تضم 300 مليون نسمة.. ماذا وراء إعلان أردوغان عن "منظمة الدول التركية"؟

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يشكل مجموع تعداد الدول الناطقة بالتركية مجتمعة أكثر من 300 مليون نسمة، كقوة كبيرة ضاربة من منطقة آسيا الوسطى إلى شرق ووسط أوروبا.

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحويل "المجلس التركي" الذي يضم الدول الناطقة بالتركية إلى "منظمة الدول التركية".

جاء هذا الإعلان ليختتم أردوغان مسارا طويلا سلكته أنقرة نحو هذا الهدف منذ 29 عاما، ويبدأ مرحلة جديدة نحو جمهورية أكثر قوة وعمقا في زمامها الإقليمي، وتوسعها الجيوسياسي، لكبح جماح المنافسين التاريخيين كروسيا وإيران، والحد من التطلعات الصينية للهيمنة على هذه المنطقة.

هذا إضافة إلى تفعيل دور الأمة التركية في هذه البلاد، وجعلهم أكثر فاعلية على خارطة التحالفات العالمية.

منظمة جامعة 

النقطة الأبرز والتي مثلت منعطفا تاريخيا، هي إعلان الرئيس أردوغان تحويل المجلس إلى منظمة، وقال: "قررنا أن مجلس عائلتنا الذي أصبح منظمة باتت تحظى باحترام على الصعيد الدولي، سيواصل تعزيز التعاون بين دول هذا التكتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا".

وتطرق في حديثه إلى النصر الذي حققته أذربيجان على أرمينيا، بدعم تركيا، وذكر أنه جعل العالم التركي كله فخورا، وأضاف: "إن شاء الله مع نصر قره باغ ستفتح أبواب حقبة جديدة يسود فيها السلام والاستقرار والتعاون بمنطقة القوقاز".

وأوضح الرئيس التركي أن "المنظمة بمسماها الجديد ستنمو وتتجذر وتتطور بشكل أسرع وأكثر ثباتا". 

وعن الهدف العام للمنظمة تحدث أردوغان عن عزيمته بأن يجعل العالم التركي يحتل موقعا يقدم خدمات جيدة للإنسانية في كل المجالات على رأسها تصميم التكنولوجيا وإنتاجها. 

وأكد أردوغان أن القادة المشاركين في القمة وافقوا على وثيقة "رؤية العالم التركي 2040" التي ترسم المنظور المستقبلي للمنظمة.

وشدد الرئيس التركي على أن منطقة تركستان مهد الحضارة ستعود مجددا مركزا لجذب وتنوير البشرية جمعاء.

وقد شهد إعلان المنظمة والمؤتمر حضور رؤساء أذربيجان إلهام علييف، وكازاخستان قاسم جومارت توقاييف، وقرغيزستان صدر جباروف، وأوزبكستان شوكت ميرضيائيف، وتركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان (بصفته عضوا مراقبا)، فضلا عن أمين عام المجلس بغداد أمرييف.

وبذلك تعتمد منظمة الدول التركية، واختصارها (CCTS)،  سبع دول هي تركيا وأذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان، إضافة إلى جمهورية شمال قبرص التركية (غير معترف بها دوليا).

واعتمدت التركية لغة رسمية لها، كأساس مشترك قامت عليه حضارة تلك الدول. 

وإلى جانب الجمهوريات المؤسسة، ينتشر الترك كقومية رئيسة ضمن جمهوريات فيدرالية داخل الاتحاد الروسي (توفا، باشقورستان، ياقوتيا، تتارستان، ألطاي)، وإقليم تركستان الشرقية في الصين. 

وكأقليات في القرم (التتار)، ودول البلقان (أتراك البلقان)، وسوريا والعراق (التركمان). 

ويبلغ مجموع تعداد الدول الناطقة بالتركية مجتمعة ما يفوق 300 مليون نسمة، مشكلين قوة بشرية هائلة في وسط آسيا وشرق ووسط أوروبا والشرق الأوسط عموما.

تطلعات تركيا

وحتى تصل أنقرة إلى لحظة إعلان تأسيس منظمة الدول التركية، احتاجت سنوات من العمل والتخطيط، كللت باتفاقية "نخجوان" في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، نسبة إلى مدينة "نخجوان" الأذرية، وبناء عليه أعلن عن تأسيس المجلس رسميا أواخر عام 2010، في قمة إسطنبول، ومنذ تلك اللحظة بدأ عقد قمم المجلس تباعا. 

وتعود الفكرة الأولى لتأسيس المجلس التركي الذي تحول حاليا إلى منظمة، إلى عام 1992.

وقتها، دعا الرئيس التركي (آنذاك) تورغوت أوزال رؤساء دول أذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان (كانت تتمتع بحكم ذاتي) إلى أنقرة، وقرروا تنمية التعاون المشترك فيما بينهم عبر عقد قمم دورية بينهم.

واليوم بعد أن أصبحت منظمة لها تطلعات أوسع، تضم في تشكيلاتها جمعية برلمانات البلدان الناطقة باللغة التركية، ومجلس العمل التركي، ومنظمة الأكاديمية والثقافة التركية الدولية، واتحاد الغرف والبورصات المشتركة.

وقد وضعت الهدف الرئيس التحالف الوثيق في قضايا السياسة الخارجية، والاقتصاد، والمواصلات، والجمارك، والسياحة، والتعليم، والإعلام، والرياضة والشباب.

واستهداف توسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وبين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الأوراسية.

ويصل حجم التجارة بين دول المنظمة نحو 7 مليارات دولار، وتهدف أنقرة إلى مضاعفته.

أما على المستوى العسكري فلا يمكن إغفال ما قدمته تركيا دعما لأذربيجان في حربها مع أرمينيا لتحرير إقليم قره باغ، وهو الانتصار الذي عزز من دور تركيا إقليميا ودوليا.

وهذا الأمر حفز بقية دول المجلس التركي إلى تحقيق تواصل أعمق وتحالف أشد معها. 

ترقب وحذر 

الخطوة التركية الأخيرة وتعاضد ما يعرف بالعالم التركي، أثار حفيظة القوى الإقليمية المحيطة المترقبة، وهو ما ذكرته صحيفة "يني شفق" التركية المحلية في تقريرها عن القمة، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

قالت الصحيفة إن "التطورات الأخيرة في منظمة الدول التركية، والتي رسم من خلالها خارطة طريق التعاون المشترك، أثارت القلق والخوف لدى إيران والصين". 

وذكرت أن إيران تحديدا تحاول منع العالم التركي من تكوين وحدة متجانسة، وقد فاجأت الجميع بدعمها لأرمينيا في الحرب ضد أذربيجان التركية. 

وأرجعت يني شفق ذلك إلى أحد أكبر المخاوف الإيرانية من أن تقوم تركيا والدول الأخرى الناطقة بالتركية بإنشاء هيكل سياسي واقتصادي مشترك، على غرار الاتحاد الأوروبي.

وهو نفس الأمر الذي يقلق الصين التي ترى أن مثل هذا الاحتمال يمثل عقبة أمام هيمنتها في آسيا الوسطى. 

وليست إيران والصين فحسب من يمتلكون المخاوف من الصعود التركي، وتكوين زمام تركي واسع ومتقدم مثل منظمة الدول التركية.

لكن روسيا هي الأخرى تراقب عن كثب تلك التطورات، ووصل بها الأمر أن موسكو تطمع إلى دخول المجلس كونها تعتبر آسيا إحدى المناطق الحاسمة في السياسة الخارجية لها.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أبدى اهتمام بلاده بهذه القضية في تصريحه حين قال: "يمكننا الانضمام إلى المجلس التركي".

وفي أوروبا تولي إيطاليا اهتماما بالغا بالتجمع التركي الجديد، حتى قبل الإعلان عنه كمنظمة.

ففي أبريل/نيسان 2021، قال "موقع انسايد أوفر" الإيطالي إن المجلس التركي منظمة صممت لجمع الشعوب التركية وتوحيد قوتها على الساحة الدولية وتحويل الوطن التركي الكبير، الذي تنتشر شعوبه من وسط أوروبا إلى الشرق الأقصى الروسي، إلى واحد من أكثر المجالات الاقتصادية (والثقافية) حيوية في القرن الحالي. 

وأوضح أن الهدف النهائي للدول الأعضاء ينشد تطوير هذا التقارب إلى تكامل على غرار نموذج الاتحاد الأوروبي.

وفي إجابته عن سؤال طرحه حول دوافع إيطاليا في التفكير على الأقل في الانضمام إلى المجلس التركي كدولة مراقبة؟ قال الموقع إنها في حاجة إلى فضاءات جديدة مزدهرة، وزيادة فرص تهدئة العلاقات شبه العدائية مع تركيا.

مفتاح أساسي

لا يمكن فصل الخطوة التركية الأخيرة بجمع القوى التركية تحت زمام علم واحد، عن تنظيرات أحد أبرز مهندسي السياسة الخارجية التركية على مدار عقدين من الزمن.

وهو رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، صاحب كتاب "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" الصادر عام 2001.

والذي تناول سبل تأمين الأمن القومي التركي، وكيفية توظيف أنقرة لموروثها التاريخي والجغرافي في سياستها الخارجية.

وفيما يخص منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، ومجلس الدول الناطقة بالتركية، قال داود أوغلو في كتابه: "إن تلك المنطقة تشكل بالنسبة لتركيا المفتاح الأساسي في خط ربطها مع آسيا الوسطى".

وتابع: "لا بد أن يكون التعاون الذي يتم تحقيقه مع كل من (أذربيجان - كازاخستان - أوزبكستان - تركمانستان) في مواجهة السياسات الروسية، أحد الأساسيات الضرورية للمقاربة التركية لملف آسيا الوسطى". 

أما عن تقدم تركيا وتوسعها الناعم في تلك المنطقة ودور الجوار، فأرجع أحمد داود أوغلو ذلك إلى أن تركيا تقف أمام مفترق طرق مهم في تاريخها.

 وفي حال استطاعت تحقيق تكامل بين عمقها التاريخي والجغرافي، مع تخطيط إستراتيجي حقيقي، ستتاح لها فرصة أكبر من أجل التأثير في هذه الديناميكية مزدوجة الأقطاب، من أجل أن تتحول إلى قوة تستطيع إحداث نقلة نوعية.