"دفتر الشيكات".. النظام السعودي يعود إلى أسلوبه القديم مع أعدائه وأصدقائه

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

اعتبرت وكالة "الأناضول" التركية أن السعودية عادت مؤخرا من جديد إلى سياسة "دفتر الشيكات" التقليدية عندما فرضت حظرا اقتصاديا ودبلوماسيا على لبنان، في حين استأنفت العلاقات مع إيران، خاصة التجارية، على أمل الوصول إلى تسوية في الملف اليمني.  

وأضافت الوكالة في مقال للأستاذ في جامعة أرتوكلو التركية "نجم الدين آجار" أن المفاوضات الإيرانية السعودية عادت إلى الواجهة مع استئناف الرياض علاقاتها التجارية مع طهران، وتصعيدها الأزمة مع بيروت، وانسحابها المفاجئ من مدينة الحديدة الإستراتيجية باليمن. 

وهذه التطورات تشير إلى عودتها إلى سياسة "دفتر الشيكات" التقليدية، التي تعني قيام السعودية، كسابق عهدها في السياسة الخارجية، بمكافأة أو عقاب أصدقائها أو أعدائها باستخدام الورقة الاقتصادية.

وسيطرت مليشيا الحوثي خلال الأيام الماضية على مناطق حيوية في مدينة الحديدة على البحر الأحمر، بعد انسحاب مفاجئ للقوات المشتركة المدعومة إماراتيا وموالية للحكومة اليمنية.

وقبل اندلاع الأزمة بين السعودية وإيران في يناير/كانون الثاني 2016 بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 500 مليون دولار سنويا، حسب وكالة أنباء فارس الإيرانية.

التطورات في اليمن

ورأى الكاتب التركي أن اليمن مهم جدا للسعودية وذو أهمية ثانوية لإيران، وعلى العكس يعد لبنان مهما جدا لإيران وثانويا للسعودية. وهو ما جعل السعودية تصعد الأزمة مع لبنان لتعويض خسائرها التي تسببت بها إيران في اليمن.

فعندما بدأت الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015 كان من المتوقع أن تنتهي خلال ستة أشهر. لكنها مستمرة منذ ست سنوات. وطوال تلك المدة لم يحرك العالم ساكنا أمام انتهاكات حقوق الإنسان والدمار الذي لحق بالبلاد.

غير أن اليمن لم تكن الوحيدة التي كلفها الحرب أثمانا باهظة، فقد دفعت السعودية تكلفة كبيرة من جانبها أيضا.

وإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تبلغ مئة مليون دولار في اليوم، تكبدت السعودية خسائر عسكرية ومدنية جراء الهجمات على المنشآت النفطية والمطارات والموانئ، الأمر الذي يجبرها على إغلاق ملف اليمن بأسرع وقت ممكن قبل أن يتسبب في تشويه صورة البلاد أكثر من ذلك.

خاصة وأن السعودية تركت بمفردها في الحرب بعد أن حدث شرخ في التحالف (مع الإمارات) بسبب اختلاف المصالح، إلى جانب أداء الجيش السعودي الضعيف في الميدان منذ بداية الحرب، ما جعل تحقيقها النصر العسكري في حرب اليمن مستحيلا، وفق الكاتب.

وأضاف أن السعودية أصبحت في موقف ضعيف في اليمن، خاصة مع انتخاب جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة في عام 2021. فقد أرغم حظر بايدن للأسلحة السعودية على التراجع، في وقت تصاعد فيه تعاطف الغرب تجاه الأزمة الإنسانية في اليمن.

فيما يعتبر الرأي العام السعودي أن طريق محمد بن سلمان إلى العرش السعودي يرتبط ارتباطا وثيقا بنتائج حرب اليمن، وعندما انقلبت الطاولة لصالح الحوثيين سعت الرياض لإغلاق ملف اليمن، إذ كل فشل سيؤثر لاحقا على مستقبل بن سلمان السياسي. بحسب الكاتب التركي. 

انسداد طرق المفاوضات

وأوضح الكاتب أن التفاؤل قد ساد بعد إنهاء الحصار على قطر وبدء المفاوضات السعودية الإيرانية بوساطة من العراق، بأنه سيحدث انخفاض في التوترات الجيوسياسية في المنطقة.

غير أن اتفاقية "أوكوس" التي أبرمتها الولايات المتحدة مع بريطانيا وأستراليا لحصار الصين، وقبول الصين إيران كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون، غير في التوازنات الإقليمية بشكل كبير.

وشرح ذلك بالقول: فبينما تحول انتباه الولايات المتحدة بعيدا عن منطقة الخليج مع أوكوس، أصبح لإيران حامية قوية مثل الصين بعد أن أصبحت عضوة في منظمة شنغهاي للتعاون. وبعبارة أخرى، بدأ النفوذ الصيني في الازدياد مع تراجع واشنطن وانسحابها من المنطقة وهي التي كانت الضامن الأمني ​​الأكبر للسعودية. 

وقد عززت هذه التطورات من موقف إيران التي تعتبر الفاعل الوحيد الذي تحدى الوضع الإقليمي الراهن الذي رسمته الولايات المتحدة وحليفتيها إسرائيل والسعودية في المنطقة.

كما لم تنجح سياسة "الضغط القصوى"، وتابعت إيران توسيع نفوذها السياسي والأيديولوجي في المنطقة.

وهكذا، فإن ضعف موقف السعودية بعد نزول الرئيس السابق دونالد ترامب عن الحكم، في وقت يزداد فيه النفوذ الإيراني ولو بشكل نسبي، يضعف من إمكانية التوصل إلى اتفاق متوازن يرضي الطرفين في المفاوضات بين الجانبين التي بدأت في عام 2021.

فيما تحرص السعودية وفق الكاتب على إغلاق ملف اليمن، لكنها تريد الخروج منتصرة غير مهزومة. أما إيران، فترى من جانبها أن زيادة الضغط في اليمن من خلال الحوثيين خيار منطقي؛ لأنه سيعزز موقفها على طاولة المفاوضات مع السعودية.

سياسة دفتر الشيكات

وأوضح الكاتب أن السعودية فرضت مؤخرا حظرا دبلوماسيا واقتصاديا على لبنان بذريعة توسع نفوذ حزب الله المدعوم من إيران وذلك في وقت بدأت فيه تسعى لتطوير العلاقات الدبلوماسية مع إيران.


وأوضح أن الحركة البندولية للسعودية بين اليمن ولبنان، تظهر أن السعودية تحاول تحقيق المكاسب التي لم تستطع تحقيقها بالقوة العسكرية، بسياسة "دفتر الشيكات".

وما يؤكد ذلك، الحظر الاقتصادي والدبلوماسي الذي فرضته السعودية على لبنان تذرعا بتصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الذي انتقد فيها موقف الرياض بحرب اليمن، وبالتزامن مع ذلك اتخذت قرارا باستئناف التجارة مع إيران.

فبينما تقدم الرياض حوافز اقتصادية لإيران، فإنها تفرض على الناحية الأخرى عقوبات اقتصادية على لبنان التي تصمد بالكاد دون موارد الخليج الاقتصادية. وكلا العمليتين تنفيذ لسياسة "دفتر الشيكات" لإقناع إيران بصفقة تساهم في إظهار السعودية بمظهر المنتصر في اليمن.

والحق أن إرسال السعودية قوات إلى المنامة لقمع المظاهرات في البحرين في 2011 كانت الخطوة الأكبر التي دلت على تخليها عن سياسة "دفتر الشيكات" التقليدية. إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها السعودية بعملية عسكرية عبر الحدود. وفق الكاتب التركي.

كما أن دخول السعودية إلى الحرب في اليمن كان دليلا على ثقتها بقواتها العسكرية عقب إرسالهم إلى البحرين، وأعطى انطباعا بأن تغييرها سياستها كان جذريا وتخليها عن سياستها التقليدية كان دائما.

غير أن الأثمان الباهظة التي دفعتها في اليمن أجبرت السعودية على العودة إلى سياسة "دفتر الشيكات" التقليدية التي تعتبر خبيرة فيها.

وعلى صعيد آخر، يمكن تقييم تراجعها في اليمن والحظر الذي فرضته على لبنان واستئنافها التجارة مع إيران على أنها أقوى بوادر العودة إلى سياستها القديمة، بالطبع إن لم تكن الأولى.