وزيرة تونسية سابقة لـ”الاستقلال”: قيس سعيد تدعمه الثورة المضادة ويهمل الاقتصاد

حمدي عبد العال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت وزيرة المرأة السابقة في تونس سهام بادي أن الرئيس قيس سعيد اتخذ قرار التفرد بالسلطة مستغلا الغضب الشعبي وانشغال الأحزاب في حروب سياسية داخل البرلمان، ودعمه في ذلك محور الثورة المضادة.

وقالت الوزيرة بأول حكومة بعد ثورة الياسمن وحتى 2013، في حوار مع "الاستقلال"، إن ارتفاع سقف المطالب الشعبية وعدم القدرة على تلبيتها صورت حكومات ما بعد الثورة على أنها عاجزة وفاشلة عن تلبية احتياجات المواطنين.

وأضافت بادي المقيمة خارج تونس أن من تصدروا المشهد في تلك الحكومات اختاروا الترضيات الشعبية دون العمل على إصلاح منظومات القوانين وقطع أصول الفساد المتجذرة على مدار عقود. 

ولفتت إلى أن الرئيس سعيد اتخذ قرار التفرد بالسلطة وتجميد البرلمان بعد أن استغل تصاعد الغضب الشعبي وانشغال الأحزاب في حروب سياسية غزتها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي مدفوعة بأموال خارجية.

لكنها أوضحت أن كل يوم ينزل من سفينة سعيد قبل أن تغرق عديد من الشخصيات والأحزاب والمناصرين، ومع مرور الوقت تتآكل شعبيته ويعزل ويقف من جديد وحيدا هو وقراراته وثلة قليلة من المستفيدين من انقلابه.

وأوضحت أن محور الثورات المضادة، وعلى رأسه الإمارات والسعودية والسلطات الانقلابية في مصر، لا يريد للربيع العربي أن ينتصر، لذا ينفذ انقلابات ويدعمها ضد الشعوب المتطلعة للديمقراطية والحرية.

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، حين شرع سعيد في اتخاذ قرارات منها: تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة رئيس الحكومة، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وهو ما اعتبره جل المواطنين "انقلابا صريحا على السلطات المنتخبة".

ويتبنى سعيد مقاربات أمنية في التعامل مع المعارضين لقراراته الانقلابية والرافضين للأوضاع المعيشية، ما تسبب في حالة احتقان اجتماعي بعموم البلاد.

أسباب الأزمة

ما هي الأسباب التي أوصلت المشهد التونسي للوضع الحالي؟

هناك عوامل كثيرة، أهمها تصدر أصحاب الأيادي المرتعشة في فترة ما بعد الثورة، فكان لا بد من تصدر المشهد أقوياء قادرون على اتخاذ قرارات جذرية وإصلاح القوانين ومحاربة الفساد لتأسيس دولة قانون قوية.

مع الأسف هذا لم يحدث والحكومات اختارت الترضيات الشعبوية، أضف إلى ذلك عدم الاستقرار السياسي نظرا لتعاقب الحكومات وعدم الاستقرار، فبدت حالة من عدم الرضا والاحتقان في الشارع.

كما أن سقف المطالب الشعبية مرتفع جدا وكأن من قدم للحكم يمتلك عصا سحرية بإمكانه بين يوم وليلة أن يلبي كافة الطموحات.


تمسك الرئيس سعيد بقراراته يوحي باستناده على قوى ما، برأيك على من يستند سعيد؟

استغل الرئيس تنامي الغضب الشعبي، وهو يعلم أن الشعب جاهز لأي تغيير بعد عشر سنوات لم يجد فيها تحسينا لوضعه الاقتصادي وساهم الإعلام في تضخيم حالة الغضب ضد البرلمان.

فبدت خطوات سعيد وكأنه المخلص، وجاءت قراراته لتصحيح المسار أو لإنهاء أزمة التحارب داخل البرلمان، وعلقت شرائح من الشعب آمالا كبيرة عليه.

لكن مع مرور الأيام بدأت قطاعات كبيرة تفطن لكذب سعيد وأنه لا يمتلك خطة واضحة ولا نية لمحاربة الفساد فلم يضرب بيد من حديد كما قال على يد الجهات الداعمة للفساد.

ما هي الجهات الداعمة لقيس سعيد في الداخل والخارج؟

في الداخل يقف معه أولا اللوبيات المستفيدة من الفساد وعدم المحاسبة وعدم دفع الضرائب، فهؤلاء لا يريدون تغييرات وإصلاحات حقيقة.

وثانيا الإعلام وجزء كبير من النخب العلمانية ممن لا يفهمون المعنى الحقيقي للديمقراطية ويتصورون أنها تأتي بإقصاء الإسلاميين الذين يمثلون شريحة كبرى من الشعب التونسي والانتخابات منحتهم الأغلبية.

كما أن هناك من يقفون معه فقط لمحاربة حركة النهضة أو ما يسمونه بجماعات الإسلام السياسي.

وخارجيا يوجد محور الثورات المضادة، وعلى رأسه الإمارات والسعودية والسلطات الانقلابية في مصر، وهو لا يريد للربيع العربي أن ينتصر وينفذ انقلابات ويدعمها ضد الشعوب المتطلعة للديمقراطية والحرية.

قيس سعيد يقول إنه ينطلق في قراراته من الدستور، هل فعلا قراراته توافق الدستور؟

فقط قلة من حاشيته وبطانته من أقروا بذلك، لكن كل الأساتذة ومن عندهم باع في القانون الدستوري يفندون ذلك ويقولون إنه تفسير خاطئ للدستور على مقاسه وحسب فهمه هو.

 فالأمر لا يقتصر فقط على تونس، بل هناك حالة من الرفض الدولي لهذا التأويل.

موقف الجيش

ما هو موقف الجيش من الانقلاب ومن الأحداث في تونس عموما؟

على خلاف الجيش المصري الجيش في تونس هو جيش جمهوري ومحايد، وهو في حماية المواطن والوطن والإنسان والعلم والدستور .

أتصور أنه حين جاء قيس سعيد وقال أريد بالبلاد خيرا، امتثل الجيش له لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وشرائح كبيرة من الشعب خرجت مهللة بقراراته.

فالجيش وقف مع قراراته ظنا أن الرئيس يمشي في الطريق الصحيح، ولكن مع مرور الوقت يتضح زيف ذلك وعدم امتلاك سعيد رؤية أو قدرة على الإصلاح.

لماذا رجح الجيش الكفة نحو الرئيس المنتخب على حساب البرلمان المنتخب؟ 

لا يمكن أن نقول ترجيح كفة، ولكن هو امتثال من القوات المسلحة للقائد الأعلى فقط وإلى حد الآن لا يمكن أن نسميه انحيازا.

وأتصور أن قوات الأمن والجيش تحترم الإرادة الشعبية، مع أن هناك أيضا جزءا ربما من القوات العسكرية حاول منع المحتجين ووضع حواجز أمامهم لكن لم يتجاوز الأمر هذا ولم يقع استعمال مفرط للقوة.

ما نستاء منه هو المحاكمات التي أخذت طابعا عسكريا للمدنيين، فلا يجب للأمن أو القضاء العسكري أن ينخرط في لعبة محاكمات مدنيين تحت أي مسمى من المسميات.

ونحن ما زلنا نعول على أن يبقى الأمن محايدا وجمهوريا، لحماية الوطن ومؤسسات الدولة ودستورها، ولا يذهب للقمع كما كان الوضع قبل الثورة، خاصة والشعب منقسم انقساما كبيرا.

الانقسام الشعبي

هذا الانقسام يظهر أن هناك مؤيدين لقيس سعيد، فما حجم هذا التأييد حاليا؟

قيس سعيد يخسر من كانوا يعولون عليه أو يؤملون فيه كثيرا أو متفقون معه في البداية، فكل يوم ينزل من سفينته قبل أن تغرق عديد من الشخصيات والأحزاب والمناصرين، ومع مرور الوقت يعزل ويقف من جديد وحيدا هو وقراراته وثلة قليلة من المستفيدين من انقلابه.

ولا يمكن الاستهانة برافضي القرارات وهم يخرجون في الشارع بعشرات الآلاف للتظاهر ضد سعيد وقراراته، هذا إذا اعتبرنا أن الشارع هو من يحدد، وأن موازين القوى تحسم في الشارع، وأنا لا أظن ذلك كثيرا.

كيف تقيمين علاقات الأحزاب في تونس في ظل الحراك الحالي؟

لعل من بركات انقلاب قيس سعيد أنه وحد صف الديمقراطيين وصف الأحزاب وجعلهم يحاولون أن يشتغلوا في صف واحد ضد الانقلاب ولحماية الديمقراطية والدفاع عن مكتسبات الثورة.

وحاليا يعاد تشكيل المشهد السياسي وتجري عملية فرز ليس لمن يقف مع الثورة أو ضدها، لكن لمن يقف مع الديمقراطية ومع الدولة ومؤسساتها ومن مع الديكتاتورية والاستفراد بالسلطة.

ما تفسيرك لظهور كيانات جديدة في الشارع كحركة "مواطنون ضد الانقلاب" وغيرها؟ ومن يحرك الشارع حاليا؟

الشارع مثلما تحرك بعفوية خلال الثورة فهو يتحرك الآن بعفوية ضد انقلاب سعيد، لكنها عفوية في طريقها للتنظيم، ستتحول لحركة منتظمة على مستوى تونس العاصمة ثم باقي الجهات.

كما تعيد الأحزاب التي ربما أفلست حساباتها، من أجل إيجاد الحلول والاتحاد من جديد لمنع عودة الاستبداد والنظام القديم.

فربما "مواطنون ضد الانقلاب" ليست بالضرورة مظلة سياسية ولكن هي غطاء تجمع تحته كل الرافضين للمساس بالديمقراطية ومخرجاتها والمؤسسات الشرعية، وهذا هام جدا.

ما هي تصوراتك  للتصعيد القادم ضد الانقلاب؟

رغم أن قيس سعيد رافض للحوار والجلوس على مائدة التفاوض من أجل مصلحة البلاد فإن التونسيين اتسموا بالتعقل والحكمة ولم ينقادوا للعنف، خاصة وأن كل خطابات سعيد مشحونة وتدعو للعنف.

وأتصور أن حالة ضبط النفس لن تدوم طويلا. فمع غلق باب الحوار فإن الشعب سوف يجد حلولا وأشكالا أخرى للتفاعل، إضافة إلى اتساع رقعة الاحتجاجات في كل الجهات.

ونتمنى تجنب أي مظاهر تعمل على تمزيق النسيج المجتمعي أو تؤدي إلى سقوط ضحايا من التونسيين.

كيف أثر انقلاب قيس سعيد على الحقوق العامة في تونس؟

هناك أثر كبير؛ فرأينا عودة المحاكمات العسكرية لمدنيين، ومصادرات لحرية التعبير وتضييقا كبيرا وتراجعا عن حقوق الإنسان، وهي ثوابت لا يمكن المساس بها، ويجب مواصلة الدفاع عنها.

ماذا عن الوضع الاقتصادي في ظل الظروف الحالية؟

الوضع الاقتصادي هو المنسي الأول من هذا الانقلاب، وهناك سجال سياسي وتصفية حسابات على حساب الإصلاحات الاقتصادية.

فمن الوارد أن تعجز تونس عن دفع الأجور وتواصل الديون لمستويات غير مسبوقة، فالإصلاحيات أكثر من ضرورية، وإن لم يتم معالجتها فإن الشارع سوف ينتفض ليس بسبب سياسي، ولكن بسبب الجوع والفقر الذي ربما هو ما سيحد موازين القوى في المستقبل.

المرأة والانقلاب

ماذا قدمت الوزيرة سهام بادي للمرأة خلال توليها الوزارة؟

نحن جئنا في مرحلة التأسيس لمدة سنتين ولم تكن مدة كافية لنصنع برنامج خطة طويلة المدى، لكن أعدنا هيكلة الوزارة وضبطنا القوانين التي تحمي حقوق المرأة.

وحين تركنا الوزارة قدمنا كتابا فيه كل منجزاتنا، ولكن إعلام الثورة المضادة كان يعمل على ضرب كل ما أنجز من أجل تشويه الثورة التونسية وإنجازاتها لصالح الدولة العميقة والنظام القديم. 

ما هو وضع المرأة في ظل انقلاب قيس سعيد؟

المرأة محافظة على مكتسباتها لأنها لا تتأثر كثيرا بالوضع السياسي؛ فلديها من القوة والقدرة والتنظيم الذي يجعلها تدافع عن حقوقها ولا يجرؤ أي أحد أن يمسها، فلا مجال للخوف عليها لا بالأمس ولا اليوم أو الغد.

كيف تنظرين إلى دور المرأة في مواجهة الانقلاب؟

دور هام جدا جنبا إلى جنب ويدا بيد مع الرجل شيبا وشبانا، لأن هذا الانقلاب يحتاج منا مواجهة بقوة صفا واحدا والعمل بكل طاقة موجودة وفي أي موقع تأثير  للانتصار عليه.

الخروج من المأزق

ما هي رؤيتك للخروج من المأزق الحالي؟

ليست هناك إمكانية للإصلاح إلا بالرجوع إلى الشرعية، وليست هناك ديمقراطية بدون برلمان وبدون أحزاب وحياة سياسية سوية، فلا بد من العودة إلى المؤسسات، ومن داخلها لا بد من إجراء إصلاحات جذرية بكل المجالات.

ولا بد من الوصول إلى توافق على الأقل على الحد الأدنى الذي يتفق عليه كل الفرقاء السياسيين.

هناك دعوات لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، هل يستجيب قيس سعيد لها؟

الأمر لو يتعلق بقيس سعيد فهو لا يؤمن بالنظام السياسي الحالي ولا بالنظام الانتخابي، فهو جاء بالانتخاب وأدى اليمين على الدستور وانقلب عليهما فألغى البرلمان وعطل الدستور.

هو يريد أن يشكل نظاما سياسيا حسب وجهة نظره يعتمد على الاقتراع المباشر واللجان الشعبية والجهوية .

هناك من يتهمون المعارضة في الخارج بالعمالة والتمويل من دول خارجية كيف تردين على الاتهامات؟

الضغط في الخارج هام جدا لأنه يصنع رأيا عاما مخالفا للواقع، ونحن نريد فكرة حقيقة عما يجري، وأن نوضح الحقائق والتجاوزات الموجودة خاصة في مجال حقوق الإنسان والحريات.

ومن يتهمنا بالتمويل من الخارج هم أكثر ناس ممولين فعليا من دول خارجية تعادي الثورة ولا تريد لها أن تنجح، ومن يمتلك إثباتات عن هذا بيننا وبينهم القضاء يفصل في أي مخالفات ويحاسب المخالفين.