استقالات متتالية.. ما السر وراء مهاجمة حزب الله للسلطة القضائية في لبنان؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

توالت الاستقالات في سلك القضاء اللبناني احتجاجا على الضغوطات والتدخلات السياسية في عمل السلطة القضائية، ولا سيما في قضية تفجير مرفأ بيروت، إضافة إلى تدني الأجور وسط الأزمة المالية التي يمر بها البلد، الأمر الذي يؤشر إلى مواجهة القضاة مع السياسيين.

استقالة قضاة عدة يثير تساؤلات عن مدى فاعليتها في تعزيز السلطة القضائية، ولا سيما أنها جاءت بعد مهاجمة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، القضاة المعنيين بملف مرفأ بيروت، بقوله: "كلهم في دائرة الاتهام والشبهة".

صرخة احتجاج

وأعلن في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 تقديم ثلاث قاضيات رفيعات المستوى استقالتهن، احتجاجا على التدخل السياسي في القضاء وتدني الأجور وسط الأزمة المالية في لبنان.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن القاضية رولا الحسيني وهي إحدى القاضيات اللائي قدمن استقالتهن، وتتولى رئاسة محكمة الاستئناف إن "هذه صرخة عن كل ما هو خطأ.. الظروف المعيشية، التدخل السياسي، في النهاية في بلد عم ينهار".

القاضية المستقيلة الثانية جانيت حنا والتي كانت تعمل في محكمة استئناف بيروت رفضت التعليق، بينما لم يتسن الوصول إلى القاضية كارلا قسيس في محكمة التمييز، والتي قدمت أيضا استقالتها، وفقا للوكالة.

وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر قضائي لبناني (لم تكشف هويته) أن أبرز مظاهر تلك التدخلات برزت في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت.

وقال المصدر القضائي إن "القاضيات الثلاث قدمن استقالتهن احتجاجا على الوضع الصعب الذي بلغه القضاء والتدخلات السياسية في عمل السلطة القضائية والتشكيك في القرارات التي تصدر عن قضاة ومحاكم في معظم الملفات لا سيما انفجار المرفأ".

وفي السياق ذاته، ذكرت قناة "إل بي سي آي" اللبنانية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، أن "سبب الاستقالات في السلك القضائي هو الأوضاع المعنوية والمادية التي وصل إليها ​القضاء​، إضافة إلى الضغوط والتدخلات السياسية التي لم تتوقف، وكذلك بسبب الحملات اليومية على ​السلطة​ القضائية".

وتابعت: "ظهرت موجة استقالات في سلك القضاء، أبرزها تلك المقدمة من قضاة نظروا في ملف رد ​القاضي طارق بيطار​، أي القاضيان ناجي عيد وجانيت حنا، إضافة إلى استقالة القاضيتين رولا الحسيني وكارلا القسيس".

وأصدرت الحسيني وحنا مؤخرا أحكاما برفض محاولات وزراء سابقين متهمين في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، تنحية القاضي طارق بيطار الذي يحقق في القضية. ومن ثم قدم السياسيون دعاوى تطالب بتنحية القاضيتين عن الملف.

وقالت الحسيني إن القضاة المستقيلين سيطلبون من المجلس اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم القضاء ثم يقرروا ما إذا كانوا سيتمسكون باستقالتهم أم لا.

وأضافت: "هناك قضاة في لبنان مستقلون ولا ينتمون لأي حزب سياسي وهناك هجمة ضخمة ومعيبة عليهم. لازم حدا يوقف معنا".

تعطيل القضاء

وبخصوص مدى تأثير هذه الخطوة وتجاوب السلطات مع الأسباب التي دفعت المستقيلات لاتخاذ هذه الخطوة، قال متحدث باسم مجلس القضاء الأعلى لـ"رويترز" (لم تكشف عن هويته) إن المجلس لم يقبل الاستقالات بعد؛ لأن القاضيات عضوات "مميزات في القضاء".

كما أكد المتحدث الرسمي في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن قاضيا رابعا هو "زياد مكنا" كان قد قدم استقالته قبل حوالي شهر.

وكان مكنا قد حقق في دعاوى سوء إدارة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

من جهته، قال الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين، إنه "يتبين من المجريات القضائية أن الهيئة العامة لمحكمة التمييز اتخذت قرارات عدة حول رد دعاوى كان قد قدمها رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ووزراء سابقون مدعى عليهم من قبل طارق بيطار المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت".

وأضاف يمين خلال تصريحات في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن "بعض العوائق أمام استكمال قاضي التحقيق العدلي أعمال التحقيق، قد زالت برد دعاوى مخاصمة الدولة، وأن جزءا من العراقيل توضح مسار حله، من خلال حسم الهيئة العامة لمحكمة التمييز بصفتها محكمة حل الخلافات حول الاختصاص".

ولف الخبير القانوني إلى أن "البرلمان لم يتحرك باتجاه الاتهام، ولم تعقد الهيئة العامة للبرلمان أي اجتماع في إطار رؤساء الوزراء أو وزراء سابقين، ما يعني أن اتهام البرلمان لرئيس الوزراء أو لأكثر من وزير سابق لم يسلك طريقه حتى الآن".

وأضاف: "لا يزال قاضي التحقيق العدلي هو الوحيد حاليا الذي يضع يده على التحقيقات مع كف يده مؤقتا، لحين فصل محكمة التمييز المدنية بطلبات الرد الموجهة ضده".

وتسلط الاستقالات الضوء على التشابك عميق الجذور بين السياسة والقضاء في وقت توقف فيه التحقيق في انفجار مرفأ بيروت تحت وطأة حملة سياسية تستهدف المحقق العدلي طارق بيطار الذي يتولى ملف التحقيق.

وفي لبنان غالبا ما يجري تعيين القضاة وترقيتهم بناء على ولاءاتهم السياسية، ولهذا فإن القضايا التي تكشف تورط كبار المسؤولين لا تصل في الغالب إلى أي نتيجة.

طعن واتهامات

وعلى ضوء حملة شرسة يشنها حزب الله اللبناني، أدت إلى استقالة عدد من القضاة، اعتبر "نادي قضاة" لبنان خلال بيان أصدره في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن التعرض لخيرة القضاة وإطلاق التهم بحقهم جزافا سواء في الشارع أو مباشرة قد أصبح موضة رائجة تمس بهيبة القضاء وبشخص كل قاض على حد سواء".

وتابع النادي قائلا: "ففي الأمس القاضي جناح عبيد، واليوم القاضي فؤاد مراد، ومن يعلم ضحية الغد من تكون؟".

ولفت إلى أنه "لطالما ناصر نادي قضاة لبنان قضايا المواطنين المحقة ورفع الصوت ضد الظلم في غير موضع،  وانطلاقا من قناعاته هذه فالنادي لا يمكنه أن يرضى بأن يطال الظلم القاضيين المذكورين المشهود باستقامتهما، فالتاريخ المشرف لا تلوثه افتراءات عبثية".

وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قال نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني خلال تصريحات صحفية: "اليوم مشهد القضاء في لبنان غير صحي، ليست له علاقة لا بحادثة ولا بقاض، له ‏علاقة بمنظومة قضائية كاملة تتداخل بطريقة غير عادية، يجب إعادة النظر وإيجاد حل".

وتعليقا على ذلك، تساءل الكاتب اللبناني عارف عبد خلال مقال نشرته صحيفة "المدن" اللبنانية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بخصوص ما يقصده نعيم من تصريحاته، ماذا يعني ذلك؟ يكفي التفكير بالاحتمالات والتفسيرات لكي تطرح أجوبة كثيرة واردة في هذه الحالة.

وتهكم الكاتب من حديث نائب أمين عام حزب الله، قائلا: "الشيخ قاسم يقول إن حزب الله يريد تغيير المنظومة القضائية في لبنان أو فرطها وإعادة تركيبها من جديد".

وأردف: "للعلم، فإن أبرز نماذج القضاة المحترمين، بالنسبة للشيخ قاسم بطبيعة الحال، التجربة القضائية الشهيرة والمعروفة للرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي، الذي شغل منصبا مهما ومؤثرا كقاض في الثورة الإيرانية".

ولفت عارف عبد إلى أن "الشيخ قاسم وضع أهدافا واضحة وهي تطهير القضاء وإعادة تركيبه. وكلها دعوات إلى المصير المجهول ليس أكثر".

وأودى انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 بحياة 217 شخصا وأصاب نحو 7 آلاف آخرين، فضلا عن أضرار مادية هائلة في أبنية سكنية وتجارية، وذلك لوجود نحو 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.

وفي الثاني من يوليو/تموز 2021 ادعى القاضي بيطار على 10 مسؤولين وضباط، بينهم نائبان من حركة أمل حليفة حزب الله، هما علي حسن خليل وغازي زعيتر (وزيران سابقان)، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب.

إلا أن تلك الدعاوى القضائية رفضتها بعض القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله الذي اعتبر الأمين العام له حسن نصر الله أن تحقيقات بيطار "مسيسة" و"لا توصل إلى الحقيقة".

ولا يتوقف الأمر عند ملف الانفجار، إذ جرى أيضا تعليق التحقيق في قضية اختلاس أموال عامة وتهرب ضريبي تطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد دعوى تقدم بها وكيل أحد المصارف ضد المحامي العام التمييزي جان طنوس الذي ينظر في القضية.