يهاجم حكم أردوغان.. لماذا يكيل الغرب بمكيالين ضد تركيا؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 5 مايو/ أيار الجاري، قررت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا إعادة إجراء الانتخابات البلدية في إسطنبول، مستجيبة لطلب حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذي طعن على فوز مرشح المعارضة، نتيجة وجود خروقات، وتلاعبات، أثرت في نتيجة الانتخابات.

ووفقا للقرار، سيتم إعادة عملية التصويت بمشاركة نفس الأحزاب السياسية التي شاركت في انتخابات البلديات التي أجريت يوم 31 مارس/ آذار 2019.

وكانت الهيئة الانتخابية العليا قد أعلنت في 17 أبريل/نيسان 2019، فوز مرشح حزب "الشعب الجمهوري" المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، وسط حفاوة في وسائل الإعلام الغربية، التي باركت فوز مرشح المعارضة، واعتبرته تراجعا لشعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ورغم أن إعادة الانتخابات في مدينة إسطنبول جاءت بحكم القانون، في سابقة ليست بجديدة في ساحة الاستحقاقات الانتخابية التركية، فثمة مدن تمت فيها إعادة الانتخابات من قبل، استجابة لطلبات أحزاب المعارضة، ولكن تمييز التدخلات الغربية في الشأن التركي، بالكثير من المتناقضات الفجة، إذا ما وضعت في الميزان مع الموقف الغربي من الديمقراطيات عموما في الشرق الأوسط.

ففي مصر بشكل خاص، التي شهدت انقلابا عسكريا أطاح بحكومة منتخبة، ثم سيطرة كاملة من الأجهزة الأمنية على الحالة السياسية، عبر اعتقالات تعسفية، وصولا إلى عمليات القتل الممنهج، والإعدامات بحق المعارضين، وسط صمت غربي، افتقر إلى أدنى قواعد الشرعية في مساندة نظام ديكتاتوري بامتياز، وإلى قلة الأخلاق استطرادا، في مخالفة القواسم الإنسانية المشتركة، في حق الشعوب في الحكم والحياة.

الانتقادات المقدمة من أنظمة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وحكومات ألمانيا وفرنسا، قابلتها رسائل غاضبة من الحكومة التركية، التي رأت الموقف الغربي فيه "قلة احترام" للمؤسسة القضائية، كما أعلن المتحدث باسم العدالة والتنمية، وتدخلا سافرا في شأن البلاد.

مأوى الانقلابيين

إشكالية الطابع الجدلي، حول الانتقادات الأمريكية لإعادة انتخابات بلدية إسطنبول، تتردد أصداؤها في القصر الرئاسي في منطقة بشتبيه بالعاصمة التركية أنقرة، بعد أن أدلت مورغان أورتاغوس المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، بتصريحات تنتقد فيها قرار الإعادة، في 6 مايو/ أيار الجاري،  وقالت: "لقد سجلنا هذا الوضع"، ليقود بدوره المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي بالرد، ويقول: "إن على الجميع احترام قرار اللجنة العليا للانتخابات بشأن إعادة انتخابات رئاسة البلدية في مدينة إسطنبول".

أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد رد بقوة وحسم، خلال كلمة ألقاها في مأدبة إفطار رمضانية بمدينة إسطنبول يوم 12 مايو/ أيار الجاري، وقال: "إن الدول التي تأوي أشخاصا كانوا وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو/ تموز2016، لا يمكنها أن تعطينا الدروس"، ومقصده إيواء الولايات المتحدة لزعيم حركة الخدمة فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، والذي كان وراء محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، ويمثل ملف تسليمه أحد أبرز العقبات بين أنقرة وواشنطن.

وأكد الرئيس التركي، أن "من يحاولون الإطاحة بالرئيس الفنزويلي المنتخب، لا يمكنهم الحديث عن الديمقراطية، والذين لا يستطيعون الصدح بوجه الإرهاب الإسرائيلي، لا يمكنهم انتقاد نضالنا المحق الذي نقوده في إطار قانون الانتخابات".

أوروبا المتحفزة

البداية من ألمانيا، حيث غدا توجيه الانتقادات للسياسة التركية، منهجا مبيتا عن سابق قصد، لا يتوخى إباحة التلاعب عن دعم المعارضة وفق مبدأ الكيل بمكيالين المهترئ، وفي 6 مايو/ أيار الجاري، أعلنت نائبة رئيس البرلمان الألماني (البوندستاغ) كلاوديا روت، وعدد من الساسة الألمان من أحزاب المعارضة عن غضبهم حيال قرار لجنة الانتخابات التركية بإلغاء نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول وإعادتها.

وقالت السياسية المنتمية إلى حزب الخضر: إن "قرار اللجنة هو نتاج للضغط الكبير من المستويات العليا، وهذه إشارة مخيفة، فالرئيس رجب طيب أردوغان يبدو وكأنه عازم على إثبات خطأ كل من كان قد تمنى حدوث تحول ديمقراطي بعد الانتخابات البلدية".

وأضافت روت: "يبدو أن الحزب الحاكم في تركيا لم يعد يحافظ على ظاهر الأوضاع الديمقراطية، بل إنه صار يهز الثقة بشكل مقصود".

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتوانَ عن الرد على الانتقادات الأوروبية الموجهة إلى بلاده وحكومته، و"من يتحدثون عن حقوق الإنسان، يفرشون السجاد الأحمر لقيادات المنظمة الإرهابية (بي كا كا) التي قتلت عشرات الآلاف الأبرياء في سوريا".

وقال أردوغان: "من يتبجحون بالعدالة والحرية، لا ينبسون ببنت شفة إزاء المشانق التي تقيمها محاكم الانقلاب في مصر، بل على العكس تماما الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يستجيبون لدعوة السيسي، ويجلسون معه على طاولة واحدة ويتناقشون حول المستقبل، وهذا الموقف المتناقض إزاء جميع القضايا انطلاقا من مقتل الصحفي جمال خاشقجي بوحشية إلى العمل الإرهابي الشنيع في نيوزيلندا، يكشف عن نفسه بشكل أو آخر".

وقال الدكتور محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة المصري: إن "هناك تكالبا غربيا ضد الرئيس أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، وخاصة من اليمين المتطرف بالغرب، الذين يريدون إسقاط نظام أردوغان بأي شكل، ولا شك أن إعادة الانتخابات في إسطنبول أزعجتهم بشكل واضح".

وأكد سودان لصحيفة "الاستقلال" أن "كيل الغرب بمكيالين حيال أوضاع تركيا، هو من باب القضاء على ازدهارها، كما يحدث في بقية الدول الإسلامية،  وخاصة تركيا جارة الدول الأوروبية، ولا شك أن نهضة تركيا مقابل انكماش الاقتصاد في بعض دول أوروبا، جعل من التمدد التركي مبعث قلق لتلك الأنظمة، التي شكلت دعما للانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016".

وأضاف القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أن "تركيا أمامها تحديات كبيرة، يجب عليهم أن يبقوا على أهبة الاستعداد بشكل دائم لأن حقيقة الأمر أن الغرب يتربص بهم، ولن يترك فرصة للإيقاع بهم في مشاكل سياسية واقتصادية".

وكان الرئيس التركي، والمتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" حامي أقصوي، قد ذكرا الانقلاب العسكري في مصر، في معرض حديثهم عن تناقض الغرب في التعامل مع تركيا، بينما يجالس السيسي، الذي أعدم معارضيه، وقضى على أسس الديمقراطية والحرية في بلاده، وقال أقصوي: إن "الأوساط التي تحاول إظهار إعادة الانتخابات على أنها غياب للديمقراطية، وقفت إلى جانب الانقلابيين في مصر، بل أعربت عن تحمسها للعمل معهم".

ألسنة حداد

في 1 أبريل/ نيسان 2019، صبيحة إعلان نتيجة انتخابات البلديات التركية، وصف تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) النتيجة بأنها "نكسة لأردوغان في المدن الكبرى"، متجاوزا الأغلبية التي حصل عليها الحزب في عموم تركيا.

بينما نشرت شبكة تلفزيون (سي.إن.إن) الأمريكية في 30 أبريل/ نيسان 2019، تقريرا عنوانه "أردوغان يفقد السيطرة على العاصمة التركية في نكسة الانتخابات المحلية".

وفي 12 مايو/ أيار 2019، أصدر موقع قناة "فرانس 24"، تقريرا تحت عنوان "متظاهرون يعبّرون في إسطنبول عن (قلقهم بشأن الديمقراطية) بعد قرار إعادة الانتخابات المحلية".

وكانت هناك تجاذبات في الآونة الأخيرة بين تركيا وفرنسا، بشأن "إبادة الأرمن"، حيث اندلعت مشادة كلامية بين وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو والنائبة الفرنسية عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" صونيا كريمي، شن خلالها الوزير التركي هجوما عنيفا على فرنسا، وقال: "من حيث الإبادة الجماعية والتاريخ، فرنسا هي آخر دولة يمكن أن تعطي دروسا لتركيا لأننا لم ننس ما حصل في رواندا والجزائر".

والهجوم الإعلامي الغربي على تركيا لم يكن وليد الحالة الآنية، بل هو تاريخ من الصدامات، حمّال لتبعات كثيرة من السجالات والمقارعات المتواترة، وليس أبلغ مما أقدم عليه موقع "دويتش فيله" الألماني يوم 23 يونيو/ حزيران 2018، قبل يوم واحد من انطلاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية، عندما نشر تقريرا بعنوان (الانتخابات الرئاسية في تركيا بداية لنهاية عهد السلطان)، بشّر فيه بهزيمة أردوغان نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، بحسب وصفه.

تلك السياسة الصاخبة في انتقاد تركيا ورئيسها من وسائل الإعلام الغربية، تحمل حصة من التمييز النسبي، وتتجاوز المصالح المشتركة مع الدولة، والشعب أيضا.

تركيا والاتحاد الأوروبي

ردود الفعل الأوروبية الرسمية أو غير الرسمية، التي تراوحت بين النيل من أردوغان، أو الشماتة في هزيمة حزبه في بعض البلديات، إضافة إلى المشادات والتلاسنات بين الساسة الأتراك والغربيين في بعض المحافل، إلا أن ذلك لم يكن بمعزل عن السعي الحثيث لأنقرة في الانضمام للاتحاد الأوروبي.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 9 مايو/ أيار الجاري، بمناسبة (يوم أوروبا) في رسالة نشرها: إن "بلاده مصممة على نيل العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي، رغم مواجهتها ازدواجية المعايير في مسيرة المفاوضات مع الاتحاد".

وأكد أردوغان، أن "الدول المؤسسة لفكرة الاتحاد في 9 مايو/ أيار 1950، تواجه حاليا جملة من التحديات، في مقدمتها معاداة الإسلام، والعنصرية الثقافية، والتمييز، ومعاداة المهاجرين"، مضيفا: "خطابات بعض السياسيين الشعبويين الأوروبيين تؤجج حجم هذه التحديات، عبر إشعال عداوة تجاه الجنسيات والديانات الأخرى".

وأوضح الرئيس التركي، أنه "يمكن التغلب على هذا التهديد الوجودي عبر دعم دول قوية مثل تركيا تتمتع بتنوع ثقافي وتتحلى بروح التسامح".

ونوه إلى أن "عضوية تركيا الكاملة بالاتحاد الأوروبي إلى جانب مساهماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ستمنح الاتحاد مزيدا من التشاركية".