ليست بديلا للسعودية.. لماذا تدعم تركيا مشاريع وجمعيات في لبنان؟

مصطفى العويك | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التاريخية إلى لبنان في عام 2010 (كان حينها رئيسا للوزراء)، وجولته في مناطق سنية وسط استقبال شعبي كبير، والحديث لا يهدأ عن محاولات أنقرة الدخول إلى الساحة اللبنانية. 

وازداد الحديث عن هذا النفوذ عقب تراجع الدعم الخليجي للبنان في السنوات الأخيرة، ولحليف السعودية، رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، الزعيم السني الأكثر شعبية، الذي دخل الساحة السياسية بدعم سعودي مطلق، عقب اغتيال والده، رئيس الوزارء رفيق الحريري عام 2005. 

ومن المعلوم أن سبب الغضب الخليجي إزاء لبنان هو ذوبانه مع جماعة حزب الله في المحور الإيراني واصطفافه إلى جانب إيران على حساب دول الخليج في أكثر من موقف، منها اقتحام السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد عام 2016، والاعتداء على منشآت شركة "أرامكو" بواسطة طائرة مسيرة عام 2019.

وتصدر الحديث عن النفوذ التركي واجهة الأحداث في لبنان أخيرا، إثر الزيارة التي أجراها وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو" إلى بيروت منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، التي أتت عقب أزمة دبلوماسية بين لبنان والسعودية لم يألفها في تاريخه.

مع أن تشاووش أوغلو، أكد في مقال نشرته صحيفة "الجمهورية" اللبنانية على هامش زيارته، أن الأجندة الوحيدة لبلاده في لبنان هي إحلال السلام والأمن والاستقرار، داعيا الجميع إلى تقديم الدعم للحكومة اللبنانية من أجل إيجاد حلول للأزمات التي تواجهها البلاد.

وترجع الأزمة الحالية بين الرياض وبيروت إلى تصريحات لوزير  الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قال فيها إن "الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات"، الأمر الذي نددت به السعودية، وسحبت هي والإمارات والبحرين والكويت واليمن تباعا سفراءها من بيروت.

ويعاني لبنان منذ نحو عامين أزمة اقتصادية حادة تسببت بانهيار مالي، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، فضلا عن انقطاع الكهرباء عن المنازل والمؤسسات لساعات طويلة.

انفتاح تركي

بدأت الاتهامات توجه إلى تركيا بمحاولة شق طريق نفوذ لها في الشارع السني اللبناني، مع تنفيذها عددا كبيرا من المشاريع التنموية هناك، أبرزها مستشفى الحروق في مدينة صيدا عام 2010، والحملات الإغاثية والتنموية في أكثر من منطقة، إضافة الى دعمها بعض الجمعيات اللبنانية كجمعية الصداقة اللبنانية التركية، وعلاقاتها المميزة مع غالبية السياسيين السنة. 

وتصاعدت حدة الحملات عقب انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون خريف عام 2016، وازدادت ضراوة بُعيد انفجار الانتفاضة الشعبية ضد السلطة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، ودخول بهاء الحريري، شقيق الرئيس سعد الحريري على خط دعم الانتفاضة، وتسويق الدخول على أنه بإرادة ودعم تركيين، ومن ثم اتهام أنقرة بالوقوف خلف كثير من أعمال الشغب في مدينة طرابلس.

وفي سياق تلك الاتهامات، زعمت الصحفية اللبنانية نهلا ناصر الدين في تقرير لها منشور في يوليو/تموز 2020 على موقع "أساس ميديا"، أنه "وفقا لتقارير أمنية استقصائية، فإن خارطة العمل التركي في لبنان، تتشعب ضمن ثلاثة مسالك لخدمة هدف واحد، هو إمساك تركيا بملف الشمال اللبناني".

وادعت ناصر الدين أن "المسلك الأول أمني والثاني يشرف عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عبر قناة تواصل مع الجماعة الإسلامية، والثالث تتولاه السفارة التركية في بيروت، عبر دعم الجمعيات السياسية والأهلية.

بديل السعودية

ويرى روبرت رابيل، الباحث الأميركي من أصل لبناني في شؤون لبنان والشرق الأوسط،أن تركيا وطدت نفوذها على الساحة السنية عبر شبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني الموالية لها.

 وأضاف في مقابلة مع مركز "مالكوم كير-كارنيغي" تحت عنوان "وريثة العثمانيين"، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أن الطائفة السنية تعتبر تركيا الطرف السني الأقوى القادر على الوقوف في وجه حزب الله، وينعكس هذا التأثير في حقيقة أن الأعلام واللافتات التركية حلت محل الأعلام واللافتات السعودية في العديد من الأحياء السنية.

إلا أن كلام رابيل لا توجد مؤشرات فعلية تركية المصدر تؤكده، وحتى الساحة اللبنانية غير مهيئة لتطويره لاعتبارات تاريخية مفادها أن السعودية هي الداعم الأول والأكبر للدولة اللبنانية.

وهذا ما ذهب إليه الباحث والخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين في مقالته بصحيفة الأخبار اللبنانية، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حيث اعتبر أن الذين تحاول تركيا الاعتماد عليهم في لبنان، يفضلون الغطاء السعودي، بمن فيهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وأضاف أن تركيا ترغب في الحضور إلى الساحة اللبنانية عبر خطط الإصلاح التي تقدمت بها الحكومة اللبنانية، سواء المالية منها أو مشاريع الكهرباء، أو إعادة إعمار مرفأ بيروت، عبر المال القطري. 

وزعم أن المسؤولين الأتراك والقطريين يعتقدون أن هذه الصيغة قد تقنع واشنطن، وخصوصا أنها تبعد شبح المشاريع الإيرانية والروسية والصينية. 

 استثمار التناقضات

في المقابل، عملت بعض القوى السياسية على الاستثمار في الخلاف التركي– العربي، عبر تضخيم حملات إعلامية تتحدث عن التغلغل التركي في لبنان، مستغلة في ذلك الشعبية الهائلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين السنة. 

في طليعة هذه القوى حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، الذي يتزعمه جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، وكلا الفريقين يُكنّان عداء للنظام التركي، الأول بسبب التنافس التاريخي والديني والأيديولوجي بين أنقرة وطهران، والثاني بفعل حالة الكراهية المارونية للأنظمة السنية المحافظة وعدائها للدولة العثمانية. 

وقد توترت العلاقات اللبنانية التركية أكثر من مرة، بسبب مواقف المسؤولين المسيحيين، أشهرها تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون في سبتمبر/ أيلول عام 2019 عندما تحدث عن "محاولات التحرر من نير العثمانيين التي كانت تقابل بالقتل وإذكاء الطائفية، وإرهاب الدولة الذي مارسته الدولة العلية"، ما استدعى رداً من السفارة التركية في بيروت، والخارجية التركية أيضا. 

من جانبه رأى السياسي اللبناني خلدون الشريف أن النفوذ التركي في لبنان، إذا ما وجد، فإنه أقل بما لا يقاس من النفوذ الفرنسي على سبيل المثال، المرتكز إلى شبكة مدارس ومعاهد وجامعات ومستشفيات وسياحة وتجارة وصناعة ومصالح كثيرة. 

وأضاف الشريف لـ"الاستقلال" إن إضاءة البعض، (يقصد القوى السياسية المحلية)، وبطريقة غير واقعية، على المساعدات التركية، تصبح مفهومة إذا كانت وظيفتها استدراج أو استدعاء دولة الإمارات والسعودية لتقديم مساعدات أو دعم لشخصيات أو جمعيات لبنانية، فضلا عن رغبة أطراف محلية وإقليمية ودولية في شيطنة تركيا، ومن خلفها شيطنة أطراف لبنانية (السنة)، لأسباب تتعلق بكل طرف من هذه الأطراف على حدة.

وفي السياق يشير الكاتب التركي وأستاذ العلاقات السياسية سمير صالحة، في حديث لموقع "النشرة" في 29 يوليو/ تموز 2020، إلى أن جهات دولية تريد شن حملة ضد تركيا ومصالحها في لبنان، عبر توجيه اتهامات ذات طابع سياسي، ومحاولات لتقديم خدمات إلى بعض اللاعبين الإقليميين.

وأشار صالحة إلى أن هذا الجهات تريد القيام بعملية تصفية حسابات مع تركيا على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يؤكد أنه لن ينفع لأن أنقرة لن تدخل في مواجهة من هذا النوع.

في حين اعتبر الكاتب اللبناني  سامر زريق أن "النفوذ التركي في لبنان ما هو إلا سراب". 

وقال زريق لـ"الاستقلال": هنالك عاطفة سنية جياشة تجاه الدولة التركية، تنطلق من عوامل كثيرة، دينية وتاريخية وثقافية ووجدانية، حيث ثمة الكثير من العوائل اللبنانية ذات جذور عثمانية تفاخر بها، لكن لا فعالية سياسية لذلك. 

وأوضح أن حالة "التيه" السياسي التي يعاني منها السنة في لبنان، بسبب اضمحلال تأثير ممثليهم في العملية السياسية، دفعت السنة إلى توجيه أنظارهم إلى الخارج، فانبهروا بالرئيس أردوغان، صاحب الكاريزما الهائلة، والخطاب السياسي القوي، ولإعادته الاعتبار إلى الثقافة الإسلامية كهوية جامعة لجميع المسلمين في عز اشتداد الحملة على الإسلام.

وأكد على أن سنة لبنان هم الذين يطالبون الدولة التركية بالعمل على الساحة السياسية المحلية. 

 فأنقرة لديها أجندة سياسية مزدحمة للغاية، تبدأ في البلقان، وتمر في القوقاز والبحرين الأسود والمتوسط وتصل إلى إفريقيا، ولبنان يأتي في آخر هذه الأجندة، وفق زريق.