بدعم من الأسد.. كيف تستخدم روسيا اللاجئين السوريين للضغط على أوروبا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا يقتصر لعب روسيا بالملف السوري على الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل يتعداه إلى زج السوريين في حروب حلفائها واستخدامهم أدوات لتحقيق غايات سياسية بتواطؤ مباشر من النظام برئاسة بشار الأسد.

آخر فصول موسكو في ذلك، هو تسهيل سفر السوريين الراغبين في اللجوء إلى أوروبا، واستغلال سعيهم في الفرار من جحيم الوضع المعيشي بمناطق نفوذ النظام السوري، لدعم موقف حليفتها بيلاروسيا الواقعة على الحدود الشرقية للقارة.

لعبة روسية

وقاد النظام السوري تنفيذ خطة موسكو المتعلقة باللاجئين السوريين، طمعا في تحصيل مكسبين أساسيين، الأول الرضا الروسي، والثاني رفد خزينته من أموال السوريين الطامحين بالوصول إلى أوروبا.

وبدا واضحا أن نظام الأسد فتح باب السفر للسوريين إلى بيلاروسيا كنقطة أولى قبل الدخول إلى جارتها بولندا ومنها إلى دول غرب أوروبا، بإيعاز من موسكو.

وتمثلت الخطوة الأولى باللعب باللاجئين السوريين، بترخيص النظام لمكاتب الإتجار بالبشر في مناطق نفوذه عبر عملية منظمة قادتها شركات سياحية تربطها شبكة واحدة، لاصطياد أولئك الحالمين بطوق نجاة نحو أوروبا وإن كان على حساب ما ادخروه طيلة سنوات عمرهم.

ومنذ أغسطس/آب 2021 يروج النظام السوري لإمكانية السفر إلى بيلاروسيا لمن يريد الوصول إلى أوروبا، الأمر الذي خلق حالة من تهافت السوريين بمناطق الأسد للحصول على جوازات سفر بشكل غير مسبوق.

وما كان غير متوقع من النظام السوري هو توافد الآلاف دفعة واحدة للحصول على جوازات سفر من دوائر الهجرة، مما أدى لنفاد كمية دفاتر الجوازات التي يمتلكها بعد منح أعداد هائلة منها لاستعجال سفر هؤلاء إلى بيلاروسيا.

وكانت إدارة الهجرة والجوازات السورية شهدت في يونيو/حزيران 2021 وفروعها في المحافظات ازدحاما بسبب التأخر في إصدار جوازات السفر وفق المدد الزمنية المعهودة، بسبب النقص في الدفاتر.

وهو ما دعا وزير داخلية النظام السوري اللواء محمد الرحمون للتصريح مطلع أغسطس/آب 2021 بأن أزمة الجوازات تعود لأسباب "فنية بحتة".

وقدمت القنصلية البيلاروسية في دمشق كل التسهيلات لحصول السوريين الراغبين بالسفر إليها على تأشيرة سريعة، ثم تولت شركات سياحية محددة تسفير هؤلاء مباشرة من دمشق إلى العاصمة مينسك.

ويطلب من الشخص تقديم المستندات المطلوبة وهي جواز سفر صالح والتقدم للحصول على تأشيرة في القسم القنصلي بسفارة بيلاروسيا.

وبعد حصول الشخص على التأشيرة بوقت قصير، يلجأ إلى الخطوة التالية وهي التعامل مع شركة طيران تتولى حجز طائرة وفندق في العاصمة البيلاروسية لمدة أسبوع وهذا شرط إلزامي.

وتبلغ تكلفة الرحلة كاملة نحو 5 آلاف دولار يسلمها الشخص الراغب بالسفر إلى شركات السياحة، وتشمل تكلفة التأشيرة وشهادة التأمين للأجانب.

خطة ثلاثية

ويؤكد الباحث الاجتماعي السوري حسام عبدالغني، أنه "سابقا لم تكن بيلاروسيا تعطي تأشيرة دخول إليها للسوريين، باستثناء الطلاب أو التجار، لكن فجأة منذ أبريل/ نيسان 2021 أصبح الأمر متاحا لأي متقدم، وكانت هذه بمثابة طعم لمن يرغب بالهجرة إلى أوروبا".

وأضاف عبدالغني لـ"الاستقلال": "اتضح لاحقا أن إشاعة سهولة السفر إلى مينسك أعطى دفعا معنويا للسوريين بمناطق الأسد ولا سيما أن المئات وصلوا إلى أوروبا وكانت هذه بمثابة (المرحلة أ) من خطة الثلاثي النظام السوري وروسيا وبيلاروسيا بهدف استقطاب المئات الآخرين (كمرحلة ب)".

وتابع أن تلك الأطراف ترغب بزج السوريين على حدود بيلاروسيا وبدء (المرحلة ج) من عملية ابتزاز أوروبا لتخفيف العقوبات عن مينسك.

وفي هذا الإطار، يؤكد أيهم عطوان وهو شاب ثلاثيني يدير محل حلاقة في دمشق، لـ "الاستقلال" بالقول: "بعت سيارتي وذهب زوجتي وجمعت فقط المبلغ الذي يوصلني إلى حدود بيلاروسيا وخرجنا مع طفلي وابن أخي وزوجة أحد أقاربي".

وزاد بالقول: "وصفت لنا عملية الدخول إلى أوروبا عبر بيلاروسيا من بولندا بأنها طريقة جديدة وغير مكشوفة من الاتحاد الأوروبي وخاصة أن هناك عشرات السوريين ممن نعرفهم تمكنوا من العبور سابقا من نفس النقطة".

ولفت عطوان الذي يوجد حاليا في بيلاروسيا بالقول: "لم نكن نتوقع أن هناك فخا قد نصب لنا وجرى تجميعنا هناك مع آلاف من الأفغان والعراقيين واليمنيين لأهداف سياسية تكشفت لنا من خلال الإعلام".

وأمام مواجهة موجة التدفق غير النظامية والمنسقة، نشرت السلطات البولندية نحو عشرين ألف جندي من قوات حرس الحدود لمنع اللاجئين من دخول أراضيها، وذلك بدعم من التكتل الأوروبي في عرض للقوة غير مشهود في البلاد منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثين عاما.

وعقب تأزم الوضع وفشل اللاجئين في اجتياز الحدود البولندية، عمد هؤلاء إلى إقامة مخيم في منطقة الغابات أمام الحدود بين بيلاروسيا وبولندا منذ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

ويأمل هؤلاء اللاجئون العبور إلى بولندا ومنها إلى دول غرب أوروبا وعلى رأسها ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا.

ابتزاز أوروبا

ويحذر خبراء عسكريون من أن تلعب موسكو بأزمة اللاجئين كورقة ضغط جديدة، في حال نفذت روسيا اجتياحا بريا عبر توغل ضد كييف من بيلاروسيا المجاورة أوائل 2022 بعد حشدها أكثر من 92 ألفا من قواتها حول حدود أوكرانيا.

وأمام انكشاف اللعبة الروسية أعلنت شركة "أجنحة الشام" السورية للطيران في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تعليق رحلاتها الجوية إلى مطار العاصمة البيلاروسية.

ولا سيما أنه وحسب أحدث برامج خطوط الطيران في مطار مينسك، كان من المقرر إجراء حوالي 40 رحلة أسبوعية قادمة من إسطنبول ودمشق ودبي إلى غاية مارس/آذار 2022، وذلك عقب تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على شركات الطيران التي تنخرط في "تهريب البشر".

ويتهم الاتحاد الأوروبي نظام ألكسندر لوكاشنكو الذي يحكم بيلاروسيا، بيد من حديد منذ 1994، بتنظيم تدفق آلاف اللاجئين إلى حدود بولندا وليتوانيا، بدعم من حليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويرغب لوكاشنكو الذي لم تعترف أوروبا بإعادة انتخابه بالانتقام من العقوبات المفروضة عليه بسبب قمعه المستمر للمعارضة البيلاروسية منذ 2020.

وبعد ضغوط مارسها الاتحاد الأوروبي أعلنت شركة الطيران البيلاروسية "بيلافيا"، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أنه بات محظورا على السوريين والعراقيين واليمنيين والأفغان الصعود إلى رحلات متوجهة من دبي إلى مينسك، بعدما فرضت تركيا القيود ذاتها.

ولم يكن يتوقع هؤلاء اللاجئون أنهم سيمكثون عند الحدود في ظروف صعبة، في ظل درجات حرارة متدنية جدا، وفي خيم بالغابات وسط الصقيع بعدما تلقوا وعودا من سماسرة بتأمين مرور آمن لهم إلى أوروبا.

وتمكن النظام السوري من تحصيل ملايين الدولارات من رسوم استصدار جوازات السفر، كما أعطى روسيا ما تريد من مناورة سياسية ابتزازية أملا في تحقيق ضغط على التكتل الأوروبي لرفع العقوبات المفروضة على الرئيس البيلاروسي بعد الانتخابات الرئاسية عام 2020.

هدية الأسد

ويرى كثير من المراقبين أن روسيا هي من تدير أزمة اللاجئين من وراء الكواليس، ولا سيما أن مينسك هددت بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا، الأمر الذي فسر على أنها رسالة مشفرة من موسكو.

ويؤكد هؤلاء أن حالة الاشتباك الأوروبي الروسي تشبه النار من تحت الرماد، خاصة أن موسكو ما تزال قلقة من مسألة التوتر مع أوكرانيا وإجراء حلف شمال الأطلسي "الناتو" تدريبات مع قوات أميركية في البحر الأسود، الأمر الذي يغضب روسيا.

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث الاجتماعي السوري حسام عبد الغني أن "النظام ألقى بمئات السوريين إلى التهلكة وجعلهم وقود حرب لا ناقة لهم بها خاصة مع الخشية من أن تتقاذف اللاجئين الصراعات ويصبحوا ورقة ابتزاز بيد بيلاروسيا وموسكو".

وكانت صحيفة الغارديان البريطانية أكدت في تحقيق لها نشر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "رئيس بيلاروسيا اتهم بتعمد إثارة أزمة لاجئين جديدة في أوروبا من خلال تنظيم حركة الأشخاص من الشرق الأوسط انتقاما من عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على نظامه الاستبدادي".

وفي الاندفاع الأخير للحصول على التأشيرات، تقول الصحيفة إنه "تقدم ما يقدر بـ 3-4 آلاف سوري بطلبات في لبنان، بمساعدة السفارة السورية هناك".

واعتبر عبد العني أن "تكديس اللاجئين السوريين على حدود أوروبا هي هدية أسداها الأسد إلى سيده بوتين عبر عملية الإتجار باللاجئين، في معادلة وقحة وقودها هؤلاء الذين ثبت بالدليل القاطع أنهم في سجن كبير يتحكم بهم النظام كما يشاء".

ومضى يقول: "إن المفارقة العجيبة هي ترويج موسكو أنها تعمل على إرجاع اللاجئين السوريين من دول أوروبا وتوفير عودتهم عبر عقد مؤتمرات وترويج إعلامي ضخم، لكن هذا أكبر دليل على أن روسيا دولة احتلال لسوريا وأنها تبيع شعارات لا تلبث أن تنكشف أمام العالم".

وفي مقال لصحيفة التلغراف البريطانية 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تحت عنوان "بوتين هو المشكلة الحقيقية التي تواجه الغرب"، أوضح أن "الرئيس الروسي ربما يخطط لغزو أوكرانيا في تكرار لضم شبه جزيرة القرم عام 2014".

وتضيف الصحيفة "تقدر أوكرانيا أن هناك الآن 90 ألف جندي روسي على حدودها، مع المزيد من المساعدة للانفصاليين الموالين لموسكو الذين استولوا على أجزاء من إقليم دونباس قبل سبع سنوات".

وترى الصحيفة أن بوتين "لا يزال مصمما على تقويض استقلال أوكرانيا، وهو مشروع يراه حيويا للأمن الروسي من خلال توفير حصن ضد الغرب".