حرب حفتر على طرابلس.. كيف استغلها تنظيم الدولة لاستئناف نشاطه؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم النجاح الذي حققته القوات الليبية بمساندة أجنبية في القضاء على تنظيم الدولة وإخراجه من المدن الرئيسة في البلاد، لكن يبدو أن التنظيم استفاد من الصراع المسلح بين المتقاتلين من أجل بسط النفوذ، وتعدد الحكومات والسلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد.

تقرير لمجلس الأمن الدولي عن ليبيا، أكد مؤخرا أن تنظيم الدولة استأنف نشاطه في البلاد، وأعاد انتشاره في المناطق الصحراوية الشاسعة جنوبي مدينة سرت وحتى مدينة سبها.

التقرير الصادر في 7 يناير/كانون الثاني 2019، قال إن تجزئة البلاد وحدودها البرية المفتوحة، وضعف مؤسسات الدولة، أدى إلى استغلال تنظيم الدولة، لإعادة انتشاره، وتنفيذه عدة عمليات في العاصمة طرابلس وغيرها.

التقرير أضاف أن من بين العمليات التي نفذها تنظيم الدولة، عقب إعادة انتشاره، تفجير المفوضية العليا للانتخابات، في 2 مايو /آيار 2018، وتفجير المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، في 10 أيلول/ سبتمبر 2018، وهجومه على بلدة الفقهاء بمنطقة الجفرة.

وأوضح مجلس الأمن، أن محاربة الإرهاب من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني غرب ليبيا، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر شرقها، أدت إلى الضغط على تنظيم الدولة، وحد من حركته في المناطق المأهولة بالسكان.

تحرير سرت

في أبريل/نيسان  2016، دعا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج جميع القيادات العسكرية بالبلاد إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة، لمباشرة ما سمّاها "عملية تحرير سرت" من قبضة تنظيم الدولة الذي سيطر عليها كليا في يناير/كانون الثاني 2015.

بعد شهر واحد فقط من هذه الدعوة أعلن السراج عن تشكيل غرفة عمليات لإطلاق وقيادة عملية "البنيان المرصوص" لطرد التنظيم من المنطقة الواقعة بين مدينتي مصراتة في غربي البلاد وسرت وسطها، عبر 3 محاور، أجدابيا/سرت، والجفرة/سرت، ومصراتة/سرت.

هذه العمليّة العسكرية الواسعة، والتي أسندت في مراحل متقدّمة منها من الطيران الأمريكية، ساهمت في تحجيم نفوذ وانتشار تنظيم الدولة في ليبيا، وخسارته أهم معاقله وأكبر قياداته ومقاتليه.

خلال الأيام الماضية، عادت تحرّكات التنظيم في عدد من المناطق الليبية، فبعد 5 أيام من تبنيه عملية إرهابية استهدفت مقر تدريب عسكري بمدينة سبها جنوب البلاد أودت بحياة ما لا يقل عن 7 عسكريين، أعلن التنظيم عن تبنيه هجوما إرهابيا شنه على منطقة غدوة وراح ضحيته مدنيان على الأقل وحُرقت عدة منازل.

من تحت الرماد

منذ بدايات العام 2013، وفي الوقت الذي سطع فيه نجم تنظيم الدولة في سوريا، قبل أن يتمدّد ويسيطر على مناطق واسعة منها ومن العراق، سيطر تنظيم الدولة على مدن كاملة في ليبيا أو أجزاء منها، مثل سرت ودرنة وبنغازي وصبراتة.

وتوقع التنظيم أن تكون ليبيا أرضا خصبة لتركيز قاعدة بديلة لتواجد مقاتليه إذا ما تزحزح عن مناطق نفوذه الأم في سوريا والعراق، وأن تصبح المدن الليبية بسبب الفوضى الأمنية والسياسية ملجأ له ولقياداته، حتى تعيد ترتيب أوراقها، وتدرس انتشارها في أماكن أخرى.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، أعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة في العراق والشام عن قبوله لبيعة من أسماهم بالمجاهدين في ليبيا، وتكليف بعض الولاة لقيادة التنظيم فيها.

إلاّ أنّ عملية البنيان المرصوص التي قادتها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا نجحت في ضرب التنظيم والحد من انتشاره وتحجيم دوره في ليبيا، حيث نجحت العملية في طرد عناصره من سرت، في كانون الأول/ ديسمبر 2017.

اللعب على التناقضات

في 4 أبريل/ نيسان 2019، أطلق حفتر، عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، في خطوة أثارت استنكارا دوليا واسعا، وجاءت هذه المغامرة العسكرية قبيل انعقاد مؤتمر للحوارالوطني كان مبرمجا برعاية أممية، ضمن خريطة طريق لمعالجة النزاع في البلاد والمستمر منذ سقوط نظام المعمّر القذافي في العام 2011.

هذه المعركة التي رفع لها حفتر والقوات الموالية له شعار محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في الغرب الليبي، يبدو أنّها من أبرز الخدمات التي من الممكن أن تقدّم لهذه التنظيمات التي تستفيد جيّدا من أجواء الفوضى والصراعات، والتي من الممكن أن تزيد من قوّة تنظيم الدولة في ليبيا حسب ما أكده الخبير السياسي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق المجيرسي.

كلام المجيرسي جاء خلال جلسة عقدت في أبريل/نيسان الماضي في إطار ندوة "روز – روث" الـ99 للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، والاجتماع المشترك لمجموعة البحر المتوسط والشرق الأوسط، في مدينة أنطاليا جنوبي تركيا.

المجيرسي أضاف أنّ "ليبيا بلد كبير، ويمكن لتنظيم الدولة أن يكتسب القوة من بيئة الحرب والفوضى التي تسودها، وهذا من الممكن أن يؤدي إلى موجة هجرة جديدة، مثل التي تشهدها أوروبا في يومنا هذا" واعتبر مجيرسي أنّ الهجوم على مناطق غربي ليبيا من قبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر " أكبر تعبئة للمقاتلين والجهات الفاعلة الليبية منذ عام 2011".

هذه القراءة لتطورات الأحداث أثبتت صحّتها، حيث أكّدت وسائل إعلام محليّة ليبية أن نحو 200 سجين فروا يوم 4 مايو/آيار 2019، بعد هجوم مسلح استهدف معسكراً للتدريب يضم سجناً في مدينة سبها جنوبي البلاد ما خلّف قتلى في صفوف المقاتلين بالمعسكر، وقال عميد بلدية سبها، حامد الخيالي لوكالة الأناضول، إن بين الفارين عناصر تابعة لتنظيم الدولة سبق أن ألقي القبض عليهم بالمناطق الجنوبية.

من المسؤول؟

لا يزال في ذاكرة المتابعين للشأن الليبي شواهد وأحداث عن عدم جدّية حفتر وقواته في الحرب على تنظيم الدّولة بقدر سعيه للسيطرة على الحكم في البلاد متجاوزا كلّ الاتفاقات والتفاهمات والعملية السياسية في ليبيا.

ساشا توبريش، مدير مبادرة الحوض المتوسطي بمركز الأبحاث الأمريكي للعلاقات العابرة للأطلسي قال في مقال بصحيفة ذو هيل الأمريكية،: "لقد كانت حكومة الوفاق الوطني، المتمركزة في طرابلس، بمساعدة من الولايات المتحدة، هي التي هزمت تنظيم الدولة بالفعل في معارك شرسة استمرت شهوراً في عام 2016، تلك المعارك قُتل فيها نحو 700 شخص، أغلبهم من مصراتة"، وقوات مدينة مصراته هي نفسها اليوم التي تخوض معارك ضدّ قوات حفتر من أجل صدّه عن العاصمة طرابلس.

ويضيف كاتب المقال: "الادِّعاء بأن حفتر دمَّر تنظيم الدولة ببساطةٍ ادعاءٌ خاطئ، فهو في الواقع وفَّر حرية المرور لمقاتلي التنظيم من درنة إلى سرت، وهي رحلة على بُعد نحو 450 ميلاً مروراً بمنطقة الهلال النفطي التي يسيطر عليها".

في الوقت نفسه اتهم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، حفتر بمسؤوليته عن عودة نشاط تنظيم الدولة وظهوره من جديد، بعدما نجحت حكومة الوفاق الوطني عبر قواتها وأجهزتها في القضاء عليه وملاحقة فلوله وخلاياه النائمة.

وأكد المجلس في بيانه 4 مايو/آيار 2019 أنه "حذر فور الاعتداء المسلح على العاصمة طرابلس من أن المستفيد الأول من هذا العدوان هو التنظيمات الإرهابية"، مشيرا إلى أن "حفتر وقواته تركوا الجنوب في فوضى، بعد أن كان يزعم أن حربه هناك كان الهدف منها القضاء على الإرهاب، مثلما يزعم الآن في عدوانه على طرابلس".