نعمان السامرائي.. رئيس أول حزب إسلامي عراقي وفارس في العلم والدعوة

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"فارس لا يجارى في ميادين العلم والمعرفة والدعوة"، بهذه الكلمات ودع الحزب الإسلامي العراقي، نعمان عبدالرزاق السامرائي، أمينه العام الأول إبان تأسيسه عام 1960، وكان حينها ذراعا سياسيا للإخوان المسلمين بالعراق.

السامرائي وافته المنية في محل إقامته بالسعودية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن عمر ناهز 94 عاما، حيث دفن بمقبرة الشمال في الرياض، فيما أقيم للراحل مجلس عزاء في جمعية الشبان المسلمين ببغداد، وفق بيان الحزب الإسلامي.

"فارس الدعوة"

وفي بيانه، قال المكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي إن نعمان السامرائي أحد أبرز مؤسسي الحزب، وأول أمين عام له كان نموذجا باهرا للشخصية الإسلامية الفاعلة، وكان فارسا لا يجارى في ميادين العلم والمعرفة والدعوة". 

وأوضح الحزب أن "السامرائي أكاديمي متميز، وعالم رصين، قضى حياته في ساحات الدعوة إلى الله والعمل الجامعي، وترك وراءه عشرات المؤلفات القيمة، وآلاف المنتمين إلى الحزب الإسلامي، ومئات الطلبة الذين هم اليوم يحملون فكره ومشروعه الإصلاحي الوطني".

وختم قائلا: "إذ نودع السامرائي بحزن وألم، فنحن نتذكر وبفخر كبير، دوره في تأسيس الحزب، ونشاطه الواسع أيام ترؤسه له، واستمرار جهوده بعد عودته المتكررة إلى العراق خلال السنوات الماضية، من خلال عمله التثقيفي والتوعوي، من أجل نهضة العراق الذي أحبه وتحمل الكثير من الأذى بسبب ذلك فغادره مكرها طيلة عقود طويلة".

من جانبه، نعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، السامرائي، في بيان أصدره في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وحمل توقيع أمينه العام الشيخ علي القرة داغي ورئيسه الشيخ أحمد الريسوني.

وقال الاتحاد: "تلقينا بقلوب مفعمة بالرضا بقضاء الله وقدره نبأ وفاة المفكر والمربي الفاضل الأستاذ الدكتور نعمان السامرائي أول رئيس للحزب الإسلامي، قضاها في ساحات الدعوة إلى الله، والعمل الجامعي والحزبي".

وأضاف أن الراحل السامرائي كان "نموذجا للشخصية الإسلامية الفاعلة"، وبرحيله "فقدت الأمة الإسلامية مربيا ومفكرا من مفكريها المخلصين".

ولفت الاتحاد إلى أن السامرائي كان "يهتم بالثقافة الحديثة التي تهتم بالواقع والحاضر، ومصادر ثقافته متنوعة فهو أديب ومؤرخ وفقيه وداعية".

وكذلك نعاه "منتدى العلماء" في بيان صدر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بالقول: "تلقينا بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، نبأ وفاة فضيلة الأستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق صالح السامرائي فقيد الحركة الإسلامية في العراق وأبرز قادتها الأوائل".

ولفت إلى أن "الفقيد رمز وعلم في ميادين العلم والفكر والسياسة والفقه والتاريخ، وفي صروح التربية والتعليم والجامعات والجمعيات، وفي التأليف والدراسات".

ناشط سياسي

ولد نعمان عبد الرزاق صالح السامرائي في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين عام 1927، من أسرة عربية مسلمة، وابتدأت طفولته بالكتاب فتعلم القرآن الكريم، ثم الابتدائية فالمتوسطة والثانوية في المدينة ذاتها.

بدأ دراسته الجامعية في كلية الشريعة في بغداد، وحصل على شهادة البكالوريوس وتخرج عام 1952. ثم نال شهادة الماجستير في كلية الشريعة عن رسالتهِ التي بعنوان (أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة) وكان المشرف عليها أحد أساتذة الكلية من مصر الشيخ محمد عبد الرحيم الكشكي، وقد وافقت جامعة بغداد على طبع ونشر الرسالة على نفقتها.

وبعدها حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة القاهرة عام 1972 عن أطروحته "تصرفات المريض مرض الموت في الشريعة والقانون".

ومع بداية العام الدراسي الأول له في كلية الشريعة عام 1947، شارك في المظاهرات التي كان يقودها الداعية العراقي محمد محمود الصواف العائد لتوه من الأزهر أستاذا في كلية الشريعة نصرة لقضية فلسطين.

فتحولت كلية الشريعة إلى قبلة للمظاهرات يأتيها أيضا طلبة الكليات الأخرى في بغداد وتواصلت المظاهرات حتى تعطلت الدراسة، وكان أمرا جديدا أن يرى العراقيون شيخا يقود المظاهرات ويخطب يوميا، وتعرض للاعتقال عدة مرات.

التحق السامرائي بجمعية الأخوة الإسلامية التي أجيزت عام 1949 والتي كان المراقب العام لها الشيخ محمد محمود الصواف، حيث كان بمثابة الواجهة الرسمية للإخوان المسلمين في العراق.

وفي عام 1960 قدم السامرائي، طلبا إلى وزارة الداخلية لتأسيس حزب سياسي باسم (الحزب الإسلامي العراقي) لكن وزارة الداخلية رفضت الطلب، ثم ميز السامرائي القرار لدى محكمة التمييز، وقررت إصدار الموافقة على تأسيس الحزب في 26 أبريل/نيسان 1960.

وأعلنوا عن تشكيل الحزب الإسلامي العراقي، وعقد مؤتمره الأول في 29 يوليو/تموز 1960، حيث انتخب المؤتمر اللجنة المركزية (المكتب السياسي) للحزب الإسلامي العراقي، وفاز السامرائي برئاسة الحزب.

وفي عام 1968، قدم للدكتوراه في جامعة القاهرة، وفي طريق عودته إلى بغداد عن طريق بيروت ثم دمشق، سمع من مذياع السيارة أن انقلابا قد وقع في بغداد، وأن حزب البعث العربي الاشتراكي كان وراءه، فقرر السامرائي السعي للحصول على عمل خارج العراق، قبل أن تتدهور الأوضاع.

وما أن وصل إلى بغداد حتى تمكن من الحصول على فرصة عمل في السعودية، وبعد وصوله الرياض في أواخر عام 1968 وصلته رسالة مع مسافر من أهله تقول: قد وضع اسمك في القائمة (السوداء)، وأنت ممنوع من السفر فانتبه لذلك.

ومع نهاية العام طلبت وزارة التعليم العراقية إنهاء عقده وعودته بسرعة إلى كلية الشريعة، حيث كان (معيدا) ولكنه قرر ألا يستجيب وأبقى عمله في الرياض ويقول: لو ظللت باقيا في العراق لكنت إما مسجونا أو ميتا.

مسيرة حافلة

في بداية مشواره الوظيفي عمل السامرائي في قطاع التعليم، ودرس في مدارس بمحفظات النجب والديوانية والفلوجة والكوت، وبعدها شغل منصب مدير مدرسة في مدينته سامراء.

كما عمل في التدريس في الجامعات السعودية من عام 1968 إلى 1992، وكذلك عمل في التدريس بكلية الشرطة السعودية ثمانية أعوام، وأستاذا في جامعة الإمام محمد بن سعود 11 عاما، وأستاذا بجامعة الملك سعود 14 عاما.

وألف السامرائي كتبا عديدة، طبع منها 20 مؤلفا، منها: "مباحث في الثقافة الإسلامية، ومن قضايا الحضارة المعاصرة العلاقة بين العلم والدين، والفكر العربي والفكر الاستشراقي بين محمد أركون وإدوارد سعيد، وقراءة في كتاب إظهار الإسلام لروجيه دوباسكويه، وتفسير التاريخ، ومباحث في التفسير الإسلامي للتاريخ".

ومن مؤلفاته أيضا: "أضواء على تفسير التاريخ، واليهود والتحالف مع الأقوياء. والتكفير جذوره، أسبابه، مبرراته، والتوراة بين فقدان الأصل وتناقص النص، والماسونية واليهود والتوراة. والتكفير قديما وحديثا، والنظام السياسي في الإسلام، وقراءة في النظام العالمي الجديد، وفي أعماق التجربة اليابانية، وأميركا والعراق".

ويعتبر السامرائي من الشخصيات البارزة في العالم العربي والإسلامي، حيث كان عضوا في عديد من الجمعيات والهيئات والمؤسسات الإسلامية والأدبية داخل العراق وخارجه.

وكان الراحل عضوا مؤسسا لجمعية الكتاب والمؤلفين العراقية 1963، وعضو جمعية التربية الإسلامية في العراق 1963، وعضوا مؤسسا لكلية الدراسات الإسلامية 1964، وعضوا مشاركا في مؤتمر الأدباء العرب ببغداد 1965، وعضوا مشاركا في مؤتمرات الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

وللعالم الراحل مساهمات عدة، منها الموسوعة الفقهية الكويتية، وموسوعة الكتاب العالمي، وموسوعة دار الإيمان بجدة. وكذلك درس في دورات عدة للمحاسبين القانونين بالرياض.

وأيضا كان عضو اللجنة الفرعية لجائزة الأمير نايف العالمية، وعمل أيضا مقدم برنامج في إذاعة الرياض والقرآن الكريم بالسعودية.

وفي عام 2007، عقد المؤتمر التأسيسي الأول لمجس علماء العراق، وجرى ترشيحه لرئاسة المجلس، وطلب من العلماء الحاضرين إعفاءه لكبر سنه، إلا أنه انتخب رئيسا لمدة عام واحد.