"الخشخاش".. مخدرات ترعب العراقيين بعد زراعتها وسط بغداد

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة من الرعب أصابت سكان العاصمة العراقية بغداد، بعد اعتقال السلطات الأمنية ثلاثة من موظفي قطاع البلدية بتهمة زراعة نبتة "الخشخاش" المخدرة في الشوارع والحدائق العامة للمدينة، وذلك بعدما كشفتها إحدى مدرسات مادة الأحياء عن طريق الصدفة. 

وأفادت الأنباء المتداولة محليا، بأن فريق البلدية المكون من ثلاثة أشخاص وقع ضحية لإرباك السلطات العراقية، إذ لم يكن يعلم أن ما يزرعه في شوارع بغداد هي مخدرات، ليتم اعتقالهم على حين غفلة وإيداعهم في السجن. 

تفاصيل القصة

دفعت الأقدار إحدى مدرسات مادة الأحياء في بغداد، للمرور من منطقة الحارثية غربي العاصمة، لتجذب انتباهها أزهار مزروعة على جانب الطريق العام، وعند التحقق منها اكتشفت أنها نبتة "الخشخاش" المخدرة، لتبلغ بعدها السلطات الأمنية بالموضوع، بحسب تقارير إعلامية.

وعلى الفور اعتقلت مفرزة من مديرية مكافحة المخدرات، ثلاثة من موظفي أمانة العاصمة بغداد، بتهمة "زراعة المخدرات"، لكن الأمانة من جهتها نفت في أول تعليق على الموضوع، علمها بأن النبتة التي دأبت على زراعتها منذ سنوات، "تنتج المخدرات".   

وقال المتحدث باسم الأمانة حكيم عبد الزهرة في تصريح له: إن "عُمال الأمانة يزرعون أزهار شقائق النعمان منذ فترة، ولكن القوات الأمنية تقول إن فيها نسبة مخدرات أو خطورة"، نافيا في الوقت ذاته "علم الأمانة بحقيقة هذا الأمر".

وأشار عبد الزهرة إلى أن "العمال لا يتحملون المسؤولية، وإذا كانت تلك الأزهار تحتوي على نسبة من المواد المخدرة أو تستخدم في تحضيرها، فمن باب أولى اتخاذ إجراءات بحق أصحاب المحلات التي تبيعها".

وفي السياق ذاته، كشف مصدر مطلع في وزارة الزراعة العراقية، طلب عدم كشف اسمه، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "ما تم تداوله في وسائل الإعلام على أنه خشخاش غير مؤكد حتى الآن، وأن ما يزرع في شوارع وحدائق بغداد هي أزهار شقائق النعمان".

وشدد على أن "تناقلها بهذه الطريقة في وسائل الإعلام يثير الرعب بين الأهالي، وكان من المفترض أن تجري التحقيقات بشكل أكثر اتزانا، بعيدا عن شاشات التلفزيون التي تضيف للموضوع شيئا من الإثارة، وأن الزهرة المذكورة عرفت في حدائق البيوت البغدادية منذ عشرات السنين".

وذكر المصدر، أن "بذور أزهار شقائق النعمان تباع في أماكن بيع المواد الزراعية، ولا سيما في منطقة السنك وسط العاصمة بغداد، وموظفي البلدية بحسب علمنا اشتروا بذور النبتة من هناك مثل كل مرة، ولم يكونوا على علم بأنها ستلقي بهم في السجن".

لكن مدير جهاز مكافحة المخدرات اللواء رعد مهدي، على الرغم من تأكيده أن "الأمر يتعلق بأزهار شقائق النعمان، والموضوع ما يزال قيد التحقيق”، لكنه رفض "الكشف عن تفاصيل أخرى لأنها ستؤثر على مجريات التحقيق".

ولم يفصح مهدي عن سبب التحرك في هذا الوقت تجاه أزهار "شقائق النعمان"، وما إذا كانت الجهات المختصة قد أجرت فحوصات عليها وتبين أنها تحتوى مواد مخدرة، لتعتقل على إثر ذلك عمال البلدية.

وشقائق النعمان هي زهرة برّية حمراء ارتبطت بالأدب العربي، قيل إنها نبتت على قبر النعمان بن المنذر أشهر ملوك الحيرة عندما داسته الفيلة حين رفض الخضوع لملك الفرس بتسليم نساء العرب فكانت معركة ذي قار الشهيرة.

ماذا عن "الخشخاش"؟

في ظل تضارب الأنباء عن نوع النبتة التي عثر عليها مزروعة في شوارع وحدائق بغداد، لم يكن تداول اسم "الخشخاش" جديدا في العراق، فقد كشفت حادثة "طفل الفلوجة" في العام الماضي، عن تسللها إلى المنازل والحقول.

وذكرت تقارير محلية، أن طوارئ مستشفى الفلوجة، استقبلت يوليو/ تموز 2018، حالة مرضية طارئة لطفل يبلغ من العمر سنتين يعاني من تشنجات وحركات لا إرادية ونعاس شديد وبعد الفحص تبين أنه تناول زهرة نبتة غريبة يعتقد أنها "الخشخاش"، ما جعله تحت تأثير مخدر عام.

صورة الطفل بحالة إعياء بعد إصابته بالخدر والتشنجات

وأوضح الطبيب المعالج الدكتور علي ناجي دلف، أن "الطفل كانت عليه أعراض تخدير لسبب مجهول وبعد إجراء الفحص السريري تبين أنه يعاني من آثار تناول مادة مخدرة وعند سؤال ذويه قالوا إنه تناول زهرة نبتة كانت في حديقة البيت وعند جلبها تبين أنها تشبه نبات الخشخاش الذي يستخدم في صناعة المخدرات".

وأضاف الطبيب، أننا قمنا بإجراء اللازم من العلاج للطفل مستخدمين المهدئات والمغذيات الوريدية والمضادات الحيوية ووضعه تحت المراقبة الشديدة وبعد ساعات بدأت حالته بالتحسن حتى أصبح بحالة صحية جيدة جدا.

وأكد ذوو الطفل، أن هذه النبتة لم يتم زراعتها ولكنها نبتت بشكل طبيعي في حديقة المنزل، وأنهم ظنوها زهرة عادية قبل أن يتفاجؤوا أن ابنهم ملقى على أرض الحديقة ويقوم بحركات لا إرادية غير طبيعية كما وجدوا في فمه ويده أجزاء من زهور هذه النبتة فأسرعوا به إلى المستشفى.

صورة للنبتة التي وجدت بجانب الطفل المصاب

من جهته، قال مسؤول قسم طب الأطفال الأستاذ في كلية طب الفلوجة الدكتور باسم عطا الله: إن "نبات الخشخاش هو نبات طبيعي ينمو في الحدائق المنزلية والحدائق العامة وعلى أرصفة الطرقات وهو نبات أخضر جميل الشكل وذي ثمار تزهر بألوان معينة وتجذب الأنظار وخصوصا الأطفال".

وأكد الدكتور عطا الله، أن زهرة "الخشخاش" تحتوى على سائل يتكون من مواد مخدرة كالهيرويين والمورفين، إضافة إلى مادة "البلادونا" وهذه تسبب للطفل إذا تناولها حالة من الهيجان واختلاجات وتسارع في ضربات القلب وتوسع في حدقة العين والإعياء والتقيؤ، وربما تؤدي إلى فقدان الوعي مما يستوجب إدخال الطفل إلى ردهات الطوارئ والعناية المركزة لإعطائه العلاجات اللازمة لمنع حدوث المضاعفات.

وكشف، أن حالات أطفال عدة وردت إلى المستشفى، تناولوا هذه النبتة واصيبوا بأعراض التخدير التي ذكرناها، والحمد لله قد استطعنا إسعاف جميع تلك الحالات، ولذلك أوجه تحذيري لجميع العائلات بضرورة متابعة حدائقهم ومزارعهم وإزالة هذه النبتة منها والانتباه إلى أطفالهم وعدم تركهم يلعبون في المناطق الخضراء دون متابعة.

وعلى إثر ذلك، أعلن مجلس محافظة الأنبار، تشكيل لجنة للتحقيق في وجود نبات الخشخاش الذي يدخل في صناعة المخدرات في مناطق شمال الرمادي، مشيرا إلى أن "الكشف عن وجود زراعة هذه النباتات التي تدخل في صناعة المخدرات هي الأولى من نوعها منذ عشرات السنين".

من يزرع الخشخاش؟

أثار تصريح للنائب العراقي فائق الشيخ علي، في 25 أكتوبر/تشرين الأوّل 2016، جدلا واسعا في الأوساط السياسية بعد حديثه عن وجود مزارع لـ"الخشخاش" في محافظات جنوب العراق تحت رعاية أحزاب سياسية.

وأضفى تصريح الشيخ علي خلال مؤتمر صحفي بمبنى البرلمان، على الظاهرة بعدا سياسيّا، بعدما أكد أنه "بإمكان استخدام أرباح إنتاج المخدّرات في المال السياسيّ من قبل الأحزاب".

ودفعت تصريحات النائب، لجنة الزراعة البرلمانيّة في 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2016، إلى الإعلان أنّها "ستحقّق في المعلومات التي تتحدّث عن زراعة بعض أنواع المحاصيل التي تستخدم لصناعة المخدّرات، خصوصاً نبات الخشخاش في جنوب العراق".

لكنّ عضو اللجنة الزراعيّة البرلمانيّة النائب علي البديري، نفى في حينها، زراعة هذا النبات المخدّر في جنوب العراق، معتبرا أنّ "المعلومات المتداولة حول الموضوع غير دقيقة، وأنّ وجود مثل هكذا ظاهرة خطيرة تحتاج إلى وسائل إنتاج، وأراضٍ تزرع فيها، وأنّ العثور على حالات فرديّة نادرة لا يتيح القول إنّ العراق بات ينتج المخدّرات".

لكنّ نفي البديري، وجود إنتاج زراعيّ للمخدّرات في العراق، لا ينطبق على ما يبدو، على إقليم كردستان في الشمال العراقيّ، حيث ضبطت مزرعة المخدّرات الأولى عند ضواحي أربيل، عاصمة الإقليم، في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، من قبل قوّة أمنيّة، وخمّنت قيمة محتوياتها من موادّ مخدّرة بنحو المليون دولار.

وفي الوقت نفسه، فإنّ نفي كلّ من البديري واللجنة الزراعيّة، وجود عمليّة إنتاجيّة للمخدّرات في البلاد، لا ينسجم أيضاً مع إفادة مصادر في قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، أنّ القوّات الأمنيّة أتلفت 16 دونما من نبتة الخشخاش، في مزرعة تبلغ مساحتها 16 دونما، وقامت بإحراقها بالكامل.

نكران الأطراف الرسمية العراقية، يجعل عدم وجود إنتاج للمخدّرات في العراق، موضوع شكّ، على الرغم من أنّ المصادر أكدت أن أفراد تنظيم الدولة هم من زرعوا النبتة في الشرقاط لتمويل عمليّاتهم، باستخلاص مادّة الهيروين من هذه النبتة في مختبرات جامعة الموصل التي احتلّها التنظيم في حزيران/يونيو 2014.

ويمنع القانون العراقي، زراعة الخشخاش كونها نباتا مخدرا، فقد أصدرت وزارة الزراعة بحسب وكيل الوزارة مهدي القيسي، توجيهات المنع لأكثر من مرة على مديرات الزراعة ودائرة  حماية المزروعات.

وأضاف المسؤول العراقي، خلال تصريح له في يوليو/تموز الماضي، أن "الوزارة مستمرة بحملات التوعية والإرشاد للفلاحين والمواطنين حول خطورة هذا النبات، وضرورة إبلاغ دائرة حماية المزروعات  في حال إيجاده مزروعا في مكان ما لتقوم باقتلاعه وحرقه".

وبخصوص دخول "الخشخاش" مخلوطا ببذور أخرى، أكد القيسي أن "أي بذور تدخل للعراق يسبقها  تسجيل من قبل اللجنة الوطنية لتسجيل واعتماد وحماية الأصناف الزراعية التابعة لوزارة الزراعة".

اكتشاف المورفين

بهدف استخدام الأفيون الذي يستخرج من نبات "الخشخاش المنوم" لأغراض طبية، عمد الإنسان منذ القديم إلى زراعته، فطبقا لما يذكره التاريخ لم يتردد المصريون القدامى والسومريون والإغريق والرومان في الاعتماد على الأفيون كنوع من المهدئات ومسكنات الآلام.

لم يتردد الفيلسوف والطبيب الإغريقي الشهير جالينوس في وصف الأفيون لعلاج العديد من الأمراض والآلام، ولعل أبرزها الغثيان وأعراض الربو واليرقان والحمى وآلام المجاري البولية، في أثناء ذلك وعلى حسب العديد من الأطباء المعاصرين لعب الأفيون خلال تلك الفترة دورا هاما في تخفيف الآلام فقط دون علاج مصدر العلّة.

ومع بداية استخدام البنادق خلال المعارك وارتفاع نسبة عمليات بتر الأطراف، تزايد الإقبال على الأفيون كمسكن للآلام فضلا عن ذلك بلغ هذا الإقبال أشدّه خلال الحروب النابليونية التي عاشت القارة الأوروبية على وقعها عقب الثورة الفرنسية.

لاحظ الصيدلي الألماني فريدريك في مطلع القرن التاسع عشر، والذي لم يتجاوز عمره العشرين سنة تخبط الأطباء وقلقهم خلال عملية إعداد عصارات الأفيون، حيث عجز الأطباء في غالب الأحيان عن تقديم كميات كافية من هذه المادة المخدرة لمرضاهم الذين عانوا من آلام فظيعة عقب عمليات بتر الأطراف والتي كانت تجرى خلال تلك الفترة بدون تخدير.

صورة لنبتة الخشخاش المنوم التي يستخرج منها الأفيون

وعلى ضوء هذا الوضع السيئ، أخذ الصيدلي سيرتورنر على عاتقه مهمة إجراء تجارب على نبتة الخشخاش المنوم والأفيون الذي يستخرج منها بهدف تحديد المادة الأساسية المسؤولة عن التخدير وتخفيف الآلام.

اعتمد الصيدلي الألماني كثيرا خلال تلك الفترة على الفئران والكلاب أثناء تجاربه حيث لم يتردد الأخير في تقديم جرعات من المواد المخدرة إليها ليتمكن على إثر ذلك في حدود سنة 1804 من استخراج مادة شبه قلوية من الأفيون مسؤولة عن التهدئة وتخفيف الآلاف.

على إثر نجاح تجاربه لم يتردد فريدريك سيرتورنر سنة 1805 في مراسلة إحدى الصحف المختصة في مجال الصيدلة، مؤكداً نجاحه في عزل العنصر المسؤول عن تخفيف الآلام الموجود بالأفيون ولكن القائمين على هذه الصحيفة تجاهلوا مراسلته بسبب نقص في مناهج البحث.

ورغم ذلك، لم يفقد فريدريك سيرتورنر الأمل ليواصل الأخير تجاربه خلال السنوات التالية، وفي حدود عام 1817 لم يتردد هذا الصيدلي الألماني في تجربة المادة شبه القلوية التي استخرجها من الأفيون على نفسه فعلى إثر شعوره بآلام شديدة على مستوى ضرسه، لم يتردد فريدريك سيرتورنر في تجرع كمية من المادة التي عزلها من الأفيون ليتأكد عقب ذلك من خصائصها المسكنة للآلام، وتزامنا مع ذلك وبهدف تحديد كمية الجرعة الملائمة أقدم الصيدلي الألماني على تقديم هذه المادة المخدرة إلى عدد من المتطوعين.

رسم تخيلي للصيدلي الألماني فريدريك سيرتورنر مخترع المورفين

على إثر ذلك، لم يتردد فريدريك سيرتورنر في إطلاق تسمية "مورفين" على هذه المادة التي نجح في استخراجها من الأفيون وقد جاءت هذه التسمية نسبة إلى إله الأحلام لدى الإغريق "مورفيوس"، فضلا عن ذلك أثبتت العديد من التجارب التي أجريت لاحقا أن المورفين على شكله النقي أقوى بعشر مرات من الأفيون.