اتهامات لـ"الحرية والتغيير" بتعميق أزمات السودان.. لماذا ترفض أطروحات الحل؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تشتعل الأحداث ويتساقط الضحايا في العاصمة السودانية الخرطوم جراء المواجهات المستمرة بين قوات الأمن، والرافضين للاتفاق بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، الذي كان يفترض أن ينهي الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني في البلاد. 

وكانت قوى الحرية والتغيير التي قادت المظاهرات سابقا، للإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، ثم تولت مع المجلس العسكري قيادة المرحلة الانتقالية منذ عام 2019، قد طالبت بإسقاط المجلس العسكري، وقائده البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع. 

هذا الأمر وصف محللون سياسيون سودانيين تطبيقه بالمستحيل، مهاجمين قوى الحرية والتغيير، التي قالوا إنها تقود البلاد إلى "إغلاق سياسي".

والأخطر من ذلك ما يترتب على استمرار تصاعد الأزمة، من إمكانية الوصول إلى صدام شرس لا يحمد عقباه بين الأطراف المختلفة. 

اتفاق ملغم 

منذ إجراءات رئيس المجلس السيادي، وقائد المكون العسكري، عبدالفتاح البرهان 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عانى السودان أزمة حادة.

وفي ذلك التاريخ، أعلن البرهان، حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، ثم بدأ باعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، على رأسهم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك. 

في ذلك الوقت انطلقت موجة رفض واحتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات، باعتبارها انقلابا عسكريا.

مع الوقت ووجود وساطات داخلية، وضغوط خارجية، سعت أطراف سياسية سودانية إلى حلحلة الأزمة، وتجاوز الوضع الراهن إلى توافق أوسع، خاصة وأن إجراءات المكون العسكري في الأساس كان يدعمها أطراف مدنية، انتقدت سياسات حمدوك.

فمنذ 10 يونيو/حزيران 2021، بدأت في الخرطوم وعدة ولايات، حملة واسعة لجمع توقيعات 10 ملايين سوداني، للمطالبة بإسقاط الحكومة، تحت مسمى "الحملة السودانية لوقف الانهيار"، ضد الأداء الحكومي المتدهور. 

وشهد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، توقيع حمدوك والبرهان، اتفاقا سياسيا، يتضمن 14 بندا، أبرزها عودة الأول إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية).

وتضمن الاتفاق، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل معا لاستكمال المسار الديمقراطي.

تضامنت العديد من الأحزاب السودانية مع الاتفاق، أبرزها حزب "الأمة القومي" السوداني، الذي أعلن دعمه الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك.

على النقيض جاء موقف قوى الحرية والتغيير، التي أعلنت بشكل قاطع في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن الائتلاف سيقاوم الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، مع الدعوة لمظاهرات جماهيرية واسعة. 

ثم أعلنت القوى على لسان عمر الدغير، أحد قادة أحزاب التحالف، أن "الحرية والتغيير ليست جزءا من هذه الصفقة السياسية، ومن شارك في الاجتماع اتفق بصفته الشخصية وليس باسمنا".

المفاصلة الانتخابية 

ويعتقد كثير من مكونات الحكم السوداني أن الخيار الأمثل لتجاوز العملية الراهنة، هو الوصول لعملية انتخابية، يقول فيها الشعب قراره. 

وهو ما أكده العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، في تصريح صحفي في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وقال أبو هاجة إن "من يريد الحكم الديمقراطي عليه الاستعداد للانتخابات، ولن يجدي البكاء على الأطلال وعلى اللبن المسكوب".

ورأى أن "من فقدوا السلطة (في إشارة إلى قوى إعلان الحرية والتغيير) اجتهدوا ليلا ونهارا، لإضعاف المنظومة الأمنية وتفكيكها وإضعاف القوات المسلحة، فلا بواكي لهم اليوم".

ومنذ مايو/أيار 2019 بعد شهر من الإطاحة بالبشير رفضت قوى الحرية والتغيير الاتجاه للانتخابات، وارتأت فيها إعادة تموضع للنظام القديم، وفضلت مرحلة انتقالية، تدار بمشاركتها ومعرفتها. 

والآن يرفضون مواثيق الصلح والانخراط في العملية القائمة، رغم وجود رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وقبوله بها، حيث أعلنوا في مؤتمرهم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، رفض الاتفاق السياسي أو إجراء أي مفاوضات مع الجيش.

وفي نفس اليوم قال عدد من وزراء في الحكومة المعزولة، والمنتمين للحرية والتغيير، في بيان "نعلن براءتنا من الاتفاق السياسي وانحيازنا لخيارات شعبنا في استعادة حكمه المدني".

وتابعوا أن "هذا الإعلان (الاتفاق) يكرس ويشرعن للحكم الانقلابي العسكري"، وذلك بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة والإعلام.  

ووفق اتفاق "البرهان- حمدوك"، سيتم تشكيل حكومة كفاءات، بلا انتماءات حزبية، ما يعني أن الوزراء السابقين لن يعودوا، إلا الكفاءات المستقلة منهم إذا اختارهم رئيس الحكومة، وتوافق عليهم الجميع، وهو ما تأباه القوى السياسية المعارضة من قوى الحرية والتغيير. 

 

دوافع الرفض

في حديثه لـ"الاستقلال"، قال السياسي السوداني، إبراهيم عبدالعاطي، إن دوافع رفض قوى الحرية والتغيير لمبادرات الصلح والاتفاق السياسي واضحة، وهو نيتها المبيتة في إعادة تشكيل مؤسسات الدولة.

كما ترغب القوى بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وقطاع المخابرات تحديدا لصالحها، وهو الأمر الذي إذا حدث لن يرى هذا البلد النور، ولن تكون هناك ديمقراطية، وفق تعبيره.

وأضاف: "بعد الرفض الدولي لإجراءات البرهان، وتدخل قوى الخارج بما فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا، لإعادة الوضع إلى نصابه، وجدت الحرية والتغيير نفسها في موضع قوة".

وأردف أن تلك القوى "قد تمكنهم من خلق فوضى خلاقة، وأزمة سياسية عارمة، تضمن لهم البقاء والتغيير، وهزيمة خصومهم العسكريين والمدنيين في آن واحد". 

واستطرد: "لكن الواقع السياسي والاجتماعي للسودان، لن يسمح بهذا ومن الصعب تجاوزه، ولن يقبله الشعب والجيش، حتى وإن اعتمدت قوى الحرية والتغيير على رؤساء الدول الكبرى".

وواصل: "لن يجدي هؤلاء نفعا أمام الحقيقة الدامغة، وهي إرادة الشعب، ومن يمتلك قوة الدولة الحقيقية، من جيش وشرطة ومخابرات، وبالطبع لن يحدث التنازل عنها طوعا". 

وأورد السياسي السوداني في حديثه تذكير الحركة الشيوعية واليسار السوداني، بأحداث عام 1971، عندما حاولوا الاستئثار بالسلطة والإطاحة بالرئيس جعفر نميري، فنكل بهم وأعدم كبار ضباطهم وقادتهم، وطارد الآلاف منهم.

وهو ما أضعف اليسار السوداني حتى يومنا هذا، ولم يستوعبوا الدرس بعد، على حد تعبيره. 

رهان خاسر 

طاهر السائب الناشط السياسي السوداني وعضو حزب المؤتمر الوطني سابقا، قال في حديثه لـ"الاستقلال"، إن "المعضلة الأساسية لقوى الحرية والتغيير، عدم وجود ظهير شعبي حقيقي لهم في الشارع، يمكنهم من الاستئثار بالدولة، وفرض شروطهم، وأجندتهم الخاصة على نحو 40 مليون سوداني". 

وأضاف: "منذ البدايات في 2019 (عام الثورة على نظام البشير)، كانت هناك كثير من الحلول المطروحة، بإجراء انتخابات، أو تشكيل مجلس حكم واسع، يمثل جميع أطراف العمل السياسي السوداني، من جميع الأطياف والقبائل والحركات".

لكن قوى الحرية والتغيير آنذاك "تعنتت ورفضت، على أساس خطة وضعوها بقيادة المرحلة الانتقالية، بحيث يمهدون لأنفسهم مستقبلا، عبر سحق المعارضين لهم، خاصة الإسلاميين"، بحسب السائب.

وبين أن خطتهم آنذاك تضمنت "إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والقضاء على التشكيلات المخالفة والمثيرة لقلاقلهم، وأخيرا عند الوصول إلى المرحلة الانتخابية يستطيعون قيادتها وفق إرادتهم، على أن تأتي بهم وحدهم". 

وذكر: "لا نستطيع فصل هذا المخطط عن توجيهات خارجية من قبل القوى الدولية والإقليمية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي لا تريد بالسودان خيرا، حيث ساندت ودعمت حكومة حمدوك بالمال عن طريق القروض والمساعدات المالية، ثم بالغطاء الشرعي لموقفهم".

وهو ما ظهر جليا عند تدخل الجيش لإصلاح الوضع، عقب وصول الحالة السياسية إلى طريق مغلق، وانفلات قد يؤدي إلى صدام أهلي على نطاق لا يمكن استيعابه، كما قال.

وأورد: "رفض قوى الحرية والتغيير للصلح، رغم إعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وسعي العديد من الأطراف لصياغة جديدة للأزمة، يؤكد أنهم يريدون حربا صفرية، لا مجال فيها للتوافق والحل، ويرغبون كذلك بإقصاء الآخر كلية، بما في ذلك الجيش وقياداته". 

واستطرد متعجبا: "هل يمكن أن يحدث هذا أو يتم قبوله في السودان؟ّ! فعلى أي أساس اعتمد هؤلاء حتى يفرضوا شروطهم بلا محاسبة أو رقيب، خاصة في ظل دعوات لحشود مضادة، وحراك مواز، إذا ما وقع، سيذهب السودان إلى طريق اللا عودة يقينا".