أردشير زاهدي.. دبلوماسي إيراني سقط مع "الشاه" ثم أيد نظام المرشد الأعلى

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"أنا فخور بقاسم سليماني (قائد فيلق القدس السابق) وسأبقى فخورا" بمثل هذه التصريحات كان وزير الخارجية الإيراني الأسبق أردشير زاهدي، يثير الجدل من منفاه في سويسرا التي لجأ إليها عام 1979، بعد أن كان آخر سفراء طهران لدى الولايات المتحدة إبان عهد الشاه (الملك) محمد رضا بهلوي.

أردشير زاهدي وافته المنية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن عمر ناهز الـ93 عاما بعد صراع طويل مع المرض، وذلك في محل إقامته بمدينة مونترو غرب سويسرا، حسبما ذكرت وسائل إعلام إيرانية.

مثير للجدل

كان أردشير زاهدي قد أثار الكثير من الجدل بمواقفه الداعمة للنظام الإيراني في السنوات الأخيرة، خاصة منذ عملية اغتيال قاسم سليماني في 5 يناير/كانون الثاني 2020 بطائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي.

وهاجم أردشير زاهدي بحدة السياسات الأميركية ضد إيران خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، عبر مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 11 يونيو/ حزيران 2021، عارض خلاله العقوبات التي فرضتها واشنطن ضد بلاده.

وقال زاهدي إن "سياسة البلطجة الأميركية تجاه إيران لن تنجح"، محذرا من تحول المنطقة نحو الفوضى كما حصل في العراق، بالقول: "نحن لا نريد مشاهدة عراق آخر في المنطقة، ذلك أن الغزو الأميركي لتلك البلاد تحول إلى فوضى".

وأضاف الدبلوماسي الإيراني الأسبق أن "على الولايات المتحدة أن تكون على علم أفضل بتاريخ إيران وشعبها، وأن سياسة البلطجة نادرا ما تنجح ولن تنجح أبدا في مواجهة طهران".

وشدد على أن "إيران لم تنحن ولن تنحني أبدا للأجانب وظلت دائما متحدة في مواجهتهم"، مشيرا إلى أن "خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي 2015) التي وقعتها الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى الصين وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا، خطوة رئيسة نحو السماح لطهران بالعودة إلى الدبلوماسية والتجارة في الساحة الدولية".

ورأى زاهدي أنه "ليس من حق الولايات المتحدة أن تهدد بسحق بلدي، وإذا كان لدى شخص ما خطة لتغيير النظام عليه أن لا يتسلم أموالا من الدول العربية أو إسرائيل أو المخابرات الأميركية، وأن من لديه مثل هذه الخطة فليعلنها للشعب".

وخلال مقابلة مع قناة "بي بي سي" البريطانية، أجراها زاهدي في أبريل/نيسان 2020، قال: "لست مدافعا عن الجمهورية الإسلامية (بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي)، لكن أشعر بفخر عندما أسمع أن إيران أطلقت قمرا صناعيا عسكريا إلى الفضاء، وأن الحرس الثوري أسقط طائرة أميركية معتدية، كما أشعر بفخر باللواء سليماني أيضا الذي قدم دمه دفاعا عن البلد".

وشن زاهدي في عام 2019 هجوما لاذعا على المعارضة الإيرانية في الخارج، واصفا قادتها بـ"الخونة" و"الفاسدين" الذين يعملون ضد مصلحة شعبهم، حيث جعلت هذه التصريحات وغيرها اسم الدبلوماسي السابق يتصدر الصحف والأخبار المعنية بالشأن الإيراني بعد أربعة عقود من انتهاء العهد البهلوي.

وفي حوار مع صحيفة "جام جم" الحكومية الإيرانية، قال زاهدي: "أتشرف بانتمائي إلى إيران التي شهدت تطورا كبيرا على مدى السنوات الأخيرة في كافة المجالات، من دون الحاجة إلى الدول الأجنبية، وأن الولايات المتحدة غير قادرة على تركيع إيران".

صهر الشاه

أردشير زاهدي المولود عام 1928 في طهران، تخرج بمدرسة أميركية في بيروت وذهب إلى جامعة ولاية يوتا ونال البكالوريوس في الهندسة الزراعية عام 1949.

وأثناء وجود أردشير زاهدي في الولايات المتحدة الأميركية، التقى بمحمد رضا شاه بهلوي لأول مرة بصفته ممثلا للطلبة الإيرانيين في ولاية يوتا الأميركية.

وهو ابن قائد الجيش الإيراني الأسبق فضل الله زاهدي، الذي كان رأس حربة "الانقلاب الأميركي البريطاني" الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق في العام 1953، حيث تولى رئاسة الوزراء حينها.

عبدت مكانة والده ودوره في ترسيخ دعائم الأسرة المالكة بعد قيادة الانقلاب العسكري على مصدق، الطريق أمام أردشير زاهدي للزواج من الأميرة شهناز، الابنة الكبرى للشاه محمد رضا بهلوي من زوجته المصرية فوزية.

وضاعف حفل الزفاف الذي جرى في عام 1957 أواصر العلاقة بين العائلتين ليصبح زاهدي الصهر الشاب الأكثر قربا واتصالا بالعائلة المالكة وشخص الشاه نفسه.

ورغم أن هذا الزواج لم يستمر طويلا حيث انتهى بالطلاق عام 1964، فإن العلاقة بين أردشير زاهدي ومحمد رضا شاه لم تتكدر، وبقيت كما كانت في السابق، ويؤكد ذلك حضور الشاه وزوجته فرح بهلوي حفل زواجه الجديد الذي عقد في العام نفسه الذي طلق فيه الأميرة شهناز.

ولعب زاهدي عندما كان مسؤولا لشؤون الطلبة الإيرانيين في الخارج دورا محوريا في زواج محمد رضاه شاه بفرح ديبا التي كانت طالبة في فرع الهندسة المعمارية.

وقد تكون الإمبراطورة فرح هي صاحبة الفضل في بقائه بالقرب من صناع القرار بعدما أسدى لها من معروف وتوسط لزواجها من شاه إيران.

وفي عام 1959 عين زاهدي سفيرا لإيران في واشنطن وهو موقع ذو أهمية وحساسية بالغة نظرا إلى العلاقات الوطيدة بين الجانبين في ذلك الوقت، وماهية الأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتق من يجري تعيينه بذلك المنصب.

كما عين مسؤولا عن شؤون الطلبة الإيرانيين في الخارج، وبصفته سفيرا لإيران ومسؤولا لشؤون طلبة الخارج راح زاهدي يعقد الاجتماعات واللقاءات مع الطلبة من مختلف التوجهات.

الرجل الثاني

وبمرور الوقت أصبح نفوذ أردشير زاهدي يزداد يوما بعد آخر، وقد وصفته الصحف الأميركية آنذاك بأنه "الرجل الثاني في إيران". إلا أن هذا النفوذ والسلطة لم يستمرا طويلا للصهر المدلل، حيث أُعفي من منصبه بعد ثلاث سنوات.

وفي العام نفسه 1962، أمر الشاه محمد رضا بهلوي بتعيين صهره أردشير زاهدي سفيرا جديدا لطهران في المملكة المتحدة واستمر في هذا المنصب قرابة أربعة أعوام، ثم عزل مرة أخرى عام 1966 هو وعدد آخر من السفراء الإيرانيين بعد أن ثبت أن تنصيبهم يتعارض مع ضوابط وقوانين وزارة الخارجية.

وبعد ذلك بعام واحد، جرى تكليف زاهدي في منصب أكثر خطورة وحساسية، فقد عينه رئيس الوزراء الإيراني الأسبق، أمير عباس هويدا، وزيرا للخارجية ليقودها لفترة أربع سنوات استمرت منذ 19 يناير/كانون الثاني 1967 وحتى 13 سبتمبر/أيلول عام 1971.

وخلال هذه الفترة سعى زاهدي جاهدا لتعزيز مكانة إيران الدولية، وكذلك توثيق العلاقات مع الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تربطه بها علاقات جيدة منذ أن كان سفيرا لبلاده في واشنطن.

وقد حقق عددا من المكاسب والإنجازات الدبلوماسية مع واشنطن، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمساعدات العسكرية والاقتصادية.

كما حاول زاهدي خلق نوع من التوازن في العلاقات بين إيران والاتحاد السوفييتي الذي يملك حدودا طويلة مع إيران إلا أنه وبسبب العقيدة الشيوعية للاتحاد لم تتطور العلاقات السياسية كثيرا بين البلدين واقتصرت إلى حد ما على الجوانب الاقتصادية وعسكرية.

وقد أبرم الجانبان أثناء فترة تولي زاهدي لوزارة الخارجية اتفاقية تقرر بموجبه أن يقدم الاتحاد السوفييتي معدات عسكرية وأسلحة تبلغ قيمتها 110 ملايين دولار مقابل الحصول على الغاز الطبيعي.

وأثناء عمله كوزير للخارجية بدأت رقعة الخلافات تتسع بينه وبين رئيس الوزراء أمير عباس هويدا، وحاول أن يعمل على عزل الأخير من منصبه بعد اتهامه لدى الشاه بعدم إخلاصه للعائلة المالكة.

وهو الأمر الذي قاد رئيس الوزراء الإيراني إلى عزله من منصب وزارة الخارجية في 13 سبتمبر/ أيلول 1971.

بعد إعفاء أردشير زاهدي من منصبه وزيرا للخارجية لأسباب مختلفة، عين من جديد ليكون سفيرا لإيران في الولايات المتحدة، وبقي في هذا المنصب حتى نهاية حكم الأسرة البهلوية وسقوطها على يد الثورة الإيرانية عام 1979.

وفي السنوات الأخيرة من عهد الشاه كان زاهدي من أكثر الشخصيات الإيرانية نشاطا، وكثير التنقل بين واشنطن وطهران حيث قدم بشكل منظم التقارير إلى الشاه ليشرح له آخر المواقف الأميركية تجاه الوضع في إيران، كما عقد باستمرار لقاءات مع مسؤولين وصناع قرار أميركيين.

وانشغل زاهدي في الأيام الأخيرة من العهد الملكي في إيران بتوفير مكان آمن لإقامة الشاه خارج إيران بعد أن توصل إلى استحالة بقائه داخلها في ظل تصاعد الاحتجاجات الرافضة لحكمه.

بعد سقوط نظام الشاه ترك أردشير زاهدي السفارة الإيرانية في واشنطن وبقي لفترة قصيرة يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، ثم انتقل بعدها إلى بيت لأبيه في سويسرا ليستقر به المقام هناك حتى وفاته.