في زيارة "غانتس" إلى الرباط.. هذه أسباب ربح إسرائيل وخسارة المغرب

12

طباعة

مشاركة

لا حديث في الصحافة الإسرائيلية إلا عن زيارة "استثنائية" لوزير دفاعها بيني غانتس إلى المغرب، مقابل ترويج محتشم لنفس الزيارة من طرف حكومة الرباط، وكذا على مستوى إعلام المملكة.

الزيارة في حال إتمامها تشكل "انقلابا" على ما أعلنه القصر الملكي المغربي في ثلاثة بيانات تلت عملية التطبيع نهاية عام 2021، والتي أكد من خلالها أن خطوات التطبيع المغربية ستكون "في حدود ما قبل إغلاق مكتب الاتصال في 2002".

تعاون أمني

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، غانتس، عن زيارته للمغرب خلال الأيام القليلة المقبلة، بحسب ما نشره عبر صفحاته الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال غانتس: "سأقوم بزيارة سياسية وأمنية جد مهمة للمغرب خلال الأسبوع المقبل، في هذه الزيارة سأوقع على اتفاق تعاون على المستوى الأمني، كما سأعقد لقاء مع وزيري الدفاع والخارجية المغربيين".

وأفاد غانتس بأن "هذه الزيارة محطة مهمة في إطار اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وبين دول المنطقة، حيث تكفل الاستقرار والأمن، والازدهار الاقتصادي".

الزيارة المرتقبة، تعد أول زيارة يقوم بها وزير دفاع في إسرائيل للمغرب، منذ ظهور كيان الاحتلال، ومنذ عودة العلاقات في ديسمبر/كانون الأول 2020.

ووفق تقارير صحفية، فإن الزيارة ستستمر يومين، 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وكان وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة قد أعلن قبل في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن زيارة محتملة لوزيري الاقتصاد عمير بيرتس، والدفاع غانتس، للمغرب دون أن يحدد موعدها.

من جهتها، أوضحت صحيفة "الإسبانيول" أن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى المغرب ستشمل توقيع اتفاقيات أمنية واستخباراتية بين الطرفين.

وذكرت أن غانتس سيوقع رفقة الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني بالمغرب، عبد اللطيف لوديي، اتفاقية تفاهم تحدد شروط التعاون في مجال الدفاع.

وعددت الصحيفة أوجه التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري بين الطرفين، وخلصت إلى أنه يصل لـ"إنشاء قاعدة عسكرية" بإقليم الناظور في أقصى شمال المغرب. 

ووفقا لتقارير صحفية دولية، تتفاوض إسرائيل مع المغرب على بيع نظام "القبة الحديدية" المضاد للصواريخ المعروف، والذي يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليه خلال هذه الزيارة.

وفي غياب أي تأكيد رسمي فإن المغرب، بحسب إعلام عبري، يسعى إلى تطوير صناعة وطنية لإنتاج طائرات بدون طيار.

"أكبر من أبراهام"

هذه التطورات الكبيرة في الموقف المغربي من إسرائيل، وصفتها الصحافة الإسبانية وتحديدا "الإسبانيول" بأنها "تجاوزت بشكل كبير اتفاقات أبراهام" (الذي وقعته كل من الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل عام 2020).

المغرب من جانبه كان في كل مرة يسجل أن اتفاقات تطبيعه مع الكيان الإسرائيلي لا علاقة لها بمسار "اتفاقات أبراهام"، ففي ديسمبر/كانون الأول 2020 أعلن الوزير بوريطة في تصريح لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن علاقات بلاده بإسرائيل "كانت طبيعية حتى قبل اتفاق التطبيع".

وقال بوريطة: "من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع، لأن العلاقات كانت أصلا طبيعية، نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقا، لأن العلاقة كانت قائمة دائما ولم تتوقف أبدا".

وكان الاتفاق الثلاثي بين الرباط وواشنطن والكيان الإسرائيلي الذي جرى توقيعه عام 2020 قد أقر بتطبيع علاقات المغرب والكيان العبري كأساس لاعتراف أميركا بسيادة الصحراء.

الحرص المغربي على أن تطبيعه محدود، ورد في بيان للديوان الملكي الصادر في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، ربط فيه المغرب بين اعتراف أميركا بمغربية الصحراء، وقيد خطواته التطبيعية، التي أعلن أنها مع المغاربة اليهود، وأكد أنه ليس على حساب حقوق فلسطين.

والتزم المغرب، بحسب البيان، بثلاث خطوات "تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية في أقرب الآجال".

وأخيرا، تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. ولهذه الغاية، العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002".

لكن الوقائع توضح بأن الرباط، تماما كما تقول الصحافة الدولية، تجاوزت "نص بيان" الديوان الملكي، وانتقلت إلى مستويات "غير متوقعة" من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، في ظل حديث عن كون المغرب "أول" دولة عربية تبرم اتفاقا "أمنيا" مع إسرائيل.  

"إسرائيل" والصحراء

واحدة من القضايا التي رفعتها سلطات المغرب في وجه معارضي التطبيع، كانت قضية "الوحدة الترابية" (إقليم الصحراء الغربية)، فبحسب الرواية الرسمية، فتطبيع العلاقات "المحدود"، يساوي اعترافا أميركيا بمغربية الصحراء.

وتوظف الرواية الرسمية بيان الديوان الملكي، الذي قال إن "الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) أخبر الملك (محمد السادس) بأنه أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها بسيادة المملكة الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية".

وفي حديث مع "الاستقلال"، أوضح أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، إسماعيل حمودي، أن "المغرب استفاد على مستويين من الاتفاق الثلاثي، فعلى المستوى السياسي أميركا اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه وهذا حرر الرباط في علاقتها مع جميع الدول المرتبطة بهذا الملف، سواء الاتحاد الأوروبي أو غرب وشمال إفريقيا".

أما المستوى الثاني، يضيف حمودي، فيتمثل في الأثر العسكري للاعتراف، حيث "أصبح بمقدور المغرب استعمال السلاح الأميركي داخل إقليم الصحراء، وهو ما رجح كفة المغرب في علاقته مع جبهة "البوليساريو"، وأدخل العلاقة مع الجزائر إلى دائرة غير مسبوقة من التوتر والتصعيد".

بخلاف الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، نشر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، خريطة تظهر الصحراء "مفصولة" عن المغرب.

نتنياهو الذي ظهر متفاخرا في 26 ديسمبر/كانون الأول 2002 باتصاله مع العاهل المغربي، في شريط فيديو قصير نشره على حساب رئاسة الوزراء بـ"تويتر".

وقال نتنياهو: "هذه هي البداية لصداقة رائعة مع المغرب"، كما ظهر علم الأخيرة إلى جانب علم الاحتلال الإسرائيلي في الفيديو، بينما أظهرت الخريطة أن الصحراء منفصلة عن المغرب، وهو ما أثار غضب مواطنين مغاربة وسط صمت رسمي عن ذلك.

وفي موقف أكثر وضوحا، أعلن مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، ديفيد غوفرين، أن الكيان الإسرائيلي غير معني بالاعتراف بمغربية الصحراء، وأن الكيان "يدعم مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع".

وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية "إفي"، في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال غوفرين: "بما أن إسرائيل دولة ديمقراطية تساند كل قرار سلمي للنزاع، إسرائيل مبدئيا تؤيد المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية بالنزاع، الأساس هو إيجاد حل سياسي سلمي لكل النزاعات".

موقف الكيان الإسرائيلي من مغربية الصحراء، وإن كان غير مطلوب من قبل الرسميين المغاربة، لكن تصرفات مسؤولي الكيان وتصريحاتهم حول النزاع تعزز الشكوك بأن "المغرب هو الخاسر الأكبر" من الاتفاق الثلاثي.

مناهضو التطبيع

مناهضو التطبيع في المغرب استبقوا هذه الزيارة برفع دعوى قضائية ضد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، لدى النيابة العامة المغربية؛ بتهمة قتل أربع فتيات مغربيات خلال العدوان الأخير على قطاع غزة (في مايو/أيار 2021).

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تقدم المحامون، عبد الرحمن بن عمرو وعبد الرحيم الجامعي وعبد الرحيم بنبركة، وخالد السفياني، بمذكرة أمام النائب العام بالرباط بشأن "جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية" التي اقترفها "ابن شبات"، والتي أدت إلى استشهاد عدد كبير من الأطفال ضمنهم أربع مغربيات.

و"ابن شبات"، هو من وقع اتفاقيات التطبيع عن الجانب الإسرائيلي مع الحكومة المغربية، ومهندس "الاتفاقات الإبراهيمية"، كان يدير غرفة العمليات إلى جانب نتنياهو ورئيس أركان جيش الحرب، أفيف كوخافي.

وفي تعليله على الزيارة المرتقبة، قال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، أحمد وايحمان، إن "زيارة ما يسمى وزير الأمن الصهيوني لبلادنا هي من أخطر المحطات في الاختراق الصهيوني".

وشدد وايحمان، في حديث مع "الاستقلال"، على أن "ما يزيد من خطورة الزيارة أنها تأتي في سياق تداول أخبار عن مشروع اتفاق لبناء قاعدة عسكرية صهيونية بمدينة الناظور (شمال)، وفي سياق التصعيد بين المغرب والجزائر".

وأكد أن "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع (غير حكومي) يتابع العمل القذر لسلطات الاحتلال على كل المستويات السياسية والاستخبارية والعسكرية من أجل إشعال الحرب بين المغرب والجزائر؛ هذه الحرب التي إذا اندلعت لا قدر الله، ستفكك الدولتين معا؛ المغرب والجزائر".

وتابع وايحمان: "هذا هو المخطط التخريبي الذي أعده الكيان الصهيوني لكل المنطقة المغاربية التي رسموا لها تقسيما وتفتيتا لعدة كيانات (خمس كيانات في الجزائر وست كيانات بالمغرب الأقصى...)". 

وشدد على أن "الزيارة المنتظرة كما الزيارة السابقة للإرهابي (وزير الخارجية يائير) لابيد لا يمكن إلا أن تقوي المخاوف حول ما يحضر للمغرب والمنطقة.. ونقطع أنه مادام هناك وجود للكيان الصهيوني بأية صيغة في المملكة، فإن ذلك يمثل تهديدا لأمن واستقرار ووحدة المغرب والمنطقة كلها".

وختم وايحمان بالتأكيد على أنه "مما يقوي الخوف من المستقبل إصرار المسؤولين المغاربة على المضي قدما في هذا الطريق السيار نحو الخراب.. وهو ما يعبر عنه بوريطة من أنه سيذهب في العلاقات مع كيان العدو الصهيوني إلى أبعد الحدود على حد تعبيره، كل هذا ضد إرادة الشعب الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية والتطبيع خيانة".