بعد عرض الأسد على الصين.. هل يمر "الحزام والطريق" من سوريا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على مدى عقد من الزمن كانت الصين تسير في علاقة مع النظام السوري لا تشبه تلك الروسية والإيرانية في كسب النفوذ والانخراط في مفاصل الدولة والتأثير على القرار السياسي لرأس النظام بشار الأسد.

ولا تزال بكين تعطي نظام الأسد دفعات سياسية وتبدي قدرا إعلاميا من المساندة له، رغم أن النتائج الاقتصادية الصينية التي يطمح لها النظام "تكاد تكون معدومة"، لكن النظام رفع هذه المرة سقف المطالب بإبداء رغبته في الدخول إلى خانة مبادرة "الحزام والطريق".

و"الحزام والطريق" مبادرة صينية، تعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية، لربط أكثر من 70 بلدا، بتكلفة تقدر بـ 4-8 تريليون دولار.

هدف مرحلي

وخلال 10 سنوات، كانت بكين تحاول أن تكون داعما لنظام الأسد خارجيا عبر المواقف الدولية، دون ابتزاز له بعقود استثمارية طويلة الأمد وذات طابع سيادي كما فعلت طهران وموسكو.

ويحكم ذلك، وفق كثير من المختصين في العلاقة الصينية مع النظام السوري، أن بكين تدرك أن لا جدوى من التعامل الاقتصادي في سوريا دون الوصول إلى حل سياسي، إلى جانب رغبتها في الابتعاد عن الاشتباك مع أميركا في الساحة السورية.

وضمن التكتيك الصيني المتبع تجاه النظام السوري، أجرى الأسد في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 اتصالا هاتفيا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث اعتبر الأسد أن العلاقة مع الصين "محورية ومهمة من أجل دعم الشعب السوري في صموده ضد الإرهاب المدعوم دوليا وفي وجه الحصار"، وفق زعمه.

وذكر الأسد أنه "حريص على تطوير العلاقة بين المؤسسات الحكومية في البلدين خاصة مع تحسن الوضع الأمني في أغلب المناطق، وبنفس الوقت الانضمام لمبادرة الحزام والطريق التي تشكل طريقا للاقتصاد والتنمية".

وجاء الاتصال بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من لقاء وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مع الأسد بالعاصمة دمشق في 17 يوليو/تموز 2021، والتي بحث فيها الوزير مجموعة من الملفات الاقتصادية مع النظام، لكنها بقيت "حبيسة الاستهلاك الإعلامي"، وفق مراقبين.

وكان الرئيس الصيني من بين عدد أصابع اليد الواحدة الذين هنؤوا بشار الأسد بفوزه بانتخابات رئاسية صورية في 26 مايو/أيار 2021، جرى مقاطعتها دوليا، إذ قال حينها "شي" في برقية التهنئة إن بلاده "ستقدم كل مساعدة ممكنة لسوريا في سبيل إنعاش اقتصادها".

اللافت أن الأسد بحث مشاركة سوريا في مبادرة "الحزام والطريق" مع وزير الخارجية الصيني إبان زيارته لدمشق، وعاد وطلب من الرئيس الصيني الانضمام إلى هذه المبادرة، ما يعني أن بكين تدرك عدم أهلية سوريا لأن تكون ضمن هذه المبادرة بوضع النظام الحالي.

كما أن حديث النظام السوري عنها وعلى لسان رئيسه ما هو إلا دعاية إعلامية داخلية يروج من خلالها أنه يبحث عن حلول لتدوير عجلة الاقتصاد المحلي المطوق بالعقوبات الأوروبية من جهة، والأميركية عبر قانون "قيصر" المخصص لمحاسبة داعمي النظام.

إيعاز صيني

تهدف مبادرة "الحزام والطريق" لضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 بلدا عبر بناء طريق نقل من آسيا إلى أوروبا تصل لنحو 10 آلاف كيلومتر من الطرق.

ويطمح المشروع العملاق لربط قارة آسيا مع قارتي إفريقيا وأوروبا عبر شبكات برية وبحرية، وذلك في سبيل تعزيز التبادل التجاري والنمو الاقتصادي، والذي يجعل من الصين قوة مهيمنة عالمية.

والمبادرة أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، وهي عبارة عن مشروع يهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

وطرح النظام السوري انضمامه لمبادرة "الحزام والطريق" هو بإيعاز صيني مباشر، وتأتي في سياق بحث بكين لدول داعمة لها، كرد على التوجه الأميركي الحالي لإطلاق برنامج عالمي لمواجهة مبادرة "الحزام والطريق"، وكذلك تخطيط الاتحاد الأوروبي لوضع إستراتيجية منافسة لتلك المبادرة الصينية.

ويحاول النظام السوري اللعب على التناقضات الدولية طمعا في كسب أي بصيص تقارب معه، أو الإيهام بامتلاكه أوراقا دولية، انطلاقا من كون بكين تنظر إلى الدول العربية على أنها شريك طبيعي لمبادرة "الحزام والطريق" الهادفة لتسهيل التبادل التجاري.

كما أن النظام السوري في حال وافقت بكين على ضمه للمبادرة فإنه يهدف لتقليل تداعیات العقوبات الغربية عليه، بالإضافة إلى أنها ستساعد المرافق الحيوية الحالية في مناطق نفوذه في الحد من آثار العقوبات الاقتصادية بالاستفادة من التكنولوجيا الصينية.

لكن تغلغل الصين في دول العالم عبر قوتها الاقتصادية المتنامية، يؤشر على أن بكين ومن ضمن منظور جيوسياسي مستقبلي ماضية في طريق جعل سوريا بيئة مناسبة لعمل الشركات الصينية.

تحديات بكين

ورغم أن سوريا تقع في نطاق المشروع التنموي الصيني الكبير، إلا أن هناك تحديات تواجه شركاتها في سوريا، أبرزها المخاطر الأمنية وتحديات التشريع وعدم الاستقرار السياسي، والتسويف، وانعدام النجاعة.

ومما يقلق الشركات الصينية أيضا الاسترداد المتوقع لاستثمارها، "إذ هناك تخوف من ألا تتمكن سوريا من تسديد القروض التي تحصل عليها"، وفق تقرير لمركز "حرمون" للدراسات نشره أواخر يوليو/تموز 2021.

وثمة معوقات كثيرة تعترض بكين فيما يتعلق بدور سوريا في مشروع "الطريق والحزام"، حيث إن أهمية سوريا من الناحية البحرية بالنسبة إلى الصين شبه مصادرة من قبل كل من إيران وروسيا، إذ يسيطر الطرفان على المرافئ البحرية للبلاد، وهذا لا يترك مجالا للصين للاستفادة من إطلالة سوريا البحرية.

وسبق أن قدم نظام الأسد لدعم حكمه سلسلة طويلة من التنازلات، شملت التنازل عن مينائي طرطوس لروسيا واللاذقية لإيران.

وضمن هذا الإطار، فإن الصين لا تخفي طمعها في الوصول عموما إلى شواطئ البحر المتوسط، بهدف ترسيخ مشروعها الاقتصادي وتصريف المنتج الصيني وإيصاله إلى العالم.

وهنا سيكون أمام الصين معضلة الاصطدام بالهيمنة الاقتصادية الروسية الإيرانية بسوريا، نتيجة استحواذ هاتين البلدين على مشاريع وعقود ضخمة منحها لهما النظام على مدار عقد كامل، مما قد يضطر الشركات الصينية للدخول في لعبة التوازن مع أذرع موسكو وطهران الاقتصادية في سوريا.

ويرى متابعون، أن مسايرة بكين للنظام السوري في الدعم الإعلامي وأيضا داخل أروقة مجلس الأمن إلى جانب روسيا عبر استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات لا تصب في صالح النظام، بأنها ذات هدف مرحلي قبيل الوصول إلى استقرار سياسي في البلاد.

ومنذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011، تبنت الصين رواية أن نظام الأسد يقود معركة ضد ما يسمى "الإرهاب"، وأن الهجمات التي تنفذها المقاتلات الروسية "مشروعة وضد أهداف إرهابية".

والصين ضمن تحالف قوي مساند للأسد، إذ استخدمت مع روسيا منذ عام 2011 حق الفيتو 16 مرة، لإجهاض تبني قرارات بمجلس الأمن تدين النظام السوري وممارساته القمعية ضد الشعب، وأخرى تتعلق بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق خارج نفوذ الأسد.

وأكثرها علامة فارقة في المشهد السوري، هو استخدام روسيا والصين في فبراير/شباط 2012 حق النقض ضد مشروع قرار عربي غربي لمجلس الأمن يدعم دعوة الجامعة العربية رأس النظام الأسد؛ للتنحي بعد استخدامه آلة القتل بشراسة لقمع الثورة.

وينظر الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، إلى أن "النظام السوري يعول على الصين كلاعب دولي هام استطاع عبر نفوذه أن يعزز من استمرارية بقائه في السلطة حتى الوقت الحاضر".

وأضاف العبد الله لـ"الاستقلال" أن "الميل الدولي لإعادة تعويم نظام الأسد مؤخرا بدت ملامحه تتجسد بشكل أكبر، وهو ما حفز النظام على الاستفادة من جميع الأوراق الممكنة لتسريع خروجه من العزلة الدولية والإقليمية".

وتابع: "يعتقد نظام الأسد أنه يملك أحد نقاط القوة المتمثلة بالموقع الجغرافي لسوريا كونها إحدى نقاط عبور مبادرة (الحزام والطريق)، وبالتالي فإن الصين مهتمة بتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط كلاعب دولي، وقد تكون سوريا بموقعها الجغرافي إحدى الأهداف الإستراتيجية لبكين مستقبلا".

ملف الإيغور

ويرى العبد الله أن "النظام يحاول استقطاب بكين لميدان إعادة الإعمار، وهي المثقلة بالخبرة والإمكانات المالية لتولي هذه المهمة، وأيضا لا يخفى رغبة الأسد بمحاولة تعميق هذا التحالف مع الصين لموازنة الدور الروسي والإيراني في سوريا".

ولم يستبعد الباحث السوري أن تكون الصين، التي حرصت على منع انهيار الأسد رغم معرفتها بالواقع الاقتصادي المتردي لهذا البلد، طلبت من النظام عرض مطلب الانضمام للمبادرة.

وحول مدى استجابة الصين لرغبة النظام السوري في الانضمام إلى "الحزام والطريق"، يرى المحلل السوري محمود الحافظ، أن "الصين لا يمكن أن تضخ مليارات في سوريا طالما هي غير مستقرة سياسيا ومنهارة اقتصاديا".

وعلق الحافظ على اتصال الأسد بالرئيس الصيني أن "بكين يمكن أن تعمل مشاريع في الطاقة البديلة التي تحاول فيها حكومة الأسد عبر استيراد الألواح الصينية الرديئة وتوزيعها عبر البنوك بقروض وفوائد بسيطة".

وألمح الحافظ في تسجيل مصور نشره على قناته في "يوتيوب" بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن بكين "هدفها من التواصل مع الأسد في هذا التوقيت، يتعلق بمساعدته بتصفية الإيغور في إدلب وجبال الساحل، ورصد تحركاتهم خوفا من انتقالهم إلى أفغانستان والانتقال بعد ذلك إلى الصين".

ويزيد عدد مقاتلو "الحزب التركستاني" وعائلاتهم في إدلب عن 14 ألف شخص، وينتشرون بكثافة في مناطق غربي إدلب والمناطق القريبة من الحدود مع تركيا في ريف اللاذقية الشمالي، وفق مركز حرمون.

وتستمر السلطات الصينية بممارساتها القمعية بحق أقلية الإيغور المسلمة، في إقليم تركستان الشرقية أو "شينغيانغ" كما تطلق عليها بكين.

والإقليم الذي تسيطر عليه الصين منذ عام 1949، هو موطن لأكثر من 10 ملايين إيغوري، ولطالما وجهت المجموعة المسلمة، التي تشكل حوالي 45 بالمئة من إقليم تركستان الشرقية، الاتهامات إلى السلطات الصينية بالتمييز الثقافي والديني والاقتصادي.

وسبق أن دفع القلق الصيني إلى إرسال خبراء عسكريين تنحصر مهمتهم في متابعة نشاط مجموعات الإيغور.

ويرى الكاتب محمود عثمان في مقال رأي نشره عبر وكالة "الأناضول" التركية في 26 يوليو/تموز 2021 أن الصين "تشارك روسيا الخوف من مد الإسلام السني، وصحوة الشعوب الإسلامية في مناطق القوقاز وشرق آسيا، التي تقع تحت نفوذيهما".

واعتبر عثمان أنه "رغم الضمانات التي قدمتها حركة طالبان للصين بألا تتحول أفغانستان إلى مصدر قلق وعدم استقرار لدول المنطقة، إلا أن بكين تخشى من استخدام الغرب الأراضي الأفغانية بؤرة لإشاعة الفوضى في الصين وعموم المنطقة، كما حدث في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي".