مدنيو مأرب.. الخاسر الأكبر في القصف المتبادل بين الحوثي والتحالف

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية الضوء على الوضع المأساوي في محافظة مأرب وسط اليمن في ظل القتال المتصاعد منذ شهور بين قوات الحكومة ومليشيا الحوثي، ما يتسبب في سقوط مئات القتلى والجرحى، فضلا عن نزوح الآلاف.

ومنذ مطلع فبراير/ شباط 2021، كثف الحوثيون المدعومون إماراتيا هجماتهم في مأرب لبسط نفوذهم عليها، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيس لوزارة الدفاع، فضلا عن تمتعها بثروات كبيرة من النفط والغاز.

فيما يرد التحالف السعودي الإماراتي الداعم للقوات الحكومية على هجمات الحوثيين بعشرات الغارات الجوية، معلنا باستمرار قتل مئات من مسلحي المليشيا التي تسيطر على مناطق يسكن فيها قرابة 15 مليون نسمة يمثلون 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد.

ولا يبدو أن ثمة أفقا لحل سياسي قريب ينهي الأزمة المشتعلة، رغم الجهود الدولية والأممية المتواصلة والرامية لإنهاء الصراع.

صورايخ عشوائية

وأشارت المنظمة إلى أن مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا تواصل إطلاق صواريخ مدفعية وبالستية عشوائيا على مناطق مأهولة في مأرب، تقتل وتصيب مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وتتسبب في موجات نزوح جديدة.

وأضافت أن المدنيين والنازحين في مأرب عالقون في مرمى النيران منذ نحو سنتين، وهجمات الحوثيين العشوائية المتكررة ومنعهم وصول المساعدات الإنسانية "أصبح نمطا مخزيا يضاف إلى السجل الحقوقي المزري للجماعة".

وبدأ التقدم العسكري لمليشيا الحوثي للاستيلاء على مأرب في عام 2020 وازداد شدة منذ فبراير 2021. وسيطر الحوثيون على مواقع جنوبي مأرب في أكتوبر/ تشرين الأول.

ومع استمرار القتال في عدد من المديريات الجنوبية نزح 93 ألف مدني بحثا عن الأمان إلى المناطق الشمالية بالمحافظة، التي تستضيف أصلا مليوني نازح.

ويحاصر الحوثيون المحافظة من ثلاث جبهات: الجوف شمالا، والبيضاء جنوبا، وصرواح ونهم غربا.

وأكد شهود عيان للمنظمة أن الحوثيين حاصروا 35 ألف مدني في مديرية العبدية شمال شرقي مأرب لثلاثة أسابيع على الأقل في أكتوبر 2021، ومنعت دخول الطعام، والنفط، وسلع أخرى إليهم.

ونقلت عن "رابطة أمهات المختطفين" الحقوقية المحلية أن مليشيا الحوثيين تحتجز  47 شخصا من المديرية، بينهم أطفال. ولا يعرف أقاربهم عنهم شيئا منذ اعتقالهم.

ولفتت المنظمة إلى أن أكتوبر 2021 هو الأكثر دموية منذ سنوات في مأرب، بحصيلة 100 مدني، بينهم أطفال.

وقال شقيق طفل عمره 14 عاما أصيب في يده جراء غارة لـ هيومن رايتس ووتش: "كان شقيقي يلعب مع أطفال آخرين في الحي، في قلب مدينة مأرب، عندما سقط صاروخ ودمر عشرة منازل على الأقل في منطقة سكنية بعيدة جدا عن جبهات القتال".

كما أكد أربعة صحفيين للمنظمة أن مليشيا الحوثيين أطلقت في 13 أكتوبر 2021 صاروخا أصاب مستشفى في العبدية، المركز الصحي الكبير الوحيد في المنطقة، رغم بعدها 10 كيلومترات عن جبهة القتال.

وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع رجل هرب مع أسرته من قرية يعرة في الجوبة في 27 أكتوبر 2021 بسبب اقتراب القصف المدفعي الحوثي من منزلهم.

وقال إن "الليلة التي قررنا فيها الهروب من يعرة التي تبعد 10 كيلومترات عن القتال أصابت شظية ابني وجرحته، ونزلنا في قرية العمود بالجوبة لدى أقاربنا هناك، وفي مساء اليوم التالي سقط صاروخ على العمود، وأدى إلى مقتل 12 من أقاربي وأصدقائهم".

كما راجعت هيومن رايتس ووتش 12 صورة أرسلت مباشرة إلى الباحثين، تظهر آثار الغارة على العمود، رغم عدم وجود أية أهداف عسكرية في المنطقة في الصور.

فيما قال عمال إغاثة إن المدنيين الذين هربوا من قرية العبدية نهاية أكتوبر 2021 كانوا قابعين في حصار دام ثلاثة أسابيع من قبل مليشيا الحوثيين لتجبرهم على الالتحاق بها، رغم أنه لم يكن في قريتهم أي عتاد عسكري أو مقاتلين.

 وأضافوا أن النازحين كانوا يعانون من أمراض وسوء التغذية ولا يملكون المال، وبعض النساء كن في حاجة ماسة إلى خدمات الصحة الإنجابية.

وتعطلت الاتصالات عبر الهاتف والإنترنت بشدة في مأرب خلال سبتمبر وأكتوبر 2021، وأفادت تقارير أن طائرات الحوثيين المسيرة دمرت أسلاك الاتصالات في المحافظة.

وقال عامل إغاثة في "الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين"، التابعة للحكومة اليمنية، إن آلاف الأسر لا تزال محاصرة في القرى جنوبي مأرب، حيث تغلق قوات الحوثيين الطرقات، وتقيد النقل، وتهاجم المدنيين الذي يهربون نحو الشمال.

وأوضح أن أكثر من 90 ألف شخص نزحوا، و93 بالمئة منهم لم يتلقوا خدمات إيواء، و70 بالمئة لم يتلقوا الغذاء، و96 بالمئة لا يحصلون على مياه الشرب أو الاستحمام.

الوضع الإنساني

وأعربت وكالات الإغاثة الدولية عن قلقها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حيال الوضع الإنساني في مأرب ومحيطها.

وقالت في بيان إن "الحاجات الإنسانية في مدينة مأرب تفوق بكثير الإمكانيات الموجودة على الأرض، في ظل استضافتها مخيمات نازحين مكتظة، مع أنظمة خدمات عامة وصحية مرهقة، وبنى تحتية هشة ومجتمع مضيف يزداد ضعفا".

ولدى اليمن رابع أكبر عدد نازحين حول العالم بسبب النزاعات، إذ تضم أكثر من 4 ملايين نازح. وقال أحد عمال الإغاثة لـ"هيومن رايتس ووتش" إن مأرب تضم أكبر عدد نازحين في اليمن، في حين يؤدي القتال فيها إلى حركة نزوح أخرى نحو الجنوب في محافظة أبين.

من جهته، قال التحالف الداعم للقوات الحكومية بقيادة السعودية والإمارات إنه قتل مئات الحوثيين في غارات استهدفت الجوبة، والكسارة، والعبدية في الأشهر الأخيرة.

فيما نقلت منصة "مشروع بيانات اليمن" المستقلة منتصف أكتوبر 2021 أن المنطقة شهدت نحو 27 غارة جوية يوميا، العدد الأعلى للغارات الفردية التي نفذها التحالف خلال شهر واحد منذ يوليو/ تموز 2020، وطالت 34 غارة مديرية الجوبة وحدها.

وفي نوفمبر 2021 نشر "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" بيانا دعا فيه جميع الأطراف إلى وقف التصعيد، بما يشمل إنهاء تصعيد الحوثيين فورا في مأرب.

لكن مع اقتراب فصل الشتاء، يحتاج النازحون الجدد بشدة إلى استجابة فورية وشاملة من قبل وكالات الإغاثة. لذا على مليشيا الحوثيين أن تنهي فورا هجماتها العشوائية، وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في جميع أنحاء مأرب، وفق المنظمة الدولية.