"فضيحة كبرى".. من المستفيد ببيع شهادات جامعية لبنانية للعراقيين؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جدل كبير فجرته قضية "تزوير" و"بيع" شهادات الدراسات العليا من الجامعات اللبنانية للعراقيين، والذي دفع وزارة التعليم العالي في العراق إلى إصدار قرار يقضي بإيقاف الاعتراف بالدراسة عن بعد "أونلاين"، وكذلك تعلق التسجيل في ثلاث جامعات لبنانية خاصة.

وعلى إثر هذه القضية، توعد وزير التربية والتعليم اللبناني عباس الحلبي بملاحقة مزوري شهادات دراسات عليا في لبنان لآلاف الطلبة العراقيين، "في حال ثبوت ذلك"، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عنه في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

بيع للشهادات

قضية بيع الشهادات للعراقيين، كشفتها صحيفة "المدن" اللبنانية في 25 أغسطس/آب 2021، لكنها أعادت نشر تقرير آخر في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه تحت عنوان "فضيحة الشهادات المباعة للعراقيين تتوسع: 10 آلاف دولار للدكتوراه".

وأوضحت الصحيفة أن "عدد الشهادات المباعة يصل إلى نحو 27 ألفا، حصل عليها طلاب عراقيون عاديون أو أبناء نافذين في العراق، ونالها أيضا مسؤولون ونواب".

وأضافت أن "العمولة التي يتقاسمها الشخص اللبناني مع مسؤولين عراقيين في بيروت تصل إلى نحو 5 آلاف دولار عن كل طالب ماجستير، و10 آلاف دولار عن كل طالب دكتوراه".

وفي تقريرها السابق ذكرت الصحيفة أن الأمر يأتي بفعل انهيار العملة في لبنان وحاجة من وصفتهم بـ"الدكاكين الجامعية"، في إشارة إلى جامعات لبنانية خاصة، للدولار الطازج.

إذ يستطيع الطالب العراقي الحصول على الشهادة الجامعية حتى من دون عناء السفر إلى لبنان.

وأوضحت أن ظاهرة غريبة تحدث في وزارة التربية، التي تتدفق عليها طلبات كثيرة لطلاب عراقيين لنيل الشهادة الجامعية من بعض "الجامعات الدكاكين" في لبنان، حتى أن عدد الطلاب المسجلين وصل إلى 24 ألف طالب عراقي معظمهم لم يزر بيروت حتى، ويتابعون دروسهم من بعد.

ونوهت الصحيفة إلى أن ظاهرة بيع الشهادات من دون حضور الطالب حتى ليوم واحد إلى الجامعة في لبنان بدأت ببعض الطلاب العراقيين وتوسعت مع الوقت لتصبح بابا للتجارة بالشهادات في هذه الأيام، وخصوصا في السنتين الفائتين (2019-2020)، بذريعة كورونا.

وأشارت إلى أن "ظاهرة تخرج الطلاب في بعض الجامعات كانت ملفتة، ولم يحضر أي طالب منهم إلى دوائر الوزارة لتعديل شهادة الثانوية العامة، كي يتسنى له التسجيل في الجامعات اللبنانية، بل يقوم سماسرة بكل هذه الأمور اللوجستية".

وكشفت الصحيفة أن "مسؤولين عراقيين توسطوا لدى بعض الوزراء والشخصيات النافذة في لبنان لتسهيل أمور الطلاب العراقيين لاستقطاب المزيد منهم، خصوصا أنهم يزودون البلد بالعملة الصعبة، وذلك بعد صدور قرار يلزمهم بالحضور إلى البلد".

وأوضحت أن ملف الطلاب العراقيين له وجهان. الإيجابي يتمثل في اختيارهم لبنان وتخرجهم منه ومد الجامعات بالعملة الصعبة، حتى أن جامعات دربت عراقيين إداريين عبر تمويل من برنامج "اليو أس أيد" لتسلم إدارات الدولة هناك، وبعض الجامعات تخرج الطلاب نظاميا ولا يوجد أي شائبة عليها.

لكن الوجه السلبي هو استغلال البعض الفساد المستشري واستعماله كباب للتجارة.

قرارات عراقية

السلطات العراقية لم تتفاعل مع قضية ما بات يعرف إعلاميا بـ"فضيحة بيع الشهادات" إلا بعدما تناولها الإعلام المحلي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وذلك بالتزامن مع الانتهاء من الانتخابات وحل البرلمان لدورته السابقة، وترقب تشكيل حكومة جديدة.

وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قرارات تقضي بإخضاع الرسائل والأطروحات للطلبة العراقيين في الخارج لعملية الاستلال الإلكتروني (التحقيق من أصالة الموضوع)، وإخضاع الدارسين على النفقة الخاصة لتقييم علمي وعرضهم على اللجان العلمية.

 كما تقرر تعليق الدراسة في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم والجامعة الإسلامية وجامعة الجنان في لبنان.

لم تعلن وزارة التعليم في العراق عن الإجراءات المتخذة بحق الشهادات المبيعة التي وصلت إلى 27 ألفا، ولم توضح سير التحقيق في ملابسات الموضوع.

بل اكتفت على لسان حازم باقر المدير العام لدائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي بقرار "إيقاف المباشرة الإلكترونية للطلبة الدارسين بالخارج".

وأكمل الخبر الذي نشرته جريدة الصباح العراقية الرسمية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن إيقاف المباشرة الإلكترونية "جاء بعد حدوث انفراجة بوضع جائحة كورونا".

وأكد حازم باقر أن "التعليم العالي لا تعترف بالدراسة فقط عن بعد بشكل كامل، وتم التعامل مع هذا الأمر فترة جائحة كورونا".

كما تحدث عن اعتراف وزارة التعليم العالي بالدراسة عبر منصات الإنترنت خلال جائحة كورونا، مبينا أن "الطلبة الذين درسوا أونلاين في العام 2020 معترف بدراستهم وفتراتهم معتمدة ومحتسبة".

قرار إيقاف المباشرة الإلكترونية الذي عمم على السفارات والملحقيات الثقافية العراقية، يقر في الوقت ذاته باعتراف الوزارة بالشهادات التي حصل عليها الطلبة عبر التعليم الإلكتروني العام 2020، ما يعني أن الشهادات التي وصل عددها إلى 27 ألف شهادة قد تجد لها طريقا للاعتراف بها تحت هذا البند.

من جانبه، توعد وزير التربية والتعليم اللبناني عباس الحلبي، بملاحقة مزوري شهادات دراسات عليا في لبنان لآلاف الطلبة العراقيين، "في حال ثبوت ذلك".

وقال: إن "الطالب والجامعة والوسيط (السمسار) سيلاحقون قانونيا إذا ثبتت عملية تزوير الشهادات"، معتبرا أنه "من غير المقبول التفريط بسمعة الجامعات اللبنانية وشهاداتها العريقة".

وأضاف الحلبي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن "تزوير الشهادات هو جرم جنائي بإمكان الوزارة ملاحقته جزائيا، فضلا عن العقوبات المسلكية التي تتضمن الغرامات المالية، والتي تصل إلى حد إقفال الجامعة المتواطئة وعدم الاعتراف بها".

توقيت لافت

لكن تأخر تحرك السلطات العراقية بخصوص قضية بيع الشهادات إلى ما بعد حل البرلمان العراقي نفسه في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أثار تساؤلات بخصوص أسباب ذلك، والجهات المستفيدة والمتضررة من الصمت الحكومي وإثارة الموضوع في الوقت الحالي.

وفي حديث خاص لـ"الاستقلال" قال مصطفى أحمد أحد طلبة دراسة الماجستير في جامعة الجنان اللبنانية الخاصة، إن "موضوع بيع وتزوير الشهادات من جامعات لبنانية للعراقيين غامض، وإن توقيت إثارته في الوقت الحالي أيضا يثير الكثير الشكوك".

وأوضح أحمد أن "الإعلام العراقي لم يشخص الخلل والجهات التي تقف وراء بيع الشهادات والمستفيدين منها، وإنما شيطن الدراسة بشكل عام في لبنان والتي تعتبر من أرقى الجامعات في العالم العربي وتحتل المرتبة الثالثة بعد قطر والإمارات من حيث الرصانة".

وتابع: "على ضوء ما أثارته وسائل الإعلام العراقية عن تزوير وبيع 27 ألف شهادة، أصبحت وزارة التعليم العالي في العراق محرجة أمام الرأي العام، وبذلك أصدرت قرارات فوضوية تقضي بإيقاف الدراسة أونلاين وتعليق التسجيل في جامعات لبنانية خاصة".

ورأى طالب الدراسات العليا أنه "إذا توصل الإعلام العراقي إلى هذا الرقم (27 ألفا)، أفترض أن لديه أسماء الجامعات التي صدرت عنها هذه الشهادات، والشخصيات التي حصلت عليها، ولذلك لا بد أن يتحرك الادعاء العام والجهات المسؤولة في وزارة التعليم العالي لكشف المزورين أمام الرأي العام العراقي".

وبين الطالب العراقي أن "إثارة الموضوع في هذا التوقيت مقصود لإيقاف الدراسة في لبنان، وذلك بعدما حصل نواب في البرلمان العراقي ومسؤولون على شهادتي الدكتوراه والماجستير، وأن من وقع ضحية القرار هم الطلبة الراغبون بالدراسة بشكل أصولي".

وتساءل أحمد قائلا: "لماذا فقط لبنان، فالكثير من الشبهات تدور حول الدراسة في الجامعات الإيرانية بأنها تمنح الماجستير والدكتوراه لمسؤولين عراقيين دون أي رصانة علمية وبطريقة فوضوية".

وتابع: "إذا كانت السلطات العراقية تمتلك أدلة عن بيع وتزوير هذا العدد الكبير من الشهادات فعليها أن تحاسب المتورطين، لا أن تصدر قرارات تنهي مستقبل الآلاف، والذي يدل على حالة إرباك وردة فعل جاءت ردا على حديث وسائل إعلام تمتلكها جهات سياسية عراقية لديها مناكفات خاصة".

وخلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قال الكاتب العراقي صادق الطائفي: "يبدو أن مستويات الفساد وضغوط الفاسدين وصلت مديات غير مسبوقة في عراق اليوم، وقد تم الالتفاف على منظومة القوانين الضابطة لموضوع الدرجات العلمية والأكاديمية في العراق".

وتابع: "تشير ملفات معادلة الشهادات في العراق إلى حصول 50 نائبا من نواب البرلمان المنتهية ولايته على شهادات عليا عام 2019 فقط".

وتابع: "يبدو أن الالتفاف على سياسات دائرة البعثات، وقرارات دائرة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي العراقية جاء من جهات عراقية نافذة، كالبرلمان العراقي".

وذكر أن "البرلمان مرر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 قانونا سمح للنواب والوزراء والدرجات الخاصة بالدراسة أثناء مدة إشغالهم وظائفهم، ومنح القانون المصوت عليه ألقابا علمية وأكاديمية خارج ضوابط التعليم العالي".

من المستفيد؟

وفي السياق ذاته، قال الباحث العراقي باسل حسين رئيس مركز (كلواذا) للدراسات عبر "تويتر" في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن "عدد الشهادات المباعة يصل إلى نحو 27 ألف شهادة، حصل عليها طلاب عراقيون عاديون أو أبناء نافذين في العراق، ونالها أيضا مسؤولون ونواب عراقيون. أجزم أن هذه الفضيحة سوف تطمس عراقيا".

من جهته، تساءل الصحفي العراقي إياد الدليمي عبر "تويتر" في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "من اعترف بهذه الجامعات وقبل بمعادلة شهادتها؟"، وأجاب قائلا: "وزارة التعليم التي هي جزء من منظومة فساد الحكومات".

وأشار الدليمي إلى أن "الجامعات الأهلية في العراق هي الأخرى بحاجة إلى إعادة تقييم أكاديمي؟ كل مطلع على واقع تلك الجامعات يعرف أنها عبارة عن مشاريع استثمارية يملكها ساسة وقادة أحزاب وفصائل مسلحة، تمنح شهادات مقابل المال وهي شهادات تعترف بها وزارة التعليم".

وطالب الصحفي والأديب جمال المظفر عبر "تويتر" في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 "الجهات المعنية بنشر أسماء من حصلوا على شهادة الدكتوراه المزورة من لبنان دون محاباة لهذه الشخصية أو تلك، لأنها مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية".

وأضاف المظفر، قائلا: "سنضحك كثيرا على بعض الشخصيات الكرتونية التي حاولت استغفال الشعب بشراء شهادات مقابل المال دون حياء أو خجل"، في إشارة إلى مسؤولين في الدولة العراقية".

ونشر الكاتب والمدون العراقي عماد الملا على "تويتر" في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 صورتين إحداهما لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وأخرى لأمين عام مجلس الوزراء حميد الغزي.

وغرد متهكما: "هذا فائق زيدان أيضا حاصل شهادته من لبنان يؤبرني، وهذا حميد الغزي أيضا دكتوراه بالباذنجان من لبنان".

وكذلك نشرت قنوات إخبارية عراقية على "تلغرام" صورا لمحافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب مخيف، قال إنه مزور شهادة الدكتوراه من إحدى جامعات لبنان، على حد قولها.

وكان لافتا أن المسؤولين العراقيين الذين انتشرت صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد فضيحة تزوير وبيع الشهادات، جميعهم قد حصلوا على الدكتوراه من الجامعة الإسلامية اللبنانية التابعة للمجلس الإسلامي الشيعي في لبنان.

وبعد قرار وزارة التعليم العراقية وقف التعامل مع الجامعة الإسلامية في لبنان، عينت الجامعة رئيسا جديدا لها هو حسن اللقيس خلفا لرئيستها السابقة دينا المولى.

وبحسب ما نشرت صحيفة "المدن" اللبنانية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أجرى تحقيقا في الجامعة عقب القرار العراقي، أفضى إلى إقالة المولى وأربعة رؤساء أقسام في الجامعة.