بعد تراجع الدور العربي.. هل تنجح تركيا في إنهاء الأزمة بين لبنان ودول الخليج؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل مشهد سياسي واقتصادي معقد يعيشه لبنان، أجرى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو زيارة إلى بيروت التقى خلالها بالمسؤولين اللبنانيين، ما يشير إلى دخول أنقرة على الملف اللبناني.

وتصاعدت أزمات لبنان على خلفية انتشار مقطع فيديو لوزير الإعلام جورج قرداحي، يعود تاريخه إلى أغسطس/آب 2021، ينتقد فيه بشدة الحرب القائمة في اليمن، ووصفها بأنها "عبثية ويجب أن تتوقف، وأن الحوثيين يدافعون فيها عن أنفسهم".

أدى ذلك إلى إعلان أربع دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين، والكويت) مقاطعة لبنان وسحب السفراء منها، لكن الوزير قرداحي أكد أن تصريحاته سبقت تنصيبه وزيرا للإعلام في حكومة نجيب ميقاتي بنحو شهر، وأنه لا يكن العداء للدول الخليجية.

دخول تركيا على خط الأزمة اللبنانية أثار تساؤلات بخصوص مدى نجاحها في إنهاء الأزمة بين بيروت والدول الخليجية، ولا سيما أن تشاووش أوغلو أبدى خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة بيروت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 استعداد بلاده للقيام بدور في هذا الخصوص.

استعداد للمساعدة

زيارة وزير الخارجية التركي إلى بيروت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، والتي استمرت لمدة يومين، حملت مبادرة للقيام بأي وساطة في الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، حسبما كشفت وسائل إعلام لبنانية.

ونقلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية عن مصادر (لم تكشف هويتها) في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قولها إن "تشاووش أوغلو يلتقي في الأيام القليلة المقبلة مع نظيره البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، ويمكنه القيام بأي مسعى في اتجاه ترطيب الأجواء"، (التقاه في أنقرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021).

وأضافت المصادر اللبنانية أن "تشاووش أوغلو أبلغ المسؤولين أن أنقرة تستعد لاستقبال ولي عهد الإمارات محمد بن زايد في أنقرة، في خطوة وصفت بأنها تاريخية لأنها ستشكل مشروعا لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين".

من جهته، صرح الوزير التركي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني، عبدالله بوحبيب ببيروت في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021: "نأمل في حل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن عبر الدبلوماسية والحوار على أساس الاحترام المتبادل، نحن على استعداد للقيام بالدور الذي يقع على عاتقنا".

وأضاف تشاووش أوغلو: "ينبغي على الجميع تقديم الدعم للحكومة اللبنانية من أجل إيجاد حلول للأزمات التي تواجهها البلاد وتنظيم الانتخابات العامة في أقرب وقت.. الشعب اللبناني ينتظر حلا عاجلا لمشاكله، ويجب ألا يدفع ثمن المساومات الإقليمية".

وأكد الوزير التركي أن بلاده تولي أهمية دائمة لسيادة لبنان وأمنه واستقراره وازدهاره، مشيرا إلى الدعم اللازم والتضامن الذي قدمته أنقرة بعد انفجاري مرفأ بيروت وعكار (في 4 أغسطس/آب 2020، و15 أغسطس/آب 2021).

وقال تشاووش أوغلو: "ينبغي على الجميع تقديم الدعم للحكومة اللبنانية من أجل إيجاد حلول للأزمات التي تواجهها البلاد وتنظيم الانتخابات العامة في أقرب وقت".

وعقد وزير الخارجية التركي سلسلة لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، حيث التقى كلا من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ونظيره بو حبيب، ووزير الاقتصاد أمين سلام.

زيارة مهمة

وبخصوص أهمية زيارة المسؤول التركي في هذا الوقت، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني قاسم قصير إن "الزيارة في هذا الظرف إلى لبنان مهمة، ولها أبعاد معنوية وعملية، وتؤكد أن لبنان يحظى برعاية دولة إقليمية كبيرة هي تركيا، وأنه ليس محاصرا رغم القرارات المؤسفة التي اتخذتها بعض الدول العربية".

وأكد قصير في حديث لـ"الاستقلال" أن "ما أعلنه تشاووش أوغلو عن دعم تركي للعديد من المشاريع في لبنان، أيضا رسالة إيجابية".

أما عن قدرة أنقرة على لعب دور لخروج لبنان من الأزمة، رأى الكاتب والمحلل السياسي أن "هذا مرتبط بتعاون بقية الأطراف الدولية والإقليمية، سواء فرنسا أو أميركا أو بعض الدول العربية".

ولفت قصير إلى أن "تركيا لها علاقة جيدة مع قطر ويمكن أن تتعاون معها في هذا الإطار، أما موضوع السعودية فيبدو أن الأزمة معها أكبر من مشكلة تصريحات قرداحي، وإنما هي مرتبطة بحزب الله وإيران".

وأشار إلى أن "زيارة تشاووش أوغلو ذاتها، والدعم الذي قدمته تركيا إلى لبنان، تساعدها على مواجهة الأزمة الحالية على أمل أن تحصل تطورات ميدانية للمعالجة".

وبين قصير أن "أي استثمار تركي لعلاقاتها مع الدول العربية، ولا سيما الخليجية، يكون في خدمة لبنان، رغم أن الأمور معقدة وليست بسيطة، خصوصا أن السعودية تريد تغيير الوضع اللبناني كليا وهذا لا يمكن تطبيقه، لكن إذا كانت الأمور تنتهي باستقالة قرداحي أو تقديم بعض الحلول، فهذا مؤشر إيجابي".

وشدد على أن "تركيا تستطيع أن تساعد لبنان بقدراتها وإمكانياتها، وإذا استطاعت أن تصل إلى خارطة طريق لإنهاء الأزمة، فهذا جهد تشكر عليه ونتمنى أن تنجح في ذلك، رغم أن هذا الدور كان الأولى بالدول العربية أن تلعبه".

ملء الفراغ

وعن إمكانية أن يحل التدخل التركي الأزمة اللبنانية، رأى الكاتب قصير، أن "دولة مثل تركيا لا تتحرك من فراغ إذا لم يكن لديها معطيات للقيام بعمل ما، والملاحظ أنه بعد الزيارة التركية أيضا للسفيرة الأميركية نشطت موضوع الجهد الذي يبذل من أجل مجيء الغاز من مصر".

وأضاف: "قبل ذلك كان هناك قمة أميركية تركية، وبرأيي هناك تحرك دولي، وأن تركيا تملأ فراغا ناتجا عن انكفاء الدور السعودي والخليجي، وهذا طبيعي أن يملأ الفراغ، وتركيا دولة كبيرة ولها دور في المنطقة".

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب اللبناني علاء خوري خلال مقال نشره موقع "ليبانون فايلز " في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن الجانب التركي سارع إلى "احتضان" ميقاتي، وبعد سيل الخدمات التي عددها تشاووش أوغلو في لقاءاته اللبنانية، والتي يمكن لبلاده تقديمها بشكل سريع، عول الرجل على زيارة ميقاتي إلى أنقرة التي ستكون كبيرة على الداخل".

ولفت الكاتب إلى أن "الجانب التركي البعيد كل البعد عن ما يرسم في الخليج ويخطط له، عرض المساعدة على لسان رئيس الدبلوماسية من دون تحديد ماهية تلك المساعدة التي يمكن لأنقرة أن تقوم بها، لا سيما مع السعودية الخصم اللدود".

ورأى خوري أن "تركيا تسعى اليوم إلى ملء الفراغ الخليجي في لبنان، والتوسع أكثر لضم مناطق جديدة إلى أجندتها من خلال مشاريع إنمائية عملت سفارة أنقرة عبر جمعياتها المنتشرة في الداخل إلى وضعها على قائمة التمويل التركي".

أضف إلى ذلك، نشطت تركيا في مجال إعطاء المنح الدراسية للطلاب الراغبين بالسفر إلى أنقرة، ودعمت جامعات شمالية بالمال لتوفير مقومات الصمود في ظل الأزمة المالية.

وخلص خوري إلى أن "ما يعزز هذا الدور (التركي) إستراتيجية أنقرة المتبعة في حال ظلت أبواب الخليج موصدة بوجه اللبنانيين، وقد ارتفعت أرقام الشركات والأفراد الذين توجهوا إلى تركيا للعمل هناك، نظرا للتسهيلات التي تقدمها الدولة، وفي حال جرى ترحيل المزيد من اللبنانيين من دول الخليج، فإن تركيا ستكون المستفيد الأكبر من خبراتهم عبر احتضانهم".