السامرائي لـ"الاستقلال": تدخل خارجي بانتخابات العراق و"حكومة الأغلبية" شعار

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يرى رئيس مجلس شورى "الحزب الإسلامي العراقي"، إياد السامرائي، أن مفوضية الانتخابات مطالبة بقبول مبدأ إعادة الفرز والعد اليدوي لجميع مكاتب التصويت إذا كانت تعتقد اعتقادا جازما أنه لا تزوير في انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021؛ وذلك حفاظا على سمعتها قبل كل شيء".

وفي حوار مع "الاستقلال"، قال رئيس البرلمان العراقي الأسبق: "أعتقد جازما أن هذه الانتخابات صاحبها تدخلات خارجية استهدفت بعض القوى وانحازت إلى أخرى، وكان الحزب (الإسلامي العراقي) أحد الجهات التي استُهدفت بشكل خاص لصالح قوى ترشح نفسها لقيادة السنة بدعم خارجي".

وأعرب الأمين العام السابق للحزب الإسلامي العراقي عن اعتقاده بأن "شعار حكومة مستقلين وكفاءات أو حكومة مهنيين شعار جميل ولكنه خادع، أي حكومة ستحتاج إلى دعم سياسي يساعدها على تحقيق النجاح المتمثل برؤيتها للإصلاح".

ولفت إلى أن "العراق لا يزال عمليا أقرب إلى المحور الإيراني، ونلمس ذلك مما يفرزه مجلس النواب من قرارات ونقاشات، ولكن أميركا لها نفوذها القوي الذي لن يستطيع العراق الانفكاك عنه، ولذلك لا بد أن يدرك العراقيون حاجتهم إلى سياسة وطنية مستقلة تجعل مصالح الوطن أولا".

"السامرائي" استبعد التحاق العراق بركب المطبعين مع الكيان الإسرائيلي، لأنه "لا توجد للعراق مصلحة في أي تطبيع، ولا حتى في تبادل التمثيل الدبلوماسي، فعموم توجه الشعب لا يسمح بالتطبيع، ولا يغير من هذا الأمر خروج بعض الأصوات القليلة التي سبق لها وارتبطت بعلاقات مع الكيان الصهيوني".

وبخصوص مصير الربيع العربي وما وجهته حكومات هذه البلدان من ثورات مضادة، رأى السامرائي أن "تلك الثورات حركت جمودا في الواقع العربي، ولكنها لم تستطع رغم الديمقراطية الجديدة أن تتصدى لمراكز القوى، والدولة العميقة المتجذرة في كل بلد من البلدان العربية".

والحزب الإسلامي العراقي، حزب سني تأسس في 1960، وأعيد تأسيسه في لندن عام 1991، ثم في العراق عام 2003، وكان له تمثيل في الحكومات المتعاقبة حتى عام 2018.

أزمة الانتخابات

‏كيف تنظر إلى الانتخابات العراقية، هل كانت نزيهة أم شابها التزوير والتلاعب؟

من الصعوبة جدا تقديم إجابة قاطعة على مدى نجاح  هذه الانتخابات، لكن نستطيع تقسيم الانتخابات إلى مرحلتين أساسيتين، الأولى عند صندوق الانتخاب وفي الغالب هذا الجانب كان نزيها بسبب اعتماد البطاقة البايومترية (شريحة إلكترونية مخزن فيها جميع بيانات الناخب) وإجراءات أخرى.

ولكن هناك عامل آخر مهم يتمثل في المنظومة الإلكترونية و"السوفتوير" (البرنامج) الذي يتحكم في إظهار النتائج‏، وهذا يمكن أن يتعرض للاختراق ويمكن لأطراف متمكنة وقادرة تكنولوجيا القيام بهذا الدور، وقد لا تكون المفوضية ولا أعضاء المفوضية يعرفون بهذا الأمر.

فمن الناحية النظرية والعملية هذا الأمر ممكن، ولا أعلم أن المفوضية قدمت ما يثبت وجود إجراءات لكشف ومنع ذلك، وهذا الاختراق والتغيير ينجح‏ عندما تكون نتائج التصويت متقاربة بين الأشخاص، وبالتالي من السهولة أن يكون التدخل بإلغاء بعض الأصوات أو إضافة أصوات لمن يستهدفهم الاختراق وبالتالي تتغير النتائج.

كثرة المرشحين يترتب عليها عدد كبير من غير الفائزين، غالبهم لا يفكر بالاعتراض لعلمهم بنتائجهم الضعيفة، وأن المعترض غالبا من كان على حافة الفوز، وبالتالي سيكون سهلا على  الجهات التي قامت بالتلاعب أن تغير الأرقام وبشكل محدود لإضافة أصوات لصالح مرشح تتقارب أصواته مع مرشح آخر، وهذا ما لا يمكن كشفه إلا بالعد والفرز اليدوي الشامل.

‏لقد اطلعت على جانب من الاعتراضات أو الطعون التي تقدمت بها الكتل السياسية إلى المفوضية، ويمكنني القول إنها طعون معتبرة، والمفوضية اليوم أمام تحدي إثبات نزاهتها، فإذا كانت تعتقد اعتقادا جازما أنه لا تزوير في الانتخابات، فعليها القبول بمبدأ إعادة الفرز والعد اليدوي لجميع المحطات حفاظا على سمعتها قبل كل شيء.

الشعب إلى الآن لا يثق بالانتخابات ولا يتقبل نتائجها ودائما قناعته أن النتائج مرتبة مسبقا، والفائزون هم غير مؤهلين لإدارة البلد، لذا فالنسبة الأغلب من الشعب العراقي لا تذهب إلى الانتخابات.

‏وهناك أيضا حديث واسع عن استغلال المال السياسي وتوظيف المال في شراء الأصوات، وأن الأساليب تتطور للتهرب من المساءلة التي هي ضعيفة أصلا على مستوى القانون والممارسة.

كذلك أشار عدد من الخبراء إلى جوانب ضعف في قانون الانتخابات، وأن هذه الجوانب سيترتب عليها إشكالات عدة، ولم يسمع لهؤلاء ولم تؤخذ آراؤهم بعين الاعتبار، سواء من المشرع أو من المفوضية.

‏الخلاصة كان ينبغي على المفوضية المستقلة للانتخابات أن تمارس الدور بكفاءة بحيث تضمن ابتداء أن لا يكون هناك تأثير للمال وضمان عدم التلاعب بنظام العد والفرز الإلكتروني.

‏‏عندما أنظر إلى نتائج الانتخابات فأنا أشعر باستغراب شديد لها، ربما كان صعود "الكتلة الصدرية" (شيعية) هو استمرار لسلم صعودها المتواصل خلال السنوات الماضية، ولكن الغرابة كان في الثقة الكبيرة التي تحدثت بها عن حصولها على مئة مقعد، ولم أجد تفسيرا لتراجع "الفتح" وصعود "دولة القانون"، وكذلك لم  أجد تفسيرا لتراجع "الحكمة" و"النصر".

أجد أن النتائج صنعت لتحقيق غرض ما، هناك كتلة كبيرة دون الأغلبية وكتلة أخرى لا يسع الآخرين إلا الدخول تحت عباءتها.

كيف تفسر صعود قوى سنية جديدة في الانتخابات الأخيرة غير القوى التقليدية التي تصدت للمشهد بعد 2003؟

منذ عام 2003 وصولا إلى 2021، موازين القوى السنية تغيرت كثيرا، ولم تستطع أي كتلة البقاء متماسكة ثابتة على قوتها، وغالبا القوى الجديدة تنبع من رحم القوى القديمة، ولذلك أسباب عدة، أختصرها بالآتي: عدم قدرتها على تحقيق وعودها فما بالك بطموحات مجتمعها.

وأيضا انحياز المجتمع إلى القوى التي يظنها تحظى بدعم عربي توقعا أن دعمه يعوض جوانب الضعف في تلك الكتلة، والانحياز لمن هو أكثر قدرة على توفير الخدمات الشخصية والمناطقية، وكذلك الانحياز لمن يروج له الإعلام.

لا أعتقد أن هذا المسلسل سينتهي، ومهما بلغت كتلة ما من قوة فإنها ستتراجع، إلا إذا تجاوزت العوامل السالفة نحو بناء مشروع حقيقي له أسس فكرية واضحة ومقنعة وقدرة على التعامل مع القوى الداخلية والخارجية  بإيجابية.

أين موقع "الحزب الإسلامي العراقي" مما تقدم، وكيف تفسر عدم حصوله على أي مقعد برلماني؟

يصح على الحزب الإسلامي ما يصح على غيره من القوى السياسية مما ذكرناه من تقلب موقف الجمهور نحوها بحيث نرى أن كل القوى السنية التي تشكلت قبل 2010 خسرت هذه الانتخابات بالكامل، إلا قلة استندت إلى رصيد عشائري لا علاقه له بالموقف السياسي أو بالتحالفات، ونشخص أمورا تعرض لها الحزب أكثر من غيره إضافة لما ذكر سلفا.

يفترض العديد أن الدول العربية تمثل امتدادا وسندا للحزب الإسلامي، إلا أن الواقع الذي لمسناه خلاف ذلك، فقد حافظت غالبية هذه الدول على موقف سلبي من الحزب، وهذا له انعكاسه على موقف الجمهور العراقي وعلى القوى السنية الأخرى وبعض هذه الدول لم تخف مواقفها من الحزب وبشكل صريح.

الموقف الإعلامي بشكل عام سلبي من "الحزب الإسلامي"، ودائما ما يحاول تشويه مواقفه أو التركيز على جوانب من الضعف لا يمكن أن يخلو  منها أي حزب، ونجد أحيانا جوانب من حقد دفين تحمله بعض هذه الأطراف في حديثها وتصريحاتها التي تبتعد كثيرا عن المنطق والخلق السياسي السوي.

أعتقد جازما أن هذه الانتخابات صاحبها تدخلات خارجية استهدفت بعض القوى وانحازت إلى أخرى، وكان الحزب إحدى الجهات التي استهدفت بشكل خاص لصالح قوى ترشح نفسها لقيادة السنة بدعم خارجي.

ولكن وبخلاف كثير من القوى السياسية السنية التي ظهرت في فترة ما وتقريبا انتهت، فإن الحزب الإسلامي له قدرة كبيرة على تجاوز هذه الأزمة وتعزيز مكانته وتحقيق نتائج أفضل.

والذي يدعوني إلى هذا التفاؤل، هو الأرقام الانتخابية للعديد من مرشحينا والتي تضاعفت عن السنوات السابقة، ولا يمكن أن أغفل أخطاء فنية ارتكبت انعكست على النتائج، والتي لا بد أن تستوعبها قيادة الحزب في أي انتخابات قادمة.

لاحظنا تراجع مقاعد السنة في الانتخابات.. هل سببه عزوف المكون وخصوصا في بغداد أم نظام الدوائر المتعددة؟

هذا صحيح، فالقوى السياسية والمجتمعية تكرر الأخطاء مجددا، وهناك عاملان أساسيان لهما تأثيرهما البالغ، وهما ضعف المشاركة الانتخابية وكثرة عدد المرشحين، وهذا تظهر نتائجه السلبية في المناطق المختلطة.

إذا ما جرى تجاوز هذين العاملين فيمكن أن يقارب التمثيل السني في البرلمان المئة نائب، وهذا العدد وصلنا إليه نتيجة دراسة علمية استندت إلى نتائج الانتخابات للدورات الثلاثة السابقة أخذا بعين الاعتبار عدد الذين صوتوا لصالح الكتل السنية والشيعية والكردية. 

أحد عوامل النجاح يتمثل في الاجتماع بكتلة كبيرة بهدف التنسيق قبل الانتخابات منعا لتشتت الأصوات، للأسف هذا لم يحصل رغم الحرص الشديد الذي يبديه الحزب لتشكيل مثل هذه الكتلة، فالقضايا الأساسية التي يطالب المكون السني بها لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود هذه الكتلة الكبيرة.

بذلنا جهدنا في أول انتخابات خضناها، ولكن وجدنا داخل المكون من يرفض التعاون والمشاركة معنا.

في عام 2006 عرضنا على (السياسي السني) صالح المطلك، التحالف معنا في الكتلة التي سميت لاحقا "جبهة التوافق"، وكذلك عرضنا الأمر نفسه على (السياسي السني) أسامة النجيفي وكلاهما رفض ذلك.

وعام 2010 ساهمنا في وقت مبكر في مباحثات لتشكيل كتلة تأتي بما لا يقل  عن 130 نائبا لنتفاجأ أن البعض رفض مشاركة الحزب فيها متعللا بوجود "فيتو" خارجي على مشاركته.

أما في 2014 فشهد تشكيل قوى سنية عدة عززت حالة التشرذم، كنا جزءا من أقوى كتلة سنية سميت "متحدون للإصلاح" وحازت على 28 مقعدا، ولكن خلافاتها الداخلية فككتها.

ربما أقوى المحاولات هي ما بدأ الحوار فيه عام 2016، وكان التوجه لتكوين تحالف واسع يضم جميع القوى السنية تقريبا، ثم انهارت الجهود قبل انتخابات عام 2018 بستة أشهر ومضى كل فريق منفردا بعيدا عن الآخر، وهذا دعانا إلى الدخول مع (رئيس الوزراء الأسبق) حيدر العبادي في تحالف "النصر" وآثرت بعض أعضاء الحزب دخول الانتخابات مستقلين أو مع كتل أخرى تقديرا منهم لتوجهات جمهورهم.

اليوم الظروف تغيرت وهناك من ينادي بكتل عابرة للطائفية، وهناك من لا زال متمسكا بكتل تمثل المكونات، وكذلك تتعالى المناداة بحكومة أغلبية برلمانية، رغم أننا دخلنا في كتلة انتخابية عابرة للطائفية صغيرة نسبيا، ولكننا حرصنا على أن تمتاز بالتوازن والتكافؤ في داخلها رغم محاولات تشويه صورة وغايات هذا التحالف الانتخابي.

ما إمكانية تشكيل جبهة سنية موحدة داخل البرلمان، لا سيما في ظل الحديث عن قرب توحيد أكبر تحالفين "تقدم" و"عزم"؟

في الحقيقة، لست متفائلا بوحدتهم ربما سيتحقق ذلك اضطرارا لمرحلة مؤقته تنتهي مع تشكيل الحكومة، فإن استمر هذا التحالف فهذه إشارة إلى أن زعيمي الكتلتين نجحا في تجاوز معوقات "شخصية" و"نفسية" هي الأساس في عدم تفاؤلي، ولكن سأكون سعيدا تماما إن نجحوا في تحقيق ذلك، لأنه سيجعلهم أمام مسؤولية تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن.

وكتلة "تقدم" هي بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي (سني)، وتحالف "عزم" (سني) برئاسة خميس الخنجر.

التحالفات والحكومة 

ما فرص تشكيل حكومة أغلبية سياسية من القوى الفائزة في الانتخابات.. أم أن الحكومة التوافقية هي أقرب؟

غالبا ما كانت التحالفات طريقا لتحقيق مصالح الكتل أكثر من كونها لتحقيق برامج تنموية إصلاحية رغم الوعود الكثيرة التي تقدم للجمهور، والآن من الصعب تحديد طبيعة التحالفات إلا بعد أن يجري حسم طبيعة الحكومة القادمة.

لا زلت أعتقد أن شعار حكومة مستقلين وكفاءات أو حكومة مهنيين شعار جميل ولكنه خادع، أي حكومة ستحتاج إلى دعم سياسي يساعدها على تحقيق النجاح المتمثل برؤيتها للإصلاح.

منذ الحكومة الثانية (2010-2014) لـ(رئيس الوزراء الأسبق) نوري المالكي لم يتوقف حراك الجماهير المعترضة على سياسات الحكومة وما تعتبره تقصيرا أو فشلا أو فسادا سمه ما شئت.

القوى السياسية تتكلم عن حكومة أغلبية شرط أن تكون هي التي في الحكومة وليذهب الآخرون إلى المعارضة.

من سيكون في الحكومة سيعمل على إنهاء وجود القوى التي في المعارضة، وهذا تدركه القوى السياسية بشكل جلي، لذلك ورغم الحديث عن  حكومة أغلبية إلا أن المفاوضات والحوارات تذهب حتى إلى من لا فرصة له إلا أن يكون في المعارضة، ولم يتورع البعض في الحديث عن تطهير أجهزة الدولة من القيادات الإدارية التابعة للقوى الأخرى.

هذا يقودني إلى القول إن حكومة الأغلبية قد تبدو شعارا جميلا، ولكنه سيواجه معوقات عدة وسيترتب عليه نتائج قد تكون سيئة جدا، منها عدم استمرارية الحكومة، وتفكك التحالف السياسي الذي أنشأها لصالح تحالف وليد، والأمر يتعلق بنمط سلوك التحالف الذي سيشكل الحكومة.

هل نشهد تشكيل جبهة معارضة فاعلة في البرلمان الجديد خصوصا بعد صعود عدد لا بأس به من المستقلين والقوى المنبثقة عن "حراك تشرين"؟

هذه القوى كسبت عددا كبيرا من أصوات الناخبين تجاوزت المليون، لكن خطأها كان عدم اجتماعها بوقت مبكر في مشروع واحد، وتحالف متفق عليه بينهم، فبعضهم دخل منفردا، وآخرون توزعوا بين كتل عدة حملت اسم "تشرين" أو ما قاربه (في إشارة للحراك الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2019).

وبالتالي نراهم اليوم رغم قوتهم العددية، إلا أنهم خارج معادلة القوى السياسية النافذة إلى حد كبير، كما بدؤوا يتعرضون لإغراءات الانضمام إلى كتل قوية وقائمة، فعلا ربما قناعة بقدرتهم على التأثير فيها، وربما بسبب وعود أعطيت لهم.

هم أمام تحد كبير، بعضهم سينجح وبعضهم سيفشل، ربما إذا وجد بين هذه القوى قيادات واعية فقد تنجح في صياغة مشروع للانتخابات القادمة يؤهلها لتحقيق نجاح كبير، ولكن لنعلم أن القوى التقليدية لا تريد لهذه التجربة النجاح وستفشلها من خلال استقطاب عناصرها وإفشالهم عمليا. 

أما بخصوص المعارضة، فإذا اعتمدت حكومة أغلبية فقطعا ستكون هناك قوى معارضة كثيرة، ولكن هل ستتوحد قوى المعارضة أم ستبقى كل قوة تغرد منفردة؟

في تقديري إن البعض سيتوحد والبعض الذي لا يريد الالتزام بمنهج واحد وأهداف مشتركة سيفضل العمل منفردا، علما أن تشكيل قوة برلمانية معارضة لها فرصة كبيرة في تحقيق النجاح، ولكن يجب الاتفاق على الأهداف وخطة العمل وربما ستتمكن من إسقاط الحكومة.

سيكون هناك سباق بين الطرفين من يسقط من أولا، وأن إحدى وسائل إسقاط الآخرين هو في إثارة ملفات (الفساد وحزب البعث والإرهاب واستجواب الوزراء) والتي يتوقع لها أن تكون متبادلة بين الموالاة والمعارضة.

هل ستتعامل القوى الخاسرة في الانتخابات مع النتائج كأمر واقع والتعاطي مع المعطى الجديد؟

القوى غير الفائزة نزلت إلى الشارع وصعدت مطالباتها، ولكنها من ناحية أخرى دخلت في مفاوضات مع الفائزين كذلك، وهي إشارة مزدوجة، ولذلك من المتوقع وخاصة إذا أصرت المفوضية على عدم تغيير النتائج، الوصول إلى تفاهم في توزيع المناصب بما يرضي الخاسرين.

ولكن الفائزين مع قبولهم بإشراك الخاسرين سيعطون لأنفسهم الحق في تحديد من يختارون من الخاسرين ومتى يبعدونهم تدريجيا، والفائزون لن يسمحوا للخاسرين بإكمال الطريق إلى نهايته بعد أربع سنوات.

النفوذ الخارجي

هل يتراجع النفوذ الإيراني في العراق بعد خسارة الأطراف الحليفة لها في الانتخابات البرلمانية؟

نستطيع أن نقول إن هذا النفوذ تراجع بقدر بسيط، لكن الفائزين ليسوا أعداء لإيران بل غالبيتهم كان متفاهما معها ولا يزال، وطهران لها قدرة على التفاهم مع طيف واسع من القوى السياسية، ومن الخطأ النظر إلى النفوذ من زاوية القوى السياسية فحسب،  بل يجب النظر له بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية أيضا.

كل الوزارات التي تشكلت في العراق ومنها حكومة العبادي (2014-2018) وما بعدها كان برضى إيران ومساهمتها في تحديد المواقع التي شغلها أعضاء تلك الحكومات.

مشكلة إيران في العراق، تكمن أساسا في سلوك القوى المحسوبة عليها، وهي تعاني مشاكل في ضبط علاقاتها وسلوكها، خاصة أن كثيرا من هذه القوى تجد نفسها من القوة ما يمكنها أن تتصرف بشكل انفرادي وعدم الاستجابة بسهولة لما تريده إيران، وقد تكون مشكلة إيران تكمن في هذه النقطة.

برأيكم، هل سيستمر هذا التراجع في النفوذ الإيراني؟

هذا سؤال وجيه، وهو يرتبط إلى حد بعيد بالسياسات الإيرانية القادمة نحو العراق، فالعراقيون لا يريدون إيران خصما، ولا يرغبون في عداوتها، ولكنهم سيحاكمونها على ما سيرونه منها، ولا بد من الانتباه والإقرار بتصاعد النبرة الوطنية التي لا ترغب بوجود تدخلات خارجية في السياسات الداخلية.

وبالقدر الذي يولد استياء من تدخل إيراني رغم ما يقدم من تبريرات فكرية وعقدية وسياسية، فهناك أيضا استياء من تدخلات دولية وإقليمية أخرى، والتي غالبا ما نراها حذرة جدا في تعاملها مع الملف العراقي.

"الحشد الشعبي" وحديث التيار الصدري عن عزمه حل هذا التشكيل في حال تسلم رئاسة الحكومة.. ما إمكانية ذلك؟

التيار الصدري تحدث عن هيكلة الحشد الشعبي، ولم يتطرق إلى حل الحشد الشعبي، وقد فسر البعض ذلك بأنه مشروع حل للحشد، ولا ننسى أن "سرايا السلام" (فصيل مسلح يتبع مقتدى الصدر) ينطبق عليها صفة، "الحشد الشعبي"، بل هي إحدى مكوناته.

غالبية القوى الشيعية لا ترغب بحل الحشد الشعبي، وإن المعارضين له من القوى الشيعية يريدون إعادة تأطيره ليكون قوة مساندة للدولة وجزءا من أجهزتها الأمنية، وتنفصل العلاقة بينه وبين القيادات التي شكلته، وتتفاوت الحلول المطروحة ما يقبل منها وما لا يقبل.

ومستقبل "الحشد" موضوع شائك لا أظن سيتم وضع نهاية له خلال السنوات الأربع القادمة، ولكن ربما نرى منه انضباطا أكبر مع الدولة.

هل لا يزال العراق ساحة خصبة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وإيران؟

هذا صراع لن ينتهي في المستقبل المنظور، فكل له أدواته وعوامل تأثيره في العراق، وإذا كان جانب من هذا الصراع عسكريا، فإن الصراع الفكري والثقافي هو الأشد، وهو ما سيعاني منه العراق لأنه سيساهم في تأخير بناء هوية وطنية  تستند على العوامل الثقافية الذاتية، ولا بد لمثقفي العراق وعقلائه والمخلصين من أبنائه أن يدركوا أخطار هذا الصراع.

ولا بد أن نرى هوية عراقية وطنية متحررة من التبعية الثقافية والفكرية أو المصلحية لجهة ما، وأن يبنى حول هذه الهوية الوطنية مشروع سياسي وطني، لا نريد للعراقيين أن ينقسموا إلى محورين إيراني وآخر أميركي.

المحاور والتطبيع 

في ظل انقسام المنطقة إلى محاور منها أميركا وإيران.. على أي محور يحسب العراق اليوم؟

عمليا، هو لا يزال أقرب إلى المحور الإيراني، ونلمس ذلك مما يفرزه مجلس النواب من قرارات ونقاشات، ولكن أميركا لها نفوذها القوي الذي لن يستطيع العراق الانفكاك عنه، ولذلك لا بد أن يدرك المواطنون حاجتهم إلى سياسة وطنية مستقلة تجعل مصالح العراق أولا.

غالبا ستتجاوب كل من إيران وأميركا مع هذه السياسة الوطنية، ولن تعترض عليها، ولكن النقطة المهمة في نظري هو التأثير الثقافي، الذي يمكن له أن يمسخ شخصية البلد ما لم تكن له هوية ثقافية خاصة به، والتي لا يمكن لها أن توجد إلا عبر وسطية إسلامية معتدلة تتجاوز الخلاف المذهبي، والنزعات الطائفية وهذه ضرورة وطنية كما أنها ضرورة شرعية.

هل يلتحق العراق مع ركب المطبعين، أم أنه مختلف عن البلدان التي طبعت مع الاحتلال الإسرائيلي؟

أستبعد ذلك، لأنه لا توجد للعراق مصلحة في أي تطبيع، ولا حتى في تبادل التمثيل الدبلوماسي، فعموم توجه الشعب لا يسمح بالتطبيع، ولا يغير من هذا الأمر خروج بعض الأصوات القليلة التي سبق لها وارتبطت بعلاقات مع الكيان الصهيوني.

جميع الدول العربية التي طبعت تفتقد للديمقراطية بالمعنى الصحيح، وهناك سلطة فوق سلطة الشعب كانت هي صاحبة القرار، لو أجرينا استفتاء صادقا نزيها في عموم البلدان العربية لوجدنا رفضا تاما لسياسة التطبيع.

كيف تقرؤون الواقع العربي والإسلامي اليوم، لا سيما بعد الانقلاب على معظم حكومات ثورات الربيع العربي وإجهاض تجربتها؟

ثورات الربيع العربي حركت جمودا في الواقع العربي، ولكنها لم تستطع رغم الديمقراطية الجديدة أن تتصدى لمراكز القوى والدولة العميقة المتجذرة في كل بلد من البلدان العربية.

نجحت هذه القوى بالانقلاب على الحركات الإسلامية التي كانت الإفراز الأكبر لتلك الثورات سواء بوسائل ديمقراطية أو غير ديمقراطية، والتيار الإسلامي لم يحسن معرفة حجم "الدولة العميقة" ولا سبل تأثيرها وأدواتها الفاعلة.

ما يجري في العراق باعتباره البلد "الأكثر ديمقراطية" رغم كل السلبيات التي أحاطت بهذه الديمقراطية لم يكن في منجاة من هذا الانقلاب.

والقوى الإسلامية عليها أن تدرك وجود تحديين، يتمثل الأول بالدولة العميقة التي تنمو حتى في أكبر الديمقراطيات وتمارس تأثيرها، والثاني بما يمكن تسميته "القوة الناعمة"، والتي أصبحت الآن الأداة الأكبر في أحداث التغيرات السياسية.