطة الجديدة والاعتقاد بإمكانية إيصال المساعدات الإنسانية دون مساعدة طالبان، أو حتى الرغبة في تعزيز الضغط على الجماعة الأصولية لدفعها إلى التنازلات، كلها عوامل وراء إغراء تقييد الدعم الطارئ".  

تقول الصحيفة إن ذلك عبارة عن وهم من شأنه أن يؤدي إلى كارثة سيكون الأفغان أول ضحاياها، كما تحذر العديد من المنظمات غير الحكومية والخبراء.

وتحذر فاندا فيلباب براون المحللة في مركز أبحاث بروكينغز ومديرة مبادرة الجماعات المسلحة غير الحكومية أنه "إذا لم تكن هناك سيولة من الأموال التي يجري ضخها في البلاد، فسننتقل فقط من أزمة إنسانية إلى أخرى" . 

وأردفت أنه "في كثير من الحالات نقص السيولة يمنع الأفغان من شراء الطعام، حتى عندما تكون أكشاك السوق ممتلئة، لذلك يجب أن يأتي المال لإبطاء الأزمة وإنعاش الاقتصاد قليلا".

يوافق دومينيك ستيلهارت على أن "المساعدات الإنسانية لم يكن القصد منها أبدا أن تحل محل الاقتصاد المنهار، وكلما طالت مدة هذا الموقف زاد خطر انهيار النظام بأكمله".

وتابع: "تحتجز أزمة الشرعية السياسية هذه كل الشعب الأفغاني كرهائن، وهو الذي لم يعرف سوى الحرب والعنف، وبعضه الآن معرض لخطر الموت جوعا أكثر من أي وقت مضى".

وفي رسالة إلى كونغرس الولايات المتحدة، طالبت حركة طالبان في نوفمبر/تشرين الثاني "بإذابة الجليد في أصول البنك المركزي الأفغاني". 

إذ يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي بغالبية ما يقرب من 10 مليارات من أصول هذا البنك في نيويورك.

 لكن هذه الأصول لا تطمع بها طالبان فقط، حيث تطالب جماعة "ضحايا الحادي عشر من سبتمبر" الآن باستخدام الأموال لإنفاذ حكم بمنحهم تعويضات بقيمة 7 مليارات دولار.